الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكومة سوق التلات

حكومة سوق التلات
حكومة سوق التلات


حكومتنا خفيفة الدم حماها الله.. الله الله.. سجلت اختراعا عالميا.. سوف تقلدها فيه جميع الحكومات الغشيمة فى كل بلاد الدنيا.. حكومتنا اخترعت ضريبة جديدة غير مسبوقة.. هى الضريبة على التبرعات.. يعنى سعادتك تتبرع بمليون جنيه لمستشفى السرطان.. فتمد الحكومة يدها لتأخذ منها 200 ألف كضرائب على التبرع..!
 
نقول كمان.. افترض أن حضرتك ولأسباب وطنية وأخلاقية وإنسانية.. قررت المساهمة مع الدولة فى حل أزمة الصحة أو التعليم أو المرافق الخربانة.. فتبرعت من حر مالك لبناء مدرسة أو شراء جهاز تنفس صناعى أو تمويل شراء أتوبيس لنقل الركاب.. على الفور تتحرك أجهزة الحكومة التى ترصد دبة النملة.. فتقوم من المنبع شخصيا بتحصيل 20 فى المائة من التبرع لصالحها.. إتاوة يعنى.. أو «فردة» بلغة البلطجية.. وبما يعنى أن سعادتك تعيش الآن.. تنام وتاكل وتمشى وتشتغل وأنت تحمل الحكومة فوق كتفيك.. لتحصل على ضرائبها اللامعقولة قبل أن تخرج من جيب حضرتك..!
 
اختراع غير مسبوق.. يستحق أن يسجل فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية. . يثبت أن حكومتنا لها فى اللبط وشغل التلات ورقات.. هى مثل البلطجى يقف فى سوق الثلاثاء.. يفرض إتاوة معلومة على الشارى والمشترى.. والمعترض يضرب رأسه فى أقرب حائط..!
 
ووالله العظيم.. لم أكن أعلم أن الحكومة مفلسة لهذا الحد.. إلا بعد أن أعلن وزير المالية أن هناك خصما يبلغ 20 فى المائة من صناديق التبرعات التى تقوم بالإنفاق على علاج المواطنين وحل مشاكلهم.
 
يعنى لا الحكومة ترحم بزيادة ميزانية العلاج المجانى.. ولا تترك رحمة ربنا المتمثلة فى تبرعات المواطنين.. مع أن هذه الصناديق تخفف العبء عن كاهل الدولة.. فيكون الجزاء أن تدفع ضرائب باهظة على التبرعات..!
 
 
إن الحكومات فى كل بلاد الدنيا ملتزمة بتوفير التعليم والصحة والخدمات مجانا.. وأكرر مجانا فى كل الدنيا.. إلا عندنا.. ووزير التعليم مؤخرا أصدر فرمانا بالتوسع فى بناء المدارس التجريبية بفلوس كثيرة على حساب المدارس الحكومية المجانية.. نفسر القرار بأنه يوفر مكانا بالمدرسة للقادر.. حتى لا يزاحمه غير القادر!
 
إن الحكومة التى تمد يدها لتبرعات المواطنين.. هى حكومة بلا ضمير.. والمواطن الفقير يتبرع لزميله المواطن الفقير فى شكل من أشكال التكافل الدينى.. والخيبة أنه فى وزارة الصحة بالذات فإن ديوان الوزارة يلتهم ثلث ميزانية الصحة.. يعنى الدولة تدفع سنويا من ميزانيتها حوالى 25 مليار جنيه للصحة.. فتقوم الوزارة بتخصيص 8 مليارات لديوان الوزارة.. لزوم المنظرة والتكييف وسيارة البيه المدير وحرس الباشا الوزير.. ولهذا نتبرع من فلوسنا لزيادة ميزانية العلاج.. فإذا بوزارة المالية تمد يدها لتكبش من هذا المال السائب.. الذى اقتطعناه من قوتنا لدعم علاج مرضانا..!
 
ومادام الشىء بالشىء يذكر.. فإن ميزانية الصحة والعلاج فى بلادى لا تزيد على 3 فى المائة من الموازنة العامة.. فى حين أنها 9 فى المائة من موازنة جيبوتى و12 فى المائة من موازنة لبنان.. و25 فى المائة من موازنة فرنسا!
 
فى جميع دول العالم التبرعات تخصم من الوعاء الضريبى للمتبرع.. يعنى لو تبرعت سيادتك فى أمريكا بمليون جنيه أمريكانى لمستشفى الأورام الأمريكانى.. فسوف تخصم الحكومة الأمريكانى هذا المليون من الضرائب المستحقة عليك سنويا.. أما عندنا فحدث ولا حرج.. ولو تبرعت حضرتك بمليون جنيه مصرى لمستشفى الأورام المصرى.. فسوف يحصل وزير المالية المصرى على إتاوة قدرها 200 ألف جنيه.. ولن يصل باقى المبلغ لخزينة المستشفى.. لأن المستشفى لو أراد شراء جهاز متطور لعلاج المرضى فسوف تدفع 20 فى المائة أخرى كضريبة مبيعات.. وسوف تدفع ضرائب أخرى على النقل والسفر.. يعنى هناك من يستهبل رسميا.. فيحصل على نصف المبلغ بطريقة «فيها لا أخفيها»!
 
ووالله لقد عرفت الآن سر هذه الإعلانات الكثيرة التى يروج لها تليفزيون الدولة يدعو المواطنين للتبرع.. ومعظم الحصيلة فى جيب وزارة الجباية الشهيرة بالمالية.. أما حكومتنا خفيفة الظل حماها الله.. الله الله.. فلها التحية والإعجاب.. سجلت اختراعا عالميا.. سوف تقلدها فيه جميع الحكومات الغشيمة فى كل الدنيا.