الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

محمد عبدالعزيز.. الكوميديا وسيلة للبعد عن وصمة الشيوعية

كانت التجربة الثانية للقطاع العام فى السينما لتشغيل خريجى المعهد فى أفلام ثلاثية الأجزاء، فى فيلم (صور ممنوعة) وأسند إلى «محمد عبدالعزيز» خريج الدفعة الثانية عام 1964 إخراج الجزء الأول بعنوان (ممنوع) الذى يحمل فكرًا ثوريًا ويدعو الطبقة المطحونة لمشاركة الطبقات الأعلى امتيازاتها، فى فيلم من تأليف «رأفت الميهى» فى 33 دقيقة فقط، يقدم عملًا كبيرًا وجدته يسبق (طفيلى) الكورى بنصف قرن، وخاصة مشهد أسرة السائق حين احتلت بيت الأغنياء وحلمت بالتمتع بنعم الحياة.



 

يبدأ (ممنوع) بجرسون شاب منبهر بالأضواء فى مكان يسهر فيه الأغنياء، «نور الشريف» فى بداياته، ثم قراره بأن يصحب خطيبته وأخته وزوجها صاحب الكارو فى سهرة أثناء نوبة حراسته للمكان، يشجعه «توفيق الدقن»، «ما حدش أحسن من حد وكلنا ولاد تسعة ليه ممنوع يدخلوا الحتت دى، هعدى بيها كوبرى السلطان أبو العلا وندخل». نظرة اشتراكية ونقد لفروق الطبقات وقضاء سهرة فى الميرلاند وعبور حاجز الطبقات الذى سبق وعبر عنه «صلاح أبوسيف»، وهو المخرج الشاب من سكان بولاق أبوالعلا. ليلة واحدة يحلمون فيها ويعيشون كما أصحاب الحظوة، تنتهى بمساعدة العسكرى الذى ناله من الحظ جانب.

«ماجدة الخطيب» فى دور «زينات» تؤكد أنها هانم لا تقل عن أى واحدة، «مش أنا أحسن من ستاتهم». تغير أوضاع كأنها فى جلسة تصوير، واثقة من استحقاقها لحياة الرفاهية.. المونتاج لـ«أحمد متولى»، يحقق الجدل بين اللقطات، والإيقاع حى، بالانتقال بين لقطات متنوعة الأحجام فى «ميزانسين» بارع سيتحقق على مدار أفلام «محمد عبدالعزيز» وسينجح فى تدريسه لطلبته بعدما يصبح معيدًا ثم مدرسًا بمعهد السينما.

يختتم (ممنوع) 1972 بجملة من المعلم «عوض»، «الصح إن إمبابة كلتها رجالتها ونسوانها وعيالها ييجوا هنا، يقعدوا فيها، ياكلوا ويشربوا زى ما هما عاوزين، يا بلاش». أداء «الدقن» المميز تعبيرًا عن رفضه للحل الفردى، وإعلان انحياز صناع الفيلم لحق البسطاء فى نصيب من النعيم. 

كان الكاتب الصحفى «محمد الحيوان» قد شن هجومًا عنيفًا على المخرج فى مقالاته بالجمهورية، واتهمه بالترويج للفكر الشيوعى، وحذر من الأفكار الخطرة والهدامة التى قام بتسريبها فى (ممنوع). ويبدو أن هذا الهجوم دفع «محمد عبدالعزيز» لاختيار الكوميديا فى أفلامه التى ابتعد فى أغلبها عن أى فكرة تعيد إليه تهمة الشيوعية أو تقترب منها. فكان أن أنتجت له «ماجدة الخطيب» عمله الطويل الأول (فى الصيف لازم نحب) الذى يبدأ من مستشفى للصحة النفسية، أربعة شبان عانوا من أزمات نفسية مختلفة، طبيبهم يفكر فى طريقة لعلاجهم بالقيام برحلة صيف على شاطئ البحر، حيث يقابلون ثلاث جميلات يحبسهن والدهن، ويفرض عليهن  لبس عباءات سوداء، يتحايلن ليخرجن ونفاجأ بمشهد فائق، ينزعن فيه عباءاتهن ويجرين على البحر بالبكينى، فى شاطئ العجمى الذى كان. الأب المتزمت لديه عقدة نفسية ويسرق المايوهات، يشرح الطبيب العقدة بأن سرقة المايوهات نوع من الانحراف النفسى الخفيف، نتيجة الانعزال عن الجنس الآخر. الفيلم صالح للعرض هذه الأيام يشرح فيه صناعه أن التزمت نتيجة لخلل نفسى وليس ناتجًا عن تدين أو حسن أخلاق. 

النوع الكوميدى للفيلم لا يتعارض مع مناقشة القيم الاجتماعية، بل يقدمها فى أسلوب رومانسى غنائى، ومع الكوميديا يمكن للعقد أن تحل، حيث الحياة والانطلاق فى صيف ينتهى بأغنية مرحة خفيفة، «شيء طبيعى لو نحب، شيء طبيعى». كما أنه من الطبيعى أن يختار المخرج الدارس أسلوبًا لعمله ليس واقعيًا بالضرورة، ومع ذلك به التزام بقضايا المجتمع مقدم فى قالب محبب للناس وللجماهير الواسعة.

شاهدت (فى الصيف لازم نحب) للمرة الأولى فى دار سينما مترو وأعجبنى، وتوقفت عند مونتاج لمشهد مجموعة الشباب بالموتوسيكلات على الكورنيش وكنت فى بداية دراستى للمونتاج، الإيقاع سريع والانتقال رائع بين اللقطات للمونتيرة «رشيدة عبدالسلام»، لم يعمل «محمد عبدالعزيز» مع غيرها فى كل أفلامه، وسيقدم 18 فيلمًا كوميديًا مع «عادل إمام»، وأعمالًا كثيرة بها نقد ساخر لظواهر فى المجتمع، مبتعدًا عن الفكر الشيوعى الذى هرب منه فى بداياته.>