الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 فى تغليظ عقوبة الابتزاز الإلكترونى.. حياة بسنت و هايدى.. قصة قصيرة حزينة

فى تغليظ عقوبة الابتزاز الإلكترونى.. حياة بسنت و هايدى.. قصة قصيرة حزينة

تلمح فى صورتى بسنت وهايدى ضحيتى الابتزاز الإلكترونى نظرة حزن عميقة، ربما شعرتا مبكرًا بقسوة ما سيقابلهما فى الحياة ويدفعهما للرحيل المبكر، ربما تألمتا من عواقب الاغتيال المعنوى بعد استخدام صورهما الخاصة ضدهما، من الدفاع عن شرفهما أمام عائلاتهما بلا فائدة.



رحلتا وتركتا المجتمع بأكمله أمام سؤال كبير أصبح يتكرر يوميًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والتطور المذهل فى تقنيات تزييف الصورة والصوت، والمتاحة مجانًا للجميع: كيف سنواجه التعدى المتكرر على حرمة الحياة الخاصة؟! اتصالا بسؤال أكبر، هل أفسدت التكنولوجيا حياتنا وأفقدتنا آدميتنا؟

 

التزايد الملحوظ فى عمليات الابتزاز الإلكترونى خاصة للفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعى من خلال تصيد الضحايا وتهديد وترهيب الفتيات، إما بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية خاصة مقابل القيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، مخترقين بذلك الحق فى احترام الحياة الخاصة للفتيات وانتهاك خصوصيتهن وتعريضهن للإيذاء الذى يسفر فى بعض الأحوال عن تعريض حياة الفتاة للخطر والقتل والانتحار.

وهى مشكلة خطيرة أضحت تواجه الكثير من النساء وتتفاوت نسب الابتزاز والقدرة على مواجهتها من فرد لآخر، خاصة مع تنامى عدد مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى وأصبحت تحتاج لمواجهة فعالة من المجتمع مع ضرورة رفع الوعى الخاص بالفتيات باتخاذ الإجراءات القانونية التى تحمى الحق فى احترام الحياة الخاصة، خاصة أن الدستور المصرى نص على حماية حرمة الحياة الخاصة، وكذلك الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ووضعت ضمن تحدياتها أهمية وجود قانون يحمى من انتهاك الحياة الخاصة، كما تزخر المواثيق الدولية بالعديد من المواد التى تصون حرمة الحياة الخاصة وتحرم اختراقها وتجرم هذا العمل ومن هذه المواثيق ما أقرته المادة 12 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة 17 بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والتى نصت على عدم المساس بخصوصيات الإنسان وعائلته وبيته ومراسلاته وعدم المساس بشرفه وكرامته وسمعته، وأن الجميع لهم الحق فى الحصول على حماية القانون ضد هذه الجرائم.

كما أوضح قانون العقوبات المصرى فى المادة 327 على أن «كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف يعاقب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب مادى «و» تهديد شخص لآخر بجريمة ضد النفس تصل عقوبتها إلى السجن لمدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب مال، أما إذا كان مصحوبًا بطلب مال فقد تصل العقوبة للحبس 7 سنوات».

كما تناول قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فى المادة 25 أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى وانتهك حرمة الحياة الخاصة». 

والحقيقة أن النيابة العامة انتبهت لتلك الظاهرة وتناولتها فى البيان الخاص بقضية بسنت وتعاملت مع تلك الجريمة باعتبارها جريمة للاتجار فى البشر واستغلالهم لضعف الضحية أمام تهديداتهم بنشر صور مخلّة منسوبة لها بقصد استغلالها جنسيًّا وإجبارها على ممارسة أفعال مخلة، واتهام بعضهم بهتك عرضها بالقوة والتهديد، وتهديدها بنشر صور خادشة لشرفها، وكان التهديد مصاحباً بطلبات منها، واعتدائهم جميعًا على حرمة حياتها الخاصة، وتعديهم على المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى باستخدام شبكة المعلومات الدولية.

النيابة العامة ذكرت فى بيانها أنها «لمست من خلال تحقيقاتها فى الواقعة ما عانت منه المجنى عليها من كربٍ أصابها من جرمِ المتهمين، حتى اضطرت إلى الخلاص منه بالتخلص من حياتها».

وأكدت النيابة العامة أنها ستتصدى بحزم لهذه الجرائم الخطيرة، وأهابت بأولياء الأمور إلى الرفق بأبنائهم، والإنصات إليهم، ومشاركتهم همومهم وما يُخطئون فى اقترافه بمغفرةٍ واحتواءٍ، دون أن يتركوهم نهبًا لعُزلةٍ ووَحدةٍ تُفضيان بهم إلى عواقب وخيمة.

وناشدت النيابة العامة الشباب تحمل مسئولية الحفاظ على أرواحهم وطلبت من المؤسسات العامة والخاصة تضافر جهودها نحوَ مواجهة مشكلة الانتحار فى المجتمع، وتوجيه الأبحاث العلمية والمجتمعية لتوفير آليات الوقاية منه، ونبذ الأسباب الداعية إليه، وتكريس ذلك حتى فى مناهج الدراسة لأبنائنا.

ووضعت النيابة العامة يدها على بيت الداء وطلبت من المشرع إعادة النظر فى تغليظ عقوبات جرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة، خاصة أن التهديد والابتزاز كان السبب وراء تخلص بسنت وهايدى من حياتهما.

تحتاج المسألة لتحرك تشريعى عاجل وجهد فى تغليظ عقوبات الابتزاز الإلكترونى لحماية الفتيات والسيدات لأنهن الأكثر عرضة لمثل هذه الممارسات الخطرة، أيضًا على المؤسسات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان العمل على التوعية بالممارسات السليمة للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى لحماية الحياة الخاصة من التعدى عليها.

وكذلك التوعية القانونية بالطريقة المناسبة لمواجهة حالات الابتزاز الإلكترونى والتى تبدأ بالاحتواء الأسرى وعدم الضغط على الضحية وإبلاغ الجهات المختصة بالواقعة وعدم الخوف من تهديدات المبتز لأن المواجهة هى الطريق المناسب لوقف ومكافحة تلك الممارسات.

وقد وضعت وزارة الداخلية مجموعة من الخطوات المناسبة للتعامل مع تلك الجرائم تبدأ بتقديم بلاغ على الموقع الرسمى لوزارة الداخلية أو عبر استخدام الخط الساخن (108) وهو خط مخصص للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية، وجرائم الإنترنت، ويعمل على مدار 24 ساعة وإخطار إدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بمقر وزارة الداخلية بالتجمع الخامس فى القاهرة الجديدة.

لكن تظل الحاجة لتعديل المادة 327 من قانون العقوبات لها أهمية ملحة خاصة مع تطور جريمة الابتزاز وظهور مواقع التواصل الاجتماعى والتطور المجتمعى المصاحب لهذه الجريمة، بالإضافة إلى أهمية النظر فى صدور قانون يحمى الحياة الخاصة للمواطنين من الاعتداءات والاقتحامات المرتبطة بالحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى، وهى بالتأكيد أمر يحتاج من المشرع المصرى نظرة أخرى فى ضوء الجرائم الأخيرة وما تمر به الضحية من ألم نفسى وما يحيط بالأسرة من أثر معنوى قد يصل إلى الإقدام على الانتحار.

وأظن أنه من المناسب أيضًا النظر فى التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى بحذر فيما يتعلق بالصور الشخصية، وهنا يأتى دور الأسرة فى البحث عن طرق التعامل الأمثل مع المراهقين لاستخدامهم المكثف لوسائل التواصل الاجتماعى والتوجيه الأبوى بضرورة التماس الحذر عند مشاركة تفاصيل الحياة الشخصية مع الآخرين والانتباه لاستخدام الشباب لبرامج تزييف الصور أو تركيب الفيديوهات وغرس القيم المطلوبة لمنع تكرار مثل تلك الحوادث، خاصة أن القاسم المشترك بين جريمة بسنت وهايدى أن كلتيهما تعرضت للابتزاز من الأقارب والجيران وهى قضية مجتمعية تحتاج لعمل مكثف من جانب المؤسسات الدينية والتعليمية والأندية ومراكز الشباب وأيضًا منظمات المجتمع المدنى.

ما زلت أرى أن الزيادة السكانية هى أصل كل الشرور وهى الضاغطة بعنف على المجتمع، رب الأسرة يعمل لفترات طويلة لمواجهة صعوبات الحياة وتوفير نفقات أسرته، الأم تفقد السيطرة المطلوبة على حركة الأبناء فى ظل انشغال الأب وسيادة أفكار وقيم شاذة تنشرها وسائل التواصل التى تتحرك بلا رقابة، مع زيادة السكان تضعف قدرة المجتمع، ومن ثم الدولة على توفير سبل الحماية الاجتماعية المطلوبة لمنع تلك الجرائم، ويبقى الأمل فى تغليظ العقوبة لأنها الرادع المناسب حتى لا تتكرر قصة بسنت وهايدى الحزينة والمؤلمة.