الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

500 مليار جنيه ديون الحكومة لدى الحكومة!

مثلت مشكلة التشابكات المالية وتراكم المديونيات للوزارات والهيئات الحكومية لدى بعضها البعض صداعا مزمنا، ليس للحكومة وحدها وإنما للاقتصاد القومى ككل، وعلى مدار عشرات السنوات لم تنجح الحكومات المتعاقبة فى التعامل مع هذه الأزمة رغم الخطط العديدة التى وضعت لها، وظلت هذه المشكلة البيروقراطية كابوسا يطارد تلك المؤسسات دون وقفة للمواجهة.



مؤخرًا بدأت حكومة المهندس مصطفى مدبولى اتخاذ عدة إجراءات للاقتراب من جوهر المشكلة وحل بعض هذه التشابكات عبر تسوية الديون من خلال سياسة مبادلة الديون، وفى هذه السطور نسلط الضوء على أبرز هذه التشابكات والخطط الحكومية التى حاولت إنهاء المعضلة.

 

حجم التشابكات

بلغ حجم التشابكات المالية، فى 2018، بحسب لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، نحو 245 مليار جنيه، فيما يصل إجمالى هذه التشابكات لنحو 500 مليار جنيه بحسب رئاسة مجلس الوزراء إذا ما أضيف إليها الأصول المشتركة، ويملك أغلب هذه الديون بنك الاستثمار القومى، وفى المقابل فإن البنك مدين لهيئة التأمينات الاجتماعية بنحو 70 مليار جنيه، بينما تبلغ ديون وزارة الكهرباء للبنك نحو 40 مليار جنيه، فيما تبلغ ديون هيئة البريد نحو 30 مليار جنيه، فيما تتساوى ديون اتحاد الإذاعة والتليفزيون وهيئة السكك الحديدية للبنك عند 22 مليار جنيه لكل منهما.

بدأت الحكومة فى بحث حل لهذه المشكلة قبل فترة، من خلال تسوية مديونيات بعض شركات قطاع الأعمال لدى البنوك العامة، عبر مبادلتها بأصول مملوكة لهذه الشركات، والعكس مع ديون بنك الاستثمار القومى لدى الوزارات والهيئات الحكومية، وأعلنت وزارة التخطيط التابع لها البنك عن تسوية مديونيات بنحو 15،7 مليار جنيه لدى هيئة السكك الحديدية مقابل الحصول على أصول تمتلكها الهيئة، بما يُسهم فى فض التشابكات المالية.

وبحسب البنك فهناك جهات منتظمة فى السداد فى ضوء عقود الإقراض المبرمة معها، وجهات أخرى صادر لها قرار مجلس إدارة البنك بتسوية مديونياتها، كما توجد جهات أخرى جارٍ التفاوض على تسوية مديونياتها، بجانب وجود جهات يتم تسوية مديونياتها عن طريق استبدالها بأراضٍ أو أصول مملوكة للدولة أو حصص فى شركات عامة.

 

أسباب المشكلة

ظلت أزمة التشابكات المالية بين الوزارات، بمثابة المرض المزمن الذى يضرب كفاءة أداء الموازنة العامة والهيئات والشركات المملوكة للدولة، ووصف المهندس مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، ما تقوم به الحكومة لإنهاء هذا الملف بإجراء عمليات جراحية لتنظيف الاقتصاد المصرى من تشوهات متواجدة منذ 40 عاما وتشابكات كانت تصل لـ500 مليار جنيه.

وشدد رئيس الوزراء على إصرار الحكومة على اقتحام هذا الملف، موضحا أن هناك التزامات من وزارة المالية تجاه وزارة الكهرباء، وتم الاتفاق على تقديم خدمات فى هذا القطاع،  ولفت إلى أن وزارة قطاع الأعمال تنازلت لوزارة الكهرباء عن أصول تعادل قيمة المديونيات التى كانت لها، وأن الخطوة القادمة ستشهد فض التشابكات الحكومية مع بنك الاستثمار القومى، وإنهاء أى تشابكات أيضا متعلقة بشركات المرافق.

وقال الدكتور محمد معيط وزير المالية، إن هذه المشكلة تعود لقانون إنشاء بنك الاستثمار القومى رقم 119 لسنة 1980 والذى نص على أن تمويل هذا البنك يأتى من هيئتى التأمينات والبريد، كما نص على الجهات التى يمولها كالسكك الحديد والإذاعة والتفزيون وغيرها، وأوضح أن معظم هذه التشابكات لها جذور من عشرات السنوات، مضيفا أن التشابك الوحيد الذى يتجدد هو هيئة التأمينات بالرغم أنه منذ عام 2006 لم تعد التأمينات ترسل أى جنيه لبنك الاستثمار القومى، وأن هناك تسويات للهيئة خفضت المبلغ من 70 مليارا إلى 55 مليارا فقط لهيئة التأمينات.

ولفت إلى أن هناك تشابكات مالية بين وزارة المالية وهيئة التأميات أيضا، حيث إنه بموجب القوانين التى صدرت، فإن المالية يجب أن تحول للتأمينات نحو 100 مليار جنيه سنويا، بخلاف فوائد المديونية المثبتة التى تصل لحوالى 23 مليارجنيه، وكذلك بخلاف حصة صاحب العمل باعتبار المالية أكبر صاحب عمل والتى تصل لحدود 25 مليار جنيه سنويًا موضحا أن الحصتين الـ32 والـ25 تحولا بانتظام لكن حصة الـ100 مليار جنيه لا تحول بالكامل، وهو ما أدى لهذا التشابك.

 

البرلمان يراقب

قال النائب مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة، إن حجم الديون الحكومية المتنازع عليها بين الجهات الحكومية وجهات أخرى يبلغ نحو 86.5 مليار جنيه، وأن الديون غير المتنازع عليها قسمتها وزارة المالية إلى قسمين: الأول ديون يمكن تحصيلها وتبلغ 124 مليار جنيه، والثانى ديون لا يمكن تحصيلها وتصل إلى 35 مليار جنيه، ولفت إلى أن الديون التى لا يمكن تحصيلها هى مبالغ مستحقة، فى شكل ضرائب على الدخل بنحو 30 مليار جنيه، و5 مليارات مبالغ مستحقة كضرائب جمركية.

وأوضح أن سداد تراكمات المديونيات تكون فى شكل تبادل لأراضى أو مستحقات متبادلة عادة، ولكن اللجنة سيكون لها اطلاع على بيان شامل بهذه الخطة منوها أن أزمة التشابك المتبادل بين الوزارات قد تحتاج لحلها لفترة لا تقل عن 5 سنوات.

 

خطط متتالية

لم يكن ما أعلنه رئيس الوزراء مؤخرا من توقيع 3 بروتوكولات تعاون بين وزارات الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، والمالية، وقطاع الأعمال العام؛ لفض التشابكات المالية بينها والاتفاق على قواعد التعاملات المستقبلية، هو الإجراء أو الخطة الأولى لفض هذه الاشتباكات، فقد بذلت جهود مضنية من عدة وزارات سابقة فى هذا الشأن، غير أن كل وزارة سارت على النهج السائد فى إلغاء كافة الجهود السابقة والبدء من جديد عبر تشكيل لجان ووضع خطط جديدة.

شكلت حكومات الدكتور حازم الببلاوى، ثم المهندس إبراهيم محلب، ثم المهندس شريف إسماعيل العديد من اللجان لحل هذه المشكلة، وكان أخر هذه اللجان ما أعلنته الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى بداية عام 2018، من إعداد خطة متكاملة أحد أطرافها بنك الاستثمارالقومى، لفك التشابك المالى بين جهتين حكوميتين عبر خطتين إحداهما لمدة 5 سنوات. والأخرى لمدة 3 سنوات لفض الاشتباكات الخاصة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

 

الكهرباء الأعلى مديونية

 تأتى وزارة الكهرباء، على رأس الوزارات التى تعانى من مشكلة التشابكات المالية، حيث وصلت ديون الكهرباء لوزارة البترول إلى 145 مليار جنيه فى عام 2018، وتحملت وزارة المالية 16.5 مليار جنيه منها، فيما ألتزمت بتحمل 20 مليارا أخرى، وتراكمت ديون المؤسسات والهيئات الحكومية لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة إلى أن وصلت إلى أكثر من 34 مليار جنيه، نتيجة عدم سداد فواتير استهلاك الكهرباء،وهو ما تسبب فى خسائر كبيرة لقطاع الكهرباء.

ونجحت الهيئة العامة للبترول أكبر الهيئات المقترضة من البنوك، خلال الفترة الماضية فى جدولة ديون عليها للبنوك المحلية بنحو 2 مليار دولار، وتقترض الهيئة التى تبلغ ميزانيتها السنوية 750 مليار جنيه، نحو 30 مليار جنيه سنويا من البنوك المحلية والخارجية، وذلك بضمانة من وزارة المالية.

 

قطاع الأعمال

عانت شركات قطاع الأعمال العام، من السياسات الاقتصادية المتناقضة للحكومات المتلاحقة، والتى أهملت تطوير هذه الشركات لحساب تشجيع القطاع الخاص، وهو ما أدى فى النهاية إلى تراكم الديون على هذه الشركات لتصل إلى 40 مليار جنيه، وأدى تراكم هذه الديون إلى اتساع ظاهرة التشابكات المالية الحكومية، حيث أن ديون الشركات تأتى لصالح كلا من وزارتى البترول والكهرباء وهيئة التأمينات والبنوك العامة وجهات أخرى فى الدولة.

ولم تكن الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتلفزيون «ما سبيرو»، بعيدين عن مشكلة التشابكات المالية، فقد تراكمت ديون هذه المؤسسات حتى وصلت إلى أرقام ضخمة، فقد بلغت ديون ماسبيرو فقط لنحو 32 مليار جنيه منها 22مليار جنيه لبنك الاستثمار القومى، فيما تضخمت ديون المؤسسات الصحفية لـ20 مليارا وفقا للهيئة الوطنية للصحافة.

ويشير الخبراء إلى أن أصل ديون المؤسسات الصحفية بسيط، لكن فوائدها المتراكمة وغرامات التأخير هى التى أوصلتها لذلك الرقم الضخم، ومن أبرز الجهات الحكومية المديونة لها المؤسسات التأمينات والضرائب والكهرباء وبعض الجهات الخدمية.

ومعظم الآراء المطروحة بالنسبة لتسوية هذه الديون تحمل وجهتى نظر، إحداها تطالب بأن تُسقط الدولة الديون الحكومية عن كاهل المؤسسات نظرا لأهميتها فى الحفاظ على الوعى الجمعى، وهناك اتجاه آخر يطالب بالعودة لأصل الدين، بما سيقلل كثيرًا من قيمته بالنسبة لأغلب المؤسسات، لكن ما زال الكل منتظرًا ما ستسفر عنه الخطط الحكومية الخاصة بتطوير تلك المؤسسات، والتى تتلقى دعما حكوميا فى كل أنحاء العالم.

اللافت أنه فى الوقت الذى تتجه الحكومة لإسقاط ديون المصانع وهيئات القطاع الخاص المتعثرة لدى البنوك بهدف دعم القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة فإنها تتمسك بتحصيل ديونها لدى الصحف القومية وشركات قطاع الأعمال، وكذلك الحال بالنسبة لديون الوزارات المحتلفة لدى بعضها البعض.