الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفائز فى معركة الخرطوم السودان قلق من نقطة اللا عودة

منذ 15 أبريل الماضى والعالم يشاهد مآسى اندلاع الحرب السودانية المستمرة دون توقف إلا لسويعات قليلة لتنشب بعدها صدمات دامية يروح ضحيتها الآلاف من الشهداء وينزح عشرات الآلاف من السودانيين لدول الجوار دون أدنى أمل حتى لهدنة حقيقية تسعف الباقين فى الأراضى السودانية لالتقاط أنفاسهم من دمار الصراع الدامى بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع.. أسابيع من الدمار دون أى من سبل الحياة البدائية لأبناء البلد الجريح..



لا ماء.. لا طعام.. لا كهرباء فقط أصوات المدافع والطيران وجثث الضحايا تملأ أرجاء العاصمة الخرطوم.. ومع احتدام الصراع وتعثر التوصل إلى حتى لاتفاق هدنة موقتة.. وتوتر الأوضاع فى إقليم دارفور.. كل هذه المعطيات قد تنبئ بسيناريوهات شديدة الخطورة.. وقد تنذر بأن السودان على شفا حرب طويلة الأمد، بمعنى أدق قد تنذر بأن السودان قد يواجه سيناريو نقطة اللا عودة.. وهو السيناريو الأبشع لبلد جريح يواجه مصائر الحرب الأهلية منذ أكثر من نصف قرن.

مأساة مستمرة

وفق آخر التطورات الميدانية فى السودان قالت وزارة خارجية جنوب السودان: إن طرفى الصراع فى السودان وافقا مبدئيًا على هدنة مدتها أسبوع اعتبارًا من الرابع من مايو. وحاولت العديد من الأطراف الوساطة منذ بداية الاشتباكات، وقد دعا رئيس الوزراء السودانى السابق عبدالله حمدوك إلى ضرورة إجراء حوار عاجل بين الجيش و ميليشيات الدعم السريع لوقف دائم لإطلاق النار.

ومع تطور الأوضاع ذات المآسى الإنسانية فى السودان بصورة مقلقة للمجتمع الدولى والمنظمات الإنسانية، حيث دقت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحول الوضع إلى مأساة إنسانية، وأفادت فى آخر تقريرها حول أوضاع الشعب السودانى، أن نحو مائة ألف شخص فروا من السودان إلى دول الجوار، وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية ستيفان دوجاريك، إن «الأحداث فى السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين»، مبدياً «قلقه الكبير».

وأضاف أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قرر أن يرسل «فوراً إلى المنطقة» رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة مارتن جريفيث «فى ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية فى السودان». مؤكدًا أنه فى طريقه إلى المنطقة «لدراسة كيف يمكننا أن نقدم مساعدة فورية»، معتبراً أن «الوضع الإنسانى يقترب من نقطة اللا عودة» فى بلاد كانت تعد من الأكثر فقراً فى العالم حتى قبل تفجر النزاع الأخير.وحذر من أن النهب الذى تعرضت له مكاتب المنظمات الإنسانية ومستودعاتها «استنزف غالبية مخزوناتنا».

وفى بلد كان ثلث سكانه يعانون من الجوع قبل اندلاع الحرب، قرر برنامج الأغذية العالمى أن يستأنف «أنشطته فوراً» بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع.

كما حذر منسق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة فى السودان عبده ديانغ، من أن الأزمة الإنسانية هناك تتحول إلى «كارثة شاملة»، وأن امتداد الأزمة السودانية إلى دول أخرى مبعث قلق كبير.

كما تحولت الأزمة الصحية التى كان يعانيها السودان قبل اندلاع القتال منتصف الشهر الماضى إلى «كارثة بكل معنى الكلمة»، بحسب المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية فى منطقة شرق المتوسط أحمد المنظري.

وأوضح المنظرى أن النظام الصحى فى السودان قبل المعارك الأخيرة «مر كما هو معروف بسنوات من الأزمات المختلفة مما عرضه لكثير من الهشاشة والضعف الحقيقى، ضعف بكل ما تعنيه الكلمة من حيث البنى التحتية، أى المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية الأولية بمختلف مستوياتها فى عموم السودان».

وأشار المنظرى إلى أن «23 فى المائة من المستشفيات فى الخرطوم تعمل بشكل جزئى فى حين تعمل 16 فى المائة فقط بكامل طاقتها».

وأسفرت المعارك عن ما لا يقل عن 528 قتيلاً و4599 جريحاً، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية، السبت الماضى، فى حصيلة يرجح أن تكون أعلى.

ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر،  من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية من طريق الجو، وذلك إلى مدينة بورتسودان الواقعة على مسافة 850 كيلومتراً إلى الشرق من الخرطوم.

وأوضحت اللجنة أن الشحنة «ضمت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعى جمعية الهلال الأحمر السودانى الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى الذين أصيبوا خلال القتال»، إلا أنها لن تكفى سوى لمعالجة «1500 جريح».

مصالح خارجية

منذ بداية الأزمة فى السودان وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول التى أعلنت اهتمامها بصورة كبيرة بالوضع داخل البلاد، وفاجأ الاهتمام الأمريكى الكبير بالشأن السودانى أوساط العديد من المراقبين، نظرا لما جمع الدولتين من علاقات متوترة فى العقود الثلاثة الأخيرة.

وبادرت واشنطن إلى التواصل مع الطرفين وعدد من العواصم الإقليمية المعنية والعمل على وقف القتال.

وتقليدا، يمثل السودان منطقة رمادية فى تصنيف الدول طبقا لعلاقتها مع الولايات المتحدة، فلا هو حليف ذو أهمية استراتيجية كما الحال مع السعودية أو مصر، ولا هو دولة يجمعها العداء مع واشنطن مثل روسيا أو الصين. ومنذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير قبل 4 أعوام، حاولت واشنطن مساعدة السودان للعودة إلى الجماعة الدولية بعدما رفعت العقوبات الاقتصادية عنه، وشجعت صندوق النقد والبنك الدوليين لاستئناف دعمه، كما أزاحته من قائمتها للدول «المؤيدة للإرهاب».

وتفاءلت واشنطن بما حققته عملية الانتقال الديمقراطى من نجاح مبدئى مقبول، قبل أحداث 2021 ، وفى أغسطس 2022 وصل إلى الخرطوم السفير جون جودفرى ليكون أول سفير لأمريكا فى السودان منذ أكثر من ربع قرن. ووفقًا للبروفيسورة ريبيكا هاميلتون خبيرة الشئون السودانية والأفريقية فى كلية الحقوق بالجامعة الأمريكية بواشنطن، أوضحت أن السودان ثالث أكبر بلد فى أفريقيا، وهو المكان الذى استثمرت فيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة موارد دبلوماسية ومالية كبيرة، وأضافت هاميلتون، أن الأثر الإقليمى واضح ويعتبر من أخطر الأوضاع الإنسانية، ويمكن للعالم إدراك ذلك من حجم تدفقات اللاجئين. و«إذا قررت الجهات الفاعلة الإقليمية دعم جانب على آخر، فلن يؤدى ذلك إلا إلى إطالة أمد العنف. هذه ليست معركة يجب «كسبها» عسكريا، يجب أن تكون الرسالة من الجميع هى وقف العنف».

وأضافت هاميلتون خبيرة الشئون السودانية والأفريقية، أن على المدى الطويل، فإن الطريقة الوحيدة التى يصل بها هذا الصراع وجميع الصراعات العنيفة فى السودان إلى نقطة النهاية هى من خلال «عملية سلام طويلة وصعبة وفوضوية ولكنها شاملة.. مضيفة، أن الأمر أصبح ينطوى على الموهبة السياسية الهائلة الموجودة داخل الشباب السودانى، حيث تتاح لهم الفرصة للقيادة، وأضافت هاميلتون: «أنا قلقة من أن ما سنراه بدلا من ذلك، على المدى المتوسط على الأقل، هو اتفاق سلام متسرع آخر لتقسيم السلطة بين الرجال الذين يحملون البنادق».

المشهد الأخير

وفق رؤية المشهد السودانى وبعد إعلان الهدنة الرابعة التى تم خرقها أيضًا، وذلك عقب عدة عمليات ناجحة لإجلاء البعثات الدبلوماسية حتى وصل الأمر قبل أيام من إجلاء البعثات بريًا وبحريًا من ميناء بورتسودان، إلا أن اختراق الهدنة هذه المرة لم يكن مثل سابقيها فى العنف أو القوة، حيث أفادت تقارير صحفية سودانية أن الاقتتال داخل الخرطوم بين الجيش السودان وميليشيات الدعم السريع أصبح أقل من بداية الصراع.

ووفق تقرير لمؤسسة «دوتشيه فيليه» DW الألمانية أوضحت خلاله أن استمرار الهدنة بصورة حتى ولو كانت مؤقتة يصب فى مصلحة كل من البرهان وحميدتى، وأضافت المؤسسة الألمانية أن الجيش السودانى فى حاجة إلى استجماع قواته وتنظيم صفوفه للعودة بقوة أمام «حرب الشوارع» الدائرة فى العاصمة الخرطوم، كما أن ميليشيات الدعم السريع تسعى إلى تنظيم صفوفها بصورة أكثر دقة وأيضًا قد تكون فى انتظار دعم خارجى لحشد قواتها مرة أخرى فى العاصمة.

ويذكر أنه خلال العمليات العسكرية السابقة نشر الجيش السودانى أنه نجح فى السيطرة على عدد من سيارات الدفع الرباعى التى يستخدمها ميليشيات الدعم السريع فى هجماته، وكانت بدون بنزين ولا يوجد بها زخائر أو أسلحة ما يعكس احتياج ميليشيات الدعم السريع المسلحة إلى التوصل لدعم من الخارج لاستكمال حربه.

ونقلت «دوتشيه فيليه» عن هاجر على، الباحثة فى المعهد الألمانى للدراسات العالمية والمناطقية، التى أوضحت أن عسكريًا يعتبر كفة الطرفين متساوية إذ أن الأمر الحاسم يتمثل فى «النسبية وليس الحجم المطلق بين القوتين».

وفى مقابلة مع DW، أضافت «قوام الدعم السريع يقدر ما بين 70 ألفا و100 ألف مقاتل فى حين أن يتراوح تعداد الجيش ما بين 110 آلاف و120 ألف عنصر يخدمون فى الجيش بشكل فعلى».

ومن جانبه، قال ياسر زيدان، الباحث والمحاضر فى الجامعة الوطنية فى السودان، إن الجيش السودانى يمتلك مجموعة أوسع من الأسلحة مقارنة بقوات ميليشيات الدعم السريع، مضيفا أن «عتاد الجيش العسكرى أفضل، فضلا عن امتلاكه مروحيات قتالية وكتائب مختلفة»، ورغم ذلك، يعتبر الدعم السريع «مجهزا بشكل أفضل للانخراط فى حرب الشوارع والمدن بفضل امتلاكه مركبات صغيرة مزودة بمدافع رشاشة» إلا أن الجيش السودانى أيضًا يمكن أن يلجأ إلى استخدام سلاحه الأقوى «الطيران» لصد هذه التحركات وبسبب استراتيجياته فى التحرك داخل المدن سيستطيع أن يصد هجمات الميليشيات المسلحة، لكن العكس يعتبر أمرًا من غير المحتمل نجاح حدوثه.

هدنة «رابحة»

وفى السياق نفسه، أشارت وكالة «يورو نيوز» الإخبارية إلى أنه ربما يتوصل طرفا النزاع فى السودان إلى صيغة اتفاقية تحت رعاية المملكة العربية السعودية.

وكشف الممثل الخاص للأمم المتحدة فى السودان، فولكه بياتيس، إن الخصمين المتحاربين فى البلاد اتفقا على إرسال ممثلين لهما فى المفاوضات، التى قد تعقد فى السعودية.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس للأنباء عن بياتيس قوله إن المحادثات ستركز فى البداية على إرساء وقف إطلاق نار «مستقر وموثوق به» يشرف عليه مراقبون محليون ودوليون.

وقال إن الجانبين حددا ممثليهما بالفعل لإجراء مناقشات أولية، لكنه نبه إلى أن الترتيبات اللوجستية للمحادثات لا تزال قيد الإعداد.

من جهة أخرى نقلت «يورو نيوز» عن مصادرها، أن قائد قوات الجيش السودانى قد يرسل بمندوب إلى الرياض وأيضًا قائد ميليشيات الدعم السريع فى محاولة للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين يقوم على أسس محددة قد تكون نفس بنودها هو الاتفاق الأمريكى المسبق، الذى نص على أن يكون برهان هو قائد الجيش لكن حميدتى له حق النقض على قراراته (الفيتو)، وهو الأمر الذى قد يمهد للتوافق بين القوتين.

وأضافت «يورو نيوز» أن رعاية الرياض قد تناسب كلا الفريقين، بعيدًا عن العرض الإثيوبى أو الإسرائيلى الذى قد يضر بمصالح السودان وعلاقاته الخارجية.

وقد صرح حميدتى لبى بى سى، إنه مستعد لإجراء مفاوضات مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان شريطة وقف إطلاق النار.

من جهة أخرى فإن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، يصب فى مصلحة كليهما، فبرهان يرى أن إطالة أمد الحرب تضر بالبلاد بصورة كبيرة وفى وقت تتجرع فيه البلاد منذ 2019 أزمات إنسانية واقتصادية قوية.

أما حميدتى فالتوصل إلى اتفاق فى هذا الوقت تحديدًا وبعد الصراع الدائر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع مع قواته يجعله فى مركز قوة لا ضعف، وبالتالى يستطيع أن يفرض بعضًا من شروطه لوقف العمليات العسكرية أو «حرب العصابات» بمعنى أدق، وهو الأمر الذى يسعى إليه حميدتى وقواته خاصة قبل التدخل بسلاح الطيران السودانى بصورة أكبر فى الصراع.

وجدير بالذكر أن طيران الجيش مازال يتمتع بعدد وقوة كبيرة تقدر بـ 191 طائرة منها 45 مقاتلة و37 طائرة هجومية و25 طائرة شحن، ويعد الطيران من أهم نقط قوة الجيش فى مواجهته مع ميليشيات الدعم السريع، كما أن ميليشيات الدعم فشلت فى السيطرة على المطارات الجوية فى العاصمة الخرطوم، وهو ما يؤكد أن استخدام سلاح الطيران بكامل كفاءته لن يكون فى صالح الميليشيات المسلحة.