الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

رحمة منتصر: العمل عند جيلنا كان متعة وليس وظيفة

هى واحدة من جيل الرائدات للمونتيرات. ارتبط اسمها بأكثر من 25 فيلمًا تسجيليًا وسبعة أفلام روائية مهمة تعتبرعلامات فى تاريخ الفن السابع مثل؛ (المومياء، البحث عن سيد مرزوق، إشارة مرور، يوم حلو ويوم مر، المواطن مصرى، وسرقات صيفية).. المونتيرة «د.رحمة منتصر» التى كرمها مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة فى نسخته الرابعة، تخرجت فى المعهد العالى للسينما قسم المونتاج عام 1965، ثم دبلوم معهد السينما بلندن عام 1971، وتعمل حاليًا أستاذة للمونتاج بالمعهد العالى للسينما.. وفى مقابلتها مع روزاليوسف، تحكى عن مشوارها الفنى والتكريم والدعم الذى قدمه لها زوجها الفنان الراحل «صلاح مرعى».. وإلى نص الحوار..



> فى البداية.. ماذا يُمثل لكِ التكريم من مهرجان أسوان؟

- التكريم مهم للفنان لأنه يشعر أن هناك من يُقيم ويهتم بمشواره الفنى، وسعيدة بتكريمى من مهرجان متخصص يُدعم سينما المرأة ويُسلط الضوء على صانعات الأفلام فى المجالات المختلفة وليس بمهنة التمثيل فقط، خاصة أن السنوات الأخيرة شهدت نجاح المرأة فى التصوير، الكتابة، الديكور، الإخراج والرسوم المتحركة.

> لو تحدثنا عن مشوارك الفنى.. كيف بدأت علاقتك بالسينما؟

- بدأت من ذهابى أسبوعيًا مع العائلة فى نزهة لسينما أمير بشارع خلوصى بحى شبرا، بالإضافة لحبى وحرصى لممارسة الأنشطة الفنية المختلفة بمدرستى الحكومية كالباليه، الجمباز، الموسيقى، فكانت هناك بوادر مواهب فنية فى شخصيتى، ولكن كان طموحى الالتحاق بكلية الهندسة ونظرًا لضعف المجموع فى الثانوية العامة، وهذا من حُسن حظى (تضحك) لكى ألتحق بمعهد السينما؛ الذى كان كيانًا جديدًا آنذاك، ولم أعرف عنه شيئًا إلا أثناء زيارة المخرج «صلاح أبو سيف» للعائلة فهو أحد أقارب والدتى، حيث رشح لنا المعهد وأثنى على مستقبله وأحضر لى كتبًا لتثقيفى سينمائيًا، جذبتنى لهذا العالم الساحر، ورغم قبولى بكلية الألسن، إلا أننى لم أحبها وتركتها، وذهبت لمعهد السينما وكنت مع الزميلة منى الصبان طالبتين فقط بقسم المونتاج من الدفعة الثالثة التى تخرجت من المعهد.

> ولماذا اخترت قسم المونتاج؟

- كان التخصص من أول سنة بالمعهد، واختيارى للقسم جاء بعد ترشيح الأستاذ «صلاح أبو سيف»، الذى قال إنه تخصص يناسب الفتيات أكثر من الإخراج فكان مجالًا شاقًا أن تمارسه الفتيات آنذاك، بينما المونتاج عمل مستقل يتم فى غرفة مغلقة، وكان الاختيار الأفضل للعائلة أيضًا. وتدربت أثناء الدراسة كمساعد مونتير ثان مع الأستاذ «سعيد الشيخ»، وكان وقتى مُقسمًا بين المعهد والتدريب عكس طلاب هذا الجيل الذين للأسف اهتموا بالتدريب وأهملوا الدراسة !

> ولكنك أخلصت للمونتاج ولم تتخذيه بوابة عبور للإخراج فيما بعد؟

- لأنى أحببته جدًا، فأنا أكره جو البلاتوهات والتصوير والزحام.

> كيف كانت تجربة أول فيلم بعد التخرج؟

- عملت كمساعد مونتير ثان لمدة ثلاث سنوات فى عدة أفلام منها: (الخائنة، خان الخليلى والزوجة الثانية) مع «سعيد الشيخ»، وتعلمت منه الكثير، فهو مونتيرمخلص جدًا لعمله، وكان قاسيًا مع من يخطئ من طلابه، ولكن عمل المساعد الثانى كان مرهقًا جدًا، حتى تم تعيينى بالمعهد عام 1986. وبالتوازى كان المخرج «شادى عبدالسلام» يجهز لفيلم (المومياء) ومعه زملاؤنا من قسم الإخراج، فكنت أشعر بغيرة ورغبة شديدة للعمل معهم، وبالفعل حضَرت سكريبت فيلم (المومياء)، (تضحك) لكن أستاذ «شادى» كان الفيلم فى عقله وليس فى الاسكريبت. وقد عملت بنفس الفيلم كمساعد للمونتير «كمال أبو العلا»، وكان صاحب مدرسة مختلفة عن «سعيد الشيخ» الذى يمثل السينما المصرية التقليدية. وتوليت مع الأستاذ «شادى» نهارات كاملة لتركيب هذا الفيلم لأنه كان يعتمد على الدوبلاج، وكان يضع «أبو العلا» لمساته النهائية التى أنتجت تلك التحفة الفنية الساحرة.

> نُلاحظ تفضيل المخرجين العمل مع مونتير واحد بأفلامهم.. كيف كانت علاقتك مع «شادى عبدالسلام»؟

- توليت مونتاج كل أفلام «شادى» التسجيلية ماعدا فيلم واحد اسمه (ما قبل الأهرامات) لأن ساقى كانت مكسورة. وكان أول فيلم تسجيلى بعد المومياء هو (الفلاح الفصيح) كان عملًا رائعًا وكنت مساعد مونتير لـ«كمال أبوالعلا» ثم انطلقت كمونتير لكل أفلامه بعد ذلك. وعندما تأسس مركز الفيلم التجريبى برئاسته، أصبحنا مجموعة عمل، وعملت أول فيلم كمونتيرة وكان بمثابة مشروع تخرجى لأن ضعف الإمكانيات بالمعهد كان يمنعنا من تنفيذه عمليًا، وهو فيلم (القاهرة 1830) لـ«سمير عوف». وهو من الأفلام التى أعتز بها فى مشوارى.. أما الأستاذ «شادى» فكان بمثابة أكاديمية مستقلة، كان اجتماعنا معه لا يتوقف سواء فى مكتبه الخاص بشارع فؤاد أو بمركز الفيلم التجريبى، فهو من علّمنا سماع الموسيقى، وحضور معرض الكتاب، فقد تكونا فنيًا وثقافيًا على يد «شادى عبدالسلام».

> ما سر انحيازك لمونتاج الأفلام التسجيلية عن الروائية؟

- كنت دائمًا فى صراع بين التدريس بالمعهد والعائلة والمونتاج، فبدأت بالفيلم التسجيلى بعد تعيينى بالمعهد، وعملت بمركز الفيلم التجريبى ومركزالأفلام التسجيلية رغم عائده الضعيف إلا أننى كنت أرغب فى ممارسة المهنة، لكى أنقل هذه الخبرة العملية للطلاب، وكان لدى شغف بالعمل الروائى ولكن فى ذات الوقت مشغولة بتربية أبنائى الصغار، فالفيلم الروائى كان يستغرق وقتًا طويلًا فى مونتاجه فضلًا عن الارتباط بميعاد عرض محدد، لذا كنت أتركه وأعمل فى التسجيلى لأتحكم فى وقتى. وعندما كان يأتينى فيلم طويل أقتنع بوضع اسمى عليه، لم أكن أتأخر.

> هل العمل أسهل مع مخرجين قادمين من مدرسة المونتاج مثل «كمال الشيخ، صلاح أبوسيف» أم العكس؟

- سهل، ويخلق تفاعلًا كبيرًا بين المونتير والمخرج، فمثلًا «كمال الشيخ» كان يقف معنا على الطاولة أثناء تنفيذ المونتاج ويعطى ملاحظاته، ونجده كمخرج من حيث التكنيك قويًا جدًا ويعتمد على المونتاج فى أفلامه بشكل كبير، عكس «صلاح أبو سيف» فهو يُصور المشهد بزاويتين؛ لونج شوت وتفاصيل، ويترك المونتير يُركب التفاصيل ويضع فى النهاية تعديلاته. بينما مثلاً «خيرى بشارة ويسرى نصر الله» يجلسان مع المونتير فى الفيلم كله.

> ماهو أقرب أفلامك الروائية لك؟

- معظمها، ولكن (سرقات صيفية) كان أول أفلام «يسرى نصر الله»، وكان تجربة مميزة، رغم استخدامنا كاميرا 16 ملى وهو مرهق تقنيًا، (البحث عن سيد مرزوق) لـ«داود عبدالسيد»، من أكثر التجارب القريبة لقلبى، كنت مستمتعة أثناء العمل به وبعد المكساج وانتهاء مهمتى شعرت بأنهم أخذوا ابنى، و(يوم حلو ويوم مر) لـ«خيرى بشارة».

> درست فى المعهد لأجيال كثيرة من هى الأسماء التى تتابعين شغلها الآن؟

- منى ربيع، داليا الناصر، رباب عبداللطيف، دينا فاروق، المونتير والمخرج خالد مرعى وهبة عثمان. عندما أشعر بحنين أو حزن لتوقفى عن المونتاج، أتذكر هذه الأسماء، تربية أجيال جديدة ناجحة فى المجال يعوضنى كثيرًا ويملأنى الإحساس بالرضا والفخر بهم.

> لماذا أشهر العاملين بالمونتاج نساء؟

- النساء لديهن صبر ويهتممن بالتفاصيل أكثر من الرجال وهو ما ينعكس على الشاشة.

> متى يقع الخلاف بين المونتير - وهو الناقد الأول للفيلم - وبين المخرج؟

- تعودت أن أقرأ السيناريو وتكوين فكرة عامة عن الفيلم فى البداية، والمونتير والمخرج ليسا فى صراع، بل نجاح الفيلم متوقف على الهارمونى المتحقق بينهما، والخلاف ينتج أحيانًا فى بناء المشاهد، ولم يحدث خلاف واضح مع المخرجين الذين تعاونت معهم، ولكن لو اختلفنا نظل ساعات نتناقش ويتنازل كلانا من أجل مصلحة الفيلم وخروجه بأفضل صورة.

> تعاونت مع زوجك مهندس الديكور «صلاح مرعى»، كيف كان العمل معه؟

- رغم تعاوُننا المشترك فى أفلام عديدة سابقة لـ«شادى عبدالسلام»، ولكنى تخوفت أن نختلف فى العمل مباشرة لفيلم من إخراجه وهو (آفاق 96)، لذا استعنت بالمونتيرة المجتهدة «داليا الناصر» لتتولى المهمة لو وقع خلاف مع «صلاح» واضطررت للانسحاب من الفيلم. ولكن مر الفيلم بسلام وخرج «فيلم جميل»، لقد صنعه «صلاح» بحب شديد.

> كيف يعيش فنانان تحت سقف واحد؟

- «صلاح» كان شخصًا داعمًا لعملى وكان يشجعنى باستمرار للعمل والنجاح، وحتى لو كان هناك تقصير بسبب ضغوط العمل كان يساعدنى، وكان يفرح جدًا عندما أعمل فيلمًا جيدًا، كان شخصًا رائعًا ومثالًا جيدًا يُقتدى به.

> لو مسيرتك عبارة شريط فيلم.. أى مرحلة تختارين الحذف والمونتاج لها ؟

- لن أحذف شيئًا، راضية عن تجربتى وكل المراحل التى اجتزتها؛ الأكاديمية، العائلية، الفنية، حتى الأوقات الصعبة تعلمت منها الكثير، دائمًا أقول: «نحن جيل استمتعنا بحياتنا» العمل كان لنا متعة وليس مجرد وظيفة، كان يومى يبدأ فى الثامنة صباحًا بالتدريس بالمعهد وينتهى فى العاشرة مساء فى غرفة مونتاج أحد الأفلام، ورغم المجهود كنت سعيدة بما أفعله.>