الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أوليمبياد لندن الرمضانية

أوليمبياد لندن الرمضانية
أوليمبياد لندن الرمضانية


تشهد الدورة الأوليمبية بلندن 2012 حدثا فريدا وربما الأول من نوعه، وهو أن فعاليات الدورة بدأت وستنتهى خلال شهر رمضان الكريم.. وهو ما فرض تحديا على الرياضيين المسلمين الملتزمين بشعائر دينهم، ولكن ما حدث كان العكس فقد حدث انسجام رائع بين الروح الأوليمبية وشعائر الشهر الكريم لدى الرياضيين المسلمين الذين وضح جليا أنهم يتوقون إلى التوفيق بين الانضباط النفسى والإنجاز الرياضى.
 

لندن تبيع الافطار للمسلمين فى الاولمبياد
 
 

حسيبة بالمرقة
 

د. على جمعة
 
 
المرات القليلة التى تزامنت فيها الدورة الأوليمبية مع رمضان كانت خلال دورة 1904 فى لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، ودورة لندن 1908 لكن لم يكن هناك رياضيون مسلمون ينافسون فى هاتين الدورتين، ولهذا السبب لم تتم إثارة هذا الموضوع.
 
ثم أخذ الزمن دورته ليعود الأوليمبياد إلى لندن عام 1948 مع حلول رمضان، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان الرياضيون المسلمون المشاركون فى المناسبة الرياضية تأثروا بذلك. وشهدت لندن فى أوليمبياد ذلك العام مشاركة غير مسبوقة من المسلمين، المشاركين والمشاهدين، وكانت أيضا المرة الأولى التى حصدت فيها دولة إسلامية، تركيا 10 ميداليات ذهبية، ملحقة الهزيمة ببريطانيا العظمى، التى حصلت على ثلاث ذهبيات فقط.
 
وعلى الرغم من هذا التحدى الذى تفرضه المناسبتان فإن دورة لندن الأوليمبية وضعت رمضان أيضا فى الاعتبار، فقد تم توفير مكان للصلاة فى كل مكان سكنى للرياضيين، ووجبة للصائمين بعد غروب الشمس مباشرة، وتوفير محلات فى القرية الأوليمبية تبيع الأطعمة الحلال للمسلمين، ومفتوحة على مدار الساعة كى يتمكن الصائمون من تناول وجبتى السحور والإفطار بكل ارتياح وتوفير عبوات للإفطار والسحور تحتوى على ماء وفاكهة وأطعمة تمنح الطاقة لمتناوليها، وذلك لتلبية احتياجات 3500 رياضى مسلم، وبالإضافة إلى ذلك تتوفر غرفة تقدم الخدمة الدينية المتعددة لخدمة البث الدولي والمركز الصحفي في مقر الألعاب الأوليمبية، وكذلك المركز الصحفي غير المعتمد في لندن.
 
كما يوفر رجال الدين الخدمة الدينية فى فنادق تنزل فيها منتخبات كرة القدم، حيث تم تخصيص غرفة فى كل فندق من أجل الصلاة. وعملت اللجنة المنظمة للأوليمبياد على توفير مناطق هادئة للصلاة لجمهور الأوليمبياد من المشجعين والمشاهدين فى أماكن العرض وفى مقر الألعاب الأوليمبية، وكذلك توفير وجبات طعام الإفطار فى أماكن المسابقات، فضلا عن غرف صلاة خلفية لكل المتطوعين فى جميع أماكن المسابقات أيضًا.
 
وقد جرت عملية توعية شاملة لجميع الموظفين والمتطوعين ليكونوا على بينة بشهر رمضان واحتياجات المسلمين، فضلا عن توعية جميع المجالات الوظيفية بشأن الموظفين والمتطوعين المسلمين واحتياجاتهم خلال شهر رمضان، وتوفير فريق خدمة دينية، يتضمن رجال دين مسلمين، ولجميع الأديان على مدار الساعة للموظفين والمتطوعين.
 
العلاقة بين الرياضيين المسلمين والمناسبات الأوليمبية قديمة العهد، ففى أوليمبياد لوس أنجلوس 1984 أصبحت العداءة المغربية، نوال المتوكل، أول امرأة مسلمة تحقق ميدالية ذهبية فى هذه المناسبة، وأمر حينها العاهل المغربى الراحل، الملك الحسن الثانى، بأن تتم تسمية جميع الفتيات المولودات فى المغرب فى ذلك اليوم باسم نوال.
 
إلا أن رد الفعل الجزائرى على الفائزة بذهبية أوليمبياد برشلونة 1992 العداءة حسيبة بالمرقة، كان مختلفا فقد شجبها المتطرفون الجزائريون لأنها كانت تعدو بأرجل عارية أمام آلاف الرجال. ومهدت أقدام المتوكل وبالمرقة لجيل جديد من النساء المسلمات، حيث وافقت المملكة العربية السعودية وقطر وبروناى على مشاركة رياضيات فى الدورة الأوليمبية الحالية بلندن.
 
وقد أجاز فضيلة مفتى الجمهورية د.علي جمعة، إفطار بعثة المنتخب الأوليمبى لكرة القدم، وأفراد بعثات الألعاب الأخرى، المتوجهين إلى بطولة أوليمبياد لندن، التى ستنطلق فى شهر رمضان المبارك. وأوضح فضيلة المفتى أن الله منح الرخصة فى الإفطار للمريض والمسافر، معللا فتواه بأن نهار رمضان فى بريطانيا طويل للغاية، ولا يجوز لأى شخص أن يصوم أكثر من 18 ساعة فى اليوم.
 
وأشار إلى أن العلماء كانوا محتارين فى تحديد موعد ساعات الصيام، ليرجع الجميع بعد الاختلاف إلى توقيت مكة، الذى يكون 16 ساعة، مشددا على أن البطولة لو كانت فى مصر لما منحت هذه الرخصة للاعبين، موضحا أن اللاعب الذى يريد الصيام لا يتم إجباره على الإفطار مطلقا لأنها مشكلة إدارية.
 
وعلى جانب آخر فإن قدور البلح والحليب الطازج أصبحت متوافرة في جميع محلات ومقاهى مجمع ملاعب ومتنزه «أوليمبيك بارك» فى العاصمة البريطانية لمساعدة اللاعبين والعاملين والمسئولين والزوار المسلمين على كسر صيامهم خلال فترة الألعاب الأولمبية «لندن 2012».
 
وفى أحد المحلات الأوليمبية صرح توم باريت كبير متعهدى الطعام فى أوليمبياد لندن قائلا: «بدأت أخطط من يناير .2010 وقد أوليت لهذا الأمر تفكيرا كثيرا». وتم تغيير قوائم الطعام التي تضم أطباقا تتراوح ما بين الدجاج المطهو بالفودكا إلى الطعام الآسيوى المشوح فى المقلاة وأطباق دول البحر المتوسط و«أفضل الأطباق البريطانية» بشكل يومي للسماح للزبائن بالاختيار بين 460 طبقا مختلفا دون أن يضطروا أبدا لتناول الشىء نفسه مرتين.
 
ومنذ أول ليلة فى رمضان بلندن وفى تمام الثامنة بتوقيت جرينتش وجد المسلمون التمر واللبن معروضين للبيع فى المحلات الأوليمبية المختلفة لمساعدتهم على الاستعداد لتناول وجبة الإفطار. وقال باريت: «إننا نفتح أبوابنا 24 ساعة فى اليوم ولدينا طعام يلبى جميع الاحتياجات الدينية والحميات الغذائية.. وهناك وجبات ساخنة طوال الليل».
 
وقد بذل مسئولو اللجنة المنظمة لأوليمبياد لندن قصارى جهدهم لتوفير كل الاحتياجات الثقافية والدينية لكل من سيتواجد بالألعاب، فمن بين 15500 لاعب ولاعبة مشاركون فى أوليمبياد لندن 2012 يوجد أكثر من ثلاثة آلاف مسلم. يمتنعون خلال شهر رمضان عن تناول الطعام والشراب من الشروق وحتى الغروب إلا فى حالة وجود عذر شرعى.
 
وتم تجنيد 200 رجل دين، للعمل فى أوليمبياد لندن، يمثلون تسع عقائد مختلفة، هذا إلى جانب توفير أماكن للصلاة والراحة والعبادة للمسيحيين والمسلمين واليهود والهندوس والبوذيين والسيخ والزرادشتيين واليانيين والبهائيين، ولكن تداخل الرياضة مع ممارسة الشعائر الدينية أثار العديد من الانتقادات.
 
فقد قال مسعود شادجاريه رئيس لجنة حقوق الإنسان الإسلامية فى لندن: «لم يكن من الممكن أن ينظموا الدورة الأوليمبية فى فترة أعياد الميلاد (الكريسماس). ولا يقل الأمر غباء أن ينظموها خلال رمضان».
 
ولكن الشيخ إبراهيم موجرا إمام المجلس الإسلامى البريطانى كان أقل حدة فى انتقاده حيث قال: «إننى واثق من أن اللاعبين الرياضيين سيطلبون النصيحة من علماء الدين».
 
وأضاف: «قد يشعر المسلم بأنه كان من الأفضل أن يتجنب الحدث هذا الشهر، ولكن حياة المسلم لا تتوقف خلال شهر رمضان رغم صيامه».
 
وتابع موجرا: «أفضل شىء بالنسبة للمسلم والمسلمة هو أن يباشر حياته أو حياتها كما هو الحال فى الأيام العادية. فهذا هو الاختبار الحقيقى». وهذا ما فعله محمد شيبى العضو المسلم بفريق التجديف البريطانى.
 
حيث صرح شيبى 24 عاما لهيئة الإذاعة البريطانية قائلا: «لن أصوم خلال الأوليمبياد، إنه قرار شخصي اتخذته مع أسرتى». وأضاف: «لم أرد أن أضيع على نفسى فرصة المنافسة فى الأوليمبياد.. فأنا أول مسلم حق يمثل بريطانيا فى فريق التجديف. إنه من ناحية شرف بالنسبة لى ولكنه من ناحية أخرى أمر مخزٍ».
 
وقرر شيبي تعويض أيام شهر رمضان التى لن يصومها خلال الأوليمبياد بإطعام مساكين معربا عن أمله فى أن يظهر لأجيال المستقبل أنهم بإمكانهم «المشاركة فى الرياضة وأن يمارسوا شعائرهم الإسلامية فى الوقت نفسه».
 
ولذلك فقد أكد شيبى لصحيفة الجارديان البريطانية أنه قرر إطعام 1800 مسكين فى المغرب بتكلفة شخصية تصل إلى ألفى جنيه إسترلينى أى 3100 دولار وقال: «سيشعرنى هذا بأننى حاولت القيام بشىء ما للتعويض، وإن كنت مازلت مستاء من عدم قدرتى على الصيام».
 
أما صحيفة «لوموند» الفرنسية فقد ذكرت أن تزامن شهر رمضان ودورة الألعاب الأوليمبية لم يحدث منذ عام ,1980 مشيرة إلى أن عدد الرياضيين المسلمين المشاركين في الدورة يصل إلى نحو 3500 رياضى تعترضهم مشكلة الصوم أثناء الفعاليات، فالكثير من اللاعبين على غرار العداء الفرنسى ذى الأصول الجزائرية محمد خالد بلعباس يؤكدون أنهم سيلتزمون بصوم رمضان وأن مشاركتهم فى فعاليات الدورة لن تؤثر على التزامهم الديني، وفى هذا السياق قال لاعب الهوكى البريطانى «دارين شيسمان»: «رمضان يمدنا بقوة أكبر ويزيد من قدراتنا الرياضية وليس العكس»، ومن المتوقع أن يلتزم عشرات الآلاف من المشاهدين ومن أعضاء الفرق ومن العاملين فى الدورة الأوليمبية بصوم رمضان.
 
وعلى جانب آخر يملك الرياضى المصرى أحمد حبش الذى سيخوض منافسات الشراع فى أوليمبياد لندن 2012 طريقته الخاصة للتغلب على الصعوبات التى ستواجه الرياضيين المسلمين خلال الألعاب إذ ينوى أن يضبط ساعته وفقا لتوقيت القاهرة.
 
ورغم حصول حبش مثل الرياضيين الأوليمبيين المصريين الآخرين على فتوى بجواز الإفطار في أيام المنافسات فإنه سيصوم في أيام التدريبات فى بلدة ويموث الواقعة على الساحل الجنوبى، لكنه يرى أن الحل فى ضبط ساعته وفقا لتوقيت مصر. وقال حبش: «لا يمكننى تناول الطعام أثناء اليوم وأفطر بمجرد غروب الشمس لكنى أختار القيام بذلك وفقا لتوقيت مصر وهو ما يسهل الأمور».
 
وتغرب الشمس فى القاهرة عندما تكون الساعة فى ويموث السادسة مساء بتوقيت جرينتشمما يعني أنه لن يتعين عليه الانتظار طويلا لتناول الطعام بعد يوم شاق فى الماء. وأضاف: «أثناء السباقات لن أصوم.. وعند العودة إلى الوطن سوف أقضى الأيام الخمسة التى أفطرتها».
 
أما الصومالى محمد محمد حسن الذى يخوض سباق 1500 متر فى ألعاب لندن فلا يشعر بالارتياح إلا خلال شهر رمضان. وقال أثناء مراسم الترحيب فى القرية الأوليمبية فى شرق لندن بالقرب من واحد من أقدم مساجد لندن «إنه (رمضان) شهر البركات، أنتظره منذ 11 شهرا. إنه شهر نسعد جميعا بقدومه». وأضاف: «كرياضى يمكن أن يكون الأمر صعبا، لكننى مستعد للصيام والتدريب خلاله»، وقالت زميلته زمزم فرح: «إنه أمر دينى. سوف أصوم ولا أعتقد أنه سوف يؤثر على».

الحجاب لا يمثل اى عائق للرياضيات المسلمات فى اوليميياد لندن