الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

2019 الصراع على شرف أوروبا فى البيت الأبيض!

2019 الصراع على شرف أوروبا فى البيت الأبيض!
2019 الصراع على شرف أوروبا فى البيت الأبيض!


معركة شرسة شهدها العام 2018م بين الدولة العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية التى تريد أن تسير الأمور وفق سياساتها ونهجها، وبين إدارة الرئيس «دونالد ترامب» الذى يتهمونه بالتسرع والجنون. وربما تكون المخططات واحدة والأهداف متطابقة بين الجانبين المتصارعين، لكن المؤكد أن الاختلاف فى الأسلوب والنهج والسياسات. بدأت المعركة قبل انتخاب الرئيس ترامب. وكان الهدف من ورائها إما إفشال مساعيه للوصول إلى البيت الأبيض أو خسارته هذا المنصب قبل أن تنتهى مدته فى حال فاز.

الصراع بدأ بتجنيد رجال الدول العميقة لعدد من أعضاء حملة ترامب الانتخابية وتسجيل اتصالاتهم مع عملاء روسيين لإثارة الشكوك حول علاقة ترامب بـ«الكرملن» واحتمال أن تكون روسيا قد ساعدت فى فوزه فى الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل ورصدته «روزاليوسف» على صفحات «سِرّى للغاية» فى ملف بعنوان الـ«الفخ الأمريكى»؛ حيث كشفنا تحركات الدولة العميقة وتمويل عملية توريط الإدارة الحالية بشكل متقن. ولاتزال التحقيقات فى قضية التدخل الروسى تتم على نطاق واسع، وربما تُسفر عن نتائج تقلب الموازين خلال العام المقبل.
رد ترامب جاء من خلال محاولات دعم التيار اليمينى، المتصاعد أصلًا، فى أوروبا ودعم ثورات أوروبا الأخيرة التى ترفضها الدولة العميقة. وسوف نحاول هنا رصد عدد من التحركات والشخصيات التى ساهمت فى دعم اليمين فى أوروبا، وبالتالى إشعال الأمور أكثر؛ خصوصًا أن اليمين الأوروبى يدعم تظاهرات «السُتُرات الصفراء»، وهو ما ضاعف شعبيته خلال الشهر الماضى، إذ ظهر فى صورة التيار المدافع عن حقوق المواطنين والأمل الباقى لتحقيق أحلامهم.
>«تومى روبنسون».. المحتال الذى أصبح زعيمًا لليمين البريطانى
من أشهر الأسماء الداعمة للفكر اليمينى المتطرف فى أوروبا هو الناشط البريطانى اليمينى «تومى روبنسون» مؤسس «رابطة الدفاع الإنجليزية» EDL الذى حُكم عليه منذ شهور بالسجن لمخالفته أمرًا قضائيّا ليفاجأ الجميع بالسفير الأمريكى للحريات الدينية الدولية «سام براونباك»، الذى عَيّنه «ترامب» فى يونيو العام 2017م، يطالب الحكومة البريطانية بالإفراج عنه، بل هدد بالانتقاد العلنى لممارسات الحكومة البريطانية تجاه روبنسون، وذلك خلال لقاء مع السفير البريطانى لدى الولايات لمتحدة الأمريكية.
و قد كان تعيين روبنسون كمستشار سياسى لـ«جيرارد باتن» رئيس «حزب الاستقلال البريطانى» UKIP فى نوفمبر الماضى سببًا فى استقالة السياسى البريطانى والزعيم السابق للحزب «نايجل فاراج» منه متهمًا الحزب بالانفتاح المتزايد على القوى العنصرية والمتطرفة. وأضاف أن الحزب أصبح مهووسًا بالإسلام وبـ«الزعيم الصورى لليمين»- فى إشارة إلى روبنسون.
المثير أن الزعيم الصورى لليمين هذا لا ينتمى إلى حزب UKIP فى الأساس، فقد كان نائب رئيس «حزب الحرية البريطانى» اليمينى عند تأسيسه العام 2010م، وقبلها كان عضوًا بـ«الحزب الوطنى البريطانى» اليمينى العام 2004. أسس روبنسون رابطة EDL التى كانت سببًا فى شهرته اليوم العام 2009م وترأسها فى الفترة ما بين عامَى 2009 و2013م. وتكونت الرابطة فى البداية من مجموعة كبيرة من مشجعى كرة القدم الإنجليزية المشاغبين. وبدأت الرابطة عملها من خلال تنظيم مظاهرات كبيرة فى جميع أنحاء بريطانيا، وكانت تتخللها فى كثير من الأحيان مواجهات مع مجموعات مضادة للعنصرية التى تعتبر الرابطة من أكثر المروجى للعنصرية ضد مسلمى بريطانيا.
ألقت الشرطة القبض على روبنسون عدة مرّات لأسباب تتعلق بخرق القانون، لكن فى المرّة الأخيرة كان الأمر مختلفًا من حيث حجم الرفض والتنديد الذى أعقب سجنه.فقد انطلقت التظاهرات الرافضة لذلك التى تخللها عنف وإلقاء للزجاجات وغيرها على قوات الشرطة. كما طالب عدد من السياسيين الأوروبيين اليمينيين بسرعة الإفراج عنه، ومنهم زعيم حزب الحرية الهولندى «جيرت ويلدرز» وعضو البرلمان الألمانى «بتر بيسترون» عن حزب «البديل من أجل ألمانيا».
وقد كشفت قضية «روبنسون» هذه أكثر من جانب فى التحول السياسى الأوروبى عامّة والبريطانى بوجه خاص. التحول الأول يظهر جليّا عندما نعلم أن «حزب الاستقلال البريطانى»UKIP الذى أصبح روبنسون مستشارًا لرئيسه ليس حزبًا يمينيّا بالأساس، لكنه أراد استغلال تنامى شعبية الفكر اليمينى داخل بريطانيا مؤخرًا فأتى بروبنسون ليكون واجهة تجذب أصوات اليمين إلى الحزب، وهو ما حدث بالفعل، فقد كان للحزب دور بارز فى التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبى والمعروف بالـ«بريكزيت»..فـ UKIP ، كغيره من أحزاب اليمين، يؤيد الخروج والاستقلال ويعلى من شأن القومية.
كما كشفت القضية نفسها عن أمر أهم وهو مدى التقارب بين الحزب البريطانى المتحول إلى اليمين وبين «ستيف بانون» المستشار السياسى اليمينى السابق للرئيس الأمريكى «ترامب»، الذى رصدنا دوره فى دعم اليمين الأوروبى أيضًا فى عدد (4722) من روزاليوسف. «بانون» وصف «روبنسون» بأنه مدافع عن حقوق الطبقة المتوسطة، بل إنه «العمود الفقرى لبلاده»! أما «جيرارد باتن» زعيم حزب UKIP الحالى فقد شبه البطل المحتال، الذى ظل لسنوات مجرد عضو بإحدى مجموعات مشجعى الكرة المشاغبين الذين يستخدمون العنف والبذاءة، بـ«غاندى» و«نلسون مانديلا» اللذين دخلا السجون دفاعًا عن حرية شعوبهما وكانا صاحبَى فكر يدعو إلى المحبة والتسامح لا الكراهية والعنصرية.
لم يكن هدف «بانون» و«باتن» هنا فقط هو الدفاع عن روبنسون لأنه مجرد شاب يبحث عن دور، لكن الهدف الحقيقى هو تحويله إلى بطل تعاقبه الدولة على شجاعته ودفاعه عن حقوق الشعب، وبالتالى تزداد شهرته وتزداد معها شعبيته وشعبية الفكر العنصرى الذى يروج له فينعكس ذلك قريبًا على صندوق الانتخاب الذى قد يأتى باليمين إلى الحُكم أسرع مما نتخيل.
>«ستيف بانون» ...مستشار ترامب السابق ومندوبه لدى اليمين الأوروبى والمعارضة الصينية
وإذا كان «روبنسون» أحد زعماء اليمين الأوروبى فإن «ستيف بانون» مستشار ترامب السابق هو المحرك والداعم الأكبر لتيار اليمين فى أنحاء أوروبا؛ خصوصًا بعد أن أسس منظمة باسم «الحركة» لتكون بمثابة مظلة لجميع تيارات اليمين الأوروبى، ونجح بالفعل فى ضم الكثير من زعماء اليمين هناك. «بانون» يسعى للوصول إلى أوروبا يحكمها اليمين العنصرى أو مَن يُطلق هو عليهم «القوميون اليمينيون»، وهو تيار يرفض الاتحاد الأوروبى ويسعى للخروج منه ويكره الإسلام ويسعى إلى وقف الهجرة وطرد المهاجرين؛ خصوصًا المسلمين.
«الحركة» بدأ العمل على تأسيسها منذ بداية 2018م، لكن الحديث عنها إعلاميّا زاد خلال الشهور الأخيرة؛ خصوصًا بعد مظاهرات «السترات الصفراء» التى شارك فيها اليمين الأوروبى وأيدها زعماء اليمين بدءًا من «مارى لوبان» فى فرنسا و«ماتيو سالفينى» فى إيطاليا ومرورًا بـ«فيكتور أوربان» فى المجر و«توميو أوكامورا» فى التشيك ووصولًا إلى «جيرت فيلدرز» فى هولندا و«جيرارد باتن» فى بريطانيا. ولا يمكن أن نغفل تصريح بانون فى يوليو الماضى، أى قبل شهور من بدء التظاهرات عندما قال: «الحركات الشعبية موجودة وتنتظر الدافع للتحرك والأمر لن يحتاج سوى ضغطة زر»!..لم يكن التصريح مفهومًا وقتها وربما اعتبره الكثيرون حماسًا زائدًا، لكن بعد انطلاق المظاهرات فى عدد من عواصم أوروبا؛ خصوصًا تلك التى خسر فيها اليمين فى الانتخابات الأخيرة ويسعى للفوز فى انتخابات 2019 أصبحت الأمور أوضح.
أغرب ما تم الكشف عنه مؤخرًا فى هذا الإطار هو أن بانون تعاقد مع شركة «كامبريدج أناليتيكا» أثناء الانتخابات الأمريكية الأخيرة لكى تساعده فى رصد حسابات الأمريكيين ذوى الميول اليمينية أو القومية على موقع «فيسبوك»، وذلك من خلال ما يفضلونه من بيوت أزياء وموسيقى، وذلك وفقًا لما أعلنه «كريستوفر وايلى» مؤسس الشركة، مما يعنى أن بانون لن يترك بابًا إلا وطرقه حتى فاز ترامب، وبالتأكيد سيفعل الشىء نفسه فى أوروبا لكى يسيطر اليمين على الحُكم هناك.
ويبدو أن مهمة بانون الحالية لا تتوقف فقط على دعم اليمين لإحداث تغيير سياسى شامل فى أوروبا لتكون الحليف العنصرى المتفق مع أفكار سكان البيت الأبيض حاليًا ، لكن لديه مهمة أخرى وهى نصب فخ للتنين الصينى الذى أصبح يشكل تهديدًا اقتصاديّا للولايات المتحدة.فقد التقى بانون منذ أسابيع مع الملياردير الصينى «جيو وينجو» الذى تحوّل إلى ناشط سياسى معارض لحكومة الصين بعد اتهام الصين له بعدد من القضايا منها غسيل الأموال والنصب والرشاوى.
وقد التقى «وينجو» مع «بانون» عدة مرّات، إلا أن آخر لقاء بينهما لم يكن على يخت الملياردير ولا فى شقته الفاخرة بفندق «شيرى نثرلاند» التى يبلغ ثمنها 67.5 مليون دولار، بل كان اللقاء من خلال مؤتمر صحفى أعلن فيه الطرفان عن إنشاء صندوق باسم «سُلطة القانون» برئاسة «بانون» وبتمويل من «وينجو» الذى خصص للصندوق مبلغ 100 مليون دولار أمريكى. يهدف الصندوق، وفقًا لما أعلنه الجانبان، إلى تمويل مخطط لفضح الحزب الشيوعى الصينى وتوفير الدعم المالى لرجال الأعمال والمسئولين الصينيين وغيرهم من المعارضين للحكومة الصينية الذين فرّوا خارجها ويقيمون حاليًا فى العديد من الدول العالم.
على الجانب الآخر نجد الدولة العميقة ممثلة أيضًا فى عدد من الشخصيات المعارضة للفكر اليمينى والمعارضة لترامب بطبيعة الحال، ولكن الأهم من حيث التمويل والدعاية هو الملياردير «جورج سوروس».
>جورج سوروس.. الملياردير الذى يتلاعب بالسياسة
«سوروس» هو رجل أعمال أمريكى من أصل مجرى ويُعد من بين أكثر الشخصيات تأثيرًا فى السياسة الأمريكة خلال العقدين الأخيرين تحديدًا. وُلِدَ العام 1930 لأسرة يهودية واستطاعوا النجاة بحياتهم من مذابح النازية خلال الحرب العالمية الثانية من خلال تزوير أوراق هوية تثبت أنهم مسيحيون. درس «سوروس» الاقتصاد فى لندن ثم بدأ حياته العملية إلى أن أصبح أحد أغنى رجال أعمال وول ستريت. المعروف أن سوروس من أشد مؤيدى هيلارى كلينتون، وبالتالى فهو معارض لترامب، وهو ما يظهر فى تصريحاتهما.
أسس سوروس منظمة «المجتمعات المفتوحة» العام 1993م، وهى منظمة تسعى فى الظاهر إلى تقديم الدعم والمساعدة فى العديد من المجالات، منها حقوق الإنسان والديمقراطية والفقر وغيرها، لكن الواقع أن المنظمة تسعى للتدخل فى شئون الدول لتحقيق مصالح سوروس، وذلك تحت غطاء العمل الخيرى، ففى كل أزمة تحدث نسمع اسم سوروس وعلاقته بأحد أطراف الأزمة سواء من خلال منظمته الكبرى بفروعها حول العالم أو من خلال مجموعات أو شركات تمولها المنظمة كغطاء لتحقيق أهدافها.
تصريحات متبادلة بين سوروس وترامب أكدت الصراع بين الطرفين، فقد اتهم سوروس إدارة ترامب بأنها تمثل خطرًا على العالم، وأضاف: «لكننى أعتبرها ظاهرة مؤقتة ستختفى العام 2020م، أو ربما قبل ذلك». أمّا ترامب فقد انتقد سوروس، بل اتهمه، بأنه الممول الرئيس للكارافان أو قافلة المهاجرين التى انطلقت منذ شهور من السلفادور وجواتيمالا وهندوراس بهدف العبور إلى الولايات المتحدة، وهو ما رفضه ترامب، واضطروا جميعًا إلى العودة أدراجهم إلى بلادهم، بينما اتهم نجل سوروس إدارة ترامب بأنها تقف وراء القنبلة التى وجدت فى أكتوبر الماضى إلى جانب منزل والده.
الأحداث لاتزال مشتعلة فى الداخل الأمريكى، والصراع لن يهدأ قريبًا، فالجانبان يعملان بدأب وينفقان الملايين من أجل تحقيق أهدافهما وكسب المزيد من التأييد فى الداخل والخارج. نجحت الدولة العميقة فى السيطرة على الدولة خلال العقود الماضية، وكان سوروس هو رجلها الداعم إعلاميّا وماديّا ، لكن الحسابات تغيرت والمزاج العام تغير، ففاز ترامب فى الولايات المتحدة وأصبح بانون يقوم بدور سوروس لدى اليمين.. فهل ينجح كما فعلها سوروس؟ المؤكد أن النصف الأول من العام 2019م سيشهد انتخابات أوروبية تكشف عن مدَى نجاح تحالف «ترامب-بانون» فى أوروبا.>