الجمعة 4 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على كـل لـون يافتاوى!

على كـل لـون يافتاوى!
على كـل لـون يافتاوى!


«فتاوى باترون.. على كل لون»، هذا هو ملخص الحالة المرضية التى تعانى منها مصر منذ وصول الإخوان للحكم، لكنها زادت خلال الأيام الأخيرة، مع تقاطع عدة فتاوى صادمة مع الإقرار النهائى لقانون الصكوك فى الشورى رغم تحفظات الأزهر، حيث صدم أغلب المصريين فى فتوى الملقب بمفتى الإخوان «د. عبدالرحمن البر» الذى حرم تهنئة الأقباط فى «عيد القيامة»، رغم أنه زار الكاتدرائية بنفسه ومعه محمد مرسى وسعد الكتاتنى قبل وصول الإخوان للرئاسة وهنأ البابا شنودة بالعيد.. وتحجج بأنه كان عيد الميلاد لا «القيامة»، فيما تفوق السلفيون على الإخوان فى رعاية الفندق الإسلامى بالغردقة الذى لا يقدم الخمور، لكنه لا يرفض جلب النزلاء الأجانب لخمورهم معهم، وأجاز بعضهم قرض البنك الدولى بحجة الضرورة بعدما كانوا يهاجمون الإخوان مؤكدين أنه «ربا»!
وبالتالى فإن الفتوى الدينية هذه الأيام تتغير حسب الموقف السياسى! «النهارده حرام، وبكرة تجوز»، الإخوان لديهم ترزية فتاوى من الشيوخ وكله بما لا يخالف شرع الله، «شيزوفرينيا الإخوان»، هو التوصيف الدقيق لما تخرج علينا به جماعة الإخوان من فترة إلى أخرى، يجددها تارة أعضاء الجماعة أو ذيولها من التيارات الإسلامية الأخرى، وكأنه مولد للفتاوى المسيسة لإحداث بلبلة فى الشارع المصرى، وإشغاله بصغائر المشاكل للتعتيم على مخططاتهم.
 
ومن الفتاوى المثيرة للجدل التى أطلقتها الجماعات الإسلامية ومنها الإخوان عدم زواج الفتاة من شخص فلولى، وتحريم تهنئة الأقباط فى أعيادهم، وطبعا تحليل فائدة قرض صندوق النقد على أنه «مصاريف إدارية»، بعد أن كانت تعده نفس الجماعة أنه ربا، وتحريم مشاهدة برنامج باسم يوسف وهدم الأهرامات وإهدار دم المتظاهرين.
 
«البر» مفتى الجماعة قطع بعدم مشروعية تهنئة الأقباط بعيد القيامة لأن قيامة المسيح تتعارض مع معتقدات المسلمين، مستندا فى فتواه لموقف الشيخ ابن تيمية الذى اعتبر تهنئة الأقباط من الكبائر قائلا: «يجب أن نفرق بين المناسبات الاجتماعية سواء أكانت أفراحا أم غير ذلك، فلا ضرر من تهنئتهم بها، أما المناسبات الدينية فلا يجوز تهنئتهم بها، ضاربا المثال بعيد القيامة»، ومؤكدا أن الاحتفال بهذا العيد معهم هو أمر مخالف للعقيدة.
 
د. عبدالمنعم السيد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية علق على هذه الظاهرة: ما نشهده حاليا هو مرحلة من الشد والجذب تشهدها الساحة السياسية المصرية، وما يحدث من تبديل لمواقف الجماعة من بعض القضايا ما هو إلا رياء ونفاق وجهل بالموضوعات المطروحة أمامهم، وهو كلام فاشل يصدر من إدارة فاشلة، وبالتالى نحن لسنا ملزمين بما تصدره تلك الجماعات من فتوى، لأنهم غير مؤهلين لإصدارها، فهم أنصاف دعاة وأنصاف شيوخ، ظهروا علينا من خلال القنوات الفضائية ولا نعلم لهم تاريخا، ويضيف السيد: إن كثرة الأسئلة التى يتعرضون لها جعلت البعض منهم يجتهد للرد على أسئلة المشاهدين، ويقول: يجب أن تكون هناك عقوبة لمن يصدر تلك الفتاوى مادامت لم تخرج عن دار الإفتاء أو مشيخة الأزهر.
 
كان أولى بالجماعة أن تقلل الفائدة التى يأخذها البنك المركزى من البنوك العامة والخاصة والتى تقدر بنحو 3,1 تريليون جنيه، بما أنها ترى من فائدة البنوك ربا لأنها تصل إلى 16٪! الدين وحدة واحدة لا يتجزأ، هناك مرجعية إسلامية هى الأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، لأنها هيئات مؤهلة للإفتاء، أما ما يحدث فهو مولد للفتاوى ليس إلا.
 
وأوضح السيد: علينا أن ندرك أن قرض الصندوق عالق بين البنك الدولى وبين مصر، بسبب عجز الدولة عن الاستيفاء بالرد على الصندوق فى كيفية سداد القرض، خاصة أن مصر لديها فجوة تمويلية تقدر بـ 19 مليار دولار، قيمة القرض الذى تجرى محادثاته منذ 10 أشهر هى 5 مليارات دولار، فيقل العجز إلى 14 مليارا، تحاول مصر جاهدة من خلال المباحثات أن تعوضه، وعلى الرغم من أن 1,1٪ ما هى إلا مصاريف إدارية لأن تكلفة الاقتراض من البنك الدولى تتجاوز الـ 3٪.
 
د. سيد النفراوى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر قال لنا: إن مثل هذه الفتاوى تعد جرأة من أصحابها.. ويقول: الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال فى حديث صحيح: «أجرأكم على الفتوى.. أجرأكم على النار».. قائلا إن دار الإفتاء هى من لها الحق فى الإفتاء لأن لجنة الإفتاء تضم علماء من الأربعة مذاهب، يأخذون كل الوقت فى بحث ودراسة ما يوضع أمامهم من مشاكل، ليكون رأيهم فى نهاية الأمر يعد من رأى الشرع، الإمام أنس بن مالك لم يكن ليجرأ أن يفتى فى كل ما يسأله الناس، كان يقرأ كثيرا قبل أن يقول رأيا حول مشكلة ما، ولذلك كان يقول «قد أفتى من قال لا أعلم»، هم يصدرون فتاوى ثم يغيرونها وفقا لمشاكلهم السياسية والدين مفهوش لف ودوران، الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما متشابهات عليهم اجتنابها، وهم الآن فى المسئولية، والتى يقولون فيها إنها خليقة تغير من النفوس فتجعل اللين يشتد والشديد يلين.
 
ويعلق النفراوى على فتوى «البر»: مصر خربت من مثل هذه الفتاوى، التى «حتودى البلد فى داهية»، لو هؤلاء من يطلقون على أنفسهم مشايخ يفهمون روح الدين لما أصدروا مثل تلك الفتاوى، كان عليهم أن يفهموا أن للأقباط حقين: حق المواطنة، وحق الجوار، وحق الجوار له واجبات مثل أن أعزيه وأفرح لفرحه، ما يفعله هؤلاء لا يرضى الله ولا يرضى رسوله.
 
د. عبدالحكم الصعيدى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر قال لنا: الفتوى لابد لها من مقومات وأصول تعتمد عليها، وأن يكون لها أسانيد موثوق فيها، كما يجب على من يتصدى للفتوى أن يكون ملما بالدين والفقه وأن يكون لديه الفهم العميق لروح الدين والشريعة، الفتاوى تأتى بأدلتها العقلية والنقلية كالعبادات والمعاملات، ومع تطور العصر الحديث استجدت الكثير من القضايا الخلافية، كالمعاملات المصرفية وأيضا نقل الأعضاء وأطفال الأنابيب، وأثارت حولها الكثير من الجدل والاجتهادات.
 
وفى اعتقادى أن من قام بالاجتهاد فى مثل هذه الأمور من الشيوخ والفقهاء نقصه كثير من الرؤية لأنه أيضا غير ملم بدراسة العلوم الحياتية للوقوف على مثل هذه القضايا، وغير متخصصين بها وكان عليهم أن يستعينوا بأهل العلم فيها، نفس الشىء ينطبق على المعاملات المصرفية التى حدث فيها كثير من اللغط، فاختلط الحابل بالنابل، أما بالنسبة لفتوى تحريم معايدة الأقباط التى تظهر بصفة دورية مع قدوم أعيادهم، فهؤلاء لم يفهموا روح الدين والشريعة الإسلامية التى تحض على التسامح والمحبة والمودة، الرسول كان يحرص على إقامة ولائم لأهله وجيرانه المسلم منهم والكافر على الرغم من ظروفه الصعبة التى مر بها بعد نزول الرسالة، وكان يمر بالطعام على مدعويه حتى يوم أن مر على «أبى لهب» فقال له أتدعونا لتبلغ رسالتك تبا لك، فأنزل الله فيه سورة «تبت يدا أبى لهب وتب» هذا هو الرسول الذى لم ينظروا إلى مودته لأهل الكتاب فى قريش أمثال ورقة بن نوفل، كما لم ينظروا لمعايدة الرسول لطفل يهودى اشتد عليه المرض، وكان على فراش الموت فأراد الرسول أن يقول له أسلم، وكان أبوه اليهودى جالسا، وعندما نظر الرسول إلى الطفل فهم أنه يريد أن يعلن إسلامه للرسول، لكنه خائف من أبيه فبادره أبوه قائلا له: أطع هذا القاضى.
 
ويضيف الصعيدى: تلك الفتاوى هى فتاوى شخصية حتى إن صدرت من مفتى جماعتهم، عليهم أن يدركوا أن مصدر الفتوى فى الدولة هو دار الإفتاء ومشيخة الأزهر ما دون عنهما فلا يلتفت إليه.
 
حذر المفكر الليبرالى حسين منصور عضو الهيئة العليا لحزب الوفد من مردود تلك الفتاوىعلى مصداقية مصر قائلا: تدهورت مصداقية مصر فى الآونة الأخيرة بسبب الفتاوى التى تحض على الانقسام، والتى تعكس غيابا للرؤية السياسية، كل ما أوضحته تلك الفتاوى فكر الجماعة الأساسى فى المتاجرة بالدين، وهذا ليس بغريب أن يتم استخدام الدين فى الأغراض السياسية فهو معروف فى جميع الأنظمة الاستبدادية والفاشية، التى تريد أن تثبت دعائم حكمها من خلال استخدام الدين والتضليل، جماعة الإخوان ما هى إلا أصحاب دين مسيس، مستخدمين أيديولوجيات بالية ليفرضوا سيطرتهم على الوطن، ولو نظرنا إلى الجانب المضىء من هذا الموضوع سنجد أن التجربة فضحت أساليبهم فى استخدام الدين، وعرتهم وكشفتهم أمام الناس وكشفت رداءة متاجرتهم بالدين، هذه الجماعة ومن وراءها فتاواهم تحدث للأسف انقساما وطنيا حادا فى طوائف الشعب المصرى، الشعب الرافض لأخونة أزهره، ورافضا أن يتم احتكار تفسير الدين عليهم، لأنه أحرص منهمعلى دينه وتقاليده.