التراث عند «الكينج».. أمر لا بد منه

من المستحيل أن يستمر فنان على الساحة الغنائية لسنوات طويلة دون أن يكون له منهج ثابت فى مشواره الفنى، من هنا دعونا نتحدث عن جزء من منهج «محمد منير» الموسيقى.
ولكن قبل أن نتحدث عن هذا العنصر يجب أن نعود بالذاكرة قليلا قبل احتراف «منير» للغناء، عندما جاء به الشاعر «عبدالرحيم منصور» إلى الموسيقار «هانى شنودة» كى يصنعا له مجموعة من الأغانى الجديدة، ولحسن حظ «منير» أنه التقى بـ«شنودة» الذى كان يرفع راية التجديد الموسيقى والخروج من قالب الأغانى الكلاسيكية الرسمية العاطفية التى كانت سائدة فى مرحلة ما قبل السبعينيات.
«منير» جاء إلى «هانى شنودة» بألحان تحمل الطابع النوبى من صناعة الفنان «أحمد منيب»، ولكن أول من دمج الدفوف النوبية مع الإيقاعات الموسيقية الأجنبية كان «هانى شنودة» ونستطيع أن نستدل على ذلك بكل سهولة بمجرد سماعنا لأول ألبومات «منير». هذا الدمج أعطى لـ«منير» المساحة فيما بعد، لإعادة تقديم الأغانى «النوبية» التى حفظها منذ صغره وتقديمها بشكل متطور لجمهوره على الساحة الفنية ومن ثم يحقق النجاح الجماهيرى، فـ«منير» عبر مشواره الفنى أعاد تقديم العديد من الأغانى النوبية والسودانية والمغربية والجزائرية، وقطعًا مجموعة ليست بالقليلة من الأغانى الكلاسيكية المصرية القديمة.
فلا يكاد يخلو ألبوم من ألبوماته من أغنية تراثية قديمة، يعاد تقديمها بشكل جديد، وإذا نظرنا على أحدث ألبوماته سنجد أن أغنية «أهل أول» كانت من التراث الحجازى السعودى، والتى قدمها من قبل أكثر من مطرب سعودى ومنهم «محمد الحداد وبلقيس فتحى»، وكذلك أغنية «طاق طاق طاقية»، والتى انتشرت فى مجموعة من البلدان العربية على طريقة لعبه يمارسها الأطفال، و«طاق طاقية رن رن يا جرس» هى عبارة عن الحلم الذى يريد أن يجتمع عليه أبناء الوطن العربى.
فى عام 2012 فى البوم (يا أهل العرب والطرب) سنجد أن أغنية (يابو الطاقية) كانت فى الأصل أغنية لـ«صباح»، وفى نفس الألبوم أعاد تقديم أغنية (عيون) لـ«ماهر العطار»، وأيضًا (أمجاد يا عرب) للفنان «كارم محمود».
وكان «منير» قبل ذلك قد أعاد تقديم أغنيتين لـ«شادية» هما:(ياحبيبى عود لى تانى، وآه يا اسمرانى)، ولا يمكن نسيان (شىء من بعيد نادانى) والتى حققت النجاح الأكبر بصوت «منير» لدرجة تفوقت على الأغنية الأصلية التى غنتها «ليلى جمال»، كما أعاد (أنا بعشق البحر) لـ«نجاة»، (حكايتى مع الزمان) لـ«وردة»، (الدنيا ريشة فى هوا) لـ«سعد عبدالوهاب»، (حارة السقايين) لـ«شريفة فاضل» .
كل ذلك فضلا عن المجموعة التى قدمها من أغانى «أحمد منيب»، والتى كانت مسجلة بصوت «منيب» قبل أن يعيد «منير» إحياءها.
منير لم يسع فقط لإعادة تقديم أغانى «المشاهير» كما يعتقد البعض، فهو يحاول إعادة تقديم الأغانى التى يشعر أن إحساسه بها وتقديمها بأشكال موسيقية مختلفة تناسب أذواق الأجيال التى تستمتع إليه فيساعد فى انتشارها أكثر، ولذلك قد يندهش البعض بأن أغنية (حاضر يا زهر) هى فى الأصل أغنية (لفيت كتير) للفنان «كتكوت الأمير».
وعلى المستوى الموسيقى، فإنه لا يعيد تقديم أى أغنية قديمة بروحها القديمة، فهو دائما ما يضع بصمته، كما أنه يغير من شكل معالمها الموسيقية، وهذا سبب تميزه الذى يجعل الكثيرين يعتقدون أن ما سمعوه هو إبداع «منير» وليس إعادة إحياء للقديم، فعلى سبيل المثال أغنية (امبارح كان عمرى عشرين) والتى كانت تغنى من قبل فرق مغربية وأخرى ألمانية، وهى من كلمات «محبوب باتى» وألحان «حميد بارودى»، والتوزيع الموسيقى تم تنفيذه على شكل الموسيقى الشعبية الجزائرية، فقد أعجب «منير» بالأغنية وقرر إعادة تقديمها مع تغير كلماتها من (البارح كان فى عمرى عشرين) لتصبح (امبارح كان عمرى عشرين).
حتى فى الأغانى التى صنعت خصيصًا لـ«منير» مثل (يونس)، سنجد أنه لم يتخل عن العودة للقديم، وهذا العمل بالتحديد تتجلى فيه عظمة ثقافة «محمد منير»، لأنه استمع إلى اللحن فقط من «محمد رحيم»، وكان يغنى «يا بنات الهلاليلة»، وعندما استمع إليه «منير» قال «لا يجوز أن نتحدث عن الهلالية والخال الأبنودى يعيش وسطنا»، فذهبوا إليه، وخرجت إلينا تحفة «يونس» من التراث الشعبى العربى «السيرة الهلالية».>