محاربة الجوع

رمضان.. شهر التكافل والرحمة، الجميع يتسابق فيه على المشاركة بالخير ولو بـ«شق تمرة»، وتتسارع الأيادى لتقديم يد العون لكل محتاج، فى واحدة من أروع لوحات التماسك والتكافل المجتمعي.. فما بين الشنط الرمضانية، وإعداد وجبات وتوزيعها على المحتاجين، والمسافرين، وتوزيع المياه والتمر على المارة فى الطرق وقت الإفطار.. تتباين درجات التطوع فى الشهر الكريم.
بالتزامن، مع صور التكافل، هناك صور أخرى للتبذير فى الطعام، حيث كشف آخر الإحصائيات الرسمية، أن المصريين يهدرون آلاف الأطنان من الأطعمة سنويًا، دون استفادة حقيقة، ويبلغ نصيب كل مصرى منها ما يقرب من 73 كيلو، وقدرت إحصاءات الأمم المتحدة فى عام 2013 ما يُرمى كل عام، بنحو 1.3 مليار طن من السلع الغذائية - أو حوالى 32.7 % من مجموعها - فى سلات النفايات، فى حين ينتشر أكثر من 800 مليون جوعى فى العالم، وتبلغ قيمة الهدر الغذائى 400 مليار دولار سنويًا.
عمليات الهدر فى الطعام، دفعت العديد من الأشخاص حول العالم، فى البحث عن بدائل للاستفادة منها وتوصيلها إلى المحتاجين، ومن بين هؤلاء منة شاهين الفتاة الثلاثينية، خريجة كلية الصيدلة، والتى عملت على إنشاء تطبيق مصرى خالص حمل اسم «التكية»، لتجميع الطعام وإعادة توزيعه على المحتاجين.
تقول عن فكرة اسم المشروع: مصطلح التكية ارتبط فى ذاكرة المصريين بالمكان الذى يوفر الطعام للفقراء وعابرى السبيل، ومع مرور الوقت تلاشت هذه الأماكن وأصبح المصطلح يستخدم فى السخرية أو بغرض إهانة البعض، لكن فى حالتنا هذه «التكية» هو تطبيق ظهر لإعادة الدور الأساسى للتكية ولكن بلمسة تكنولوجية.
تعتزم منة من خلال تطبيقها إلى إيصال الطعام بشكل يومى طوال 30 يومًا فى رمضان لمن لا يملك ثمن وجبته، بحيث سيكون هناك أكبر كمية من الجمعيات الخيرية والفنادق والمطاعم فى كل المحافظات التى يعمل فيها التطبيق وجميعها ستكون مجانًا.
تهدف فكرة التطبيق إلى تقليل نسب الطعام المهدرة فى العالم ودورها فى التلوث البيئى وتوفير الطعام لمن فى حاجة إليه، بالعمل على إعادة توزيع فوائض الطعام: «عملت دراسة شاملة للمطاعم والسوبر ماركت، سواء للعروض أو بالمجان وغيرها، وخطوة خطوة قدرت أنشر الأبلكيشن فى مصر كخطوة أولى ومن ثم نشره فى باقى الدول العربية».
تضيف منة: «يتم تقليل الفائض من الطعام فى كل المنصات المقدمة للطعام، من خلال تنزيل عروض على الطعام، والتبرع للمؤسسات الخيرية ببلاش وبواقى الطعام يمكن التخلص منها عن طريق الأبلكيشن، فالتطبيق يوفر وسيلة للمطاعم لعمل الخير، والمستهلك أيضًا يقدم الخير عن طريق الأبلكيشن لأنه يستطيع الحصول على طعام أرخص أو مجانا وبالتالى تعم الفائدة على كل الأطراف».
المحاور التى يعتمد عليها التطبيق تقليل فائض الطعام ومساعدة الجمعيات الخيرية على إيصال الطعام لغير القادرين، ومنح المنصات مثل المطاعم والسوبر ماركت القدرة على تقديم عروض على المنتجات الغذائية تصل إلى المستهلك مباشرة، وبيع فائض الأكل من المطاعم والفنادق بسعر رمزي.
بدأ العمل فى التطبيق من محال البقالة والمطاعم بالقاهرة والجيزة قبل أن يتوسع لمناطق أخرى: «تتمثل خطوات تفعيل التطبيق بعد تحميله بعمل اكونت باسم المطعم أو السوبر ماركت بعد التأكد من صحة المكان وسلامة الطعام، وبعد الموافقة على الاكونت يتم فتح الحساب بشكل تلقائي».
منة عملت على تصميم التطبيق بنفسها، واشتغلت عليه أكثر من عام، وتم تنفيذه بالتعاون مع شركة متخصصة فى تطبيقات الهواتف، وهناك خطة كبيرة لتحديثه، وتوفير فرص عمل لتوصيل الطعام، وهناك خطة مستقبلية للتطوير، من أجل تقليل هدر الطعام بداية من مرحلة إنتاج المحصول، حتى مرحلة الوصول إلى المنتج النهائي.
حقق التطبيق نجاحًا مع عدد كبير فى المطاعم والسوبر ماركت والجمعيات الخيرية، وبدأ الانتشار فى المحافظات، وتأمل منة أن يكون له دور كبير فى شهر رمضان ليصل لعدد كبير من محدودى الدخل، التطبيق أصله مشروع خيرى لا يتم كسب أى أرباح مادية من خلاله.
وعن التحديات اللى واجهتها، أكدت أن صعوبته تعود لتغيير وعى الناس فيما يخص إهدار الطعام وأخذ خطوات لتقليل الإهدار، وشرح الخطوات واستخدام الموبايل أبلكيشن للوصول إلى الجمعيات كان صعبًا، وإقناع الأشخاص أن الأكل سليم 100 % والتعاقد مع الجمعيات الخيرية وطلب الطعام من خلال التطبيق لم يكن سهلاً على الإطلاق.
يوفر التطبيق من خلال مؤسسته منة إمكانية تدريب عدد كبير من المطاعم والفنادق الكبيرة إمكانية التدريب على الأبلكيشن، لسهولة استخدامه فيما بعد، وكذلك الوضع مع المستهلكين من الأفراد، فضلًا عن الطالب للطعام أو المطاعم يقوم باستلام الأكل بنفسه من المكان.
وعن الشكاوى أكدت أنها تقوم بتلقى الطلبات والشكاوى عبر الصفحة الرسمية الخاصة بالأبلكيشن على الفيس بوك أو عن طريق الإيميل ويتم التعامل مع الشكاوى بشكل حاسم ويكون رد الفعل وفقًا لحجم وطبيعة المشكلة، موضحة أنه من خلال الأبلكيشن تم تحديد أكثر المناطق المستخدمة هى القاهرة بشكل عام ويأتى بعدها محافظتا أسوان والشرقية الأمر الذى يعد مفاجأة، بخاصة أن مدينة مثل الزقازيق ريفية.
تطبيق تكية لا يعد النشاط الأول الذى تقوم به منة شاهين؛ بل لها العديد من المبادرات المهمة فى المجتمع المصري، أهمها مبادرة «شى ترافيل» التى تهدف لأن تكون المرأة المصرية فى وضع أفضل، كما تقدم للنساء ورش عمل فى كل المجالات لتحسين وتطوير أنفسهن.
لا يعد «تكية» التطبيق الوحيد حول العالم الذى يهدف لتقليل الهدر فى الطعام، بل هناك عشرات التطبيقات التى تسعى لتوفير احتياجات ملايين الجوعى حول العالم، مثل تطبيق «إى فيد هنجرز» - eFeed-Hungers، الذى صممه خبير علوم الحاسبات وتحليل النظم الهندى «سوجام شارما».
التطبيق، جاء بعد إحصائية صدرت فى مارس 2018 تكشف أنه يتم هدر أكثر من 40 % من الأطعمة المنتجة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتصبح فضلات، لذا عمل سوجام على تطوير نموذج أولى لبرنامج يحول مشكلة فضلات الطعام فى الولايات المتحدة إلى حل للحد من الجوع، ويتيح التطبيق للمستخدمين إمكانية إيجاد مواقع قريبة لديها فائض من الطعام، ويتيح أيضًا للمطاعم والبقالات والمخازن وحتى الأفراد إمكانية الإعلان عما يفيض لديهم من طعام ليتبرعوا به، أى أنه تطبيق لعرض الطعام الفائض لدى البعض، يسهل البحث فيه والوصول إليه من البعض الآخر على مستوى العالم.
والتطبيق الجديد يحمل اسم Too Good To Go وأصبح متاحًا فى العديد من المدن فى المملكة المتحدة هذا العام، فى محاولة للقضاء على ظاهرة ملايين الأطنان من المواد الغذائية يتم التخلص منها كل عام، مما جعلها أكثر البلدان فى العالم التى تهدر الطعام، كما يساعد على خفض النفايات الخاصة بالغذاء عن طريق السماح للمطاعم ببيع المواد الغذائية الفائضة بأسعار قليلة بدلا من إلقائها فى القمامة.
كما يتيح تطبيق «ذا فيدباك» إمكانية شراء وجبات من المفترض أن تلقى فى النفايات بأسعار زهيدة، أما تطبيق «ليفت أوفر سواب» فيتيح للأشخاص إمكانية مشاركة زوائد طعامهم مع المحتاجين. وهذه أمثلة قليلة على تطبيقات تحاول الاستفادة من مخلفات الطعام.