أياد لا تعرف الحَجْر المنزلى!

منة حسام الدين
بينما يستطيع البعضُ الجلوسَ فى المنزل حتى مرور أزمة «كورونا»، هناك من أجبرتهم ظروف الحياة على النزول إلى الشارع لكسب قوت يومهم، فالخيار بالنسبة لهم بين المرض والجوع، وكلاهما مُرّ.
تجولنا فى شوارع القاهرة لنتعرف على يوميات الباعة المتجولين فى ظل هذه الظروف، ونقترب أكثر من روتينهم اليومى بعد تطبيق حظر التجول، ومعرفتهم بأمور التسجيل فى منحة العمالة غير المنتظمة عبر تطبيقات الوزارة، أو متابعة الأمر على «واتس أب»، خصوصًا أن أغلبهم لا يجيد القراءة والكتابة.
1 مكتبة على الرصيف
«لازم أنزل أشتغل عشان أصرف على بيتى وعيالى.. لو قعدت مين هيأكلنا؟».. هكذا يقول عم أحمد، بائع الكراريس والأقلام على أحد الأرصفة بمنطقة العتبة، فرُغم تخطيه سن الـ 65 عامًا؛ يضطر إلى النزول للشارع ليتمكن من جنى قوت يومه ودفع إيجار شقته التى يسكنها مع أولاده.
وعن منحة العمالة غير المنظمة يقول «كتر خير الدولة إنها بتسندنا فى الظروف دى.. بس 500 جنيه ما يكفوش مصاريف مواصلاتى حتى.. لكن برجع أقول أهى نوايا بتسند الزير».
2 بائع العرقسوس
رُغم أن عدد الزبائن قَلّ، ولم يعد الرزق كما كان؛ فإن «إبراهيم» بائع العرقسوس بوسط القاهرة، يتابع روتينه اليومى، وكأن شيئًا لم يكن.
«الكورونا ما بتصيبش مؤمن».. يقولها إبراهيم مبتسمًا، يحاول أن يتجاوز بابتسامته شقاء اليوم، ويسأله أحد زبائنه «يعنى مش خايف تتعب؟».. فيرد وقد اختفت ابتسامته: «يا باشا اللى زينا حياتهم كلها تعب.. تفتكر إنى مش خايف على نفسى زى الناس.. لكن حُكم لقمة العيش هعمل إيه!!».
يتابع إبراهيم «بس أنا عامل كل احتياطاتى عشان ما أبقاش سبب فى تعب حد من الزباين.. ومنعت الكوبايات الإزاز خالص.. دلوقت كل زبون له كيس لواحده.. وأنا باخد بالأسباب وربنا يسترها علينا».
3 مناديل يا باشا
تتعامد الشمس فوق وجهها وكأنها بؤرة ضوء على المسرح؛ لتظهر كل تفاصيل الوجه، وترسم تجاعيدها صورة الحياة فى الشارع، تنادى المارين هنا وهناك، لتنهى أكياس المناديل التى معها وتذهب إلى بيتها قبل انقضاء النهار.. بهذه الطريقة تمر الأيام على «أم محمد» صاحبة الـ60 عامًا.
وعن خوفها من الإصابة بفيروس «كورونا» تقول «طبعًا خايفة من كورونا وبيقولوا إنه بييجى للكبار فى السن.. بس كمان خايفة من الجوع.. أنا ماليش حد يصرف عليّا وعايشة اليوم بيومه.. لو ما نزلتش يبقى مش هاكل والأيام دى كل واحد بيفكر فى نفسه».
لم تعرف «أم محمد» أى معلومة عن منحة العمالة غير المنتظمة « أنا مبعرفش أقرا ولا أكتب ومش معايا محمول ومحدش قاللى إن فيه فلوس ولا منحة».
4 شيّال البضائع
يعمل «عم رؤوف» باليومية فى أحد محلات الأقمشة بوسط القاهرة، لا يمكنه أن يتخلف يومًا عن العمل؛ لأن ذلك يعنى جياع أبنائه وتعطيل يومهم، ورُغم تحذير الكثيرين حوله؛ فإنه لا يسمع سوى صوت صغاره الجوعى.
يقول «من ساعة ما الحظر اتطبق وأنا بروح الساعة 5، يعنى يعتبر بشتغل نص يوم، بس أهه أحسن من مفيش، كل الناس تقوللى اقعد فى البيت عشان كورونا، بس لو قعدت فى البيت مين هيأكل عيالى وأمهم، أنا بنزل كل يوم عشان أجيب مصاريف يومى بس ما بنزلش عشان أحوش فلوس».
5 بياع الخس
مع دقات السابعة صباح كل يوم، لا يتأخر «محمد» عن النزول لأرضه فى منطقة المنصورية، لجمع ما يمكن جمعه من المحصول؛ لتكون أقفاص «الخس» هى السبيل الوحيد لكسب الرزق، وبيعها بأى وسيلة ممكنة؛ ليتمكن من العودة برزق اليوم لأطفاله فى المنزل.
يقول «أنا مش موظف عشان أصحى الصبح أقول مش قادر أنزل انهاردة أو أطلب أجازة، اليوم اللى مش هنزل أشتغل فيه معناه إنى مش هاكل لا أنا ولا عيالى.. وكل يوم بنزل على الله أبيع شوية الخس اللى معايا وأروح الساعة 3.. وأول ما أروح بغسل إيدى كويس عشان كورونا».
وعن منحة الدولة يقول «ناس كتير قالتلى إن فيه 500 جنيه بس مش عارف أجيبهم إزاى.. اللى يقوللى ابعت على الواتس واللى يقوللى موقع وزارة العمال.. وأنا ما بفهمش فى الكلام ده».
6 بائعة الفطير
«الفطير الطازة الفطير السخن للهدايا والعروسة».. يجذبك نداء «أم أميرة» بائعة الفطير والجبن فى ميدان رمسيس، يعاونها أطفالها فى الفطائر، غير عابئين بما يحدث فى العالم كله.
وعن الخوف من الإصابة بفيروس «كورونا» تقول «الشقا بيدّى مناعة، وبعدين احنا جسمنا كله مليان أمراض من زمان بس لازم نقف على رجلينا عشان نعرف ناكل ونصرف على نفسنا».
قررت «أم أميرة» عدم التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة «فيه ناس أولى منّى بالفلوس دى.. أنا الحمد لله قادرة أقف على رجْلى وأجيب فلوس، فيه ناس مش لاقية حاجة خالص».