البنـا.. إمـام أهـل «العنف»

هاني عبد الله
ربما لم يحمل «حسن البنا» السلاح بنفسه، بل هذا هو الأرجح لمتتبعى تحركات الرجل وسكناته.. لكنا، نحسبه - يقيناً - أول من رسم «خريطة الدم» التى تطاردنا، صباح مساء(!)
.. هو ومريدوه، ومن بعدهم الطوفان .. فإما أن تدخل «جنتهم»، أو تستقر بين أشواك «حدائق الشيطان»(!)
ما كتبه «البنا» لا يختلف فى جوهره عما نادى به «سيد قطب».. وما أفتى به عمر عبدالرحمن لا يبتعد كثيرا عما تمناه الاثنان.. وما روج له «شيوخ العنف» كان أن حولته أجيال تالية إلى منهج رأوا أنه يقربهم إلى الله زلفى(!)
كانوا - جميعاً - محطات مختلفة الأشكال، لكنها - فى النهاية - سارت على نفس معالم الطريق.. كانت امتدادات متنوعة على نفس الخط. أنت لا تصدقنى.. حسناً..
اقرأ معى السطور التالية، بعقلك، واحكم فى النهاية بنفسك:
مؤمن: (ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا)، متردد: (نتركه لتردده ونوصيه أن يتصل بنا عن كثب)، نفعى: (الله غنى عمن لا يرى لله الحق الأول فى نفسه)، متحامل: (وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا وإقناعه بدعوتنا).
كانت هذه هى الصورة التى رسمها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان لأتباعه، حول الناس ومواقفهم المختلفة إزاء دعوته.. فإما مؤمن أو متردد أو نفعى أو متحامل.. وعليك أن تختار من بينها ما تشاء(!)
لم يضع البنا مساحة لمخالفيه تمكنهم من تفنيد آرائه أو مراجعتها.. فدعوته الحق الذى يجب اتباعه.. وفى أقصى تقدير للخلاف، أنت «متحامل» يرجى إقناعه(!)
أما وإن كنت من المبادرين المنضمين إلى صفوف الجماعة فأنت من «المؤمنين» المبشرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. أنت ممن فى النعيم يرفلون(!)
هكذا أراد البنا، إذاً.
أراد - ابتداء - تأميم الدنيا والآخرة، لكنه لم يقل لنا فى حينه: ماذا سيفعل إذا بقى «المتحامل على الدعوة» على تحامله، ولم ينل من الهداية والاقتناع مبتغاه(؟!)
لكن الإجابة عن هذا التساؤل، سرعان ما خطّها الرجل بيده.
كتب البنا فى العدد الأول من مجلة النذير - وهى مطبوعة أسبوعية أصدرتها الجماعة فى الفترة مابين 30 مايو ، و16 أكتوبر من نفس العام - تحت عنوان: (خطوتنا الثانية.. أيها الإخوان تجهزوا):
إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لذا سوف يتوجه بدعوته إلى كل المسئولين، فإن أجابوا آزرهم، وإن لجأوا إلى المواربة والمراوغات، (فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تقوم على نصرة الإسلام، ولا تسير فى الطريق إلى استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام).
حسناً..
لنوغل - الآن - برفق، إذ إن كلمات الرجل من الوضوح بما لا يجعلها هدفاً للتأويل أو التبرير.. فالرجل احتكر لنفسه، وجماعته - من حيث الأصل - الحديث باسم الإسلام، دون سواهم (!)
.. هم الإسلام، وما عداهم عدو للدين يجب ردعه بالقوة (!)
وهو قول دأب الإخوان أنفسهم على وصفه بـ«المتحامل».. لكن له شواهد من الواقع تؤيده بقوة.
ففى ظل أوضاع سياسية مرتبكة جمعت بين القصر والإنجليز فى العام 1940 ، كانت نتيجتها أنْ أجبر الإنجليز الملك فاروق على حل حكومة على ماهر وتشكيل وزارة جديدة.. أسس البنا «النظام الخاص» كتنظيم سرى مسلح لا يخضع لباقى هيئات الإخوان العلنية فى نهايات نفس العام، بحسب أكثر الأقوال ترجيحا.. أى قبل أن تظهر للوجود قضية «تحرير فلسطين» بصورتها المعقدة، التى تتخذها الجماعة تكئة لتبرير تشكيل الشيخ لهذا الجناح الدموى (!)
ووضع الرجل، فى حينه، على رأس التنظيم الجديد صالح عشماوى، إذ كان أبرز شباب الجماعة آنذاك.. إلا أن البنا فى مرحلة لاحقة أراد أن يفرض على الجناح العسكرى لجماعته قدرا أكبر من السرية.. فأبعد عشماوى عن قيادته وأتى بفتى لم يكن معروفا بالقدر الكبير بين أفراد الجماعة، هو عبدالرحمن السندى.
وفى يناير 1948 عثرت قوات الأمن على 165 قنبلة وصندوق للأسلحة بمنطقة المقطم، بعد معركة ساخنة جمعت بين قوات البوليس وشباب الإخوان، الذين ادعوا أن الأسلحة كانت فى طريقها إلى فلسطين (!)
وبعد هذه الواقعة بشهر واحد فقط، اغتالت الجماعة القاضى أحمد الخازندار، إذ كان قد أصدر حكما بالسجن على شابين من الإخوان، كانا قد اتهما بإلقاء قنابل على نادى الضباط الإنجليز بالقاهرة ليلة عيد الميلاد.
وفى شهر نوفمبر.. وبعد سلسلة من التفجيرات التى شهدتها العاصمة بين المحلات الكبرى المملوكة لليهود مثل: شيكوريل وأريكو وبنزيون.. اشتبهت دورية شرطة فى سيارة «جيب» كانت تقف أمام أحد المنازل بحى الوايلى، إذ لم تكن تحمل أرقاما.. ووجد بها كمية كبيرة من المتفجرات والأوراق تخص النظام الخاص بالجماعة (!)
∎∎
فاصل ونعود :
على المستوى الشخصى.. استوقفتنى هذه الواقعة، إذ استدعيت من فورى تصريح «د.عصام العريان» عن ضرورة عودة اليهود المصريين.. وأيقنت، حينها، أن الرجل لم يرد بهذا الأمر إلا أن يكفر عما جنته يد الجماعة فى الماضى.. لكن الإعلام «المغرض».. ويا له من إعلام (!) .. لم يمهل الرجل الفرصة، ليصلح هذا الخطأ التاريخى فى حق اليهود.
حقك علينا يا دكتور، فالغلط مردود(!)
.. ولنستأذنك قليلا، فى العودة - إلى حين - لصفحات التاريخ، إذ إن الأمل فيكم لا يزال معقودا (!)
∎∎
تقول الوقائع: إن هذا الأمر دفع حكومة «النقراشى» لإصدار الأمر العسكرى (63 لسنة 1948) بحل جمعية «الإخوان» وجميع شعبها .. وبعد 20 يوما فقط على قرار الحل، كان أن أطلق عبدالحميد أحمد حسن، عضو النظام الخاص النار على رئيس الوزراء وأرداه قتيلا أمام وزارة الداخلية.. وهو ما انتهى باغتيال البنا نفسه كرد فعل مباشر على نهج جماعته الدموى.
ورغم أن كل جرائم العنف، التى اقترفها «النظام الخاص» كانت تحت سمع وبصر البنا، إلا أن الشيخ الذى احترف اللعب على كل الأطراف (القصر - الملك - الإنجليز)، عندما وجد أن زمام الأمور بدأ يفلت من يديه، لم يتوان فى أن يصدر بيانه الشهير، الذى تبرأ فيه من رجاله الذين اغتالوا النقراشى باشا، وقال إنهم «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين».
لكنهم يا شيخ كانوا إخوانا، وإن وافقناك أنهم ليسوا مسلمين (!)
(فأنت من منحهم السلاح، وأنت - أيضاً - من غذّاهم بأفكار المجتمع الجاهلى).
.. رجاءً .. انتظر، قليلاً، قبل أن تتهمنى بخلط الأوراق.
فقد (خدعوك فقالوا) أن سيد قطب، هو أول من ابتدع هذه الفكرة، إذ لا يدرك الكثيرون أن فكرة «جاهلية المجتمع» التى نادى بها «قطب»، كانت هى الهدف «الأثير» الذى دارت حوله أغلب توجيهات البنا لأفراد الصف الإخوانى.. إلا أن الفارق بين الاثنين، هو أن البنا قال بها تلميحا، بينما قال بها «قطب» تصريحا (!)
ففى (رسالة إلى الشباب) يقول البنا: إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل، واضح الخطوات، فنحن نعلم تمامًا ماذا نريد، ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة.
1- نريد أولاً الرجل المسلم فى تفكيره وعقيدته، وفى خُلُقِه وعاطفته، وفى عمله وتصرفه، فهذا هو تكويننا الفردى.
2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم فى تفكيره، وعقيدته، وفى خُلُقه، وعاطفته، وفى عمله وتصرفه، ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسرى.
3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم فى ذلك كله أيضًا، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يُسمع صوتنا فى كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل فى القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو فى ذلك جهدًا، ولا نترك وسيلة.
4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التى تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد.
5- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كلَّ جزء من وطننا الإسلامى، الذى فرقته السياسة الغربية، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، فمصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، كلُّ ذلك وطننا الكبير الذى نسعى لتحريره.
6- ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خفاقة عالية على تلك البقاع التى سعدت بالإسلام حينًا من الدهر، ودوَّى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التى قامت على العدالة والإنصاف ونشر النور والهداية بين الناس.
7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم، وأن نبلغ الناس جميعًا، وأن نَعُمَّ بها آفاق الأرض، وأن نُخْضِع لها كل جبار؛ «حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ» (الأنفال: من الآية 39)، «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (الروم).
وبقراءة بسيطة للمساعى التى كتبها البنا بنفسه كأهداف لجماعته، فإن الملاحظ هو إسقاطه صفة «الإسلامية» عن النماذج التى طرحها جملة وتفصيلا.
فلا يعنى أنه يريد الفرد المسلم، سوى أنه ليس موجودا من حيث الأصل.. ولا يفهم من أنه يريد البيت المسلم، إلا أنه لم يعد هناك من يشيّد كيانه الأسرى على نهج «قويم».. وكذلك الأمر بالنسبة للشعب والحكومة اللذين هجرا - بحسب تصوره - التعاليم الإسلامية إلى حيث لا رجعة (!)
فهل مازلت إلى الآن، تعتقد صحة ما خدعوك به من قبل، عن أن البنا شىء، وقطب شىء آخر (؟)
عن نفسى، سأرفع قلمى قليلا.. وأترك «النهاية» لأحد قيادات الإخوان المعتبرين، إذ يقول صلاح شادى فى كتابه «الشهيدان»: (كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامى، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر) .. ونحن لن نزيد على هذا، وكفى بها نقمة.