عزالدين دويدارمخرج سينما النهضة:منع فيلمى لأنى «إخوانى» تمييز عنصرى

هاجر عثمان
هذا الفيلم لم يشاهده أحد.. ومخرجه هو أحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين.. يعشق السينما والفن - وإن اختلفنا مع طرحه ووجهة نظره - فإننا ضد منع عرض فيلمه الروائى القصير «تقرير» داخل أكاديمية الفنون ونعتبره قرارا خاطئا.. فمن حق الإخوان أن تكون لهم خطوات وخطى داخل شارع الفن حتى ولو وضعوا فى شارعنا طوبا وحصى وكسر رخام، فنحن نطالب بحقهم فى عرض وجهات نظرهم - ونحترمها - كما نطالبهم باحترام وجهات نظرنا تماما.
وهذا حوار مع عزالدين دويدار مخرج الفيلم الأزمة الذى لا يمانع فى وجود يسرا وإلهام شاهين بطلات لأفلامه مع أنه يرى أن السينما المصرية لاتعبر عن الواقع!! بل وتهدم الدين.. فالسينما لا تقدم أفلاما دينية منذ «الرسالة» والشيماء، بل تضفى هالة وبطولة على المجرم.. وأنها تقدم نموذج البطل اليسارى وهو يحتسى الخمر والعياذ بالله.. وآراء أخرى يطرحها «عزالدين» فى حوارنا معه.
∎ هل فيلم «تقرير» أول تجربة سينمائية لك؟
- أنا تخرجت فى كلية تربية فنية وأعمل منذ 15 عاما فى مجال إخراج الإعلانات التجارية، وفى الثلاث سنوات الأخيرة انطلقت نحو الأفلام الوثائقية وأخرجت عدداً منها هى «قلب الشرعية»، «حكايات الإخوان والثورة» و«بطاطا» وتم عرضها بعد الثورة فى عدد من القنوات الفضائية وعلى موقع «اليوتيوب». أما فيلم «تقرير» فيمثل أولى تجاربى فى الدراما.
∎ لماذا اسم «تقرير» وما هى قصته؟
- «تقرير» هو فيلم روائى قصير مدته 45 دقيقة واسمه مشتق من قصته، فهو من نوعية الأفلام التى يكون فيها مدة الفيلم هى نفس مدة الحدث فى الواقع، مثل فيلم «السما والأرض» لصلاح أبوسيف حيث يعتمد على وحدة الزمان والمكان، فالحدث كله كان يدور فى المصعد ويضم مجموعة شخصيات.. وأحداثه عبارة عن تقرير إخبارى يذاع فى نشرة التليفزيون، يذيع الحادثة التى وقعت فى ذلك اليوم وهى الفيلم المسىء للرسول، أما المكان هو شارع واحد فيه مقهى بلدى ومول وكافيه فآخر «أمريكانى» الذى تنعكس فيه حياة شخصيات الفيلم وطبيعة ردود أفعالهم وسلوكياتهم وكيفية تعاملهم تجاه هذا الحدث الرئيسى، وما تلته من أحداث أخرى وقعت فى نفس اليوم مثل أحداث السفارة الأمريكية وغيرها.
∎ ما الذى يميز فيلمك عن الآخرين وهل يخدم انتماءك السياسى وهو مشروع نهضة الإخوان المسلمين؟
- الفيلم ليس له علاقة بالإخوان المسلمين، هو فيلم اجتماعى عام وكل مواطن مصرى سيرى فيه نفسه، فهو يضم كل مستويات المجتمع المصرى وأنماطه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، من خلال 22 شخصية من بينها الشاب العاطل، المدمن، الكبير فى السن ولم يتزوج، الشاب المكافح، الخلافات بين الزوج والزوجة، الثرى، العالم، الطالب، الجرسون فى الكافيه، السائق الذى يواجه مشكلات اقتصادية، «الصنايعى» هيشوف نفسه فى الفيلم أيضا، الأستاذ - المهندس - حتى البلطجى نعرض مشكلته من غير تحفز ضده. بل نقدمه من خلال تحليل للظروف الاجتماعية المحيطة به وأنه ضحية تلك الظروف.
∎ قلت إن فيلمك لايتبع انتماء سياسيا معينا ولكن ماذا عن فتيات الفيلم وجميعهن محجبات والأزمة التى اشتعلت عند طرح الأفيش؟
- فى البداية يوجد فى الفيلم ثلاث فتيات، وأستعرض من خلالهن ثلاثة نماذج اجتماعية مختلفة، من حيث مستوى الالتزام، واستخدامى للحجاب كان وفقا لضرورة فنية، ولم أقحم الحجاب على العمل الفنى، ومن يشاهد الفيلم كاملاً سيرى ذلك، حيث تلك النماذج الثلاثة للشخصيات ينتمين إلى نمط ثقافى واجتماعى معين، ومن ثم لهن طريقة معينة فى ارتداء ملابسهن، فلدى فتاة تجسد شخصية بائعة فى محل، ولها نمط معين فى ارتداء الحجاب حتى إنه لايمثل ذلك الحجاب المعروف والمتفق عليه، بل ترتديه وفقا لموضة معينة ليصبح مجرد قطعة قماش على الرأس.
∎ هل أفهم من حديثك أن هذا غائب عن السينما المصرية الآن؟
- بالفعل فالسينما المصرية لا تعبر عن المجتمع، وتعبر أغلبيتها عن غير المحجبات ونادرا ما نجد نموذجاً واحداً للمرأة المحجبة، بل من المستحيل تطلع فى النموذج المثالى، يستخدمها المخرج دائما فى تقديم دور النموذج السلبى، ومع ذلك هناك بعض المخرجين الشباب كعمرو سلامة، إبراهيم بطوط، لاينطبق عليهم ذلك، وهذا ما نأمل فى المستقبل، بأن تكون السينما الجديدة مثل فيلم أسماء.
فالسينما المصرية فيما سبق حتى ما قبل الجيل الأخير كانت منحازة لفئة واحدة فقط ولا تعبر عن المجتمع كما هو.
∎ ولكن لو تم تقديم المحجبة على أنها ملاك طوال الوقت.. هذا غير واقعى كما تطلب؟
- لم أقل ذلك وكل ما أريده هو تقديم متوازن لكل فئات المجتمع وعدم الانحياز لفئة مثل غير المحجبة وتشويه المحجبة، والدليل على ذلك أن لدى نموذجاً فى فيلمى تقوم به إحدى الفتيات وهى مرتدية حجاباً ولكن لديها انحرافات سلوكية، والفيلم يقوم برصد ذلك.
∎ هل ترى أن السينما الآن تهدم الدين ؟
- بالفعل هذا ما يحدث، من خلال طرح بعض الأفلام فكرة التجرؤ على الدين واستباحة المحرمات وفصل الدين عن الحياة الاجتماعية وعن المجتمع.
∎ ما هى النماذج التى ترى فيها ذلك من أعمال ؟
- «مش هقول نماذج»، فالقارئ سيجد ما يدلل على كلامى بسهولة، فالسينما الآن تخدم اتجاهاً سياسياً محدداً، فدائما تقدم البطل المثالى فى الفيلم ليكون يسارياً وليس إسلامياً، أما عن الطرح الذى يهدم الدين تلك الأفلام الكثيرة التى تقدم فيها البطل اليسارى بيشرب خمور وكأن الأمر عادى ليس به أى حرمانية بل يعرف نساء ويقيم علاقات معهن، ويقوم الفيلم فى النهاية بتمجيد هذه السلوكيات وتبريريها، والدفاع عنه بشكل كبير مع «أن ده مش صح» لذا كل ما أقوله هو أن يطلق المخرجون المسألة تخرج بعيدا عن الأيديولوجية.
∎ كلامك عن الواقعية مسبقا سيشتبك مع هذا الطرح وعكس الواقع، كيف تقدم سيدة محجبة مع زوجها فى حجرة النوم.. هل هذا واقعى؟
- فى الحقيقة المخرج يضطر إلى التجسيد لأنه غير قادر أن يخرج أفكاره أو يقنع المشاهد إلا بهذه المشاهد، فى رأيى هو نوع من العجز لدى المخرج وليس براعة فنية، فالمخرج الذى يصرح بكل أفكاره بشكل مباشر هو مخرج عاجز.
∎ هل يمكن أن نرى يسرا وإلهام شاهين فى أفلامك ؟
- بكل تأكيد أتشرف بالتعاون مع أى ممثل أو ممثلة من مصر، حسب الضرورة الفنية للفيلم، أو الدور فى العمل الذى سيتم تقديمه، ولكن وفقا لخياراتى الفنية بحيث لا يفرض على كمخرج أن تظهر تلك الفنانة أو الفنان بشكل معين، ومن المتاح أيضا أن يظهرن دون حجاب ولكن حسب متطلبات السيناريو.
∎ هل أنت مع أو ضد مصطلحات كالسينما الإسلامية أو النظيفة ؟
- السينما النظيفة أو الهادفة أو الإسلامية كلها تعبيرات تصنيفية عنصرية، وأرفض مثل هذه المصطلحات لأنها غير دقيقة، خاصة مصطلح السينما الهادفة لأنه لا يوجد مخرج يعمل على فيلم دون هدف، سواء نبيل أو غير نبيل اتفقنا أو اختلفنا معه، مصطلحات استهلاكية فقط كل تعبير فنى يهدف إلى هدف - سلبى، إيجابى، أيديولوجى، أو غير أيديولوجى.
∎ رأيك فى فكرة الرقابة على السينما أو الإبداع عموما ؟
- فى الحقيقة «إحنا معندناش رقابة»، الرقابة قبل الثورة كانت سياسية فقط، ولم يكن الأمر يتصل بأخلاقى وغير أخلاقى، فكانت مهمتها فلترة الأفلام السياسية لكى لا تخرج أفلام تعارض النظام السابق، وبعد الثورة مازالت الرقابة لم يتبلور دورها بعد وما تريد أن تفعله.
∎ ولكن وجهة نظر جهاز الرقابة والنقابات المهنية التمثيلية والسينمائية تقول إنك تجاوزت كل الإجراءات القانونية ولم تحصل على أى تصريح أو تراخيص.. وليس بسبب انتمائك السياسى أو الإخوانى؟
- أولا السينما المستقلة بشكل عام تواجه مشكلة مع أجهزة الدولة والنقابات والرقابة، لأن السينما المستقلة هى تلك التى ينتجها أفراد وليس شركات، حتى لو ذهبت فى الصباح إلى جهاز الرقابة، فقانون الرقابة أصلا لا يتعامل مع أشخاص مثلى مستقلين، فقانون الرقابة لا يتعامل مع أفراد ولكن يتعامل مع شركات فقط، فمن مسوغات الموافقة على فيلمى أن أكون شركة إنتاج سينمائى مسجلة فى الدولة، وأنا فرد مثل آلاف الشباب اللى بينتجوا أفلاماً مستقلة كل يوم.
∎ ألم تقدم عملك بأنه ضمن مشروعات أو باكورة سينما النهضة؟
- هذا جزء من التضليل ضد فيلمى من كل الأجهزة السينمائية بالدولة، حيث قاموا بالترويج فى كل وسائل الإعلام بأننى أنتمى لشركة سينما النهضة، لذا أقول لهم عليهم مراجعة سجلات الشركات ولو وجدوا شركة اسمها سينما النهضة فليحاسبوننى..
والحقيقة أننى قدمت نفسى من خلال مبادرة شبابية اسمها مبادرة سينما النهضة، يمكن أن تعتبروها مثل ألتراس أو حركة فنية أو رابطة فنية - فريق فنى، ولكنها ليست شركة لها كيان قانونى، وهذه الرابطة تضم أكثر من 1000 عضو، وتضم مختلف التوجهات أى ليست إخواناً فقط، وكأعضاء للرابطة كنا ننتوى بعد افتتاح الفيلم سوف نجعل المؤسسة غير ربحية ويكون لها شكل رسمى.
∎ بما تفسر هذه العراقيل التى تضعها الرقابة أمام فيلمك «تقرير» ؟
- المشكلة فى تقييم الفيلم وانتمائى لجماعة الإخوان المسلمين، لأن هناك العشرات من الأفلام المستقلة تم عرضها فى قصور ثقافة الدولة ومؤسساتها الرسمية وهى تشترك معنا فى نفس ظروف أنتج فيلم تقرير، فلم تحصل على تصاريح من جهاز الرقابة ولا من النقابات، بل يوجد أصدقائى المخرجون والمنضمون فى نفس رابطة سينما النهضة وحصلت أفلامهم على جوائز من مهرجان الإسكندرية الأخير، مثل فيلم «بالبيجامة» للمخرج ميسرة النجار وهو نفس مساعد الفيلم «تقرير» وفيلم كارت مقطوع، ولم تحصل على تصريح الرقابة ولا تصاريح ممثلين، ولكن السبب واحد فقط لأن مخرجى هذه الأفلام ليسوا إخواناً.
∎ ما مصير فيلم «تقرير» ؟
- لا أعرف ما سيحدث فى الفترة المقبلة، ولكن جاءت لنا عروض كثيرة سواء من خلال قنوات فضائية أو خارج مصر من الكويت والإمارات وماليزيا وتركيا وقطر وفلسطين، ولكننا مصرون على عرض الفيلم فى مصر أولا، حتى لو فى الشارع.