انفراد: «مرسى» تراجع عن حملة اعتقالات لرموز المعارضة وأوامر إقامة جبرية خوفًا من غضبة شعبية!

احمد عبد اللاه
فى الوقت الذى كان مجهولون يحرقون خيام «معتصمى التحرير» للمرة الثانية خلال 24 ساعة بعد إظلام الميدان وقصر العينى، كانت الساحة السياسية تحترق هى الأخرى من مطاردات لرموز المعارضة بذراع الجماعة فى النيابة العامة، فى مؤشر لتكرار سيناريو اعتقالات سبتمبر .1981 لكن هناك فارقًا كبيرًا بين الحالتين لأن السادات اضطر لاعتقال بعض معارضى فكرة إقامة السلام مع إسرائيل لفترة، لكن «مرسى» وجماعته يصران على سجن معارضيهما لسنوات طويلة بقانونها!الأخطر من ذلك ما كشفه لنا الفقيه الدستورى «عصام الإسلامبولى» بأن «مرسى» تراجع عن قرارات اعتقالات وإقامة جبرية لبعض الرموز السياسية الشهيرة، فيما اتهمه المراقبون بأنه يحرض على القتل بحديثه عن التضحية بالبعض فى حديث الأصابع! واستبعد المتابعون تدخل الجيش إلا فى حالة الفوضى الشاملة رغم الدعوات التى وجهت للسيسى بالتدخل حتى ولو بمبادرة حقيقية لحوار وطنى!
اللواء محمد بلال الخبير الاستراتيجى قال: إن التدرج فى خطاب مرسى هو نفس التدرج فى خطاب الزعيم الراحل محمد أنور السادات قبل حملة الاعتقالات التى قام بها فى سبتمبر ,1981 موضحًا أن نفس الأوصاف التى استخدمها السادات مع السياسيين قالها الرئيس مرسى، حيث وصفهم فى البداية بأنهم بلطجية وحرامية ثم قال عن الذين اعتصموا فى ميدان التحرير بأنهم «عيال» وعندما فاض به الكيل قال إن كل المشاكل التى تمر بها مصر سببها السياسيون فى إشارة إلى استخدام القانون من أجل مصر.
بلال أضاف: لم يكد ينتهى مرسى من خطاب التهديدات حتى توالت البلاغات للنائب العام من جماعة الإخوان ضد الرموز الوطنية، وبالمخالفة للقانون أصدر النائب العام أوامره بالضبط والإحضار رغم أن هذا القرار لم يسبقه أى استدعاء لهم، مؤكدًا أن النائب العام يفرق فى أهمية الحدث طبقا لقربه أو بعده من السلطة الحاكمة، فهو يتصرف فى البلاغات من منظور رسمى طبقًا للسلطة الحاكمة.بلال أشار إلى أن مرسى من المؤكد أنه سيلغى قرار الضبط والإحضار ويتم تحويله إلى طلب حضور خاصة أننا أمام إشكالية عدم اعتراف من صدر فى حقهم القرار بشرعية النائب العام، ومع ذلك فالقرار سارى بقوة القانون وعلى وزارة الداخلية تنفيذه ما لم يصدر لها قرار آخر بإلغائه.
واستنكر بلال بعض ما جاء فى خطاب مرسى معتبرًا ما جاء فيه دعوة للقتل والعنف، حيث قال مرسى: أنا رئيس شرعى بعد الثورة، ومن الممكن أن نضحى بالبعض من أجل أن تسير الدنيا»، وعلى ما يبدو أن الرئيس لم يدرك ما قاله وعليه أن يتراجع عنه.وقال بلال: إن الجيش لن يعود للحياة المدنية ولن يتدخل فيها من قريب أو بعيد حتى لو كانت لديه رؤية لجمع جميع الأطياف والقوى السياسية لأن هذه الرؤية تستلزم من مرسى التراجع خاصة بعد وصفه للساسة بأنهم شياطين، فكيف يجلس معهم وهو ما قد ترفضه جماعته ويعتبرونه تراجعًا آخر ضمن تراجعاته فى القرارات.
وأضاف بلال أنه اقترح على الفريق السيسى أن يوجه الدعوة مرة أخرى كما وجهها من قبل، لأن الظروف تقتضى تدخل القوات المسلحة قبل الدخول فى فوضى خاصة أن الجيش يدرك أهمية الاستقرار فى الوقت الحالى من أجل جذب الاستثمار وتحقيق استقرار اقتصادى، أما الانتظار حتى تدفعه الظروف لعمل انقلاب عسكرى لإنقاذ مصر، فلن يكون مناسبًا ولن تقبله القوى الداخلية أو الخارجية.اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجى أكد أن هذا التوقيت ليس المناسب لمثل هذه التحقيقات وأوامر الضبط والإحضار لأنها تزيد من الهوة بين الدولة والرأى العام فى الوقت الذى يطمع فيه الجميع فى لم الشمل.
وأوضح «سيف اليزل» أن توجيه الاتهامات للرموز السياسية يجب أن يكون بأدلة ومستندات دامغة وتعلن على الشعب قبل قرارات إلقاء القبض خاصة أن هناك حالة من التشكك وعدم الارتياح لمثل هذه القرارات، مؤكدًا أن مثل هذه القرارات التصعيدية تمثل تحفيزًا جديدًا لشباب الثورة وطريقًا جديدًا للتصعيد.وشدد على أن الجيش لن يتدخل لصالح أى طرف فى حالة التصعيد لأنه حاول لم الشمل من قبل، ولكن الرئاسة لم توافق، وعليه قرر عدم التدخل نهائيًا فى السياسة.عصام الإسلامبولى المحامى بالنقض والفقيه الدستورى كشف عن علمه أن «مرسى» كان على وشك إصدار قرارات باعتقالات لبعض الأشخاص ووضعهم تحت الإقامة الجبرية منذ أيام، إلا أن البعض نصحه بالتراجع عنها، لكن هذه القرارات تعكس حالة الانفلات فى أعصاب الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين.
«الإسلامبولى» قال: إن الشهور الأربعة القادمة ستحدث خلالها فوضى حتى يأتى حكم المحكمة الدستورية فيما يتعلق بحل الشورى والجمعية التأسيسية، وأضاف أن قرار بعض الثوار بعدم المثول أمام النائب العام قانونى خاصة بعد حكم محكمة الاستئناف ببطلان تعيينه، مؤكدًا أن كل ما أصدره النائب العام منذ أن جاء حتى هذه اللحظة معدوم لأن تعيينه دون قيمة.
وحول إمكانية تدخل الجيش لحل الأزمات السياسية أوضح أن القوات المسلحة سوف تتدخل عندما تتأزم الأمور بشكل أكثر خاصة أن هناك مجموعة من الوقائع التى تثير قلق القوات المسلحة وتمثل خطورة على مصر أهمها ضبط كميات مهربة من زى القوات المسلحة والشرطة، وما قيل عن تسرب عدد من عناصر حماس إلى داخل مصر وما قاله المهندس أبو العلا ماضى رئيس حزب الوسط نقلاً عن الرئيس بأن هناك 300 ألف بلطجى يستعين بهم جهاز المخابرات، وهذا التصريح سيؤدى إلى نوع من التمرد داخل المخابرات والقوات المسلحة.
د.رأفت فودة رئيس قسم القانون العام بجامعة القاهرة أوضح أن النائب العام يمثل الادعاء العام فى مصر طبقًا للدستور الجديد وكل وكيل نيابة يعمل باسم النائب العام، وبالتالى كل من يطلب للتحقيق عليه التنفيذ لكن بعد حكم البطلان، فالأمر يختلف، لأن هذا الحكم يؤكد بطلان كل ما أصدره النائب العام منذ تعيينه ولذا فإن قرار البعض بعدم المثول أمامه لهم الحق فيه.وحول إمكانية قيام الحكومة بحملة اعتقالات لهؤلاء، قال فودة إن قرار الاعتقال يستلزم إذنًا من النيابة، وبالتالى لابد من تعيين نائب عام جديد حتى يكون الاعتقال على ذمة قضايا قانونيًا، أما إذا عزم البعض على القيام بالاعتقال الإدارى بقرار من وزير الداخلية أو المباحث الجنائية فالشعب المصرى لن يقبله حتى لو دفع ثمن ذلك حياته.
وفيما يتعلق بعدم اعتراف جماعة الإخوان بحكم بطلان النائب العام أكد فودة أن اعتراف الإخوان أو الدولة بالحكم من عدمه لا قيمة له لأن الأحكام واجبة النفاذ ومن لم ينفذ الحكم يتعرض لجنحة مباشرة والعزل من وظيفته طبقًا للدستور الجديد الذى وضعه الإخوان بأيديهم وإذا لم ينفذ الرئيس الحكم ستكون هناك دعاوى لعزله.د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكد لنا أن منصب النائب العام بعد الحكم أصبح شاغرًا، مشيرًا إلى أن حكم محكمة الاستئناف ببطلان تعيين النائب العام المستشار طلعت عبدالله يؤكد أن البلاد تدار فى غياب رؤية سياسية وأن هناك تعثرًا فى بناء المؤسسات، وهو ما سيؤدى إلى الفوضى التى لا تتمثل فى المظاهرات فى الشارع وإنما من خلال انهيار المؤسسات التى لا تقدم خدمات للمواطنين.
وأضاف «نافعة» أنه مطلوب الآن لحظة ضمير من مرسى لتصحيح الأخطاء السابقة وذلك لن يتم إلا من خلال تشكيل حكومة وطنية تحدد المشكلات وتضع جدولاً زمنيًا لحلها، وأن تحظى بتأييد فى الشارع وليس من خلال التهديدات للقوى المعارضة.وقال «نافعة» أن خطاب مرسى أمام مؤتمر حقوق المرأة المصرية إفلاس سياسى كامل لأنه يحاول حل المشكلات السياسية بحلول أمنية، وهذا خطأ لأن الحلول الأمنية لا تعالج قضايا سياسية، مؤكدًا أن المؤشرات الصادرة من مؤسسة الرئاسة تفيد أنه لا توجد نية حقيقية لإجراء حوار مجتمعى توافقى رغم أن هذا الحوار الآن أصبح حتميًا فى ظل الوضع الاقتصادى المتدهور.
وأشار إلى أن لغة الخطاب الأخيرة تؤكد أنه ليس من المستبعد تكرار سيناريو سبتمبر 1981 بالقيام بحملة اعتقالات للرموز السياسية لكن الإقدام على مثل هذا التصرف سوف يعجل بنهاية هذا النظام.وأوضح أن الجيش الآن يراقب الأوضاع من بعيد ولن يترك الأمور تصل إلى الفوضى الكاملة، لكن هذا الأمر متروك لتقديره وهو ما يطمئن الجميع.