الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جنة «العشوائيات»!

جنة «العشوائيات»!
جنة «العشوائيات»!




أصبح تطوير العشوائيات واقعًا فى بعض الدول المتقدمة، لكنه لايزال محض خيال فى بلاد أخرى، البلاد التى تحولت عشوائياتها إلى مدن سكنية خالية من مظاهر العشوائية، فقد استبعدت تماما فكرة «البلدوزر» والحل الأمنى الذى يعتمد على إخلاء هذه المناطق ونقل السكان إلى مناطق أخرى، ولجأت إلى تطوير العشوائيات فى مكانها لتصبح قيمة مضافة إلى المجتمع، والأمر هنا لا يقتصر على بناء مساكن آدمية وتوفير كهرباء ومياه نظيفة وصرف صحى بل توفير التعليم وفرص العمل.


 
تمويل هذا التطوير يتم بعدة أساليب بعيدة عن جمع التبرعات أو الاقتراض، وإن كان يختلف من دولة إلى أخرى، ومن عشوائية إلى أخرى داخل نفس الدولة.. تجارب التطوير المختلفة تشير إلى أنه لا يوجد استمبات فى هذه المسألة فكل منطقة يناسبها أسلوب تطوير وآليات مختلفة.
كان فيلم  slumdog millionaire  سببا فى إحراج الحكومة الهندية حيث يحكى الفيلم الذى حاز العديد من الجوائز قصة صعود شاب من سكان العشوائيات الهندية إلى الثراء، الفيلم البريطانى الذى تم تصويره فى إحدى عشوائيات الهند لم يهز هيبة الدولة الهندية  بل دفع الحكومة إلى الإسراع فى  مشروع تنمية العشوائيات وتطويرها.
وتعد تجربة رجل الأعمال الهندى «مهتا» من أنبل التجارب فى تطوير العشوائيات والاستفادة منها فى الوقت نفسه، كانت خطة «مهتا» فريدة من نوعها حيث تعتمد على القطاع الخاص بدلا من الاعتماد على الحكومة أو المساعدات الدولية، يهدف المشروع إلى إزالة البيوت الفقيرة التى يعيش فيها سكان إحدى العشوائيات الهندية والمعروفة بـ«داهارافى» واستبدالها بأبراج سكنية ضخمة فى نفس الموقع  الذى يسكنون به، والذى يعد من الأماكن المهمة والحيوية فى مدينة مومباى وتحيط به ثلاثة خطوط سكك حديدية، وفى المقابل يحصل رجال الأعمال على مكافأتهم من هذا المشروع التنموى من خلال إنشاء عدد من المولات التجارية ومبانى إدارية.

 
مدينة أحمد أباد أكبر مدينة بولاية جوجارات الهندية وسابع أكبر مدن الهند، قد انتهت أعمال تطوير المناطق العشوائية بالمدينة على مرحلتين . ركزت المرحلة الأولى من مشروع تطوير العشوائيات على منطقة سانجبار و انتهى العمل عام 2003 باستكمال أعمال البنية التحتية فى 18 منطقة عشوائية معتمدين على مقاولى القطاع الخاص.
فى المرحلة الثانية من مشروع تطوير عشوائيات جاديبنجار الهندية استحدثت الحكومة فكرًا جديدًا يعتمد على إشراك السكان فى عملية التطوير سواء بالتبرع لميزانية المشروع أو بالاشتراك فى البناء بنفسهم و بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى  والقطاع الخاص و الحكومة، وفى عام 2006 كان الجميع قد انتهوا من المرحلة الثانية من المشروع بتطوير 41 منطقة ليتحسن مستوى معيشة ما لا يقل عن 515,43 نسمة.
أما جاديبنجار فهو أحد الأحياء العشوائية فى الجزء الغربى من أحمد أباد، فقد كانت تعيش فيه 84 أسرة تحت خط الفقر بلا مياه صالحة للشرب، ولا نظام صرف صحى، بل إن شوارع المنطقة غير ممهدة ومظلمة حيث لا توجد كهرباء، بدأ المشروع عام 2005 بتبرعات أهالى المنطقة أنفسهم بعد أن اشترطت الحكومة أن يدفع السكان نصف تكلفة أعمال التطوير قبل بدء المشروع، ومن ثم تم فتح حساب بنكى وتولت إحدى منظمات المجتمع المدنى جمع هذه التبرعات وبعد اكتمال المبلغ المطلوب بدأت أعمال التطوير.
 

أما فى البرازيل فلم يقف البرنامج الحكومى لتطوير العشوائيات عند مجرد توصيل مياه نظيفة وتوفير صرف صحى وكهرباء وتحسين ظروف المعيشة بوجه عام، بل فكرت الحكومة فى كيفية الحفاظ على نظافة المكان بعد تطويره فحفزت الحكومة السكان بإعطاء كل شخص كيس قمامة جديد مقابل كل كيس يضع فيه مخلفاته، وفى سبيل تقنين أوضاعهم قامت الحكومة بتمليك السكان الأراضى التى يعيشون عليها بأسعار منخفضة ويصبح بعد ذلك من حق السكان البناء على أرضهم بل و توفر لهم الحكومة مهندسًا معماريًا لاستشارته دون مقابل قبل البناء.
ولم يتوقف تطوير منطقة «كيوريتيبا» العشوائية على توفير وسائل المواصلات وتقنين أوضاع السكان بل توفر للسكان نظامًا تعليميًا غير رسمى ومبتكرًا تحت اسم «منارة المعرفة»، وهى عبارة عن مراكز مجانية بها مكتبات وإنترنت فضلا عن توفير برامج متنوعة للتعليم المهنى لهؤلاء الذين لن تتاح لهم فرص للتعليم فى مكان آخر، وتعتبر هذه المراكز أيضا أماكن تجمع لسكان المنطقة ومصادر للثقافة.
ساو باولو هى أكبر مدن البرازيل لكنها، وهى فى الوقت نفسه تضم أكبر عشوائيات البرازيل، لم تفرض الحكومة على سكان العشوائيات هنا حلولا بل فضلت التواصل معهم من خلال حلقات نقاشية امتدت لفترة طويلة  لمعرفة أولويات السكان وأفضل تنظيم وتخطيط للمكان ليكون مناسبًا لهم وملبيًا لاحتياجاتهم، وامتد التطوير ليشمل بناء ملاعب وقاعات موسيقى ومساحات خضراء.
وفى جنوب إفريقيا وتحديدا فى منطقة «فريدوم بارك» العشوائية انتهى سكان المنطقة بالتعاون مع الحكومة ومنظمات محلية من تطوير المنطقة باستخدام تقنية حديثة فى البناء تعتمد على بناء منازل من طابقين مصنوعة من أخشاب الأشجار المعدلة وأكياس الرمال، هذه الطريقة منخفضة التكلفة تتميز أيضا بأنها صديقة للبيئة، كما أن هذه البيوت مقاومة للرياح والرطوبة.
هل يتصور أحد أن موقع وزارة الخارجية التايلاندية وجامعة ماهيدول كان منطقة عشوائية قبيحة قبل أن يتم نقل السكان إلى مكان آخر وتوفير منازل تم تجهيزها لاستيعابهم؟ وهى منازل تتوافر فيها الكهرباء ومياه صالحة للشرب وصرف صحى وغير ذلك. كانت العشوائيات فى منطقة فايا تضم ألفًا وخمسمائة منزل.
فى عام 2003 بدأت  كينيا  مشروعها لتطوير العشوائيات. يشمل المشروع كلاً من نيروبى ومافوكو ومومباسا وكيسمو، وقد قامت الحكومة بنقل سكان العشوائيات إلى مناطق أخرى مؤقتا لحين الانتهاء من أعمال التطوير ومن ثم إعادتهم من جديد، التطوير لم يقتصر على المبانى والبنية التحتية من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحى فقط، بل شملت أيضا تركيب أعمدة إنارة فى الشوارع ومحطات للأوتوبيس ومراحيض عامة وأماكن لإقامة محال تجارية فضلا عن تمهيد الشوارع وإنشاء متنزهات.
أما تركيا فلها تجربة فريدة وجريئة فقد اكتفت الحكومة بالقوانين التى سنتها لتمنح سكان العشوائيات حقوقا قانونية وسياسية تشجعهم على الاستثمار فى المكان الذى يعيشون فيه و تطويره، تعرف العشوائيات فى تركيا باسم مبانى منتصف الليل أى المبانى التى يتم بناؤها فى الخفاء ليلا، ويمنع القانون الحكومة من هدم أى منزل بنى ليلا أى منزل عشوائى وعندما يزداد عدد المبانى العشوائية فى منطقة ما ليصل إلى ألفى منزل يتقدم أصحاب البيوت العشوائية بطلب إلى الحكومة لتشكيل مجلس بلدى للحى لتقنين أوضاع السكان وتوفير الخدمات من خلال تبرعات السكان أنفسهم الذين يشعرون بالأمان ويبدأون فى تنظيف الحى الذى يسكنون به، وتمهيد شوارعه وإقامة المحال التجارية والمتنزهات ومحطات الأوتوبيس إلى غير ذلك، ثم ينتخبون عمدة لهم ويصبح مسئولا عن كل ما يخصهم ويربط بينهم وبين مؤسسات الدولة، وتعتبر منطقة سلطان باى من المناطق التى بدأت كعشوائيات ثم تحولت إلى واحد من أشهر أحياء الجزء الأسيوى فى تركيا.