«مفتشو الرى»يجلدون الفلاحة.. لكن باحترام!

ولاء حسين
سؤال طاردنا: هل كل مفتشى الرى يرون الفلاحين والفلاحات كما رآهم «قنديل»؟!.. فكان ضرورياً أن نسمع رواياتهم
«هل كل مفتشى الرى يرون الصورة فى الريف المصرى بهذه السوداوية المتجاوزة كما يراها رئيس الوزراء»؟!.. سؤال طاردنا بعد تصريحات «قنديل» المستفزة التى تمس شرف كل مصرى ومصرية، لا رجال ونساء بنى سويف فقط، حينما ادعى أن الفلاحات فى بعض القرى يغتصبن فى الغيطان وقت صلاة أزواجهن، والأمهات لا ينظفن صدورهن فيصبن أبناءهن بالإسهال! فكان من الضرورى معرفة آراء عدد من مفتشى الرى فى بحرى وقبلى، ففوجئنا بما هو «طبيعى» فى زمن الاستثناءات، وانتقدوا حال الريف الصعب جدا بلا تجاوزات مستفزة بكياسة شديدة، محذرين من ظواهر صحية واقتصادية واجتماعية خطيرة تدمر الريف، إلا أنهم حرصوا على رفض استغلال شهاداتهم «المحترمة» فى أى إسقاط كلام لرئيس الوزراء «المتجاوز» فكل التقدير لهم!
الفلاحة فى دلتا وصعيد مصر.. فى عيونهم.. ترتكب الكثير من الأخطاء الصعبة، لكنها فى مكانة غاية فى الاحترام من وجهة نظرهم عكس رئيس وزرائهم، لا تزال تترك أطفالها عرايا وتحميهم بجوار البهائم فى الترع، وتستيقظ متأخرة عكس الماضى لاهتمامها وزوجها بالمسلسلات!
حديث «مفتشى الرى» يجعل صورة «قنديل» والفنان «أحمد مظهر» فى فيلم «دعاء الكروان» مسيطرة على المشهد، بالإضافة للإطار المحترم الكيّس لجلد الذات من أجل إنقاذها لا فضحها!
المهندس عصام إدريس وكيل وزارة الرى بهندسة القناطر الخيرية يروى لنا مشاهدات ريفية يراها منذ التسعينات ومازالت قائمة، وأصبحت عادات متأصلة فى ثقافة الريف ولا تمثل عيبا، ومن أبرزها إصرار الفلاحة على غسل ملابسها وملابس أسرتها بكل أشكالها فى الترعة ومعها طشتها، ولا ترى أى ضرر من وجود سيارة كسح تلقى بجانبها مخلفات الصرف، أو حتى جارة لها خرجت بصفيحة لتلقى منها مياه صرف إلى جانبها.
ظاهرة غسل الملابس بالترعة سبب إصابة الفلاحات بـأمراض جلدية خطيرة وأخرى مزمنة، ولفت إدريس إلى أن من أبرز المشاهدات لمفتش الرى هى الخاصة بأنه رغمًا عنه يكون طرفا فى الخلافات العائلية والزوجية أحيانا، نتيجة تداخل المشاكل العائلية والزوجية فى جميع أمور الحياة، بل إن 90٪ من شكاوى الخلافات على مناوبات الرى سببها الخناقات العائلية.
الفلاح لم يعد هذا الفلاح المثالى الذى يستيقظ من الفجر ويخرج للعمل بالغيط قبل شروق الشمس.. ويؤكد إدريس أن فلاح التسعينات عندما كنا نقف لنفهمه أن هناك قلة موارد فى سنوات ضعف الفيضان وأن المياه لهذا شحيحة كان كل تفكيره أن الميه بتروح للبهوات والبشاوات وهو فى آخر الدور، و«فلاحين النهاردة» فى عز السنوات الشحيحة بيسرفوا فى المياه بشكل خطير خلال مناوبات الرى.
الفلاح أصبح يسهر أمام البرامج التليفزيونية ويشغل نفسه بمباريات الكرة، وبالتالى لم يعد يذهب إلى الغيط من «صباحية ربنا».
وعن الفلاحات فهن أيضا أصبح اهتمامهن بالمسلسلات التركية واضحًا إلى حد بعيد، فلم تعد الفلاحة تعمل ساعات طويلة بالبيت لتحلب وتنظف تحت المواشى وتصنع الجبن القريش والقشطة البيتى والزبد، قبل أن تذهب إلى الحقل لمساعدة زوجها.. ومن المشاهدات الحالية بعد الثورة هى زيادة البلطجة على الترع فأصبح هناك ظاهرة كسر فم الترع عنوة والتعدى على مناوبات الرى ومنافع الرى لإقامة مسجد أو مصلى أو لبناء غرفة على الترع للإقامة بها.
المهندسة إيمان مصطفى بإدارة رى شبين الكوم والتى عملت أيضا فى إدارة الصرف بشرق المنوفية، تقول: إن من أخطر المشاهدات التى تراها وهى تمر بين الحقول أن بيوت الفلاحين تشرب من نفس المياه التى تخرجها صرفا من البيوت.. ففى القرى التى ليس بها صرف صحى تخرج الفلاحة فى الصباح بصفيحة بها مخلفاتها من الصرف الصحى لتلقى بها بالترعة، وبعد ساعة أو أقل تستخدم نفس مياه الترعة لإعداد طعام أسرتها.
ومن أصعب المشاهد التى تعرضت لها.. تروى مفتشة الرى أن كثيرا ما تجد فلاحًا يدخل عليها ماسكا بيده الزرع الدبلان قائلا حسبنا الله ونعم الوكيل فيكى زرعى بيموت وأنت حاجزة الميه عنه.. إلا أنه بعد المعاينة يثبت أن المياه موجودة ولكن نتيجة إلقاء جاره أكوامًا من القمامة تسد الترعة عنه.
المهندس محمد النوبى مفتش الرى بالأقصر، له مشاهدات من خلال عمله بعدد من قرى الصعيد أيضا فى إسنا وقنا، بقوله إن من أبرز المشاهد التى تزايدت بعد الثورة بالريف هى وجود سيارات كسح بدون لوحات معدنية مع الصرف الصحى من طرنشات القرى لتلقى به فى الترع، والتى مازالت تغسل بها الفلاحات الأوانى المنزلية والملابس وتحمى فيها أطفالها وبما يهدد بأمراض خطيرة منها السرطانات، بل وإن غالبية الترع أصبحت شبه مردومة من أكوام القمامة التى تلقى بالترع من الأهالى.
وعن مشاهد ترك السيدات فى القرى لأبنائها الصغار دون ملابس تستر عوراتهم.. يتحدث النوبى ضاحكا أنه لا يفهم إذا ما كان هذا التصرف نتيجة لفقر أو قلة وعى أو كسل من الفلاحات حتى لا يضطررن للتغيير لأبنائهن الصغار ملابسهم بين الحين والآخر.. أو ممكن توفير فى المسحوق .. ولفت إلى أن الفلاحة لا تميل إلى التحويش للفلوس بقدر ما تهتم بالتدبير من أجل مواجهة الأعباء الاقتصادية .
وتتكرر مشاهدات أخرى حاليا أيضا تتمثل فى انتشار محال غيار زيت السيارات على الترع والتى تلقى بمخلفات تهدد الصحة العامة، ولا يوجد شكوى واحدة ضدها لأن هناك قلة وعى بمثل هذه الأمور، فضلا عن ظاهرة غسيل السيارات بالصابون والجاز على الترع، وذلك كله إضافة إلى العادات القديمة للفلاح بقيامه بتنظيف مواشيه بالترعة مباشرة وربما يكون أولاده يسبحون إلى جانبها.
ويحذر النوبى من عودة ظاهرة «الثأر» بقوة إلى الريف والصعيد على وجه الخصوص، بعدما كانت بدأت هذه الظاهرة فى الانحسار بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبعدما باتت قعدات الصلح بين العائلات أمر لا يشكل عارا عند كثير من العائلات، إلا أن ازدياد انتشار الأسلحة بعد الثورة وبجميع أنواعها أصبح مشجعا لعودة ظاهرة «التار» بقوة، بل وبانتشار أنواع من البلطجة فى الصعيد لم تكن موجودة من قبل، فلم يعد اللص وقاطع الطريق يسلب أموال غنيمته ويفر هاربا، وانعدام الأمن وهيبة الشرطة جعل منه فوق هذا الخوف، وأصبح يدخل البيوت مهددا أهلها ليسرق ويفعل كل ما يحلو له قبل أن يخرج.
المهندس عبد المنعم المرزوقى جادو رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والرى قال أن أهم المشكلات التى يعيشها الوطن فى هذه الآونة هى تلك المتعلقة بمحدودية حصة مصر من مياه النيل، وارتفعت نسبة مخالفات التعدى على مصادر المياه وإهدارها وتلويثه، وتتفاقم الأزمة مع عشوائية معالجة مشكلة الصرف الصحى الذى تقوم الوحدات المحلية وشركة الصرف الصحى بالتخلص منه فى المجارى المائية دون معالجة حيث لم تتعد نسبة ما يتم معالجته من الصرف الصحى20٪ من إجمالى القرى ومدن الجمهورية وهذا مما صعب إمكانية إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى فى الرى بعد معالجتها.
ولم يعد يهتم أحد لخطورة تحول المجارى المائية مقلبا للقمامة العمومية بعد أن تخلت الوحدات المحلية عن القيام بواجبها بتوفير حاويات للقمامة وتوفير مقالب عمومية لها وكذا إنشاء مصانع لتدوير القمامة، وهى الأمور التى لم تحدث حتى الآن مما نتج عنه إنفاق وزارة الموارد المائية ملايين الجنيهات على أعمال تطهير المجارى المائية من الحشائش دون الحصول على نتائج مرضية ويحتاج هذا الموضوع أيضا إلى التدخل بإصدار تعديل تشريعى مهم لقانون الرى وقانون التلوث لكى يتم التعامل مع هذه المشكلة فى إطار قانونى.
ومن أخطر المشكلات التى يجب معالجتها حاليا استعادت هيبة الدولة بسرعة وبشكل قانونى يسمح بنزول حملات إزالة التعديات على المجارى المائية وجسورها بالردم أو البناء وفى حماية قوات الأمن، لأنه كلما تأخرت المواجهة كلما ازدادت المشاكل صعوبة وترسخت روح التعدى والتسيب لدى بعض المواطنين الذين يناسبهم مناخ الفوضى ويمكنهم من التعدى على أملاك الدولة!