الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تحديات «الناتو» أمام القوى الدولية الجديدة

تشهد الساحة الدولية، العديدَ من الأزمات العاصفة، تبشر بتغير خريطة القوى الدولية العالمية، ومنذ تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، رئاسة البيت الأبيض، شهد النظام العالمى تغييرًا واضحًا فى سياسته، لاسيما بعد تغير الأجندة السياسية للولايات المتحدة، مع حلفائها فى الاتحاد الأوروبى..  كان سحب تمويل واشنطن لحلف «الناتو» يمثل تهديدًا من «دونالد ترامب» بالانسحاب بشكل كلى من الحلف، حال فوزه لفترة رئاسية ثانية؛ خصوصًا مع ما تشهده القارة العجوز من أزمات اقتصادية وسياسية، ربما تعصف بالاتحاد الأوروبى بشكل كلى.. أوضحت دراسة بعنوان «عشرون فكرة جريئة لإعادة تصوُّر الحلف بعد انتخابات الولايات المتحدة لعام 2020»، أجراها معهد «أطلانتك للدراسات السياسية»، أن حلف شمال الأطلسى (ناتو) يحتاج إلى أفكار جذابة فى عملية صنع السياسات والدبلوماسية العامة، خلال الأعوام المقبلة.



 

جاء هذا التقرير، قبل أيام من بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020م، التى اعتبرها الباحثون، نقطة انعطاف ستؤثر على دور الناتو، وهدفه فى المستقبل.

 ترامب والناتو

وصلت استراتيجية الإدارة الأمريكية، فى ظل حُكم الرئيس «دونالد ترامب»، إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة، إذ كانت الخلافات السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى حول السياسات، أمّا اليوم؛ فيتم التشكيك فى مفهوم وقيمة الحلف نفسه.

وأضافت الدراسة الأوروبية، إن الرئيس ترامب، هو أول رئيس أمريكى يقوِّض التكامُل الأوروبى، عبر التشكيك فى أهمية حلف الشمال الأطلسى الذى يشكل الاستراتيجية الدفاعية الرئيسة لـ23 من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، إذْ أظهر تجاهلًا صارخًا للقيم المشتركة التى دعّمت التحالف عبر الأطلسى لعقود؛ ليواجه «الناتو» شكوكًا فى جدواه، من جانب رئيس أكبر أعضائه. 

وكانت الولايات المتحدة هى القائد المعترَف به لحلف شمال الأطلسى، منذ تأسيسه فى واشنطن عام 1949م، وبصفتها الحليف الأقوى، لعبت الولايات المتحدة دائمًا دورًا كبيرًا داخل الحلف، ومع ذلك يواجه الناتو واحدة من أصعب أزماته منذ سبعة عقود؛ لأنها ليست أزمة قوة أو استعداد عسكرى، ولكن أزمة ثقة فى قيادة أمريكا للناتو.  وتشير التقديرات إلى أنه إذا أعيد انتخاب «ترامب» لولاية ثانية؛ فإنه سيعلن انسحابه، خلال العام الأول الفترة الثانية له، لذلك يجب على الأطلسى السعى والبحث عن سبل لإعادة التعاون بين دول الحلف وواشنطن؛ لإثبات قوة الاتحاد من جهة، وإثبات أهمية التعاون المشترك بين الناتو وواشطن فى التصدى لخطر الزحف الصينى والروسى فى المنطقة، من جهة أخرى.

 الحرب التكنولوجية

تُعَدّ حربُ التكنولوجيا الرقمية هى سمة العقد المقبل، وسيكون تأثيرُها واضحًا على جميع المساعى البشرية، والمنافسة غير العسكرية، بين الجهات الحكومية وغير الحكومية، التى تتنافس على النفوذ والأسواق والسُّلطة.

ولكى يُنَفذ «الناتو» مهمته الدائمة، فهو بحاجة إلى استراتيجية للرقمنة، من أجل الفوز بصراعات المستقبل، وقد حددت «منظمة العلوم والتكنولوجيا»، التابعة للحلف، سبعة مجالات تقنية يتم تنفيذها من الآن حتى عام 2040م، وهى: الذكاء الاصطناعى، والحُكم الذاتى، وتكنولوجيا الكم، وتكنولوجيا الفضاء، والتكنولوجيا فوق الصوتية، والتكنولوجيا الحيوية، والمواد الجديدة والتصنيع، من خلال تمويل قدره 2 % من الدول الأعضاء؛ لتدشين أنظمة الدفاع الرقمى.

فى السياق نفسه، أوضحت الدراسة الخطر المتنامى للدولة الروسية والصين فى حرب الجيل الخامس G5  من التكنولوجية الرقمية، إذْ عملت الشركات الصينية على احتكار مشروعات البنية التحتية، وإنشاء هذه الشبكات فى بعض الدول الأوروبية، ما دفع  المملكة المتحدة وبعض الدول الأوروبية، منها فرنسا وجمهورية التشيك وسلوفينيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، إلى حظر شركة Huawei وغيرها من الشركات، التى قد تساهم فى نقل المعلومات والبيانات بشكل منهجى إلى بكين.

ولوقف الزحف التكنولوجى الصينيى فى المنطقة، يجب إنشاء خطة تعاون مشتركة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  وبالتعاون مع أنظمة الاستخبارات، ووزارات الدفاع والتجارة الأوروبية؛ لتحسين أمان الشبكة الحالية وضمان تأمين الاتصالات فى منطقة الأطلسى.

التهديد  الروسى

بَعد ست سنوات من تعليق العمل كالمعتاد مع موسكو، أصبحت سياسة الحلف تجاه روسيا ثابتة وتفاعلية إلى حد كبير، كما كان أداء الناتو جيدًا فى إعادة إرساء الردع ضد العدوان الروسى، فى أعقاب الأزمة الأوكرانية عام  2014م؛ ومع ذلك، فى السنوات التى تلت ذلك، كان الحلف أقل فعالية فى مواجهة حرب موسكو السياسية المستمرة، ضد مجتمعات أعضاء الناتو والقيم الديمقراطية، خصوصًا بعد تواصل القوات الروسية؛ لشن هجمات على القوات والمدنيين فى أوكرانيا، كذلك أزمة بيلاروسيا وإمكانية شن هجمات عسكرية روسية؛ لوقف الاحتجاجات الجماهيرية التى أشعلتها الانتخابات فى أغسطس 2020م.

وكجزء من مبادرة الناتو 2030م، يحتاج الحلفاءُ إلى تطوير سياسة أكثر ديناميكية تجاه روسيا وممارسة ضغوط حقيقية على الرئيس «فلاديمير بوتين»، من خلال فرض مزيد من العقوبات؛ التى تقلل نفوذ الطاقة الروسية وعائدات التصدير بشكل خاص.

وتقترح الدراسة تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبى لأجل غير مسمى، حتى تتخذ روسيا خطوات ملموسة نحو وقف التصعيد فى أوكرانيا، وإنشاء مراكز تدريب مشتركة على الحدود الأوكرانية والجورجية، مع إجراء المزيد من التدريبات المتكررة على أراضى كلا البلدين، وفى البحر الأسود؛ لمواجهة الحشود العسكرية الروسية، لشبه جزيرة القرم.

 التهديد بالانتقام النووى 

يمثل خطر نشوب حرب نووية فى «أوروبا»، أكبرَ مما كان عليه منذ الحرب الباردة، إذ تزيد «روسيا» من اعتمادها على الأسلحة النووية، والتهديد باستخدامها أولًا، إذْ لاحظت «موسكو» تراجع الدعم الأوروبى إلى قوة الردع النووى بـ«الناتو».

نتيجة لذلك، يمكن لحلف الناتو تقليل المخاطر الكامنة فى الاعتماد الروسى المتزايد على الأسلحة النووية، عن طريق التحذير بشكل قاطع من الانتقام النووى كنوع من «الرد الحاسم»، وهذا الحل هو عكس السياسة المتبعة من دول الناتو- بحسب ما تشير الدراسة. 

كما يمكن مطالبة الولايات المتحدة بالتمسك بالمعاهدة التى بينها وبين موسكو؛ لخفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، لمدة عام أو عامَيْن آخرَيْن على الأقل؛ بهدف كسب وقت للتفاوض حول اتفاقية جديدة أوسع؛ تشمل الأسلحة النووية غير الاستراتيجية.

 طلب عضوية المكسيك

فى ظل السياسة الأمريكية الحالية وإمكانية انفصالها بشكل مفاجئ عن حلف «الناتو»، تقترح الدراسة منح العضوية لدولة «المكسيك»؛ لتظل «الولايات المتحدة» داعمة للأمن الأوروبى على المدى الطويل، وفى الوقت نفسه، ستقدم «المكسيك» الكثير إلى الحلف من الناحية العملية، كما يشير الباحثون إلى أن عضوية المكسيك ستحفز المجتمع اللاتينى فى «الولايات المتحدة»، الذى سيكون بمثابة ورقة ضغط على «واشنطن»؛ لإبقائها فى القيادة من خلال تشجيع اللاتينيين.

ووفقًا لمركز «بيو» للأبحاث، بلغ عدد سكان «الولايات المتحدة»، من أصل إسبانى أو لاتينى 18 %، من بينهم 62 % من أصل مكسيكى، مع توقع أن يشكل المجتمع اللاتينى 29 % من سكان «الولايات المتحدة» بحلول عام 2050، بالإضافة إلى توفير «المكسيك» موارد كبيرة للتحالف، إذ ستكون ثالث أكبر جيش فى الناتو، بعد «الولايات المتحدة»، و«تركيا».  كما أنها ماهرة فى حروب الجيل الرابع.

 ويمكن أيضاً أن تكون بمثابة بوابة لتواجُد مكثف للناتو فى «أمريكا الجنوبية»، وبالنظر إلى الأهمية الحاسمة للدور الروسى فى دعم نظام الرئيس «نيكولاس مادورو»، فى «فنزويلا»، ونفوذ «الصين» المتزايد فى جميع أنحاء الجنوب العالمى، يمكن أن يؤدى تعزيز دور الناتو فى «أمريكا الجنوبية»، إلى توفير تأثير رادع فى الوقت المناسب.

 سبل الدفاع

يوضح التقريرُ أن الوقت الحالى هو المناسب للعمل الجماعى الأوروبى، ورُغم اتفاقية  «البريكست» وخروج المملكة المتحدة من الاتحادإ فإن أمن القارة يستلزم تغير استراتيجية الدفاع، ومنها استخدام حاملة HMS Queen Elizabeth، هى أكبر السفن الحربية لدى الممكة المتحدة، كذلك حاملة HMS Prince of Wales، كمراكز لمجموعة هجومية لحاملة الطائرات، التابعة لحلف الناتو (CSG)، والعمل على بناء خطة تعاون فى قوة الاستطلاع المشتركة (CJEF)، بين فرنسا وبريطانيا. 

ويُعَد ذلك التضامن ضروريّا، فى عالم تتفوق فيه الصين على البحرية الأمريكية خلال العقود المقبلة، ولا يمكن للحلفاء الأوروبيين الاعتماد ببساطة على الولايات المتحدة، إذ يجب عليهم المساهمة بنشاط فى الأمن العالمى.

 حرب القطب الشمالى

أدت التغيرات المناخية فى منطقة القطب الشمالى إلى زيادة طموح روسيا والصين فى اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية فى المنطقة، وأجرت روسيا تجديدًا طموحًا، لتوسيع بنيتها التحتية العسكرية فى القطب الشمالى بين عامَى 2013 و2017م، إذْ عملت على زيادة الدوريات البحرية والجوية الروسية فى المنطقة، فضلًا عن زيادة نشاط الغواصات الروسية فى شمال الأطلسى، والاستخدام الروتينى لتكتيكات الحرب الإلكترونية، مثل التشويش على نظام تحديد المواقع العالمى (GPS)، ضد القوات المتحالفة.

ومن جهه أخرى، أعلنت الصين أنها «دولة قريبة من القطب الشمالى»، إضافة لتطلعاتها بإنشاء طريق الحرير القطبى؛ للتجارة عبر القطب الشمالى؛ باعتباره امتدادًا لمبادرة الحزام والطريق. 

فى السياق نفسه، أجرت الصين استكشافًا علميّا إقليميّا، وأنشأت مرافق بحثية فى أقصى الشمال، إضافة لتطويرها كوكبة من الأقمار الصناعية؛ للمراقبة القطبية.

وأوضح التقرير أن هذه الاستراتيجية يجب التصدى لها، من خلال زيادة عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فى شمال الأطلسى، وإنشاء آليات لتعزيز تبادُل المعلومات، حول مسائل القطب الشمالى.

كما يقترح الباحثون إنشاء قوة رد فعل سريعة متخصصة تابعة لحلف شمال الأطلسى، يمكن تمركزها فى كندا والدنمارك والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وغيرها من الدول القادرة على الاستجابة للأزمات العسكرية والإنسانية فى منطقة؛ لصد أى عدوان عسكرى ضد الحلفاء.