الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

مافيا الدواجن «الميتة»!

بعد حالة الاستقرار التى شهدتها بورصة الدواجن خلال الأسابيع الماضية، بدأت الأسعار تشهد ارتفاعا ملحوظا خلال الأيام الماضية، إذ اقترب سعر كيلو الفراخ البيضاء من حاجز الـ 30 جنيها، بعد أن كان سعرها فى أغسطس الماضى 18 جنيها فقط.. الارتفاع أرجعه البعض لقلة الإنتاج خلال فصل الشتاء وزيادة نسبة نفوق الدواجن التى تصل وفق تقديرات نقابة البيطريين إلى ما يزيد على 30 % بسبب أمراض الشتاء التى تصيب الثروة الداجنة.



زيادة نسبة نفوق الدواجن، مع ارتفاع أسعار المعروض من الفراخ الحية، يستغله بعض ضعاف النفوس بإعادة إنتاج «النافق» فى أشكال مختلفة وتسريبها إلى الأسواق مرة أخرى لبيعها للمواطنين بأسعار مخفضة فى صور مجمدة أو مذبوحة جاهزة، أو من خلال بيع أجزاء منها «البانيه - الأوراك - الصدور». «روزاليوسف» تقصت الأمر، وخاضت تجربة عقد صفقة لشراء دواجن نافقة من إحدى المزارع، وترصد دور جميع الجهات المختصة للتصدى للظاهرة ومخاطرها الصحية.

 

الرشاوى كلمة السر

 

«أسامة» عامل فى مزرعة للدواجن بمدينة المنصورة التابعة لمحافظة الدقهلية، كان بداية طرف الخيط  بعد أن  كشف عن  تجارة بيع «الدواجن النافقة» بالمزارع، فالطمع والرغبة فى تحقيق أى مكسب حتى وإن كان «حرام» تجنبًا للخسارة بعد نفوق الدواجن، يدفعهم لسلك جميع الطرق غير المشروعة. يكشف أسامة - الذى يخشى من ذكر اسمه كاملا - أن هناك سيارات تمر على المزارع لجمع النافق منها، لبيعها سواء لمربى الكلاب، لتصنيعها كأطعمة لها، أو لبعض المحلات التى تقوم بتنظيفها وتغليفها لتباع مجمدة أو مطبوخة بالمطاعم، مشيرًا إلى أن بيعها كطعام للكلاب فتح الباب أمام معدومى الضمير لاستغلال شراء كميات كبيرة وتسريبها للأسواق، موضحا أن المحلات تقوم ببيع الدجاجة الواحدة بسعر 20 جنيهًا للمواطنين، بينما يباع كيلو الهياكل بـ10 جنيهات، وكيلو الكبد بـ7 جنيهات.

 

مواقع التواصل

 

حديث «أسامة» كان بدايتنا للبحث عن تفاصيل التجارة الحرام، للتواصل مع مزارع للدواجن لشراء الدواجن النافقة، قمنا بالبحث عن الصفحات المتخصصة لمربى الدواجن على مواقع التواصل الاجتماعى، ونشرنا إعلانا عن رغبتنا فى شراء كمية من الدواجن النافقة، لم يكن إعلاننا بخصوص شراء النافق الأول على الجروب ولكن وجدنا منشورات مشابهة، منها إعلان يطلب كمية من النافق تبدأ من «طن».

 

الصفقة المشبوهة

بعد دقائق قليلة من نشر الإعلان تواصل بعض المربين الذين يرغبون فى بيع النافق، فكان من بينهم شخص يدعى المهندس «محمد. ر» عرف نفسه بأنه يعمل فى مزرعة بوادى النطرون، فى بداية حديثه حاول معرفة طبيعة احتياجنا من الدواجن والكمية التى نرغب فيها، وعند معرفته بحاجتنا لكمية كبيرة، طلب مهلة بسيطة للتواصل مع المزارع المجاورة لتوفير الكمية. أوضحنا  له أننا  نحتاج الكمية الكبيرة لــ«تجميدها»، ومع ذلك لم يعلق على الأمر. أوضح «محمد.ر» أن الدواجن التى تتعرض للنفوق يكون لسبب إصابتها بالسلامونيلا «مرض معوى»، أو إصابتها بفيروس «نيوكاسيل»، وهذه الفيروسات تجعل أحشاء الدواجن فيها نسبة عالية من السموم، وعند التخلص من الأحشاء يكون لحم الدجاجة سليما وصالحا للاستخدام!

 

إخفاء معالم الجريمة

وأكد «محمد. ر» أن الفترة التى يمكن خلالها استخدام وتخزين الدواجن النافقة 4 أيام فقط، وبعد مرور هذه الفترة يتغير لونها إلى اللون الأخضر ويتم تحللها، وتصبح غير صالحة للاستخدام، فمن يتناولها يصاب بإعياء وتسمم، أما الدواجن النافقة منذ يوم أو يومين، فيمكن استخدامها عقب تنظيفها من الريش وإفراغ أحشائها، وتغليفها وتجميدها.

 

سعر الدجاج النافق

 

عرض «محمد.ر» علينا شراء الدواجن بعد تنظيفها ليوفر علينا الخطوة لتكون جاهزة للتخزين، بعد توفيرها من المزارع: «كده كده بدل ما صاحب المزرعة بيرمى النافق هناخدها بسعر حنين ونساهم فى أنه يربح بدل من الخسارة ويتخلص منها»، موضحا أن سعر الدواجن النافقة المنظفة خمسة جنيهات، أما غير المنظفة فيتراوح بين 2 و3 جنيهات، لجميع الأوزان، واختتمنا الاتفاق بأنه سيحاول جمع نصف طن من مزارع مختلفة وتنظيفها خلال يومين، على أن نوفر سيارة «ثلاجة» لنقل الكمية.

 

المطاعم ومحلات الشاورما

الحاج محمد الصاوي- صاحب مطعم، يقول إن غالبية أصحاب المزارع يبيعون الدواجن النافقة لأصحاب المحلات والمطاعم، وبشكل خاص مطاعم الشاورما، موضحا أن الدواجن النافقة يتم توريدها للتجار بسعر أرخص من الدواجن السليمة، وهناك من يتلاعبون على التجار أنفسهم ويبيعون لهم النافق على أنه سليم، فبعض المندوبين الذين يوردون للمطاعم والمحلات يخدعون أصحاب المحال بتوريد طلبيات نافقة لهم بأسعار السليمة. وعن الطريقة التى يتم من خلالها التخلص من أى شبهات لنفوق الدجاج قبل بيعها، يوضح أنه يتم وضع مواد عليها بهدف تبييض لونها، والدجاج لا يظهر عليه علامات النفوق، خاصة فى ظل طبخه أو شيه ووضع التوابل عليه والتى تخفى أى معالم أو روائح مختلفة، بخلاف اللحوم التى من السهل كشفها إذا كانت نافقة قبل الذبح أم لا.

 

مزارع غير مرخصة

عبدالعزيز السيد رئيس شعبة الدواجن استنكر بيع الدواجن النافقة لاستخدامها للإنسان أو الحيوان، مؤكدًا أن هناك طريقتين للتخلص من النافق سواء بالدفن الآمن أو الحرق، موضحا أن بعض أصحاب المزارع يلجأون لطريقة ثالثة لتعويض جزء من الخسائر باستخدام النافق فى تصنيع البروتين الحيوانى،بعد أن يتم التخلص من الأمراض الموجودة فيها ووضعها فى درجة حرارة معينة. وأشار إلى أن بعض المزارع تتخلص من النافق بصورة كارثية تهدد المجتمع، بالأوبئة والأمراض، فالبعض يلقون النافق فى الترع والمصارف قائلًا: «دى مصيبة ينقل من خلالها الأمراض والأوبئة للمزارع الأخرى والإنسان فالأوبئة تنقل بالهواء»، مشددًا على ضرورة التخلص الآمن. وحول الرقابة على المزارع، يشكو «السيد» من عدم وجودها بشكل فعال، فلابد من وجود طبيب مقيم يطلق عليه «مشرف على المزرعة»، إضافة إلى الإدارة البيطرية التابعة لها المزرعة، إضافة إلى المديريات والهيئة عليها القيام بما يسمى التقصى النشط بطول البلاد حتى تتمكن من الكشف عن الأمراض والأوبئة، فضلًا عن إدارة الاستجابة السريعة التابعة للهيئة العامة للخدمات البيطرية، ودورها الوقوف على  مشكلات أصحاب المزارع. واستبعد رئيس شعبة الدواجن بيع النافق للمطاعم، لكنه توقع بيعها كطعام للكلاب، لأن هناك تغيرات تطرأ عليها بعد النفوق ويستحيل معالجتها، معترفًا فى الوقت نفسه بوجود خلل فى الرقابة، قائلًا: «المطاعم موجودة فى كل مكان بصورة سيئة ومحدش عارف الفراخ سليمة أو مش سليمة». وعن عقوبة بيع الدواجن النافقة، يوضح أن هناك تجريمًا لذلك، فإذا تم ضبط مطعم يبيع النافق يتم غلق المكان، ونفس الوضع للمزارع: «الموضوع خطير ويحتاج لرقابة صارمة والمواطن نفسه يخاف على صحته ولو وجد أى خلل يبلغ عنه، المربى نفسه يحافظ على مزرعته حتى لا تغلق»، مشيرا إلى أن أعداد مزارع الدواجن تصل إلى 47 ألف مزرعة، 60 % منها غير مرخصة، بحسب إحصائية 31 12- 2016-.

 

تؤدى للوفاة

عن أضرار تناول الدواجن النافقة يوضح الدكتور مجدى نزيه- رئيس وحدة التثقيف الغذائى بالمعهد القومى للتغذية- أن المشاكل التى يتم التعرض لمتناولها تحدد حسب مستوى ونوع الإصابة الموجودة التى تسببت فى نفوق الدجاج، لكن بوجه عام الميكروبات تنتج سموما تسبب مشاكل كبيرة على الصحة العامة، وتتسبب فى تضرر كبير للكبد، واصفًا استهلاك الدواجن النافقة بـ«مقامرة غير محسوبة». وأرجع «نزيه»  فى تصريح  لـ «روزاليوسف» الخلل الحاصل إلى غياب الضمير وجهل المستهلك وضعف الرقابة، مشيرًا إلى أن الإصابة قد تظهر بعد وقت لأن هناك سموما ميكروبية آثارها تراكمية، ومن الممكن ألا تحدث بعد التناول مباشرة، لافتًا إلى أن ما يحدد ذلك نوع السموم التى خلفتها البكتيريا. وأضاف أن الدجاج غذاء حيوانى المصدر وأن هذا النوع يتسبب فى تسمم يسمى بـ«التسمم البوتيولينى»، وليس نزلات معوية، مشددًا على أنه فى حالة الإسراع لإنقاذ المصاب من الموت يحتاج إلى تناول مصل يصل ثمن الجرعة الواحدة منه إلى 80 ألف جنيه، مشيرًا إلى أنه سيحتاج إلى ثلاث جرعات أى أن تكلفة العلاج تصل لـ240 ألف جنيه: «الدواجن النافقة مشاكلها كتير وفرق السعر مش هيكون كبير».