الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عين على «بيونغ يانغ» والأخرى على بكين لعنة الناتو تطـــارد الآسيـويـيـن

تطورات متسارعة تشهدها منطقة شرق آسيا، أحدث فصولها قمة ثلاثية غير مسبوقة جمعت الرئيس الأمريكى جو بايدن، ورئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا، والرئيس الكورى الجنوبى يون سوك يول فى منتجع كامب ديفيد الأسبوع الماضى، بايدن وصف القمة الثلاثية بالحدث التاريخى كاشفًا عن رفع مستوى التعاون الدفاعى بين الدول الثلاث بشكل غير مسبوق.. التعاون الدفاعى سيشمل إطلاق مناورات متعددة المهام بشكل سنوى، وتعزيز التعاون الدفاعى على مستوى الأسلحة الباليستية.



محكومة بالفشل:

ورغم تصاعد القلق الصينى؛ بسبب هذه القمة، فإن الرسالة التى أرادتها الدول الثلاث من هذا الاجتماع لخصها البيان الختامى للقمة، والذى أكد التزام الدول الثلاث بالتشاور الفورى وتنسيق الاستجابات للتحديات الإقليمية والتهديدات التى تؤثر على مصالحها، وأمنها المشترك، كما وصف البيان التحركات الصينية فى بحر الصين الجنوبى بالأعمال الخطيرة والعدوانية.

إزاء ذلك لم تصمت الصين، بل ردت هى الأخرى محذرة فى المقابل من تداعيات تحويل منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى ساحة منافسة جيوسياسية، ونددت بالمساعى الأمريكية لتشكيل نسخة مصغرة من الناتو فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ واعتبرتها قمة محكومًا عليها بالفشل.

ورأت وسائل إعلام بكين الرسمية أن قمة كامب ديفيد وما أصدرته من بيانات، يعنى الاستمرار فى المزايدة بالشئون المتعلقة بمضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى والترويج للقلق الأمنى وتحريض الأطراف الأخرى على «مواجهة التهديد»، ما يعد تدخلًا صارخًا فى الشئون الداخلية للصين ومحاولة أمريكية أخرى لتشكيل نسخة مصغرة من الناتو فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بغية الدفع الأمريكى لما تسمى «استراتيجية المحيطين الهندى والهادئ».

طموح القوة العسكرية:

وانتقدت وسائل الإعلام الصينية الدول الثلاث- كل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية- وذهبت إلى أن الدول الثلاث لديها شواغل ومصالح خاصة، وتناقضات كثيرة يصعب التوفيق بينها.

واتهمت اليابان بأنها تود بناء «حلف شمال الأطلسى الصغير فى آسيا والمحيط الهادئ» للتخلص من أغلال «دستور السلام» وتحقيق «طموح القوة العسكرية»، وبأنها ستضطر فى الوقت نفسه إلى الحفاظ على روابط اقتصادية وثيقة مع الصين.

أما كوريا الجنوبية، فأشارت إلى أن هدفها أن تصبح ما يسمى بـ«المركز العالمى» عبر استغلال التحالف الثلاثى، إلا أن العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان لا تزال «لوحة صغيرة» فى العلاقات الثلاثية.

وذهبت وسائل الإعلام الصينية إلى أن القمة الأمريكية اليابانية الكورية الجنوبية فى كامب ديفيد ظاهرها التعاون، ولكنها فى الواقع رمت إلى إثارة توترات وأزمات وجلبت الانقسام والمواجهة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، معتبرة أن ذلك يعد خيانة للمطالب الأساسية للمنطقة الساعية للسلام والتنمية.

تهدئة للخواطر:

وفى مقابل هذا الغضب الصينى من القمة الثلاثية فى كامب ديفيد ظهر التباين فى تفسيرات هذه القمة بين الجانبين الأمريكى والصينى، بين طرف يدافع عن القمة بأنها تعاون ثلاثى مُعزز وليس تحالفًا، وغير موجه لطرف آخر، استنادًا لما أفاد به جاك سوليفان مستشار الأمن القومى الأمريكى بعد انتهاء القمة. من تصريحات اعتبرها البعض نوعًا من تهدئة الخواطر الصينية لا أكثر ولا أقل، التى تستشعر مخاطر جدية من نتائج القمة التى تستهدف محاصرتها عسكريًا وتكنولوجيًا.

قمة تاريخية:

وبين من يرى أنها قمة تاريخية، جمعت القيادات الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية؛ على أراضى منتجع كامب ديفيد الذى يحمل رمزية خاصة؛ حيث يعد المنتجع الرسمى لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، والذى عقدت فيه مؤتمرات ولقاءات تاريخية، من بينها لقاءات فى بداية الحرب الباردة، وتوقيع أول معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.

ما يعنى إرساء قواعد جديدة للتعاون ومحاولة لإنجاح الجهود الأمريكية الحثيثة بين كوريا الجنوبية واليابان، من أجل تخطى خلافات الماضى وتطوير العلاقات الثنائية بينهما، لتكوين تحالف ثلاثى بدلًا من التعاون الثنائى الذى يجمع بين الولايات المتحدة وكل من كوريا الجنوبية واليابان كل على حدة منذ خمسينيات القرن الماضى. وذلك لمواجهة التحديات التى تكمن أمام منطقة شرق آسيا، تلك المنطقة التى ترى واشنطن أنها باتت تعيش على وقع الخطر النووى الكورى الشمالى وتخشى سيناريو عسكريا فى تايوان.

حق مشروع :

فالولايات المتحدة ترى أن القمة الثلاثية حق مشروع لأطرافها؛ لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية المتمثلة فى اختبارات الأسلحة النووية وقذائف الصواريخ البلاستيكية، وكذلك الصين التى تقوم بزيادة نفوذها ومناوراتها العسكرية المنتظمة فى المنطقة، وخاصة حول جزيرة تايوان التى تعتبرها بكين إنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.

وبالتالى فإن الهدف الأمريكى يتمثل فى دفع جيران الصين، وهما كوريا الجنوبية واليابان، إلى إقامة نظام دفاعى فى منطقة شرق آسيا، بهدف الحد من تأثير الصين اقتصاديًا وعسكريًا، وكذلك ردع التهديدات المتعلقة بكوريا الشمالية.

رسالة خطيرة:

من جهة أخرى يرى الخبراء الصينيون أن واشنطن أرسلت رسالة خطيرة وخاطئة؛ لأن الاستقرار موجود بالفعل فى المنطقة منذ هدنة الحرب الكورية عام 1953، وأن هذه القمة تقوم بتصعيد التوترات وتريد استخدام الوسائل العسكرية فى منطقة المحيط الهادى والهندى، على عكس ما تريده الصين من دعوة جميع الأطراف إلى السلام.

تعاون ثلاثى:

وبحسب تحليل الخبراء السياسيين، يتضح وجود حدود لمدى إمكانية تحقيق القمة لأهدافها. حيث يُعتقد أن كوريا الجنوبية ستظل مترددة فى مواجهة الصين، كونها تمتلك علاقة تجارية مهمة معها. بالإضافة إلى الخلافات التاريخية التى من الصعب إذابتها بين كل من طوكيو وسول ومع ذلك، يُشير التصاعد المتنامى - للقلق فى كلا البلدين اليابان وكوريا الجنوبية بشأن التهديد الصيني- إلى إمكانية تكوين تعاون ثلاثى أوسع النطاق للتصدى لهذا التهديد.

نقطة تحول:

ما يعنى أن العالم قد يدخل نقطة تحول جديدة بعد اللقاء الثلاثى الذى جمع قادة أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية فى المنتجع الأمريكى الشهير «كامب ديفيد» بولاية ماريلاند.

وهنا يتساءل المراقبون: هل هذا التحول هو بداية ولادة لحلف جديد، ضمن سياق الأحلاف السياسية الدولية الراهنة مثل تحالف «أوكوس» بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا، ثم تحالف «كواد» الذى يجمع أمريكا واليابان وأستراليا والهند.

الناتو الآسيوى:

إما أن الهدف كما يذهب كثير من المراقبين هو بلورة ما يطلق عليه «الناتو الآسيوى»، الذى يستهدف مواجهة بيونغ يانغ وصواريخها وحصار الصين، القطب العالمى القادم الذى تخشاه أمريكا، إلى جانب روسيا التى لم تحسم معركتها معها حتى الآن.

فالهدف الذى تسعى إليه الولايات المتحدة حاليًا لتكوين تحالفات إقليمية هو تقويض نفوذ الصين. ولكن هل يمكن أن تكون واشنطن سببًا فى تكرار نمط الأزمات السابقة؟ حينما دعت جورجيا سابقا وأوكرانيا لاحقًا للانضمام إلى حلف الناتو، شهدنا اندلاع حروب فى هذين البلدين. هل هذا سيناريو محتمل للمستقبل أم هو جرس إنذار لحرب عالمية قادمة بين هذا الثلاثى (واشنطن - طوكيو - سول) والثلاثى الآخر (بكين - موسكو - بيونغ يانغ)!