الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أستاذ الطب النفسى ومفكر مصر الاجتماعى: الرخاوى اسمه يحيا

خسرت مصر واحدا من أبرز مفكريها.. برحيل أستاذ الطب النفسى الدكتور يحيى الرخاوى عن عمر 89 سنة.. منتصف الأسبوع الماضى.. وهو صاحب مسيرة مهمة كطبيب نفسى وكاتب ومهتم بكل ما يشغل المصريين.. فكان مفكرا اجتماعيا استطاع قياس نبض الشارع وتقديم تحليل متزن له برؤية علمية وصياغة أدبية.



 

المفارقة أن الرخاوى بدأ دراسته متخصصا بالأمراض الباطنية.. لكنه حوّل وجهته إلى الأمراض النفسية وحصل على دكتوراه الطب النفسى سنة 1963.. ليصبح بعد ذلك كبير أساتذة الطب النفسى بجامعة القاهرة.. ويتولى منصب كبير مستشارى دار المقطم للصحة النفسية منذ عام 1973.

بالإضافة لكونه عالما بارزا فى الطب النفسى.. للرخاوى إسهامات أدبية من مؤلفات نقدية ومقالات فكرية، كما حصل  على جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عن روايته “المشى على الصراط” سنة 1979.. ومن أبرز مؤلفاته العلمية: “علم النفس تحت المجهر” و “مبادئ الأمراض النفسية”.. 

كما ترأس تحرير مجلة «الإنسان والتطور» سنة 1980، ونال عضوية اللجنة العليا للرقابة على المصنفات الفنية، فضلا عن اختياره مستشارا للنشر بالهيئة العامة للكتاب.

تقاطع مشواره مع أديب نوبل.. فكان الطبيب النفسى الذى رافق نجيب محفوظ فى رحلة استعادة قدرته على الكتابة بصورة طبيعية بعد محاولة اغتياله الأثيمة.. وهى الفترة التى قال عنها الرخاوى فى حوار صحفى:  «نجيب محفوظ هو الذى عالجنى، وصحح  لى كثيرا من آرائى وأخذ بيدى وضمد جراحى، وشجعنى بطيبة وتلقائية وأبوة لا مثيل له».

 

فلسفة جديدة

كان الرخاوى دائما ما ينادى بحاجتنا إلى فلسفة جديدة لحياتنا تربط الخيال بالواقع.. فيقول فى مقال له:  «النظرة المعرفية الأحدث للخيال تقول: إن الخيال واقع آخر، واقع لازم ملزم. إن المعلوماتية هى أحد تجليات الواقع الظاهر فقط،  كل الأحياء تطورت بدونها من واقع قوانين واقعية: نفس هذه القوانين مازالت تعمل فينا، ولها وسائلها للحضور متبادلة، أو مشتملة : فى الحلم، والممارسة اليومية إبداعا، والدين الشعبى، والإيمان الحقيقى، والوعى التصوفى بين الناس. نحن نهمش كل ذلك أو نسميه أحيانا خيالا لمجرد بعده عن جدول ضرب العلم المؤسسى والمعلوماتية. لكنه يفرض نفسه علينا فى تشكيلات إبداعية رائعة. علينا أن نتعامل مع كل ذلك باعتباره واقعا آخر يتجادل مع واقعنا الظاهر الجاهز. نحن نحتاج إلى التكامل مع الطبيعة امتدادا إلى المطلق، بدلا من محاولة تسخيرها لصالح فئة قليلة انفصلت عنها، حتى ضاعت وأضاعتنا».

وصية الرخاوى

وفى إحدى مقالاته المنشورة توقفت أمام ما يشبه الوصية فيقول: «علينا ونحن نحاول أن نستعيد موقعنا الحضارى أن نبدأ من ثقافتنا الأصلية قبل أن تتشوه، فنُرجع العمل إلى موقعه الإبداعى الإيمانى الحضارى الذى حقق للبشر عبر التاريخ إنجازات بلا حصر، وهو الذى ارتبط دائما بتطوير منظومات القيم الحيوية الإيجابية التى ما زالت ملامحها باقية فى بعض الثقافات الشرقية، ولعلها هى التى حافظت على الصين طوال القرن الماضى حتى حققت ما أعلنه أخيرا صندوق النقد الدولى  8 أكتوبر2014 أن الصين أزاحت ولأول مرة الولايات المتحدة من المركز الأول فى حجم الاقتصاد، الأمر الذى توقعه أ.د. جلال أمين، وقد قام بتحديث رأى برتراند رسل سنة 1922 شارحا كيف تتميز حضارة الصين، برغم تطوير النظم السياسية والاقتصاديه وتطويعها، بأنها حضارة إيجابية عريقة، تقوم على قيم راسخة أهمها العمل والمثابرة والاحترام والعدل والتقشف والحذر من تهميش السلطة المركزية لحساب شعارات سطحية مستوردة.

العمل بالمواصفات السابقة هو حافز التطور بالنسبة لسائر الأحياء، وهو فى تجلياته العادلة الخلاقة صانع الحضارة عند الانسان، وبهذه الصورة هو لا يرتبط بالضرورة بالألم كمعاناة ومشقة خالصة.

علينا ونحن نعيد بناء أمتنا وحضارتنا أن نتعمق فى التعرف على الحضارات الأقرب إلى ثقافتنا وإيماننا من أول: “من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل” إلى ما يعلمنا إياه ربنا أنه “أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى”، مرورا بالقيمة الصوفية التى توصينا بــ “ملْء الوقت بما هو أحق بالوقت”.

وداعا مفكر مصر الاجتماعى الدكتور يحيى الرخاوى.