الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«كلير فورستير» النسخة الإنجليزية من عمرو خالد

«كلير فورستير» النسخة الإنجليزية من عمرو خالد
«كلير فورستير» النسخة الإنجليزية من عمرو خالد


 لا تعلم شيئًا عن الإسلام ولا تدين به لكنها تتحدى به الملحدين، تتحدث بحماس يفوق حماس المسلمين عن الإعجاز العلمى فى القرآن وتبرهن للعالم أنه سبق آينشتاين بآلاف السنين وتتحدث عن أن النظام الغذائى الإسلامى يتفوق على المسيحى واليهودى.. إنها كلير فورستير مذيعة «بى بى سى».
اشتُهرت المذيعة البريطانية خلال الأشهر الماضية على وسائل التواصل الاجتماعى بأنها غير المسلمة التى تربط جملة من الآيات القرآنية بعلوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وتقدم تفسيرًا جديدًا لآيات القرآن من خلال العديد من الفيديوهات الغامضة المنتشرة عبر «يوتيوب» و«فيس بوك» تتحدث عن الإعجاز فى القرآن بلكنتها البريطانية بطريقة علمية منمقة.
No Clash
رغم ما حققته الفيديوهات من نسب مشاهدة عالية والترويج لها بأنها تساعد المسلمين على إصلاح منهجهم فى فهم القرآن وتحليله ومنحهم مساحة من الحرية والانفتاح على العالم، أثارت جدلًا كبيرًا ليس فقط لحلقاتها التى تحظى بالمتابعة والكثير من الانتقادات عبر فيس بوك ويوتيوب والتى رأى فيها أكاديميون بأنها تُفسر القرآن بمعلومات غير دقيقة علميًا، ولكن لإثارة شكوك بشأن دوافعها والمنظمة التى تقف وراءها لاسيما أن الفيديوهات التى تعرضها مدفوعة الأجر من قبل منظمة إسلامية تدعى There Is No Clash أو «ليس ثمة تصادم» أى لا يوجد تعارض بين القرآن والعلم. الشكوك لا تحوم فقط حول «فورستير» التى لا تؤمن بالإسلام، ولم تعلن شهادتها بعد، رغم الإعجاز العلمى الذى تبرهنه لمتابعيها، مما زاد من الشكوك فى نواياها، حتى ممن يجزمون بأنها مجرد ممثلة أداء مستأجرة لعرض وقراءة إسكربت معدّ لها سلفًا، ويتساءل الأكاديميون من رجال الدين والعلماء عن تلك المنظمة «There Is No Clash» التى تحيط نفسها بالسرية وتُوظّف تلك البريطانية والتى يشكك الكثيرون فى كونها مذيعة أو حتى مراسلة بريطانية لها باع فى محطات الإرسال الإخبارية كالبى بى سى وغيرها كما يروج لها، فلا اسمها مقيد تحت أى سجل للمراسلين أو الصحفيين لدى محطات التليفزيون الإخبارية، أو حتى الصحف البريطانية.
مذيعة أم ممثلة
بالبحث فى ويكيبيديا عن الاسم الذى اتخذته هذه السيدة «كلير فورستير» التى ظهرت فجأة واحتلت بفيديوهاتها المثيرة للجدل العالم الافتراضى لتبث معلومات فلكية تحوى مغالطات لا حصر لها، سنجد أنها ممثلة بريطانية من مواليد 1981 تدربت فى كلية فنون الأداء، ولعبت العديد من الأدوار على حد سواء داخل وخارج ويست إند، كما ظهرت فى إنتاج إحياء لندن لعام 2011 وشاركت فى مسلسل ABC الخيالى الكوميدى الموسيقى «Galavant» خلال موسمها الثانى عام 2016 ورُشّحت لجائزة لورانس أوليفييه لأفضل ممثلة مساعدة.
البعض يذهب إلى أن كلير فورستير مذيعة وليست باحثة بالمعنى العلمى ولا مفكرة ولا عالمة عملت كمذيعة لبرامج بُثت على إذاعة بى بى سى،  ولم تكن معتمدة، فهى تركز على برنامج «ليس ثمة تصادم» أكثر مما تركز على عملها المزعوم فى هذه المؤسسة العريقة، وفى المقابل يرى منتقدوها أن  كلير فورستير اسم مستعار لممثلة أداء اتخذته المنظمة التى تربطها صلات بتمويل مادى مغرٍ ربما من جهات تسعى لتشويه الإسلام أمثال الملياردير التركى المشبوه الذى أُلقى عليه القبض فى يوليو الماضى عدنان أوكتار المعروف بداعية الراقصات المهووس بدحض الإلحاد ونظريات التطور والارتقاء والنشوء وأنشأ مؤسسة للبحث العلمى فى تركيا لهذا الغرض، كما معروفًا عنه نشر أفكاره الغريبة عن الإسلام، أما كلير فورستير فتُعرّف نفسها بأنها مراسلة مستقلة كانت تعمل فى قناة bbc والآن تقدم عدة برامج مستقلة بالعقود المدفوعة مرة عن الدين ومرة عن التكنولوجيا، وبرامج أخرى فى علوم التسويق.
داعية الراقصات
انتشرت شائعات تربط بين عدنان أوكتار - داعية الراقصات- والمنظمة التى تدعم وتدرب فورستير، فالملياردير أوكتار الداعية التركى الذى روج لإسلام يبيح الزنى والخمر والرقص العارى والمعروف بعلاقاته الوطيدة بالكيان الإسرائيلى يعرّف نفسه بأنه «مفكر إسلامى عصرى» مناهض للإلحاد والمادية والداروينية، ومعروف بأنه من أبرز المدافعين عن نظرية «الخلق» فى مقابل نظرية التطور والارتقاء التى أعلنها داروين، وكان له كتاب يدحض فيه آراء النظرية بعنوان «أطلس الخلق» وهو الكتاب الذى اعترضت فرنسا على تسويقه ومنعت تداوله عندما سعى لإرساله إلى مدارسها، وله مؤلفات وصلت إلى أكثر من 300 كتاب، وفى بعض الروايات على موقعه أكثر من 700 كتاب، ترجم منها نحو 70 كتاباً إلى لغات أخرى.
العديد من الأكاديميين والمثقفين أكدوا أن هذه الكتابات ليست من تأليفه، وأن الرجل ينفق الكثير من الأموال من أجل إثبات أفكاره، وعرف عنه بأنه يقوم باجتزاء من كتابات علماء ملحدين بتشويه مخل ليثبت نظرياته، وأن أفكاره المحاربة للإلحاد تبدو فى سياقها ذات أهداف نبيلة، إلا أن وراءها أسبابًا غير مفهومة وجهات لها أجندة تقف وراء من يطلقون على أنفسهم دعاة إسلاميين، خاصة أنه يختار توقيتات مختلفة لترويجها وهذا ما جعل البعض يربط بين أوكتار وبين المنظمة التى بدأت تبث حلقاتها مع بداية العام الحالى الذى توهج فيه الملياردير التركى قبل القبض عليه على خلفية تهم مختلفة، أبرزها إنشاء «منظمة إجرامية»، و«الاعتداء الجنسى على الأطفال»، و«الابتزاز»، و«حرمان أشخاص من حرياتهم باستخدام الجبر والعنف والتهديد».
عمرو خالد
لم يتوقف الأمر عن أوكتار، بل ربط الكثيرون بين المنظمة التى تتولى برنامج فورستير والمؤسسة المصرية التى تعمل على ترجمة حلقات برنامج عمرو خالد، ويبرر المؤيدون لهذا الرأى أنه بعد فشل عمرو خالد فى إقناع الناس واجتذابهم لبرنامجه لما فيه من أخطاء علمية كبيرة واستنادات خاطئة، تم إسناد الدور للمذيعة البريطانية، فالديكور والمحتوى واحد فى كلا البرنامجين مع استبدال عمرو خالد بمتحدثة أكثر لباقة وتعطى مصداقية أكثر لكونها امرأة بريطانية أى لا علاقة لها بالإسلام أو بالعرب.
وعلى الرغم من الإنتاج المرئى الضخم واللجوء لعنصر الآخر «امرأة غربية»، وقعت الشركة المنتجة لهذه البرامج - شركة تجارية تتنقل بين مصر وبريطانيا، ولها عدد من القنوات الإعلامية المختلفة، وأسست لها قناة على باتريون الموقع الخاص بدعم المنتجات الإعلامية للهواة، لجمع التبرعات- فى أخطاء علمية كبيرة منها ما رد الدكتور محمد باسل الطائى الفيزيائى العراقى المتخصص فى نظرية المجال الكمى ونظرية النسبية العامة ويعمل أستاذًا للفيزياء الكونية بـجامعة اليرموك بالأردن، حيث انتقد تحايل إحدى حلقات البرنامج بربط الآية القرآنية 45 من سورة الفرقان والمعروفة بآية الظل وقوله تعالى: «ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا»، بالنظرية النسبية لألبرت آينشتاين، مؤكدًا أن البرنامج قدم تفسيرًا فيه شطط  كبير للآية القرآنية، حيث أدخل انكماش الطول وتباطؤ الزمن الذى جاءت به النظرية النسبية لآينشتاين فى تفسيرها ويكون بذلك نسب للقرآن الكريم ما ليس فيه.
 ورأى عالم الفيزياء أن القرآن الكريم يحوى الكثير من الإشارات والمضامين العلمية لكن البرنامج الذى يعرض باللغة الإنجليزية يسيء للقرآن بشكل كبير حتى فى الأوساط العلمية الغربية لأنه يلجأ بشكل متعمد أو غير متعمد لتسطيح ثقافة الناس ويتضمن معلومات مغلوطة سرعان ما يُكتشف زيفها مما يرتد وابلًا على الدين الإسلامى والمسلمين.
وكشف عدد من الباحثين أن المذيعة فى أحد الفيديوهات تقول إن المسلمين أكثر الناس تمتعًا بالصحة الجيدة على مستوى العالم والسبب النظام الغذائى القرآنى الذى يحرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير، وهو ما يثير سخرية البعض، فالمسلمون أكثر من يعانى على وجه الأرض من تفشى الأمراض وتدنى مستوى الأعمار بسبب نقص الغذاء أو الغذاء غير الصحى وغير المتوازن.
وانتقد أكاديميون آخرون محاولة البرنامج تطويع آيات القرآن الكريم وجرها فى اتجاه نظريات ليست حقائق وإنما تفسيرات لظواهر يتم البرهنة عليها ومن الممكن أن يكتشف العلماء مستقبلاً نظريات أخرى تسقط من خلالها النظريات التى يعتبرها أصحابها مسلمات اليوم، لافتين إلى أن هناك فرقًا كبيرًا بين الظاهرة الفيزيائية التى هى ملاحظة ويقينية، وبين القانون الفيزيائى الذى هو تفسير للظاهرة قد يكون التعبير عنه بمعادلات رياضية أو إحصائية أو غيرها ولكن تبقى مجرد نماذج تفسيرية معيارية لا ترقى لدرجة التسليم بها كحقيقة.
فما كان يعتبر تفسيرات مسلم بها فى عهد اليونان أصبح اليوم مجرد أمور طريفة حتى لتلاميذ الابتدائى وما كان مسلما به من قرن من الزمن حول مفاهيم الزمن والجاذبية حسب نيوتن صارت محل نقاش واسع مع ظهور النسبية وحتى النسبية ذاتها متناقضة مع نظرية الكم وكلها نظريات ليست كاملة ولا تعطى أجوبة عن كل الأسئلة المطروحة عن عمل الكون، ولذلك لا يجب التسرع فى تطويع آيات قرآنية لنظريات غير يقينية لأن القرآن هو كلام الله وليس كتاب فيزياء، وهو يعطينا التعاليم التى تحثنا على التفكر فى خلق الله والاستدلال على وجوده وعلى السير فى ملكوت الله وعن السماء والأرض ويحثنا على العلم ويخاطب الذين يعقلون وأولى الألباب ويحثنا على الاكتشاف، وليس انتظار صدور نظريات لا ترقى إلى مستوى الحقيقة حتى ولو اعتنقها معظم علماء العصر وتطويع الآيات لها والإعجاز العلمى فى القرآن ممكن الاعتماد عليه فى الحقائق التى تحولت إلى يقينيات مثل علم الأجنة، وليس حول النسبية ومفاهيم الزمن والفضاء وغيرها التى لا يوجد إجماع حتى حول تعريفها.