الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما هربت «العربية» من واضعى الأحاديث على يد سيبويه

عندما هربت «العربية» من واضعى الأحاديث على يد سيبويه
عندما هربت «العربية» من واضعى الأحاديث على يد سيبويه


فى 21 فبراير من كل العام يحتفل العالم باليوم العالمى للغة الأم، وكانت البداية لهذا اليوم فى عام 2000، وهو العام الذى اعتمدت فيه منظمة الأمم المتحدة هذا اليوم، لكن قبل ذلك بقرون عدة، كانت اللغة العربية ترسم الطريق نحو البقاء إلى الأبد، كلغة هى الأكثر مرونة وسعة اشتقاق.
منذ القرن الثانى الهجرى بدأ التنظيم الأول لترسيخ قواعد العربية على يد الخليل بن أحمد الفراهيدى، وسيبويه، ورفاقهما، فساهما فى حفظ اللغة، ووضعا –معًا- قواعد بقاء قوام اللغة ممشوقًا حتى وإن اختلطت بلسان غير أهلها.

وضع الخليل بن أحمد قواعد نحوية كثيرة، وتنطلق بعدها ليضع علمًا مكتمل الأركان ألا وهو علم العروض الخاص بأوزان أبيات الشعر، على ما اتفقت عليه ألسنة العرب الذين لم تفسد عربيتهم.
من جهة أخرى، كان سيبويه يضع كتابه الذى وُصف بأنه قرآن العربية وهو الكتاب، وسُمى بالكتاب لأنه صاحبه –أى سيبويه- لم يضع له اسمًا، كما أنه لم يضع له مقدمة ولا خاتمة، واستشهد سيبويه فى الكتاب بآراء الخليل بن أحمد ونسبها له، أما آراؤه هو، فقد نسبها على لسانه هو.
سيبويه كان حاسمًا فى منهج احتجاجه فى القواعد التى تضمنها كتابه، فاعتمد على المنهج العلمى فيما رجح من آراء، وكانت المفاجأة أن احتجاجه كان البطل فيه الشعر وليس القرآن، إذ جاء القرآن عنده فى المرتبة الثانية بعد الشعر، وفى المرتبة الثالثة جاء كلام العرب وأما الرابعة فكان الحديث.
 وزادت مواضع استشهاده بالقرآن على 400 شاهد، ولم يخطئ قراءة ولم يُلحن قارئًا، أى لم يتهم أى من أصحاب القراءات بأنه أخطأ نحويًا، فى حين لم يستشهد بالحديث الشريف إنما ذكره 3 مرات ليس على سبيل الاستشهاد ولم يرجح به رأيًا أو حكمًا فى مسألة، وإنما ذكره على سبيل المثال، إذ كان النحاة منقسمين حول مسألة الاستشهاد بالحديث، وقال السيوطي: «على أن الواضعين الأولين لعلم النحو لم يستدلوا بما وقع فى الأحاديث على إثبات القواعد الكلية فى لسان العرب».
الحقيقة أن سيبويه رغم أنه كان فى القرن الثانى الهجرى،إلا أنه كان يتحاشى الاستشهاد بالحديث مخافة الاتهام بالوضع، وذلك رغم أنه كان قريبًا من عهد النبوة، وهذا ما يُبين أن المُعاناة من الأحاديث الموضوعة ليست وليدة اليوم وإنما منذ القدم، فإذا كان سيبويه العالم باللغة يهرب مما دُس من أحاديث فلماذا هناك من يتمسك بها اليوم ويريد أن يثبتها بثقة الجهل.
على الجانب الآخر، كان هناك من يرفض ترك الاحتجاج بالأحاديث النبوية ومنهم الدكتور مهدى المخزومى الذى قال فى كتابه «مدرسة الكوفة» إن النحاة الذين لم يحتجوا بالحديثِ الشريفِ ضيعُوا قِسمًا كبيرًا مِن مصادرِ لُغةِ العربِ.
ويُعد نُحاة الأندلسِ أول منِ احتج بِالحديثِ، وكان ابنُ مالِك أكثر هؤلاءِ حماسةً، إذ جعل مِن ظواهِرِ الحديثِ النبوى اللغويةِ مادةً يتعقبُ بِها القُدماء، ويتهِمُهُم بِقِلةِ الاستِقراءِ، والجدِيدُ فِى هذِهِ المرحلةِ أن النحاة أخذُوا نصهم الحديثى الأدبِى مِن كُتبِ الصحاحِ، ومن المعاصرين ممن احتجوا بالحديث وفردوا دراسات عن هذه المسألة وعدُّوه مادَّة خِصبةً لِلدِّراساتِ اللُّغويَّةِ والنَّحويَّةِ، ومِنْ هؤلاءِ الشيخ محمد الخضر حسين فى كتابِهِ «دراسات فى العربية وتاريخها».
بعيدًا عن عصور عز العربية التى غرفتها اللغة الأم، رمت بعصور انحدارٍ وتراجع، فسمى البعض العصر العثمانى الثانى الذى كان آخر حكامه عبدالحميد الثانى بأنه كان عصر الموات الشعرى،أى أنه العصر الذى لم يشهد نبوغًا شعريًا، حتى جاءت فترة محمود سامى البارودى،ثم استلم أمير الشعراء أحمد شوقى الراية منه ليقدم نظمًا جديدًا يحافظ على نضارة العربية.
حالة النضارة التى شهدتها العربية لم تمنع شاعر النيل حافظ إبراهيم أن يرفض تعامل أهل العربية مع لغتهم الأم حتى وصل به الأمر إلى أنه نعى حظ اللغة العربية على لسان أبنائها فقال:
رجعت لنفسى فاتهمت حصاتي
     وناديت قومى فاحتسبت حياتى
رمونى بعقم فى الشباب وليتني
     عقمت فلم أجزع لقول عداتى
ولدت ولما لم أجد لعرائسي
     رجالاً وأكفاء وأدت بناتى
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
     وما ضقت عن آى به وعظات
فكيف أضيف اليوم عن وصف آلة
     وتنسيق أسماء لمخترعات؟
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن
     فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟>