الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الراب».. الموسيقى المزعجة للسلطة

«الراب».. الموسيقى المزعجة للسلطة
«الراب».. الموسيقى المزعجة للسلطة







مازالت كما هى رغم تنوع وسائل مقاومتها بالعنف الفكرى والغزوات الوهابية التى تطارد تراثها وفنانيها.. الإسكندرية مازالت مستمرة فى مشروعها الفنى الذى بدأه البطالمة ويستكمله الآن جيل الثورة.. ولأن الثورة ولدت فى الشارع، فكان لابد أن يكون لموسيقى «الراب» مكان أفضل مؤخراً، فزادت أعداد مطربيه وفرقه ربما على 200 فريق فى الإسكندرية وحدها.. يغنون من أفكارهم ويحلمون بالعدل والسلام وأن يعترف الناس بأن «الراب» لا يقل أهمية عن أغنيات عبد الحليم وجيله.. إنهم يغنون من قلب الشارع لتوصيل رسائلهم إلى عقل الجمهور.
 

 
محيط مكتبة الإسكندرية يعتبر مكانا مميزا لتجمع معظم فنانى الشارع سواء كانوا مغنى «راب» أو «كلاسيك» أو «جاز» أو راقصين أو حتى رسامى جرافيتي.. فإذا أردت أن تدخل عالم فن الشارع، فالعنوان هو مكتبة الإسكندرية.
 
هناك التقيت بفريق «الإذاعة» المكون من 4 أشخاص أكبرهم 17 وأصغرهم 14 عاما.
 
 يقول «روسان»: المزيكا هى حياتى منذ صغري، دخلت مجال الراب منذ ثلاث سنوات، فى البداية تعلمت تأليف الأغانى وكيفية الغناء على الرتم والتحكم فى سرعة نطق الجُمل، حتى تمكنت من صناعة طريقة مميزة لأدائي.. ثم بدأت أهتم بتجميع فرق غنائية وتسجيل مقاطع وتحميلها على الإنترنت.. اخترت مزيكا الراب لأنها أصدق وأسرع وسيلة لتوصيل الرسائل التى أحملها فى أفكاري، خاصة أن هذا النوع من الموسيقى يسمح لك بتناول أى موضوع يطرأ على بالك بدون رقابة أو تقييد بقواعد مُحددة.
 
(روسان 14 عاما، الصف الثالث الإعدادى ويعتبر من أصغر مطربى الراب فى مصر)
 
يُكمل زميله «باسم المزيكاتي» حديث روسان ويضيف: «بقالى 5 سنين باغني، ولسه لحد النهارده مافهمتش نقطة فى بحر الراب» لأنه فن متطور بشكل سريع لا تتخيله، ولذلك على مؤدى الراب أن يكون متابعاً جيداً لما يحدث للمزيكا فى العالم كله.. الراب هو الفن الأقرب لـ«الأندر جراوند ميوزك» من الصعب أن يتأقلم مع التزامات الإعلام الرسمى وشركات الإنتاج الفني.
 
(المزيكاتى 16 عاما، الصف الأول سياحة وفنادق)
 
وعن فكرة اشتهار مطربى الراب بأسماء مستعارة، يقول «إسلام ريجاتو»: عادةً ما تأتى أفكار الأغانى فى أى وقت وبدون تحضير، منذ أيام كنت أحاول النوم، وفجأة سألت نفسي: لماذا نطلق على أنفسنا أسماء مستعارة مثل «بياع الكلام»، فكتبت أغنية تقول «فى سوق المزيكا بنزل بشترى وببيع فى الكلام...» أحب صفة بياع الكلام لأنى مُهتم بتوصيل رسائل مفيدة لكل الناس، خاصة للأجيال الأكبر منا سنًا، لأنهم لم يعتادوا سماع هذا النوع من الكلام والمزيكا.
 
(ريجاتو راقص بوبنج، ومغنى راب منذ 5 سنوات)
 
يعود «مزيكاتي» من جديد ليحكى عن اعتراض والده على اهتمامه بالراب ويقول: طوال 5 سنوات يسألنى والدى دائماُ «إيه اللى نافعك من المزيكا دي؟» قلت له: لا شيء، أريد فقط أن أجعل الناس يتعرفون على هذا الفن وأن أغنى فى الشارع دون أن يسخر منى الناس ويتهمونى بـ«العبط».
 
ويتحدث محمد الجعفري: هذا هو هدفنا أن يسمعنا آخر شخص يمكن أن يخطر فى بال أحد، ولذلك نحن كفرقة تجدنا منتشرين فى الشوارع ونهتم بالغناء فى الـ«freezing day»، وهى حفلات صغيرة لا تكلفنا شيئاً، نحضر السماعات الخاصة بنا وجهاز الميكسر ولاب توب، وهذا النوع من الحفلات انتشر بعد ثورة يناير وقبل ذلك كانت تجمعاتنا قليلة جداً لأن الشرطة كانت تمنعنا وتلقى القبض على بعض المطربين.


■ هل اختلفت أغنياتكم بعد الثورة؟ وكيف يتعامل الأمن معكم؟
 
- جعفري: لم تختلف أغانينا بعد الثورة، وأنا بشكل خاص منذ أن بدأت، أغنى ضد الحكومة ومُعارض فى أغنياتي، أشياء كثيرة تستفزني، مثلما حدث مع خالد سعيد، كنت وقتها لم أكمل عامى الأول فى الغناء، وكتبت أغنية اسمها «حكاية شهيد».
 
روسان: قبل الثورة كانت تُحذف أغنياتنا من على موقع youtube خاصة التى كانت تنتقد نظام الحكم آنذاك.
 
ريجاتو: تتعقبنا الشرطة فى أماكن تجمعنا وتمنعنا من الوقوف خاصة حول منطقة مكتبة الإسكندرية، وإذا حاولنا مناقشتهم فى ذلك يقومون بسبنا وتفتيشنا كنوع من الإهانة.
 
مزيكاتي: نحن لا نهاب الشرطة لأننا لا نفعل شيئاً غير شرعىً، كل ما نريده هو أن نغني، وإذا سمحوا لنا بإعطائنا تصريحا لإقامة حفل سنؤكد لهم أننا نقدم فنا يريده الناس.


■ كثير من الناس لا يتقبلون فنكم.. كيف تتعاملون مع انتقاداتهم؟
 
- مزيكاتي: نحاول أن نجتذبهم إلينا ليعرفوا ماذا نغني، فنحن نستعد هذه الفترة لكتابة أغنية على مزيكا أغنية «بيع قلبك» لعبد الحليم حافظ، وقصدنا أن نربط كلامنا بمزيكا قديمة حتى تعجب الأجيال السابقة التى اعتادت على هذا النوع من الموسيقي.
 
■ وما أبرز أغنياتكم؟
 
- ريجاتو: لدينا أغنية عن 4 أشياء متعلقة بالدنيا منها الإيمان والتفكير فى الدنيا والاستسلام لأفكار الشيطان، والظلم فى الدنيا والفساد فى مصر.. جزء منها كتبه «مزيكاتي» يقول: «قالك مصر أم الدنيا، قالك مصر أمنا الغولة، قالك من سن الطفولة حرية الاختيار مكفولة.. ماغلطش لما قلت عليها بلاد العجايب، ربى دقنك قبل ما يجيلك مندوب ضرايب».
 
■ ما أغرب تعليق تسمعونه أثناء حفلاتكم؟
 
- يقول لنا الناس عندما لا تعجبهم أغنياتنا «اكتبوا حاجات ترَقص أحسن»! لكننا نرفض كتابة «الأى كلام».
 
■ إذا رفض الناس فنكم.. هل ستتوقفون عن الغناء؟
 
- سنقاوم ونستمر فى الغناء مهما رفضنا الناس أو واجهتنا الحكومة أو قيدتنا القوانين.
 
 وبينما أتحدث إلى فريق الإذاعة، حضر «عمر ديمون» مطرب فى فريق «دبابير» وكنا وقتها مازلنا خلف المكتبة، انتهى حديث جعفرى ورفاقه، وبدأ «ديمون» فى سرد حكياته مع الراب.. وقال:
 
- أنا و«حسن أوتاكا» فى نفس العمر 18 عاما، هو يدرس التكنولوجيا وأنا فى الصف الثالث الثانوي، كونا فريق «دبابير» لنعبر عن أنفسنا من خلال الراب.. دخلت هذا العالم منذ 5 سنوات واعتدت لفترات طويلة أن أنزل إلى الشارع وأغنى حتى لو كنت بمفردي، وكان أكثر مكان أغنى فيه «سان ستيفانو»، حيث كان أحد أشهر أماكن تجمع الـ”Rappers”  أو مطربى الراب.
 
قبل 25 يناير غنينا وحرضنا على الثورة فى أغنية «بلدنا» جزء منها يقول: «بلدى بتضيع منى وأنا حاطط إيدى ورا ضهري، لو حقى أنا مش هجيبه مين هيجيب لى حقي؟».. أما بعد الثورة فحاولنا ألا ننخرط فى الأغانى السياسية مثلما فعل الكثيرون، وكان اهتمامنا بالحالات الرومانسية أو الاجتماعية أكثر، وأبرز أعمالنا “wanted”  كتبناها على شكل سيناريو، مواجهة بين شاب متعاطى مخدرات وضابط شرطة يقف على كمين، ناقشنا فى الأغنية فكرة استهتار بعض الشباب المرفهين وضعف الشرطة.


■ لكن ما أكثر أعمالكم التى نالت إعجاب المستمعين؟
 
- «البنات» من أكثر الأغنيات التى نالت إعجاب الناس، نتحدث فيها عن ملابس الفتيات «المثيرة»، جزء منها يقول: «أنا مش بعيب ولا بتريق بس عايزكم يا بنات تهدوا شوية ومش عاجبنى البنطلون محزق والبنات قدامى كل يوم رايحة جاية... الحلوة حلوة حتى لو لسة صاحية من النوم والوحشة وحشة لو غسلت وشها كل يوم».


■ لكنك فى هذه الأغنية تنتقد ملابس الآخرين على الرغم من أنكم ترفضون سخرية الناس من فنكم وملابسكم.. لماذا هذا التناقض؟
 
- أنا أنتقد فقط الملابس المثيرة، وأنتقد الفتيات التى تقصد هذا الشكل لجذب الشباب حتى لو اضطر الشاب لمعاكستها.. «والبنت اللى عايزة تتعاكس بيبان عليها، والبنت المحترمة بيبان عليها».


■ وكيف تمكنت من معرفة نوايا الفتيات بهذه السهولة؟!
 
- الفتاة تُعرف بالنظرة، وكلما زادت إثارة ملابسها كلما زاد اليقين بأنها تريد المعاكسة، عادتنا وتقاليدنا هى التى تحكم شكل الملابس وأخلاق الفتاة، «البنت اللى تنزل بلبس قصير من بيتها يا إما والدها غايب أو مالهاش إخوات».


■ إذن ما موقفك من أزمة التحرش؟
 
- انتشار المخدرات سبب رئيسى فى انتشار التحرش خاصة فى المناسبات، والحكومة المتخاذلة هى المسئولة عن زيادة التحرش وليس الفتاة، فهى حرة فى أن تمشى فى الشوارع لأنها مصرية فى النهاية.


■ ألم تتغير الأوضاع فى مصر فى ظل الحكم الجديد؟
 
- يكفينى أن أخبرك أن نفس مشهد «مقلب القمامة» أيام مبارك كما هو لم يتغير، ومازال «موقف الحشيش» موجوداً فى نفس مكانه فى العصافرة، وكذلك الفقر فى ازدياد.
 
■ معروف أن الإسكندرية بها نسبة كبيرة من المتشددين دينياً ومن يرفضون الموسيقي.. كيف تواجه هذا القمع؟
 
- فى رمضان الماضى ذهبت لأشترى خبزا من أحد المخابز التى يديرها ملتحٍ، رن هاتفى بنغمة رتم الراب، فسألنى عن نوع المزيكا، فأخبرته إنه «الراب ميوزك» وشرحت له، فقال لى «المزيكا حرام» فقلت له: «أنا مطرب راب ومش شايف إنه حرام وهفضل أغني» وبعد مجادلات نصحنى أن أستبدل مزيكا الراب بالطبلة! بالطبع قال ذلك لأنه جاهل بالموسيقى ولا يعلم عنها شيئا إلا صوت الطبلة.
 
الغناء حقى ولن يستطيع أحد فرض سيطرته علي، ومهما اعتبرنى الناس شاب «فرفور أو طري»!
 
■ فريق آخر ينافس بقوة بين باقى فرق الإسكندرية، «ورقة بـ100» مكون من «البنا فلو» و«عمر خورشيد» و«مصطفى خورشيد» و«تربو».
 
- عن سبب انتشار موسيقى الراب فى الإسكندرية، يقول «البنا»: الإسكندرية أكثر المدن المصرية اهتماما بفن الشارع منذ أيام سيد درويش، حيث إن أغنياته تشبه الشارع كثيراً وله بعض الأعمال التى يمكن تصنيفها على أنها موسيقى راب، أيضاً بسبب قلة وجود شركات الإنتاج هنا، وزيادة أعداد الشعراء والمؤلفين.
 
 يقول «عمر خورشيد»: بدأت أغنى راب منذ 6 سنوات، وهى نفس الفترة التى قرر فيها أخى «مصطفي» دخول مجال الراب، وكذلك «تربو»، أما «البنا» فهو أقدمنا يغنى منذ 8 سنوات، وكونا «ورقة بـ100» فى نهاية 2010، لدينا مشروع صغير نعتمد عليه فى صنع أغنياتنا بشكل أقرب للاحتراف، وهو استوديو صغير صنعناه بأنفسنا «تحت السلم» وساعدنا مطربين وفرق راب كثيرة فى تسجيل أعمالها فى هذا المكان، نحصل على 15 جنيها مقابل تسجيل الكوبليه الواحد، وكوبليه الراب عبارة عن 16 جملة، كل مطرب فى الفريق يكون له كوبليه من تأليفه، ومطرب الراب الذى لا يؤلف أغنياته تكون سمعته سيئة بين مطربى الراب ولا يعتبرونه منهم.
 
فضلنا أن يكون هذا الاستوديو مكانا بديلا عن الاستوديوهات المشهورة التى تأخذ فى الساعة الواحدة 150 جنيهاً.. نحن الآن نجهز مكانا جديدا للاستوديو لنكون مستعدين لتسجيل معظم أنواع الموسيقى الأخرى وليس الراب فقط.
 
■ تغنون من قبل الثورة.. ما أصعب موقف حدث لكم أثناء غنائكم طيلة هذه الفترة؟
 
- البنا: كنا من المشاركين فى الثورة سواء كنا ثوارا أو فنانين، ولنا أغنية اشتهرت وقت نزولها وأذيعت على فضائيات اسمها «يسقط حكمك يا مشير» جزء منها يقول: «ظلم قهر، غل وفقر، ماحدش فاهم المعني، أصعب سؤال فى الدنيا مين اللى خدعنا.. وجه طنطاوى بعد نجاح الشعب ثار.. شيلنا حسنى وبكرا نشيل حسين طنطاوي»، وعندما طُلبنا فى إحدى حفلات نادى القوات المسلحة، قررنا أن نغنى هذه الأغنية، وبينما نحن نغنى وجدنا الشرطة العسكرية تملأ المكان وقام بعضهم بمنعنا من الاستمرار فى الغناء ونصحونا ألا نغنى هذا الكلام.
 
وهنا يستكمل «خورشيد» الحديث قائلا: نحن نغنى من الشارع وإلى الشارع، لكن بعض الناس أخذت صورة مغلوطة عن الراب بسبب ما يسمى بالـ “battle” أو المبارزة بالكلام بين اثنين من مطربى الراب يكون هدف كل واحد إبراز عيوب الآخر ليثبت للناس أنه الأفضل، وهذا ليس أسلوبنا.
 
نحن نغنى وقتما نشاء فى أى مكان حتى لو وقفنا وسط الشارع واجتمع المستمعون حولنا، فهذه طبيعة الراب التى لن يستطيع قانون أو سلطة منعه، ونحن مؤمنون بذلك حتى لو ألقوا القبض علينا.■