الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

جيبوتى.. بوابة مصر لقيادة اقتصاد القارة السمراء

جيبوتى.. بوابة مصر لقيادة اقتصاد القارة السمراء
جيبوتى.. بوابة مصر لقيادة اقتصاد القارة السمراء


 
تؤسس القيادة المصرية للاتحاد الإفريقى خلال هذا العام، لقيادة أكثر استمرارية، عبر تعميق التعاون الاقتصادى مع دول القارة عن طريق إنشاء المناطق الحرة واللوجيستية بدولها.. فبالتزامن مع انطلاق الجلسة الافتتاحية للدورة الـ32 للاتحاد الإفريقى، اتفق وزير الخارجية سامح شكرى مع نظيره الجيبوتى، على إقامة منطقة حرة لوجستية مصرية فى جيبوتى، والتى ستمثل نقطة انطلاق لتعميق التبادل التجارى مع جميع دول القارة، تمهيدا لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية التى وقعت عليها مصر العام الماضى مع 48 دولة إفريقية، لجمع دول القارة السمراء فى تكتل اقتصادى موحد.
أهمية استراتيجية
تكتسب هذه المنطقة الحرة أهمية استراتيجية، نظرا للموقع المتميز الذى تتمتع به جيبوتى على خريطة التجارة العالمية، إذ إنها تعد محطة رئيسة فى طريق التجارة بين ثلاثة قارات هما آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وأكد السفير حسن هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن إنشاء مثل هذه المناطق يأتى ضمن الأساليب التى تلجأ إليها الدول لزيادة معدلات التبادل التجارى فيما بينها، متوقعا أن يزداد حجم التجارة البينية بين مصر وجيبوتى، بما يفتح أبوابا جديدة أمام الصادرات المصرية مع دول القرن الإفريقى، خاصة إثيوبيا التى تعد جيبوتى المنفذ البحرى الوحيد لها.
وأضاف أنه عندما تقوم مصر بهذه الخطوات، فغالبا ما تكون بداية فى إطار خطة استراتيجية للدولة، للنفاذ للأسواق القريبة وكذلك للاستفادة من زيادة الواردات من الدول الأفريقية التى تحتاجها مصر بأسعار منخفضة، بما يخلق مناخًا من التنافسية مع السلع المستوردة من الدول الأجنبية.
وتابع أن هذه الخطوة تأتى فى إطار اتفاق الكوميسا، بما يدعم من سياسة الحكومة المصرية فى زيادة حجم التصدير، كما أنها تأتى فى إطار حرص مصر على الإسراع فى تنفيذ الاتفاقية القارية لإنشاء منطقة حرة قارية بإفريقيا، بهدف دفع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة فى دول القارة.
الاقتصاد الجيبوتى
يعتمد اقتصاد جيبوتى بشكل أساسى على تجارة الترانزيت والخدمات وعمليات الشحن العابر إلى إثيوبيا، حيث يمثل هذا القطاع 75% من الاقتصاد، فيما تمثل الصناعة 20% بينما تمثل الزراعة 4% فقط.
 ويصل الناتج المحلى لجيبوتى نحو 1.89 مليار دولار سنويا، ووفقا لبيانات البنك الدولى فإن معدل النمو الاقتصادى بلغ فى 2018 نحو 6.5% مقابل 7% فى 2017، وذلك نتيجة ضعف الاستثمارات والصادرات، ويصل معدل البطالة بين الجيبوتيين نحو 40% من عدد سكان يقدر بنحو مليون نسمة.
العلاقات المصرية الجيبوتية
ترتبط مصر بجيبوتى بعلاقات سياسية متميزة من فترة طويلة كونها عضوا فى الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى، ونشطت العلاقة فى الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير.
ويصل حجم التبادل التجارى بين مصر وجيبوتى إلى 27.7 مليون دولار سنويا، منها 26 مليون دولار صادرات مصرية، ونحو 700 ألف دولار واردات.
 وتتركز الصادرات المصرية لجيبوتى فى المنتجات الغذائية والمواد الكيماوية والزجاج والمنسوجات والماكينات والحاصلات الزراعية ومنتجات الألبان والزيوت العطرية، فيما تشكل الحيوانات الحية وخردة الحديد والمستخرجات النباتية أهم الواردات المرية من جيبوتى.
ويتمثل تواجد المستثمرين المصريين فى جيبوتى فى شركتى: المهندسون المتحدون والتى تقوم حاليًا بعدد من المشروعات فى مجال المقاولات، ومجموعة شورى والتى تمكنت من تأسيس بنك مصرى فى جيبوتى.
 وتربط مصر بجيبوتى علاقة تشمل 20 اتفاقًا بالإضافة إلى عدد من بروتوكولات التعاون الموقعة بين البلدين فى العديد من مجالات التعاون المشترك، بما فى ذلك اتفاق بين وزارتى خارجية البلدين من أجل التشاور السياسى تم توقيعه فى 1998.
وتعد اتفاقية الكوميسا، أهم الاتفاقيات التجارية التى تجمع بين البلدين، حيث يضم هذا التجمع فى عضويته 21 دولة تمثل دول شرق وجنوب القارة السمراء، ويصل حجم التبادل التجارى بينه مصر وهذا التجمع لـ 2.1ملياردولار فى 2018.
جيبوتى وإفريقيا
تشكل جيبوتى محورًا تجاريًا لوجستيا محوريا بمنطقة القرن الإفريقى، حيث تعتبر حلقة الوصل الرئيسية لعدد من دول شرق أفريقيا غير المطلة على البحر الأحمر، وأهمها إثيوبيا التى شكلت بالنسبة لها المنفذ البحرى الوحيد، بسبب صراع أديس أبابا مع إريتريا الذى دام لعقدين من الزمن، قبل أن توقع البلدين اتفاقية سلام تاريخية برعاية سعودية وإماراتية نهاية العام الماضى.
وجاء الاتفاق المصرى الجيبوتى على إنشاء هذه المنطقة، عقب إنهاء القطيعة بين جيبوتى وإريتريا مؤخرًا، وذلك بعد المساعى التى قادتها كل من مصر والسعودية والإمارات لاستقرار هذه المنطقة التى تعد أحد محاور الأمن القومى العربى.
وتتمتع جيبوتى مع إثيوبيا بعلاقة اقتصادية خاصة منذ وقت طويل، بنيت تلك العلاقة على أساس خلافاتهما الحدودية مع إريتريا، حيث ظل ميناء جيبوتى لعقدين يمثل المنفذ البحرى الوحيد لإثيوبيا.
ساحة تنافس عالمية
شكلت هذه الدولة الصغيرة التى تقع على شاطئ مضيق باب المندب الغربى، ساحة للتنافس الاقتصادى والعسكرى بين القوى العالمية والإقليمية، لاسيما خلال العقد الأخير.
فقد  تعاظم النفوذ الصينى فى جيبوتى فى الآونة الأخيرة، بشكل لافت للنظر، وتتطور العلاقات بين البلدين ولاسيما فى المجال الاقتصادى والعسكرى، وذلك فى مقابل مخاوف أمريكية على مشروعها الذى كانت تتبناه إدارتا بوش الابن وباراك أوباما، والذى كان يسمى مشروع القرن الإفريقى الكبير والذى يضم كلا من (إثيوبيا والصومال وإريتريا وجيبوتى)، فضلا عن دول منطقة البحيرات (أوغندا والكونغو ورواندا وبوروندى).
وتمول الصين حاليا مشاريع ضخمة تستهدف تطوير البنى التحتية فى جيبوتى بكلفة مالية تقدر بأكثر من 14 مليار دولار وذلك ضمن خطة إنمائية لتطوير شبكات الطرق، وتحسين الموانئ البحرية والمطارات الجيبوتية التى تشهد ازدحاما كبيرا بسبب النزاع فى البلدان الساحلية بالمنطقة مثل اليمن والصومال،
 كما تبنى رصيفا جديدا مخصصا كليا لحاملات الحاويات الآتية من آسيا.
هذا الرصيف يعد هو الأول من سلسلة 6 موانئ جديدة متخصصة للمعادن، والمواشى، والنفط والغاز فى جيبوتى لتضاف إلى المرفأين الموجودين أصلا.
هذا بخلاف المنطقة الحرة الصينية التى افتتحت نهاية العام الماضى والتى بلغت تكلفتها 3.5 مليار دولار، والتى تحول جيبوتى لمحطة رئيسية ضمن الخطة الصينية فى مشروع طريق الحرير البحرى والذى جاء بمبادرة أطلقتها الصين فى عام 2013.
مصر وتركيا وصراع النفوذ
جانب آخر فهناك صراع إقليمى على المستوى الاقتصادى والسياسى بقيادة كل من مصر والسعودية والإمارات فى هذه المنطقة، ضد المشروع التركى الإيران القطرى، والذى يتبنى نفس السياسات التخريبية التى يتبعها فى دول الشرق الأوسط.
 ويبدو أن المحور التركى الإيرانى القطرى خسر خلال الفترة الأخيرة كثيرا من نفوذه فى تلك المنطقة، بعدما خفضت جيبوتى من تمثيلها الدبلوماسى لدى الدوحة على إثر مقاطعة الدول العربية لها.
كما اتبعت جيبوتى هذا القرار، بطلب سحب قطر لقواتها التى كانت تنتشر على الحدود بينها وبين إريتريا، وتخليها عن دور الوساطة التى كانت الدوحة تقوم به، والذى قامت به بعد ذلك السعودية والإمارات حيث نجحتا فى إنهاء القطيعة والحرب بين إريتريا وجيبوتى بعد عشر سنوات من الصراع.
كما قامت الوساطة السعودية الإماراتية بإنهاء الحرب بين إريتريا وإثيوبيا، فى نفس الوقت، بعد حرب دامت لأكثر من عقدين، كانت عبارة عن صراعات حدودية وعرقية وطائفية، ولم تكن بعيدة عن الأيادى الإيرانية والتركية والقطرية، حيث كشف العديد من التقارير عن دورهم فى إمداد بعض الجماعات فى تلك المنطقة بالأسلحة.
مشروع المنطقة التركية
عملت تركيا على تطوير علاقتها الاقتصادية بجيبوتى، بالتزامن مع تطور علاقاتها مع إثيوبيا فى عهد رئيس الوزراء الإثيوبى السابق هايلى مريام ديسالين، حيث بدأت بضخ استثمارات تخدم أهداف تركيا المستقبلية فى هذه المنطقة الحيوية.
وكان أهم هذه الاستثمارات قيام تركيا بتمويل الطريق الذى يربط شمال إثيوبيا بجيبوتى وهو طريق تاجورة مقلى، حيث تتولى تركيا تمويل الجزء الذى يقع داخل الأراضى الإثيوبية، بينما تمول الهند الجزء الذى يقع داخل الأراضى الجيبوتية، وبذلك تكون تركيا وقفت مع إثيوبيا فى إيصال رسائلها للنظام الإيرترى الذى كان على علاقة جيدة بإيران فى ذلك الوقت، بأنها قد تجاوزت أهمية ميناء عصب الإيريترى لإثيوبيا بوجود اتصال مباشر لوارداتها وصادراتها من أقاليمها الشمالية عبر منفذ جيبوتى.
 ومن أجل زيادة التبادل التجارى بين تركيا وجيبوتى لـ200مليون دولار بدلا من 70 مليون دولار، اتفقت أنقرة مع جيبوتى فى عام 2015، على إقامة منطقة تجارة حرة تركية، إلا إنه لم يتم البدء فى إنشائها حتى الآن.
ولعل تغيير موازين القوى فى منطقة القرن الإفريقى كانت هى السبب الرئيسى فى تأخر هذا المشروع التركى، والذى سيحل مكانه مشروع مصرى يتمثل فى المنطقة الحرة اللوجيستية التى تناولها هذا التقرير.
فى النهاية نحن الآن أمام تغيرات دراماتيكية فى تلك المنطقة، فبدلاً من قيام تركيا بإنشاء منطقة تجارة حرة فى جيبوتى، تسبق مصر وتقيم هى منطقة لوجستية حرة، ليكون لها الكلمة العليا فى اقتصاد هذه المنطقة الواعدة.
وبما يمكنها من إفشال مشروع القرن الإفريقى الكبير، والذى يتطابق مع مشروع الشرق الأوسط الكبير اللذين تبنتهما الولايات المتحدة الأمريكية، وأرادت بهما تغيير وجه خريطة المنطقة سياسيا واقتصاديا لصالح إسرائيل التى لم تكن بعيدة عن كل هذه التطورات، حيث كانت تراقب كل ذلك من خلال قاعدتها العسكرية فى إريتريا.
حيث لم يتبق فى هذا المشروع سوى حل الخلاف الحدودى بين كينيا والصومال والذى تجدد قبل يومين، بسبب منح الصومال تراخيص لشركات أجنبية للتنقيب عن الغاز والبترول فى مناطق حدودية متنازع عليها.