متحف «بناة الأهرامات».. شهادات عن عظمة الأجداد

هدي منصور و ابتسام عبد الفتاح
الكلمات تعجز عن الوصف، والأحرف تخجل من أن تنساب على الورق لتحكى بدقة عن جمال وروعة أماكن لاتزال محط أنظار العالم.. أنت الآن فى حضرة «الأهرامات».. التى لا تزال تمثل لغًزا لمئات العلماء والخبراء والباحثين، الذين فشلوا فى فك طلاسمها و الاطلاع على أسرارها حتى يومنا هذا.. لتظل شاهدة على عظمة المصريين القدماء، بناة الحضارة والتاريخ.
تمثل «الأهرامات» تطور العمارة على أرض الكنانة منذ ما يزيد على 5 آلاف عام، استطاعت خلالها أن تتحدى جميع التغيرات البيئية والجيولوجية؛ لتحكى للعالم أجمع كيف كانت عظمة القدماء.
لسان حال جميع المصريين يردد ما قالته كوكب الشرق أم كلثوم، وهى تنشد قصيدة حافظ إبراهيم: «وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف أبنى قواعد المجد وحدى.. وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى».. نعم إنهم بناة الأهرام الذين كانوا وسيظلون محط اهتمام المشاهير والعالم أجمع.
متحف «بناة الأهرامات» بالقرية الفرعونية، يحكى تفاصيل بسيطة عن مراحل بناء الأهرامات فى مصر القديمة والتى وصل عددها لـ124 هرمًا، وليست أهرامات الجيزة الثلاثة فقط، كانت لنا جولة داخل المتحف نتتبع فيها خطوات المجد والعظمة:
>وصف المتحف
يضم المتحف مجسمات بارزة لطريقة بناء الأهرامات ومراحل بنائها، والأشكال المتنوعة للأهرمات التى تم بناؤها فى مصر فى أماكن مختلفة، مع وجود أكثر من مرشد سياحى لاستقبال الزوار وتقديم شرح تفصيلى عن الأهرمات وتصحيح المعلومات المغلوطة، خاصة ما يتعلق بعدد الأهرامات فى مصر.
يعد المتحف رحلة ممتعة مع البناء والتعمير أيام الفراعنة، ولا يكاد يفرغ من الزوار ما بين طلاب المدارس، والهواة والباحثين، وعشاق الحضارة الفرعونية، وهو ما أكده أحد المشرفين على المتحف، موضحًا أن كبار السن فى مقدمة المتهمين بمعرفة تاريخ بناء الأهرامات، خاصة من الأجانب والعرب.
ابتسام إلهامى المسئولة عن المتحف تقول: «لدينا فى القرية الفرعونية عشرات المتاحف، لكن «بناة الأهرامات» يأتى فى المرتبة الأولى من حيث الإقبال واهتمامات الزوار، لما يضم بين جنباته من تفاصيل وحكايات مهمة، مشيرة إلى أن المتحف تم إنشاؤه عام 2003، ومعروض به الأحجار التى استخدمت فى بناء الأهرامات، وهى أحجار «الشيفت والدرايت والبزانت».
وعن رمزية الشكل الهرمى فى البناء القديم، تؤكد ابتسام أن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بالبعث والحياة بعد الموت وربطوا بين فيضان نهر النيل وانحساره على شكل تل، وأن نشأة الكون كانت بنفس الشكل، ففى عقيدتهم أن الكون كان عبارة عن مياه ومن تلك المياه خرج شىء يشبه التل أو الهرم، وجاء بناء الأهرامات بنفس الشكل الهرمى باعتبار أن الموت مرحلة مؤقتة لميلاد جديد فى عالم آخر فيه يتم الخلود.
>تطور بناء الأهرامات
تؤكد مسئولة متحف «بناة الأهرامات»، أن شكل الهرم شهد العديد من التطورات، وكان النموذج الأول يسمى بالمصطبة، عبارة عن شكل مستطيل يبنى فوق الأرض من الطوب اللبن، وأسفلها يتم حفر مجموعة من الغرف كغرفة الدفن وغرفة التخزين، ومع مرور الوقت بدأ تطوير شكل المصطبة فتحول شكل الأهرامات فى إضافة مصطبة جديدة ليكون عبارة عن مصطبتين فوق بعضهما البعض، وتطور الشكل ليصل إلى خمس مصاطب أعلى بعضها، حتى وصل شكلها لشكل هرم مدرج، ومعظم الأهرامات موجودة فى«سقارة وسوهاج»، وهما أكثر منطقتين بهما جبانات من العصور القديمة».
وأضافت مسئولة المتحف، إنه نتيجة عدم مواجهة الطوب اللبن لظروف الطبيعة من أمطار بدأ القدماء فى تحويل المقابر من الطوب اللبن للأحجار، وكان ذلك عام 2668 قبل الميلاد، وتم بناء الهرم المدرج بسقارة، وهو مكون من ست مصاطب من الحجر الجيرى وغرفة دفن محفورة فى باطن الأرض، لدفن باقى المجموعة الجنائزية التى بناها «الملك أمنحنت للملك زوسر».
وبعد فترة قام «الملك سنفو» والد «الملك خوفو» ببناء الهرم الأكبر، وتم بناء 124 هرمًا بمصر فى عهده، وصمم «نفرات» المهندس المعمارى الخاص بالملك «سنفرو» هرماً بالحجارة بشكله الطبيعى الذى تم بناء هرم خوفو به، وحدثت مشكلة هندسية عند بنائه لأول هرم لأنه بدأ البناء بزاوية 54 درجة، وعند الوصول لمنتصف الهرم وجد تشققات حدثت بجانب الهرم فعلم أنه لو استكمل بناءه بنفس الوتيرة سينهار، فاستكمل الهرم بزاوية 43 درجة.
>أهرامات فى 4 محافظات
مسئولة متحف بناة الأهرامات أكدت أن مصر تحتوى على 124 هرمًا فى 4 محافظات، هى الجيزة، خاصة منطقة سقارة التى تضم أكبر عدد من الأهرامات،ودهشور، والفيوم وسوهاج وبنى سويف، والعديد من الأهرامات تعرضت للانهيار لأنها كانت مبنية من الطين ومكسوة من الحجر من الخارج، فمظهرها الخارجى هو نفس الشكل الحجرى، ولكنّ بناءها من الطين من الداخل.
>حكايات على الجدران
وأوضحت إلهامى، أن الأسرة الخامسة لم يكن لديها إمكانيات تسمح لهم ببناء أهرامات بنفس أهرامات الجيزة التى تم بناؤها فى عهد الأسرة الرابعة، ولكنهم كانوا يكتبون داخل غرف دفن الملوك نصوصاً دينية، تعرف باسم نصوص الأهرامات، وهى نصوص تزين الجدران بشكل جميل جدًا، وعلى سبيل المثال هرم الملك «بى بى» الذى أصبح شكله الآن كالتل، لكن من الداخل بغرفة دفن الملك يوجد العديد من نصوص الأهرامات، والهرم الأكبر يوجد به ثلاث غرف تحت سطح الأرض وواحدة فوق سطح الأرض وواحدة فى المنتصف، وهرما خفرع ومنقرع بهما غرفة دفن واحدة، إما تحت سطح الأرض أو بمنتصف سطح الأرض، ويعود الأفضل بذلك إلى المهندس «حمئيون» الذى استطاع أن يصل فى بناء الأهرامات لبناء ضخم الارتفاع.
>نظريات بناء الأهرامات
يشرح المتحف كيفية بناء الأهرامات بالنظريات المختلفة، النظرية الأولى- بحسب ابتسام إلهامى - أنه تم بناء الأهرامات ببناء منحدرات طينية حلزونية حول الهرم كلما يزداد الارتفاع زاد عدد تلك المنحدرات ثم يسحبون عليها الأحجار، ولكن النظرية صعبة لأن مساحة القاعدة 13 فدانًا، مع قمة ارتفاعها 146 مترًا، أما الثانية فتقول أنه تم بناء الهرم بحجر واحد من أحد الجوانب وتكرار البناء من الجوانب الأربعة، ولكن بحكم مساحة هضبة الأهرامات وضخامة الهرم يصعب ذلك، فالمنحنى سيكون شديد الميل حينما يصل للقمة، والنظرية الثالثة الأقرب للصحة هى أنهم قاموا ببناء منحدرات طينية حتى منتصف ارتفاع الهرم، وإقامة منحدرات دائرية عند القمة ليسحب عليها الحجارة.
>عمال الأهرامات
كشفت المسئولة عن متحف بناة الأهرامات، أنه فى عام 1990 م تم اكتشاف القرية التى كان يعيش بها عمال بناء الهرم، وهو ما أكد أن بناء الأهرامات ليس له علاقة بالسحر كما يزعم البعض، وأنه كان عملاً مدفوع الأجر.
>زوار المتحف
ابتسام إلهامى لم تخف حزنها على أن السياح الأجانب لديهم معلومات عن طرق بناء الأهرامات أكثر من المصريين والعرب، ويعلمون أنواع الأحجار التى تم بناء الأهرامات بها، فضلاً عن جهل المصريين بالعديد من الأهرامات التى تستحق الزيارة بخلاف أهرامات سقارة.
الدكتور طارق توفيق أحد المشرفين على بناء المتحف الكبير قال إن وجود المتحف الكبير بالقرب من الأهرامات إضافة كبيرة، فالمتحف لن يقتصر على كونه متحفًا، ولكنه سيكون مكانًا للبحث العلمى والتوعية لأطفال وشباب مصر بتاريخهم، لذلك يضم المتحف فى جنباته متحفًا للطفل ومركز تربية موجهًا لكل الأسرة المصرية، ومن أراد أن يتعلم بعض المعلومات عن الكتابة فى مصر القديمة أو صناعة الفخار والنسيج والنحت والفلك والحساب فى مصر القديمة فيمكنه الالتحاق بمركز التربية المتحفية بالمتحف المصرى الكبير.
وأضاف: ندرس تطوير المنطقة ككل، وأن يتم الوصل بين المتحف المصرى الكبير وهضبة الأهرامات بممشى سياحى، ما يؤدى إلى تنشيط المنطقة وفتح مجالات وفرص عمل للمواطنين القاطنين بالقرب من المنطقة لتقديم خدمات للزائرين.
وأكد أن ال متحف الكبير سيكون أكبر متحف فى العالم يعرض الحضارة المصرية القديمة، حيث سيتم عرض 50 ألف قطعة فى العرض الدائم، و50 ألف قطعة أخرى موجودة فى المخازن للدراسة والإفادة منها فى المعارض المتغيرة.>