الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أول ضابطة فى الجيش المصرى تكشف الأسرار الخفية لاعتقال رئيس مصر

أول ضابطة فى الجيش المصرى تكشف الأسرار الخفية لاعتقال رئيس مصر
أول ضابطة فى الجيش المصرى تكشف الأسرار الخفية لاعتقال رئيس مصر




 


الملازم ابتسامات محمد عبدالله 85 عاما، هى أول سيدة تلتحق بالجيش المصرى عام 1948 أثناء حرب فلسطين.
ابتسامات تجلس حاليا وحيدة بشقتها المتواضعة بحى مصر الجديدة، تحتضن الذكريات وحقائب مليئة بالنياشين وشهادات التكريم، تزين جدران منزلها بصورها وصور زوجها الراحل العقيد محمد حبيب وبطولاته العسكرية وشهادات تكريمه من الملك فاروق.
على جدران الحائط تجد أيضا صور والدها «الأميرالاى» محمد عبدالله حكمدار أسيوط الأسبق، وشقيقها «البكباشى»الأمين محمد عبدالله، الذى كرمه الملك بعد أن تمكن من القبض على قتلة المندوب السامى البريطانى قبل إعلان الحماية البريطانية على مصر.ووسط هذه الصور والنياشين تعيش الملازم ابتسامات عبدالله فخورة بما قدمته وأسرتها من عطاء لمصر وجيشها، رغم التجاهل الذى عانت منه والإهمال فى علاجها فى نكران للجميل بات معتاداً من الدولة .

 
 
 
ابتسامات التى لم تفقد خفة ظلها قالت لنا إنها اكتسبت روح الدعابة من «أنكل محمد نجيب».. كما كانت تحب أن تناديه..وتحدثت بمرارة عن قصته!
 
«أوسة» كما كان يطلق عليها، تحدثت عن نفسها قائلة: ولدت عام 1927 فى محافظة بنى سويف.. وكان لدى (5) أشقاء هم: «المعتصم بالله والمتوكل بالله والمؤتمن بالله والأمين بالله والمأمون»، وبنتان هما «سوسنة وتنهدات» وكنا نقيم فى أسيوط لأن والدى كان حكمدار أسيوط برتبة بكباشى «مقدم».
 
انتقلنا إلى حى عابدين بالقاهرة، فى شارع إسماعيل باشا أبوجبل.. وكان أول إجراء يجب أن يتخذ عند حضورنا إلى القاهرة هو أن يتم توثيق جنسية أمى من سودانية إلى مصرية، وشهد إسماعيل باشا أبوجبل - الذى كان الشارع يحمل اسمه - أن أمى السيدة فاطمة ابنة السلطان فضل نور هى زوجة محمد بك عبدالله، أمام الجهات الحكومية، ووقع على هذه الشهادة، كشهود، إسماعيل باشا وشيخ الحارة وموظف كبير كان يسكن بجوارنا فى عابدين يدعى جرجس أفندي.
 
وفى عام 1947 قرأت إعلانا فى الجريدة: أنه مطلوب متطوعون للهلال الأحمر، وكنت أعشق التمريض.. وفعلا ذهبت وتقدمت بأوراقى فى الهلال الأحمر، وقبلوني.. ودرست لمدة عام كامل «عمليا وتحريريا»، وبعد أن أنهيت الدراسة، قرأت أيضا إعلانا عن طلب 75 متطوعة للقوات المسلحة بالقسم الطبي، فذهبت إلى شقيقى الأمين أستأذنه.. وتقدمت بأوراقي.. وكان عمرى وقتها 23 عاماً.. حددوا لنا ميعاد المقابلة الشخصية للاختبار فى مستشفى كوبرى القبة العسكري،وكان مدير المستشفى وقتها اللواء سعيد شعير وناهد رشاد زوجة يوسف رشاد - الوصيفة الأولى للملكة ورئيسة المتطوعات - وكانت برتبة «صاغ».
 

 
 
وكانت ناهد تحبنى جدا إذ كنت أقرأ لها الفنجان، فأطلقت علًّىِّ اسم «القطة السوداء»، وبعد فترة قليلة جاءنى خطاب تكليف بحضورى إلى مستشفى كوبرى القبة، وخرجت علينا ناهد رشاد بقائمة الأسماء ونادت كل متطوعة برتبتها وحصلت أنا على رتبة «ملازم».
 

 
 
علمونا المبادئ العسكرية لمدة 45 يوماً ثم وزعونا على المستشفيات العسكرية حلمية الزيتون وكوبرى القبة والعجوزة، وبعد أسبوع من توزيعنا اشتدت الحرب فى فلسطين، فجاءت ناهد رشاد وطلبتنا للاجتماع، وقالت يا بنات: الآن مطلوب منكن 10 فتيات لمرافقتى ضمن فريق المستشفى الميدانى فى غزة، لأن الحرب اشتدت والإصابات كثيرة، فمن يرغب منكن فى الذهاب إلى غزة ترفع يدها، فرفعت يدى ومجموعة من زميلاتي، فطلبت موافقة الأسرة.
 

 
 
وفعلا ذهبت إلى المنزل وبدأت فى إقناع أسرتي.. وتدخل اللواء محمد نجيب ووافقوا.. وأرسلت ناهد رشاد سيارة لتقوم بجمعنا من منازلنا ثم أخذتنا إلى مطار ألماظة الجوي.
 
واستقللنا طائرة عسكرية عتيقة اسمها «داكوتا» كانت بمروحة واحدة، وكنت أول مرة أركب فيها طائرة، وتملكنى الخوف.. وبعد حوالى ساعة من الطيران وصلنا العريش، وذهبنا إلى مستشفى العريش لكى ننتظر القطار الذى سوف يقلنا إلى غزة، وكان قطارا مرسوما عليه الهلال الأحمر رمز الصحة، وذهبنا إلى غزة.. وهناك أقمت مع ناهد رشاد فى نفس الغرفة وكانت سيدة فى قمة الجمال والرقة.
 

 
 
تتذكر الملازم ابتسامات أيام غزة قائلة: لجأ جيش الصهاينة لحيلة غريبة جدا إذ حقنوا المجندات اليهوديات بفيروسات مثل «الزهرى والسيلان» وهذه الأمراض كان علاجها صعباً، ويقفن على مقربة من جبهتنا ويقمن بإغراء المجندين المصريين واليمنيين والفلسطينيين وباقى القوات المشاركة فى حرب فلسطين!
 
وبعد أن تغرى الشاب الذى يقف خدمة يقوم بتخطى الحواجز نحو الجبهة الأخرى فيعاشر المجندة المحقونة بالفيروس ويعود إلى معسكره مصابا بالمرض، وليس فيروس أمراض الذكورة فقط بل فيروسات جلدية وصدرية كانت تنتشر بشدة فى معسكرات المجندين، وكان من ضمن عملنا أيضا أثناء مأموريتنا بالجبهة المرور على الكتائب العسكرية لتضميد الجروح المتوسطة والصغيرة للضباط والجنود التى لا تستدعى نقل المصابين بها إلى المستشفى!
 
 
كانت أجواء الحرب فى غزة فى غاية الصعوبة، وكان الجنود  على الرغم من قلة السلاح، والخيانة إلا أن المقاتلين العرب الذين تطوعوا للحرب من جميع البلاد العربية لنصرة فلسطين كانوا فى منتهى الشراسة والبسالة.
 
وتستكمل ابتسامات: كانت أحوال الجبهة العربية مقلقة.. وكل شيء يوحى بالهزيمة، فالأسلحة رديئة، والقوات محاصرة بالأوبئة والأمراض، وكانت الأطعمة والمهمات تنفد ولا يأتى المدد إلا بعد معاناة، فضلا عن الخيانة، إذ كان يوميا يتم القبض على الأقل على 10 من الجواسيس لصالح إسرائيل!
 
ورغم كل ذلك حققنا انتصارات يوم 23 مايو عام 1948، إذ تمكن البطل أحمد عبدالعزيز ومعه الفدائيون من السيطرة على منطقة «عراق سويدان» والجبهة الشرقية والجبهة الغربية، وتمكنت قوات «جيش الخلاص» من قطع خطوط إمداد المؤن للجيش الإسرائيلي، وقامت قوات «جيش التحرير العربي» بتكبيد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة فى منطقة الجبهة الإسرائيلية الوسطى وحتى منطقة «أبوعجيلة» ومنطقة «العوجة».
 
وقتها أصبحت معنويات القوات المصرية والعربية فى السماء حتى أن بعض المصابين فى المستشفى لم ينتظروا حتى تنتهى فترة علاجهم وقاموا بحمل سلاحهم وتوجهوا إلى الجبهة.
 
ولكن فجأة صدر قرار الهدنة - وكان بمثابة مؤامرة فى حد ذاتها - فتمكنت القوات الإسرائيلية خلال شهر الهدنة من إعادة ترتيب صفوفها وتجهيز قواتها.
 
وبعد أن صدر قرار الهدنة عدنا إلى مصر وأصدرت الأميرة فوزية «رئيسة الهلال الأحمر» قراراً بعودة المتطوعات إلى القاهرة وتوزيعهن على المستشفيات العسكرية ونقل المصابين فى الميدان بالطائرات إلى القاهرة  لتلقى العلاج.. وتسلمت عملى بمستشفى العجوزة العسكري.
 
وبعد أيام من العودة حل شهر رمضان الكريم عام 1948، ودعانى الملك فاروق على الإفطار، وأهدانى ساعة يد ذهبية ومنحنى نوط الجدارة والامتياز المرصع بالذهب.
 
وتضيف: كانت هذه هى المرة الثانية التى أشاهد فيها الملك فاروق.. والمرة الثالثة والأخيرة كانت عندما دعتنى ناهد رشاد وصيفة الملك ورئيستى المباشرة لقراءة الفنجان للأميرة فايزة فى قصر عابدين.
 
تقول ابتسامات: تعرفت على زوجى محمد حبيب عندما كنت مدعوة لحضور مباراة كرة قدم بالاتحاد الرياضى للقوات المسلحة، بعد عودتى من غزة.
 
وبعد يومين ذهب زوجى وقابل شقيقى الأمين عبدالله.. وكان وقتها ضابطاً بالشرطة، لكن أخى رفضه لأنه «شاب خام».. لكننى تمسكت بالارتباط به.. وذهبت إلى اللواء محمد نجيب، وكان آنذاك قائدا لحرس الحدود أنكل محمد الحقنى وطلبت منه أن يتدخل ويسأل عن العريس.
 
فسأل «نجيب» عن زوجى وعرف أنه شاب خام فاتصل بى هاتفيا.. وقال لى يا ابتسامات «الولد ده هايل وخام أكتر منك» ثم اتصل هاتفيا بشقيقى الأمين وقال له يا أمين وافق على العريس لأنه ضابط ملتزم وأخلاقه ممتازة.
 
ومع الضغط منى ومن أنكل نجيب وافق شقيقى وتزوجنا فى فيللا «يوسف رشاد» طبيب الملك الخاص «زوج ناهد» وجلسنا فيها 3 سنوات حتى تمكنا من تجهيز شقتنا وكان محمد نجيب وكيلى فى الزواج.
 
وتحكى ابتسامات سر العلاقة القوية باللواء نجيب قائلة: هناك علاقات قوية ربطت بين الأسرتين، فوالدته سودانية.. ووالدتى سودانية.. بالإضافة إلى أن والدتى وأخوتى وزوجى كانوا ضباطاً بالجيش معه.. وكان يحب دائما أن يأكل من يدى «الأكل السوداني» والجمبرى المخلي.. وكان يعشق الضحك والمرح ويحب تدخين البايب حتى كان لا يتركه من يده.
 
وتتابع: ذات ليلة جاء إلى منزلى فى ساعة متأخرة من الليل - قبل ثورة 23 يوليو - حاملا معه حقيبة.. وطلب منى أن أخفيها لمدة يومين.. ولا أعلم زوجى أو أى أحد عنها أو عن زيارته.
 
وكنت خائفة جدا وقتها، فقال لي: لا تخافى فليس بها فلوس، لكنها أوراق خاصة بحرس الحدود وانتخابات نادى الضباط.
 
وعاد فى اليوم الثانى ليأخذها، ثم قامت الثورة فى اليوم الثالث.. وبعدها علمت منه أنها كانت الأوراق الخاصة باجتماعات مجلس قيادة الثورة، وأصبح هو رئيسا للجمهورية، وانشغل فى الحكم.. وخلال هذه الفترة لم أتمكن من رؤيته، لكنه أرسل لى كتابين عليهما إهداؤه.
 
لكنه لم يستمر طويلا، إذ تم الغدر به وألقى القبض عليه وبعد 3 شهور من اعتقاله سمحوا له بالخروج من محبسه برفقة الحرس..وكنت من أول من زاره .. ودار بينى وبينه حديث.. طويل  قلت له «أنا حزينة لما حدث لك يا أنكل محمد».. فقال لأ ماتزعليش.. المهم إن البلد بقت أحسن والثورة نجحت والشباب - يقصد مجلس قيادة الثورة - فرحانين.


فسألته: لكن هما عملوا كدا ليه يا أنكل؟
فقال: أنا اقترحت عليهم أن نترك الحكم للمدنيين ونجرى انتخابات ليتولى رئيس مدنى رئاسة الجمهورية خاصة بعد أن تمت السيطرة على كل منشآت الدولة واستقرت الأوضاع وأن نعود نحن العسكريين إلى مهمتنا الرئيسية فى الحفاظ على الحدود والدفاع عن أرض الوطن.
 
فسألته وهما رفضوا ليه طالما فى صالح البلد؟
 
فقال لي: هما حسوا بالخطر من هذا الموقف خاصة أنهم أصبحوا فى مناصب القيادة وزمام الأمور فى يدهم، فقرروا التخلص مني.. لكن فى كل الأحوال أنا مبسوط علشان البلد، والكلب بتاعى مسلينى فى الحبس!
 
 
إحدى صديقات ابتسامات كانت زوجة صلاح نصر مدير المخابرات العامة الأسبق الذى كان مثاراً لجدل طويل.. وتقول ابتسامات إن نصر ارتبط بزوجته عندما كان ضابطاً صغيراً بالجيش، بطريقة تقليدية، عن طريق أحد أصدقائه.
 
فقد كانت جميلة جدا من بنات ميت غمر بالمنصورة، ولها أخت دكتورة.. وأبواها متوفيان لكنه نغص عليها حياتها بعد أن أصبح رئيساً للمخابرات فكان دائما يعتدى عليها بالضرب!
 
وتأتى لى فى الشقة تجلس ساعة تبكى من شدة الضرب الذى دائما كان يترك أثرا على جسمها ولكن طلبنا منها أن تقلل لنا الزيارة خوفا أن يعتقل حبيب لكنها دائما كانت تقول إنه يعرف أننى فى منزلكم ويتجسس عليّ وعلى كل تحركاتي!
 
ورفضت أن تفصح عن اسمها فهى الآن على اتصال بى لكنها تعيش خارج مصر وحيدة إذ لم تنجب منه وكل ما قالته عنه اعتماد خورشيد صحيح.
 
وسألناها عن علاقتها بالفنانين والفنانات ووساطتها فى زواج الفنانة برلنتى عبدالحميد.
 
ضحكت ابتسامات بصوت عالٍ.. وقالت كان فى المستشفى العسكرى الذى كنت فيه عقيد دكتور يعشق الممثلات، وعندما رأى برلنتى طلب منى أنا وزوجى أن نخطبها له واشترى لنا بوكيه ورد بخمسة جنيهات وذهبنا إلى منزلها وقابلنا والدتها وطلبنا يدها لكن برلنتى عندما علمت بالأمر رفضت مقابلتنا، وبعد ذلك عرفنا سبب الرفض إذ تزوجت المشير عبدالحكيم عامر.
 
وتتابع: أما فاتن حمامة فكان والدها حريصاً عليها ولا يسمح لها بالخروج دائما ولا يأتمن أن تخرج مع أحد غيري، مع ذلك قطعت علاقتى بها عندما جاءت بنت الملك سعود آل فيصل وكانت بنفس العمارة التى تسكن بها فاتن حمامة، فطلبت أن تتعرف عليها لأنها تحب فنها فنزلت إليها لكنها لم تكن موجودة وتركت لها خبرا.
 
فقلت للخادمة أخبريها أن أوسة وهو اسم الشهرة الذى يعرفوننى به جاءت وأن بنت الملك تريد أن تتعرف عليها، ولكن فاتن لم تهتم بالأمر، وهو ما أحرجنى أمامهم وقررت قطع علاقتى بها.
 
فتقول أوسة كنت أعانى الضغط والسكر والروماتيزم وعندما كنت أذهب إلى المستشفى العسكرى يعاملوننى معاملة سيئة فكتبت للمشير طنطاوى خطاباً أتظلم فيه من إهمالى رغم أننى أنتمى للقوات المسلحة وقلت له فى الخطاب أنا أخت الأمين والمؤتمن اللذين كنت تلعب معهما بمنطقة البرمونى بعابدين مع الفنان فؤاد المهندس والفنان محمد رشدى وسردت له هذه الأيام إذ كانوا فى العشرينيات تقريبا، وقتئذ وبعد هذا الخطاب أرسل لى عقيدين لمعرفة مطالبى وكرمنى وبعدها لم أجد معاناة فى العلاج وتركوا لى أرقام تليفوناتهم لكن بعد إقالة المشير وتولى المشير عبد الفتاح السيسى عادت الأمور إلى ما كانت عليه من إهمال.