الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المزين والخياط... وأحدث صيحة فى الحرية

المزين والخياط... وأحدث صيحة فى الحرية
المزين والخياط... وأحدث صيحة فى الحرية


الملابس هى إحدى علامات الهوية الثقافية للشعوب وهى تحمل فى داخلها ملامح الشخصية الوطنية وتعكس طريقة التفكير الجمعى فى الحياة، ولذلك يأتى حرصى على متابعة آخر خطوط الأزياء، وكلما تيسر التفاعل مع صناع «الموضة» فى مصر سارعت بالمشاركة لأننى أراهم أحد أهم صناع الفنون التطبيقية على أرض الواقع، كما أنهم أحد أهم صناع الفنون الجميلة فى الأعمال الدرامية والفنية، وطريقة النجوم فى تصفيف الشعر وارتداء الملابس تنعكس بلا أدنى شك على الشارع المصرى وتحدد مبيعات بيوت الأزياء وشركات صناعة الملابس، وذلك فى إطار العلاقة التفاعلية بين الواقع والخيال.
ولذلك كانت استجابتى لدعوة شديدة اللطف لتكريمى ضمن مجموعة من الفنانين فى حفل أقيم برعاية وزارة السياحة المصرية الأسبوع الماضى لمجموعة نجوم الموضة «Fashion stars»، ومنهم مجدى فكرى وجمال عبدالناصر وحلمى عبدالباقى ومنال عبداللطيف ومها أحمد ولقاء سويدان وغيرهم، وذلك فى إطار احتفاء نجوم الموضة بالمشوار الإبداعى للمكرمين وذلك لأن رئيس الملتقى الإعلامى وصانع الموضات محمد شرف يدرك هذه العلاقة الوثيقة بين الفن وملابس الناس وطريقتهم فى التزيين.
إنه مفهوم المزين الذى يصنع للناس زينتهم وهي مهنة تاريخية فى مصر، عندما كانت للمهن المتنوعة ملابس دالة عليها يعتز بها أصحابها وتعرفهم بها وتجلب لهم احترامًا واضحًا لأدوارهم المهنية مثل ملابس ساعى البريد والعامل والفلاح والطاهى وعامل المقهى وغيرهم، هذا وقد لاحظت معجبًا فى الحفل الساهر ميولًا ثقافية لدى عدد من مصففى الشعر ومصممى الأزياء، إذ على سبيل المثال تحدث المصمم «مايكل منفرد» عن تصميم لمجموعته يحمل ملامح مسرحية ويقيم تشابهًا بين المجموعة، ويستخدم الألوان الرمادية والسوداء فى تصفيف الشعر، ويلغى الملامح الإنسانية لصالح وحدة ملامح العرائس المتكررة ويضع على الأفواه كمامات، ويعلن فى نهاية العرض أنه يتحدث عن الهوية والحرية فى الوطن العربى، أدهشنى هذا الخيال والوعى، ومحاولة الاشتباك عبر الأزياء والتصفيف بمفهوم الأداء المسرحى أو العرض أو الاستعراض القصير، ليقترب من صناعة دلالات معنى مهم غائب عن الملايين فى مصر والوطن العربى، ألا وهو عودة القدرة على التعبير وحمل دلالات المعنى فى الملابس المصرية، والتى كانت مصدرًا للإلهام والتقليد طوال القرن العشرين فى الوطن العربى وعدد من مراكز العالم، سواء على مستوى النخبة ونجوم الفن والمجتمع أو فى الصعيد والدلتا والصحراء، طابع خاص أصيل مميز لكل إقليم، ملابس الفلاحة المصرية الواسعة ذات الأكمام الطويلة ذات الورود والألوان الزاهية المبهجة، الجلباب الفلاحى والصعيدى برباط الرأس الذى يمنح الجسد داخله حرية الحركة، المتسع بمهابة وأناقة لمنح الرجل خصوصية لملامح جسده ولمنح المرأة جمالًا وبهجة وحرية فى الحركة والعمل لا تقصد إخفاء الجسد، لكنها تحترم إنسانيته، هذه الملابس التقليدية البلدية هى الزى الجميل الذى يجب استعادته والزهو به، كما تزهو المرأة اليابانية بزيها التقليدى الذى هو زى السهرة الرسمى فى حفلات الأعياد الوطنية وحفلات الاستقبال الدبلوماسية وغيرها من المناسبات العامة والخاصة هناك.
ولذلك أود أن أهمس فى أذن صناع الموضة والأزياء فى مصر بالعودة للهوية المصرية، والابتعاد عن الولع بتقليد ما هو غربى لأنه يحصر الصيحات الجديدة فى شريحة اجتماعية صغيرة، ترتدى تلك الملابس فى معازل اجتماعية خاصة فى التجمعات السكنية الجديدة وحفلات الفنادق ذات السبعة نجوم، لأننا نود للموضة أن تصبح سهلة ومنتشرة وصانعة للبهجة وقادرة على التواصل مع عموم الناس حتى تعود الملامح الخاصة بالهوية المصرية لأن الملابس طريقة تعبير عن الاعتقاد ورؤية وأسلوب خاص فى الحياة وتعبير عن الانتماء للجماعة الوطنية، وهى مكون مادى مهم فى الثقافة العامة عند فهم الثقافة بأنها سلوك الناس، وما هى فى جوهرها إلا سلوك وأفعال بعيدًا عن الرطانة الثقافية والكلام الكبير، ولذلك سعدت بحضور هذا الملتقى للأزياء والتصفيف وأتأمله بصفته أحد أنواع الفنون التطبيقية، وأود أن أذكر صناع الصور المرئية فى مصر وصناع الفنون الجميلة الدرامية وغيرها، بأن عودة نماذج الإشعاع فى الأناقة وعودة خصوصية الملابس المصرية وجعلها مصدرًا للإلهام فى الوطن العربى والمراكز الإقليمية الأخرى، لهو دور مهم لا يقل عن استعادة ريادة الأغنية والفيلم والمسرحية المصرية، وهو الأمر الجدير بتأكيد دور مصر المحورى فى إنتاج الثقافة والفنون.