الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زينب حسن الإمام: أفلام والدى على وشك الضياع

زينب حسن الإمام: أفلام والدى على وشك الضياع
زينب حسن الإمام: أفلام والدى على وشك الضياع


لا يمكن التفتيش فى ذاكرة السينما المصرية دون أن يبرز اسم «حسن الإمام» متربعا على عرش الإخراج السينمائى طيلة أربعين عاما، تمكن خلالها من تغيير قوانين اللعبة السينمائية، ونجح أن يقدم واقعا مصريا خالصا عايشه بنفسه فى الحوارى والأزقة المليئة بالحكايات، وعكسه بسلاسة على شاشة السينما، ليؤرخ من خلال تلك الحكايات لحقبة من عمر الوطن، ورغم أن كثيرا من نقاد عصره قد هاجموه بضراوة.
 فأطلقوا عليه لقب (مخرج الفواجع، والعوالم)، إلا أن البعض قد أنصفه، فكان فى نظرهم مكتشف النجوم، و(مخرج الروائع)، وما بين«الروائع والعوالم»، قدّم لنا «الإمام» باقة من أفضل أفلام السينما المصرية، فكانت «حميدة» فى زقاق المدق، و«السيد أحمد عبدالجواد وأمينة» فى بين القصرين، و«زوزو» فى خلى بالك من زوزو، وغيرهم الكثير، ليست مجرد أسماء لشخصيات وردت فى أفلامه  بقدر ما تحولت إلى كائنات من لحم ودم مازالت تؤثر فينا، وتعيش بيننا، تمامًا كما يعيش هو رغم مرور مائة عام على ميلاده، ووسط مقتنياته، وصوره، وجوائز حصل عليها، وأوراق كتبت بخط يده، قررنا أن نحتفل بمئوية مخرج استحق الخلود من داخل منزل ابنته «زينب» ودار بيننا الحوار التالى...
>كيف احتفلت أسرة «حسن الإمام» بمئويته؟
- لم نقم بشىء مختلف عما نقوم به كل عام، فمنذ أن رحل من أكثر من ثلاثين عاما ونحن نجتمع فى نفس التوقيت، لنتذكره، ونتحدث عن نوادره، وخفة ظله، وعن الأماكن التى زرناها معه، حيث كان حريصا أن نرى كل جديد، وخلال السنوات الماضية فقدنا أمى، وأخى حسين، ولم يعد فى العائلة سوى أنا، وأبنائى، وأحفادى، وأخى «مودى»، فأصبح الاحتفال بميلاد أبى حالة خاصة جدا تثير شجوننا.
> هل تشعرين أن الدولة احتفت بـ «حسن الإمام» كما ينبغى؟
- الحقيقة أنا لا أرى أى احتفاء بالرواد بشكل عام وليس والدى فقط، رغم التشدق الدائم والمستمر بشعارات رنانة مثل زمن الفن الجميل، وقوة مصر الناعمة، وإذا كانت الدولة لديها رغبة حقيقية فى الاحتفاء بمبدعيها فلا يمكن أن يتم ذلك بندوة يحضرها المتخصصون، أو مقالة يكتبها أحد النقاد، قد تقرأ، وقد لا تقرأ، فما تركه: «حسن الإمام، وهنرى بركات، وصلاح أبوسيف» وغيرهم ثروة حقيقية، لا بد أن تصل للأجيال المتعاقبة عن طريق تخصيص سينما تعرض أفلامهم، ومعارض تنحت فيها تماثيل لهم، وتعرض صورا من أفلامهم، وأضعف الإيمان أن يعرض التليفزيون المصرى أعمالهم، وأن يرمم ما يحتاج إلى ترميم منها، لأن ضياع هذه الأفلام من ذاكرة السينما المصرية يعنى ضياع جزء من تاريخ الوطن، وإذا كانت المنتجة ماريان خورى ابنة أخت يوسف شاهين لديها القدرة على ترميم أفلامه، وعرضها فى السينما للشباب، ليتعرفوا عليه من جديد، فأنا لا أمتلك هذه القدرة، وعلى الدولة أن توجه إنفاقها تجاه هذه المسألة قبل فوات الأوان.
> تقولين إن الدولة أهملت تكريم والدك، وفى نفس الوقت رفضت وأخوك «مودى» تكريمه من مهرجان شرم الشيخ للأفلام الآسيوية، بل أرسلتما لإدارته إنذارا على يد محضر بوقف التكريم، فلماذا اتخذتما هذا الموقف؟
- لأن أسلوب القائمين عليه لم يعجبنى من البداية، فقد تعاملوا معنا باستهانة شديدة، بدأت بأن عرفت بخبر التكريم من الجريدة، وتواصل معى باحث مكلف من قبلهم بإعادة نشر مذكرات حسن الإمام التى نشرت فى مجلة الشبكة منذ أربعين عاما، وطلب منى تزويده ببعض الحلقات، وتعاونت معه، لكننى فوجئت به يقول إن هناك نسخة مزورة منتشرة على الإنترنت، واطلعت عليها فوجدت فيها كلاما عار تماما عن الصحة، فطلبت منه أن يوقف العمل على المذكرات حتى لا يختلط ما هو حقيقى بما هو مزيف، وقلت له إنكم لا تمتلكون صفة قانونية تسمح لكم بإعادة طبع مذكرات والدى دون موافقتى، لكننى فوجئت برئيس المهرجان المخرج «مجدى أحمد على» يقول لى إنه شخصية عامة، ومن حقنا طباعة مذكراته، والاحتفال به، وكأن ليس لى وأخى أى صفة، وهو ما دفعنا لاتخاذ الإجراء القانونى ضدهم، فما كانوا ينوون القيام به فى حق والدى تشهير وليس تكريما، ومن يتذكر تكريم «حسين فهمى» لوالدى فى مهرجان القاهرة السينمائى، حينما كان تحت رئاسته فى أواخر التسعينيات، بالإضافة إلى الكتاب الرائع الذى أصدره المهرجان عن والدى بقلم «محمد عبد الفتاح»، يدرك الفرق، ويعرف لماذا رفضنا تكريم شرم الشيخ.
> بالعودة إلى البدايات، فقد عمل والدك مع العديد من الأسماء العملاقة التى أثرت فى تكوينه الفنى، فكيف كان يتحدث عن هذه الفترة؟
- كان والدى عاشقا للفن منذ صغره، وعندما توفى والده الذى كان يرفض احترافه الفن استأجر شقة فى شارع محمد على، بهدف أن يكون قريبا من المسارح، والسينمات، وكان يشاركه فى السكن الشيخ «أبو العينين شعيشع» مقرئ القرآن، وفى اعتقادى أن مكان سكنه فى مكان شعبى، جزء منه فنى، وجزء منه دينى-حيث يبعد عن الأزهر بشارعين- جعله يرى البلد من القاع، وليس فقط من السطح، وعرف ناسها جيدا، واستطاع أن يظهرهم فى أفلامه بشكل حقيقى كما رآهم، أما إتقانه للفرنسية، والإنجليزية نظرا لأنه خريج مدرسة الفرير، سهل له دخول مسرح يوسف وهبى، نظرا لقدرته على التواصل مع الأجانب الذين كان يتم الاعتماد عليهم فى مجال صناعة السينما.
> هل كان هناك غيرة بينه وبين جيله من المخرجين؟
- على العكس، فقد كان تجمعنا صداقة عائلية بـ«كمال الشيخ»، وكانت زوجته صديقة لأمى، كما رشحه «صلاح أبو سيف» لإخراج (بين القصرين) بدلا منه، لأنه شعر أن والدى أجدر بها، ولاتزال تربطنا علاقة صداقة بأبنائه، كما كان والدى يشيد بحرفية «يوسف شاهين» فى تحريك الكاميرا، وكان يقول له (أنا ما بفهمش أفلامك لكن بحب أتفرج على حرفيتك).
> لكن يقال إن خلافات كبيرة دبت بينه وبين بطلتى أفلامه «فاتن حمامة وسعاد حسنى» أدت إلى انفصالهم فنيا، فما حقيقة تلك الخلافات؟
- عندما تزوجت «فاتن حمامة» من «عز الدين ذو الفقار»، جلست مدة طويلة فى البيت دون عمل، وكانت الأزمة التى تواجهها بعد العودة هى مسألة التحول فى الأدوار من فتاة صغيرة إلى شابة  ناضجة، وآمن بها والدى، وعادت على يديه، فأخرج لها العديد من الأفلام مثل (اليتيمتين، وظلمونى الناس، وأسرار الناس، وحب فى الظلام) وغيرهم، وكان بعضهم من إنتاجه، لكن عندما وصلت «فاتن حمامة» إلى النجومية، أصبحت دقيقة جدا، بل كانت تتدخل فى الإخراج، واختيارات الممثلين، وهو ما رفضه والدى تماما.
> وهل تكرر نفس الشىء مع «سعاد حسنى»، خاصة أنه قال عنها فى مذكراته إنه اكتشف أثناء تصوير (أميرة حبى أنا) أنها لم تعد كما كانت، وأنها قد (احتلها الطاووس) على حد تعبيره؟
- مشكلته مع سعاد فى (أميرة حبى أنا) مختلفة، فقد كانت تتأخر كثيرا عن الحضور إلى التصوير، كما كانت تأخد وقتا طويلا فى ارتداء الملابس والمكياج، وتطلب من المصور أن يصورها بطريقة معينة، وهو ما اعتبره أيضا تدخلا فى شأنه.
> هناك واقعة  خلاف شهيرة بينه وبين «عمر الشريف»، تناولتها الصحف عندما رفض الشريف المشاركة فى (أهل الكهف) واصفا «حسن الإمام» بالمخرج التقليدى، هل ظل الخلاف بينهما حتى رحل؟
- لم يستمر، لأننى أذكر أنه كان يسلم عليه عندما يتقابلا فى الأماكن العامة، فوالدى قلبه أبيض جدا، لدرجة أنه لم يخسر ناقدا هاجمه قط، فقد التقى فى أحد المهرجانات العالمية بالناقد «سامى السلامونى» الذى كان يهاجمه بشدة، وعندما لاحظ أنه متخوف من مصافحته نادى عليه وقال له: يا بلديات.. هذا هو رأيك، وكل منا حر فى رأيه.
> على ذكر الهجوم الشديد من النقاد، هل كان ذلك يغضبه؟
- إطلاقا، فقد كان عنده قاعدة جماهيرية عريضة جدا، تحدث له نوعا من التوازن النفسى، لدرجة أن جمهورا عريضا من العرب فى فرنسا قد استوقفه فى إحدى المرات فى الشانزليزيه، بالإضافة إلى أن أفلامه كانت تستمر لمدة طويلة فى السينما، وصلت إلى أكثر من عام فى (خلى بالك من زوزو) فبالتالى لم تشغله آراء النقاد، وكان يقول لمن ينعته بمخرج العوالم (أنا أجيد إظهار الهز ولا أهتز)
> لكنه اتهم أيضا بإفساد روايات «نجيب محفوظ» بتحويل أحداث أعماله الخالدة إلى أفلام بطلاتها من الغوانى، فكيف كان يرد على ذلك؟  
- ثلاثية «نجيب محفوظ» أبطالها (عوالم) وعقده الرواية أن «ياسين» تزوج «زنوبه» التى أحبها والده، فهل يصح أن نصف «نجيب محفوظ» بأديب العوالم!!  وللعلم كان والدى دائم الاتصال بـ«محفوظ» ليفسر معه مقصده من الرواية قبل التصوير، ويسأله عن شكل منزل (العالمة) وشكل الحياة وقتها، لكن هذا لا يعنى أن ينقل ما جاء فى الرواية دون أن يبرز أشياء معينة بحسه كمخرج، كشعار (يحيا الهلال مع الصليب) الذى لم يكن موجودا فى الرواية، وأنا أذكر أن «محفوظ» بنفسه قد دافع عن والدى فى أحد البرامج بعد تعرضه لهجمة نقد شرسة قائلا (حسن الإمام ناجح بدرجة تثير النقمة) .
> لم يهتم حسن الإمام بالتليفزيون كما اهتم بالسينما، ويظهر ذلك من عدد المسلسلات القليل جدا التى أخرجها، فهل الأزمة التى صاحبت مسلسل (صاحب الجلالة الحب) كانت السبب؟
- لا أدرى بالتحديد، لكن أزمة (صاحب الجلالة الحب) تكمن فى أن مؤلفه الصحفى الكبير «مصطفى أمين»، الذى كانت عليه مآخذ كثيرة فى هذه الفترة تسببت فى سجنه، وكان المسلسل من 15 حلقة، من بطولة «نبيلة عبيد، وحسين فهمى»، وعرض المسلسل حتى وصل إلي الحلقة الثانية عشرة، ولم يتبق منه إلا ثلاث حلقات.. وفجأة اكتشف المسئولون أن الأحداث التي تدور فى العصر الملكى ونكبة فلسطين بها اسقاطات سياسية، على هزيمة 67،  مما دفع وزير الإعلام «صفوت الشريف» باصدار أوامره بعمل مونتاج لما تبقى من الحلقات، وإنهاء المسلسل بحلقة أخيرة تذاع في اليوم التالى.
>حدثينا عن حسن الإمام كزوج، وأب؟
 كان زوجا رائعا، ومحبا جدا لأمى،والدليل أنه أطلق اسم نعمت- اسم امي- على عدد كبير من بطلات أفلامه، وكان يشترك مع أمى فى حب الموسيقى،حيث كانا يذهبان سويا لحفلات أم كلثوم، أو يجتمعان مع الأصدقاء للاستماع إلى حفلاتها فى الراديو، وكنت أجلس معهم وأكتب كلمات الأغنية، كما أنه أحضر لنا بيانو فى المنزل، فزرع فى قلوبنا حب الموسيقى،بالإضافة إلى أنه كان قارئًا نهما، وكان يمتلك مكتبة هائلة، ولأنها كانت دائما غير مرتبة كان يعطينى خمسة جنيهات لكى أرتبها.
> ماذا تعلمت من حسن الإمام ؟
 علمنى كيف أترجم منذ نعومة أظافرى،وكان عندما يعطينى كتابا لأقرأه يسألنى  عن ما فهمته منه، ويطلب منى ملخصا لما قرأت، وأذكر أننى فى سن الخامسة عشرة حمسنى  لكتابة ملخص بالعربية من 8 صفحات لرواية فرنسية تمهيدا لتحويله إلى سيناريو فيلم (عزيزة الحلوة) فكانت أول تجربة اقتباس لى،كما علمنى كيف أشاهد فيلما سينمائيا، وكان يحزن كثيرا عندما أقول عن فيلم إنه سيئ، حيث يقول إنه لا يوجد فيلم سيئ فى المطلق، لأنه نتاج مجهود العاملين به، وبالتالى من لا يعجبه فيلم لابد أن يفند الأسباب لذلك.>