هوليوود والإعادة بدون إفادة

آلاء شوقى - أحمد قاسم
خلال ظهوره الخامس والأخير لتقديم النسخة الـ77 من حفل توزيع جوائز «جولدن جلوب» لعام 2020، قدم الكوميديان البريطانى «ريكى جاريفس» مونولوجًا أثار موجة جدل شديدة بين الأوساط السينمائية والصحفية فى العالم، خاصة هوليوود؛ إذ اشتمل على رسائل سياسية واجتماعية لاذعة وصادمة جعلت حتى بعض النجوم الجالسين بالحفل وكأن على رؤوسهم الطير من فرط الحنق والسخط. إذ تهكم «جارفيس» ونهجه الساخر، حول حقيقة لم تغب عن أعين قطاع عريض من الجمهور والنقاد، فقال إن هوليوود تعانى الآن نضبًا شديدًا فى الخيال وافتقارًا واضحًا للأصالة، وهو الأمر الذى ليس بالدخيل على السينما الأمريكية، لكنه من دون شك وصل ذروته خلال سنوات العقد المنصرم.
لقد بلغت تلك النزعة ذروتها منذ 30 عامًا تقريبًا ومنذ ظهور أفلام مثل (The Matrix) الذى أعاد صياغة نوع أفلام الخيال العلمى وأعطاها حسًا انطباعيًا أتاح الفرصة لظهور جيل جديد من مخرجين ذوى نزعة أصلانية يقدمون الذات على الموضوع حتى ولو كان العمل مقتبسًا، فمثلاً معالجة «كريستوفر نولان» لفيلم (The Dark Knight) المقتبس عن القصص المصورة هى معالجة أصيلة تمامًا ولن ترى لها مثيلاً، ونفس الأمر بالنسبة لـ«دينيس فيلنوف» الذى قدم رؤيته الخاصة فى فيلم ( Blade Runner 2049 ) وهو الفيلم المتمم لرائعة «ريدلى سكوت»، (Blade Runner ) والمقتبس بدوره عن رواية لـ«فيليب ك. ديك» بعنوان (هل تحلم الروبوتات بخرفان آلية؟) .
إن اللاأصلانية فى هوليوود تظهر فى تقليد كل ما هو ناجح عبر صيغ وأشكالٍ شتى، كالأفلام المعادة Remakes، والتى يعاد فيها تقديم معالجات جديدة - أحيانًا نفس المعالجة على غرار فيلم (Lion King) وذلك بعد مضى عدة سنوات على ظهور الفيلم الأصلى، والتتمات Sequels وهى سلاسل الأفلام المكملة لأفلام ناجحة، إضافة إلى الأفلام المقتبسة عن ألعاب الفيديو والقصص المصورة اليابانية.. ويمكننا فقط استثناء الأفلام المقتبسة عن الموروث الأدبى ذلك أن مساحة الأصالة فيها تكون أكثر. ومع ذلك فإن الواقع يقول إن أغلب تلك الـ«إعادات» تلقى فتورًا وفشلاً نقديًا وفنيًا ذريعًا، وهو ما حدث مثلاً مع فيلم (The Upside) المقتبس عن الفيلم الفرنسى ذائع الصيت (Intouchables)، فالنسخة المقتبسة قوبلت بفشلٍ ذريع لأنها كانت تقليدًا ورآها البعض دعاية للفيلم الأصلى.

نفس الأمر حدث مع فيلم (The Lake House)، من إخراج «أليخاندرو أجريستى» مُقتبسًا إياه عن الفيلم الكورى الجنوبى ( Il Mare ) للمخرج «لى هيون ـ سونج»، وفيلم (Oldboy) لـ«سبايك لى» المقتبس عن رائعة المخرج الكورى الجنوبى «بارك تشان ـ ووك»، والذى اقتبسه بدوره من قصص مصورة يابانية، لكن الفارق أن نسخة «تشان-ووك» كانت شديدة الأصالة والذاتية.
إن قائمة الأفلام التى ستتم إعادتها هذا العام وفى الأعوام القليلة القادمة، طويلة جداً، إذ تذخر بالعديد من الأفلام التى تعود لحقبة الأفلام الصامتة، وكأن عملية «الإعادة» منفذ، وباب جديد يفتح أمام منتجى هوليوود.. ومن بين الأفلام التى سوف يعاد صنعها من جديد رائعة (West Side Story أو قصة الحى الغربى). وهو الفيلم الذى عرض عام 1961، وحقق أرباحًا هائلة ونال عشر جوائز. ولكن، إذا كان أى شخص مستعدًا لهذا التحدى، وإعادة صنع الفيلم من جديد، فهو المخرج «ستيفن سبيلبرج». فمرة أخرى، سيرى الجمهور قصة حب المراهقين، «تونى وماريا» المتصلين بعصابتين متنافستين، وهما عصابتا «جيتز وشاركس». الفيلم القادم سيلتزم بشكل أوثق بنص «برودواى» الأصلى، الذى عرض عام 1957، وكان من إخراج «جيروم روبنز». إذ كان (قصة الحى الغربى) فى الأساس مسرحية موسيقية من تأليف «آرثر لورانس»، مستوحاة من مسرحية (روميو وجولييت) لـ«وليام شكسبير».

من المقرر عرض الفيلم الجديد فى 18 ديسمبر القادم. وهو من بطولة «آنسل إلجورت، وريتشيل زيجلر». عن سيناريو «تونى كوشنر»، الذى عمل مع «سبيلبيرج» سابقًا فى فيلمى (ميونيخ ولينكولن).
أيضًا من ضمن الأفلام المنتظر عرضها خلال هذا العام، فيلم (Rebecca، ريبيكا) وهو دراما رومانسية مثيرة مقتبسة من رواية بنفس الاسم للمؤلفة «دافنى دو مورييه»، نشرت عام 1938، وصارت ضمن الكتب الأكثر شعبية حتى الآن. وتدور قصتها حول شابة حديثة الزواج تجد نفسها تحارب ظل زوجة زوجها السابقة المتوفية. الفيلم قدمه من قبل المخرج «آلفريد هيتشكوك» فى شكل أقرب للرعب عام 1940. وحاز وقتها على جائزتى أوسكار كأفضل فيلم، وأفضل تصوير. وقد تحولت رواية (ريبيكا) إلى مسلسلات تليفزيونية وإذاعية، كما صنع منها عروضًا مسرحية، وأوبرا.
النسخة الجديدة من إخراج «بن ويتلى»، وسيناريو «جاين جولدمان». وبطولة: «ليلى جيمس وكيلى هاوز».
هناك بعض الأفلام الأخرى التى يجرى تطويرها، أو يتم التعاقد عليها، أو لا تزال مجرد فكرة.. ومن بينها (All Quiet on the Western Front، كل شىء هادئ على الجبهة الغربية). والذى سيقوم بإخراجه «إدوارد بيرجر». ويستند الفيلم إلى رواية نُشرت لأول مرة عام 1928 فى الصحيفة الألمانية «Vossische Zeitung»، وككتاب فى 1929، وهى من تأليف «إريك ماريا ريمارك»، وهو من قدامى المحاربين الألمان فى الحرب العالمية الأولى، الذى وصف فى روايته ضغوط الجنود الألمان الجسدية والعقلية الشديدة خلال الحرب، والانفصال عن الحياة المدنية، التى شعر بها العديد من هؤلاء الجنود عند عودتهم إلى ديارهم من الجبهة.. تحولت الرواية إلى فيلمين، الأول عرض عام 1930، وكان من إخراج «لويس مايلستون»، الذى نال عن الفيلم جائزة أوسكار أفضل مخرج، كما فاز الفيلم نفسه بجائزة أفضل فيلم. وتم اختياره فى عام 1990 ليحفظ من قبل السجل الوطنى للأفلام بمكتبة الكونجرس الأمريكى باعتباره مهمًا ثقافيًا، وتاريخيًا، وجماليًا. أما النسخة الثانية فكانت لفيلم تليفزيونى عرض عام 1979، من إخراج «ديلبرت مان».

سيتم أيضًا إعادة تقديم واحد من أهم كلاسيكيات السينما العالمية وهو فيلم (The Birds، الطيور) هو فيلم رعب أمريكى عرض عام 1963 للمخرج «الفريد هيتشكوك». وهو مقتبس عن قصة قصيرة بنفس الاسم لـ«دافنى دو مورير». وتدور أحداثه حول سلسلة من هجمات الطيور العنيفة المفاجئة وغير المبررة على سكان خليج «بوديجا»، بولاية كاليفورنيا.
وبالنسبة لإعادة صنع هذا الفيلم، فيعتقد الكثيرون أنه لا يمكن لمس كلاسيكية «هيتشكوك» تلك، بل يعتبر البعض بأن فكرة إعادة صناعتها من الأساس تعد جريمة ضد السينما. ومع ذلك، فقد طرحت الفكرة فى عام 2014، على أن يتولى «مايكل باى» إنتاج الفيلم. ويقوم بإخراجه الهولندى «ديديريك فان رويجين». ولكن، بعد مرور أكثر من خمس سنوات دون تحرك ملموس فى الأمر، تم الإعلان بأنه بدلاً من عرض الفيلم على شاشات العرض الكبيرة، سيتم إنتاجه بواسطة (BBC) مع التركيز على قصة «دو مورير» التى نشرت عام 1952، وليس فيلم «هيتشكوك».
أيضًا كان موقع «هوليوود ريبورتر» قد ذكر فى عام 2015، أن فيلم الإثارة النفسية (Memento، تذكار) الذى عرض عام 2000، وأخرجه «كريستوفر نولان»، سيتم إعادة صنعة من جديد، تحت رعاية شركة (AMBI Pictures). وقد صرحت المديرة التنفيذية للشركة «مونيكا باكاردى»، بأنها تخطط للسير على رؤية «نولان»، وتقديم فيلم لا يُنسى. ومع ذلك، لم يصدر أى معلومات عن الفيلم، أو العمل عليه حتى الآن.
قصة الفيلم مقتبسة عن القصة القصيرة (تذكر أنك ستموت) للمؤلف «جوناثان نولان». وتدور قصته حول رجل يتعقب قاتل زوجته، ولكنه يعانى من فقدان الذاكرة. وقد روى الفيلم الأول القصة كتسلسلين مختلفين من المشاهد، إذ كان هناك جزء يعرض باللونين الأبيض والأسود تظهر بشكل تسلسل زمنى منضبط، والثانى ملون يعرض بترتيب عكسى، لتكون محاكاة للجمهور للحالة الذهنية للبطل، إلى أن يصل جزئى الفيلم لنقطة التقاء فى النهاية. وقد نالت طريقة السرد تلك استحسانًا واسعًا من قبل النقاد على مستوى العالم. وحاز الفيلم على العديد من الجوائز. كما اعتبرته مكتبة الكونجرس الأمريكية تذكارًا مهمًا، وتم اختياره للحفظ فى السجل الوطنى للأفلام فى عام 2017.
ومن روائع السينما الأمريكية أيضًا اختارت شركة (يونيفيرسال) عام 2011، إعادة تقديم فيلم (Scarface، الوجه ذو الندبة)، ولكن صرحت الشركة أن الفيلم الجديد ليس تكملة ولا نسخة جديدة، ولكنه سيأخذ عناصر من النسختين اللتين تم عرضهما فى عامى 1932 و 1963.. وإن كانت النسخة الأهم والأشهر هى تلك التى عرضت عام 1983، من إخراج «برايان دى بالما»، وتأليف «أوليفر ستون». والتى حكت قصة اللاجئ الكوبى «تونى مونتانا»، الذى جسده النجم «آل باتشينو»، والذى وصل إلى ميامى فى الثمانينيات مفلسًا تمامًا، ثم تحول إلى تاجر مخدرات ذي قوة ونفوذ.. ورغم أن رد الفعل الأول على الفيلم كان سلبيًا، بسبب العنف المفرط، الألفاظ النابية، واستخدام المخدرات بشكل صريح. وكذلك اعتراض بعض المغتربين الكوبيين فى ميامى على تصوير الفيلم للكوبيين كمجرمين ومهربى مخدرات. إلا أنه مع مرور الزمن، أعاد النقاد تقييمه، وصار يعتبر الآن واحدًا من أفضل أفلام الجريمة، وأحد أعظم الأفلام التى تم إعادة صنعها على الإطلاق.
أما فيما يخص صناعة الفيلم الجديد.. ففى مارس 2014، ذكر موقع «The Wrap» أن «بابلو لارين» كان يتفاوض على إخراج الفيلم. ثم فى أغسطس 2016، ذكر موقع «Deadline Hollywood» أن «أنطوان فوكوا» يجرى محادثات لإخراج الفيلم. وبعدها فى فبراير 2017، تم الإعلان عن أن الفيلم سوف يُعرض فى 10 أغسطس 2018، ولكن لم يتم عرضه. وأُعلن حينها أن التصوير بدأ ـ من الأساس- فى أكتوبر 2018. وأنه سيجرى التصوير فى لوس أنجلوس، وأتلانتا، والمكسيك.
ينضم أيضًا لقائمة الأفلام المعلقة، فيلم (Nosferatu: A Symphony of Horror). والذى قدم لأول مرة عام 1922، كفيلم رعب ألمانى صامت، من إخراج «إف مورناو». وكان عبارة عن تعديل غير مصرح به لرواية (دراكولا) للمؤلف «برام ستوكر» التى نشرت عام 1897. إذ تم تغيير الأسماء فيها، وبعض التفاصيل من الرواية، بما فى ذلك استبدال كلمة (مصاص الدماء) مع (Nosferatu)، كما تغير اسم «الكونت دراكولا»، إلى «كونت أورلوك». ورغم رفع ورثة «ستوكر» دعوى قضائية بسبب هذه التعديلات، وحكم المحكمة بتدمير جميع نسخ الفيلم. إلا أن نسخ الفيلم نجت، وأصبح الفيلم تحفة مؤثرة فى السينما. وتم عرض الفيلم فى الولايات المتحدة فى 3 يونيو 1929، أى بعد سبع سنوات من عرضه الأصلى فى ألمانيا.. وفى عام 1979 تم عرض نسخة أخرى من الفيلم، بعنوان (Nosferatu the Vampyre)، للمخرج «فيرنر هيرزوج»، باستخدام الاسم الأصلى «كونت دراكولا»، وليس «أورلوك».
أما عن أفلام التحريك، التى بث منتجو هوليوود فيها الروح عند إعادة صنعها كأفلام حية خلال السنوات الماضية فسوف تستكمل هذا العام والأعوام القادمة والبداية مع فيلم (مولان)، وهو فيلم يعتمد على الفولكلور الصينى. وقد تم عرض الفيلم الأصلى «التحريك» فى عام 1998، لتبدأ خطط إعادة إحيائه عام 2010. وفى مارس 2015، أعلن أنه تم التعاقد مع «نيكى كارو» لإخراج الفيلم، ثم تم اختيار الممثلة «ليو ييفى» للبطولة من بين ألف ممثلة اختبرت للدور. بدأ تصوير الفيلم فى أغسطس 2018 فى نيوزيلندا، والصين. ومن المقرر عرضه فى 27 مارس القادم.
القائمة تشمل أيضًا إعادة صنع، وإحياء أفلام التحريك، (The Little Mermaid - Snow White And The Seven Dwarfs – Pinocchio - The Hunchback Of Notre Dame – Tink - Peter Pan).. ومعها فيلم (Scoob!)، المنتظر عرضه فى 15 مايو القادم، وهو إعادة لسلسلة أفلام (Scooby-Doo)، وسوف تكون قصته مقتبسة عن النسخة الأصلية لمسلسل (سكوبي-دو، أين أنت) والذى بدأ عرضه عام 1969. الفيلم الجديد من إخراج «تونى سيرفونى». ويجسد الأصوات «فرانك ويلكر»، وهو العضو الوحيد فى فريق التمثيل الأصلى الذى يعيد تمثيل دوره، بجانب كل من: «زاك إيفرون، ويل فورت، وجينا رودريجيز»