«رصاصة» القرضاوى ارتدت لصدر الجماعة فى الدول الشقيقة!

حمدي الحسيني
التحريض ضد مصر وجيشها عربياً وإقليميا ودولياً كان سلاح جماعة الإخوان الأخير لتنفيذ أوهامها بعودة الرئيس المعزول إلى السلطة.. الجماعة وتنظيمها الدولى لجأوا إلى خلاياها النائمة وأذرعها الناعمة داخلياً وخارجياً أمثال المستشار طارق البشرى، ومحمد سليم العوا ومحمد عمارة.. ثم الشيخ يوسف القرضاوى الذى أطل بوجهه الإخوانى المتشدد على العالم عبر فضائية الجزيرة القطرية المحرض الإعلامى الأول على الفتنة.. القرضاوى أطلق نداءً إلى «أحرار العالم» بأن يتضامنوا مع من أسماهم بـ «حُماة» الشريعة فى رابعة العدوية.. لم يستجب لهذا النداء أحد فى محيطنا العربى والإقليمى، بل الذى حدث هو العكس وجاءت الرياح من تونس وليبيا والسودان بما لاتشتهى سفن القرضاوى الصادمة التى لا تحمل لمصر سوى مزيد من الاقتتال وإراقة الدماء.
تداعياتالأحداث الساخنة فى مصر كشفت النوايا الحقيقية للأشخاص والقوى الدولية والإقليمية، كما أظهرت مواقف كل طرف على حقيقته هل يقف مع إرادة أغلبية الشعب المصرى الذى خرج للشوارع معبراً عن إرادته، أم يساند جماعة ذات أجندة ضيقة تتعارض توجهاتها مع الأجندة الوطنية الأكثر شمولاً وعمقاً.
فبدلاً من أن يدعو رجل الدين المخضرم أنصار المعزول إلى الجنوح للسلم والاندماج فى خارطة الطريق التى ارتضاها أغلب المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع فى 30 يونيو و26 يوليو؛ رافضين كارهين لحكم الإخوان، تعمد القرضاوى صب زيت الفتنة على النار الموقدة فى أرجاء الوطن، ومارس أبشع حملة مستغلاً شعبيته الروحية مستهدفاً أمن واستقرار بلده سعياً إلى تعميق مشاعر الفرقة وغرس بذور الضغينة والكراهية بين المصريين، بعد أن اعتبر مثله مثل بقية الإخوان أن أنصار مرسى هم المسلمون الحقيقيون دون غيرهم، فلم تأت دعوته سوىبمزيد من إراقة دماء الأبرياء الذين دفعت بهم الجماعة فى اشتباكات متعمدة مع قوات الأمن والجيش بطريقة عبثية الهدف منها إطالة أمد الانقسام ونشر الفوضى والضغط لتحسين شروط التفاوض.
ربما كانت الصدفة سبباً فى انتقال الكراهية من إخوان مصر إلى إخوان ليبيا، ففى اليوم التالى لـ «فتنة» القرضاوى، تم اغتيال الكاتب والناشط الليبى عبدالسلام المسمارى أثناء خروجه من أحد مساجد بنغازى عقب أداء صلاة الجمعة.. كان الشهيد المسمارى أحد المعارضين السلميين لجماعة الإخوان الليبية وأحد الرافضين لزحفهم على السلطة وتكرار نموذج إخوان مصر فى ليبيا.. أعلن ذلك مراراً وتكراراً، وقبل استشهاده بساعات كان ضيفاً فى أحد البرامج الحوارية بفضائية محلية تحدث خلال الحوار عن رؤيته لمخاطر استيلاء الإخوان على مقاليد الأمور فى ليبيا، وكشف عن أنهم يسعون إلى سرقة ثورة الشعب الليبى 17 فبراير 2011 على غرار سرقةثورة 25 يناير المصرية، كما كان الراحل يذكر إخوان ليبيا بمواقفهم المهادنة للقذافى، وتفاهمهم معه على قبول توريث السلطة إلى ابنه سيف الإسلام.. نشطاء ومثقفو ليبيا حملوا جماعة الإخوان مسئولية اغتيال المسمارى.. خرجت الحشود فى ميدان الشهداء فى العاصمة طرابلس تطالب بالقصاص، كما قام الشباب الليبى بحملة لحرق مقار الجماعة وحزبها «العدالة والبناء» فى طرابلس وبنغازى وعدد من المدن الليبية الأخرى.
لم تكن دعوة القرضاوى «التحريضية» ببعيدة عن تونس الخضراء، فلم تمض ساعات على إطلاقها إلا وجاء رد الفعل مدوياً من تونس، حيث اغتالت نفس الأيدى الآثمة الناشط والسياسى «محمد الإبراهيمى» بعد أن أعلن عن تأسيس حركة «تمرد» التونسية لعزل حركة «النهضة» الإخوانية عن السلطة على الطريقة المصرية.
بدلاً من أن يستجيب الشعب التونسى لدعوة القرضاوى لـ «نصرة» أتباع المعزول فى رابعة العدوية، خرجت الجماهير التونسية الغاضبة وحاصرت مبنى الجمعية التأسيسة ومقر الحكومة وأعلنوا الاعتصام، فى ميدان «بردو» لحين تحقيق مطالبهم بعزل حزب النهضة الإخوانى عن حكم تونس.. القوى الوطنية والمدنية التونسية فى مقدمتها الاتحاد العام للشغل أكبر تجمع للعمال لم يعد لديهم جميعاً شكوك فى أن أتباع «وحلفاء النهضة المتشددين» هم الذين يقفون وراء الاغتيالات السياسية التى طالت الناشط الحقوقى شكرى بلعيد، ثم الإبراهيمى، وأخيراً مذبحة الجنود على الحدود التونسية الجزائرية قبل أيام، حتى بات مستقراً لدى الشعب التونسى أن مصير حزب النهضة الإخوانى لابد أن يكون نفس مصير رفاقهم من إخوان مصر بالعزل والإبعاد عن السلطة حماية لأمن واستقرار تونس خاصة أن الثورتين فى حالة توأمة منذ البداية.
بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر، تحولت الأنظار إلى السودان باعتبارها البلد الأقرب لمصر وللإخوان على أساس وجود تفاهم وتقارب أيديولوجى بين إخوان مصر وجبهة الإنقاذ الحاكمة فى السودان منذ الانقلاب الذى قاده الإسلاميون بزعامة الشيخ حسن الترابى والجيش ضد حكومة الصادق المهدى المنتخبة عام ,1989 لكن من سوء حظ الإخوان أنه منذ وصول إخوان مصر للسلطة قبل عام، أصيب السودانيون بصدمة بعد أن اكتشفوا أن رؤية الإخوان للعلاقة مع السودان لم تختلف كثيراً عن رؤية مبارك ونظامه للعلاقة معهم، لذلك عندما خرجت الجماهير المصرية وأسقطت حكم الإخوان، تعالت الأصوات حول احتمالات هروب قادة الجماعة إلى الخرطوم، والعمل على تعطيل المرحلة الانتقالية وارتكاب عمليات تستهدف زعزعة أمن واستقرار مصر من السودان.
هذه السيناريوهات وغيرها تداولتها المواقع الإخبارية على نطاق واسع الأسبوع الماضى، مما دفع وزير الخارجية السودانى «على كرتى» إلى نفى وجود أى علاقة للسودان بما يحدث فى مصر، كما نفى وجود أى نية لحكومته باستضافة قادة جماعة الإخوان فى الخرطوم، مشيراً إلى أن بلاده تسعى لأن تكون العلاقة بين الشعبين مستقرة ولا تتأثر بتغير الحكومات.. نفى وزير الخارجية السودانى أنه لم يمنع المراقب العام لجماعة الإخوان السودانية الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد من تنظيم مظاهرة محدودة لأنصاره شقت قلب الخرطوم حتى وصلت إلى مقر السفارة المصرية للتضامن مع إخوان مصر ورفض ما أسموه بـ «الانقلاب».
المشكلة أن الأوضاع السياسية فى السودان غير مستقرة خاصة فى ظل تنامى الغضب الشعبى، وتصاعد المظاهرات الشبابية التى تطالب بالتغيير والإصلاح الديمقراطى، حيث تسعى أحزاب المعارضة حالياً إلى جمع توقيعات على طريقة «تمرد» للإطاحة بالحكومة بطريقة سلمية بعيدة عن العنف.
الاحتقان والانقسام والفتنة التى دعا إليها الشيخ القرضاوى لإنقاذ جماعة الإخوان من ورطتها الأخيرة انتقلت إلى عدد من البلدان العربية الشقيقة، وكشفت بجلاء عن مكانة وقدرة مصر فى التأثير على محيطها العربى وحجم الإخوان الحقيقى فى عدد من هذه الدول.. ففى أقصى المغرب العربى خرجت مسيرات مؤيدة لملايين المصريين الرافضين لحكم الإخوان، فى حين نظم أتباع حزب العدالة والتنمية الذراع السياسية لجماعة الإخوان بالمغرب مسيرات محدودة لمناصرة الجماعة الأم فى مصر، كما سعى بعض قادة الحزب ووزراء بالحكومة إلى إقناع العاهل المغربى محمد السادس للقيام بدور الوساطة بين الإخوان والقيادة العامة للجيش المصرى.
وكانت جماعة الإخوان فى الأردن هى الأكثر حماسة فى دعم ومناصرة إخوان مصر، حيث نظمت مسيرات شعبية وكرست فضائية «اليرموك» التى أصرت على نقل حى ومستمر لاعتصام رابعة العدوية والنهضة واعتماد لغة تحريضية ضد الجيش المصرى ورفض إبعاد الإخوان عن السلطة على عكس وسائل الإعلام، وأغلب الشعب الأردنى الذى ساند ودعم حركة الشارع المصرى خلال انتفاضاته الشعبية الرافضة لحكم الإخوان.. لكن حركة الإخوان فى الأردن أقنعت الملك عبدالله الثانى بزيارة مصر فى محاولة فاشلة للوساطة لحل الأزمة فى مصر.
الأزمة مع الإخوان فضحت مواقف دول إقليمية عديدة ربطتها بالجماعة مصالح استراتيجية غامضة، تأتى تركيا ورئيس وزرائها على رأس هؤلاء المتضررين من عزل الإخوان فجاء موقفها متجاوزا لكل القواعد الدبلوماسية، مما دفع الخارجية المصرية لاستدعاء السفير التركى فى القاهرة وتحذيره من عدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى، كما رفض السفير المصرى لدى تركيا تلبية دعوة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على الإفطار احتجاجاً على موقف الحكومة التركية المحرض على الجيش والداعم لعدم الاستقرار فى مصر.
هناك دول غيرت مواقفها بعد خروج ملايين المصريين مثل إيران التى ظلت متحمسة لدعم حكم الإخوان حتى جرت عملية قتل وسحل الشيخ حسن شحاتة وأربعة من شيعة مصر فى حادث بشع بالجيزة، واعتبرت طهران الحادث نتيجة لأجواء التطرف والعنف الذى أوجدته جماعة الإخوان وحلفاؤها، فكان رد فعل طهران على عزل مرسى من السلطة أنها تنحاز إلى إرادة ملايين المصريين ورفضها التدخل فى الشأن الداخلى المصرى.
وبرغم تباين كل تلك الرؤى والمواقف ستلقى المحنة المصرية العابرة بظلالها على علاقة مصر بالمحيط العربى والإقليمى لفترة طويلة قادمة بعد أن ظهرت كل النوايا والوجوه على حقيقتها.