الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

100 يوم فى شوارع «الحبشة»

100 يوم فى شوارع «الحبشة»
100 يوم فى شوارع «الحبشة»


يمثل السفر حلمًا خاصًا لملايين البشر حول العالم، إما بحثًا عن ظروف أفضل أو رغبة فى التعرف على أماكن جديدة وثقافات مختلفة، أو مطاردة للحكايات والأساطير الخاصة بالبشر، ليصل المسافر فى النهاية لمعرفة أعمق عن نفسه وعن العالم من حوله، لذلك مهما كان الارتفاع شاهقًا والمسافة طويلة لن يكلّ المحب من تتبع أطراف حلمه.
حينما تتعلق الرحلة بإثيوبيا تزداد الرحلة مزيدًا من عناصر التشويق، ليس فقط بسبب قصة سد النهضة وما يكتنفها من غموض، وإنما بسبب التنوع الشديد فى المجتمع الإثيوبى وحكاياته المثيرة والمتنوعة بتنوع السكان والقبائل واختلاف عاداتهم، فهى دولة تستحق لقب «متحف الشعوب» ويتطلب التعرف على كامل تفاصيلها أكثر من 100 يوم.
تختلف إثيوبيا عن بقية بلاد العالم، فهى تمتلك تقويمًا خاصًا بها يتأخر 8 سنوات عن السنة الميلادية، كما أن العام الإثيوبى 13 شهرًا كل منها 30 يومًا عدا الشهر الأخير والذى يسمى «باغميل» أو شروق الشمس والذى يتكون من 6 أيام فقط، ويحتل هذا الشهر مكانة مقدسة فى إثيوبيا، فهو من أشهر المعتقدات الدينية للكنيسة حيث يستحم فيه أتباع الكنيسة لمدة 6 أيام أو 5 أيام تختلف من عام لآخر فى النهار باعتبارها أيام الغسل من الذنوب.
أساطير كثيرة حول نشأة هذا التقويم يقول أشهرها إن رجال الدين بعثوا بوفد ليدرس الدين المسيحى وغابوا عن البلاد عدة سنوات فبدأ التقويم الإثيوبى من فترة غيابهم.
تختلف العناصر التى تشكّل الثقافة والتراث الإثيوبى من منطقة لأخرى فلكل قبيلة معتقداتها وحكايتها وحتى لغتها الخاصة، تلك القبائل التى خرجت من طين الأرض، تشبهه فى بساطته كأنهم أشجار معمرة تحف مجرى النيل.
تكاد تنعدم الكتب التى تطوف بك فى التراث والثقافة الإثيوبية، لذلك قرر الكاتب الإثيوبى أنور إبراهيم من خلال كتابه «إفادات حول التراث الإثيوبى» أن يأخذنا فى جولة بمراكب من ورق سطّر طريقها بتراث بلده.
تتميز الأزياء الإثيوبية بكونها مصنوعة يدويًا بالطرق البدائية على النول المحلى ويسمى صانعو الأزياء بـ«الشمانى» وهم قبيلة قائمة بذاتها لها عاداتها وتقاليدها الخاصة، يحرصون على صنع أزياء ناصعة البياض يمكن تطريزها ببعض الألوان البسيطة التى تختلف باختلاف أديانهم، لكن «الشمانى» من المهن التى يرفضها المجتمع الإثيوبى أو يرى أنها دون المستوى ويرفض مصاهرة أو الزواج من العاملين فيها.
ورغم أن مهنة «الشمانى» تعتمد على الكثير من الفن والإبداع إلا أن العاملين بها عاشوا معزولين عن المجتمع إلا فى الأفراح والأسواق ليبيع منتجاته فقط!.
تسمى الأزياء النسائية بـ«الزوريا» والرجالية بـ«جى طبب» ويدل الزى على القبيلة، فقبائل الجنوب تحاول أن تختار لنفسها ألوانًا معينة تميزها عن غيرها من القبائل.
 أما مهنة «الأزمارى» فتزدهر فى الأعياد والمناسبات حيث يطوف ممتهنها فى الأماكن العامة ليمدح الأشخاص عن طريق شعره الشعبى الذى يرتجله أثناء مسيره مما يتطلب أن يمتلك درجة عالية من سرعة البديهية وأن يعرف كل سكان المنطقة، وهذا ما يقوم به عازف الربابة الذى يقوم بسرد القصص والحكاوى فى إثيوبيا وأحيانا ما يجتمع السكان حول «الأزمارى» يلقنونه كلمات ليلحنها ويمدح قائلها وعازف الربابة أو صاحب آلة الماسنقو الإثيوبية لابد أن تكون آلته من صنع يديه ليتجول ويوزع الموسيقى على أهالى المدينة.
إذا أردت النظر لأهم التضاريس الإثيوبية من الأعلى فجبل «أنطوطو» هو المكان المناسب، لكن نظرتك تختلف عن نظرة الإمبراطور منلليك الثانى قديما حيث رأى منخفضًا مليئًا بالأزهار البرية مكانًا لتأسيس مدينته الجديدة وبنى فوق الجبل قصرًا يُطل على «زهرته الجديدة» بهذة الطريقة ولدت أديس أبابا.
وتشتهر بإثيوبيا مدينة «قلاع قندر» والتى تقع فى وسط المدينة القديمة وهى محاطة بسور يبلغ سمكه مترًا ونصف المتر، لكن الغريب فى هذا السور أن بناءه تم باستخدام كمية كبيرة من البيض!، إذ كانت لاتوجد مواد أصلب منه فى البناء وقتها، فكانوا يخلطون أتربة أحضرت خصيصًا لهذا السور بالبيض. ويقال إن كمية البيض التى استعملت كانت معجزة فى وقتها!.
أما فى الشمال فتقع مدينة «مغلى» أجمل المدن الإثيوبية حتى أنها تسمى «نجمة الشمال» وفيها تستقر حكومة إقليم «تقراى» وحزب الجبهة الشعبية وتعد هذه المدينة عن أديس أبابا حوالى 780 كم، كما يقع فى هذه المدينة قصر أبرهة والذى يُعتبر من القصور الأثرية القديمة ويقال إنه كان أخاً للإمبراطور، فبنى هذا القصر تحدٍ له ويعتبر اليوم مقرًا لضيافة المسئولين.
أما فى مدينة لاليبا الصغيرة والتى يعتقد أن بها قبر آدم أبو البشرية، وقد أمر الملك لاليبا أن تشيد هذه المدينة واختصها بنظام صرف دون غيرها من المدن وهى عبارة عن مجموعة من الكنائس المحفورة فى الكتل الصخرية، 11 كنيسة تتصل ببعضها بواسطة شبكة من المتاهات والأنفاق وتحتوى جدرانها على تجاويف بها قبور لقديسين منذ العصور القديمة.
وتقوم كنيسة «بيت كدهان يالم» وهى أكبر الكنائس الـ11 على 34 دعامة مستطيلة مساحة الواحدة 24 مترًا، أى أنها نفس مساحة كاتدرائية نوتردام، وهى مدرجة على قائمة التراث العالمى باليونسكو.
ومن أشهر القبائل الإثيوبية قبيلة «كونسو» والتى تتواجد حول نهر «أومو» بالقرب من الحدود الإثيوبية-الكينية حيث تعيش فى بيئة صعبة قاحلة وكثيراً ما تتعرض للتعرية والانهيارات الأرضية، لكن لا تتخلى القبيلة عن مكانها مهما حدث.
وتعتقد قبيلة «كونسو» أن الموتى لهم حياة خاصة بهم فى العالم الآخر، فيصنعون أشكالًا للميت ويضعونها فى المقابر، كما تشتهر هذه القبيلة بالتعرى ويندهشون من الأجانب أنهم يرتدون الملابس!، فيفتخر الرجل بضخامة جسده والسمنة، فيتناولون اللبن والدم كما يحدد احترام الرجل عندهم حجم بطنه!، كما تعتقد هذه القبيلة بتوارث الزوجات بعد وفاة الشخص.
لكن قبيلة «العفر» وهى أكثر القبائل قربًا للثقافة العربية حيث تشبه حياتهم حياة البداوة بشكل كبير، فيرتدون الملابس الفضفاضة كالجلباب ويحملون السيف العفرى ويتميزون بالشعر الكثيف، أما بالنسبة للمرأة فترتدى الزى الفضفاض وتغطى وجهها ويعتمدون فى غذائهم على لبن الإبل ويسكنون فى خيام من الصوف والقش، فهم قبائل عربية انتقلوا أثناء إنتشار الإسلام فى إفريقيا.
ويحتفى التاريخ الإثيوبى بالمرأة الإثيوبية فيخلد ذكرى «مارتا» أول امرأة تدخل لميدان القتال عام 1976، وبعدها أصبحت قدوة لكثير من النساء، وانخرط الكثير من النساء فى صفوف القتال والقيام بحث أبنائهن بكل فخر ليقدموا أنفسهم فى سبيل الوطن، وكيف لا يذكر التاريخ من ترجع أصولها لسبأ وبلقيس؟!
كما تعتمد المرأة الإثيوبية فى زينتها على مكونات الطبيعة، فيستخدمن الأتربة الحمراء لتمشيط الشعر ويقمن بعمل تصفيفات مختلفة باختلاف أنواع الأتربة المكونة للطين المستخدم، كما يرسمن أشكالًا مختلفة على وجوههن لاعتقادهن أن هذه الوصفات والرسومات تحميهن من السحر والشر.
ويتم تقييم المرأة فى إثيوبيا بقدرتها على عمل القهوة، فأول ما تتعلمه الفتاة من أمها هي طقوس القهوة وكيفية إعدادها بمذاق خاص حتى إنه يتم اختيار الزوجات على أساس مذاق القهوة التى تعدها.
كما أن للقهوة فى إثيوبيا طقوسًا خاصة، فيفضل أن يتم تحضير جلسة فى الطبيعة الخضراء لاحتساء القهوة وإشعال الفحم ليتم تحميص القهوة عليه بهدوء وانتظار أن تفوح رائحة البن المحمص، وبعد ذلك توضع القهوة فى إبريق من الفخار المحلى والذى يُسمى «جبنه» ليشرب كل شخص من ثلاثة لأربعة فناجين فى الجلسة الواحدة، ولا تحلو القهوة إلا على أنغام الموسيقى وخاصة بالآلات الشعبية، فهناك نوع مخصص من الموسيقى الإثيوبية لجلسات القهوة.
ولصناعة الفخار فى إثيوبيا قبائل تختص بها كبقية المهن تتوارثها من جيل لآخر، وتطورت هذه المهنة مع تطور العلم حتى أصبح لها أحياء كاملة باسمها، ويعتقد أن هذه المهنة جاءت من اليمن عقب انهيار سد مأرب وهجرة قبيلة حبشة اليمن لإثيوبيا.
أما رجل الذئب فى إثيوبيا فهو معلم سياحى مهم وهو جزء من تراث المدينة حيث يأتى السياح لمشاهدة ما يقوم به وأخذ صور تذكارية معه، حيث تعتمد وزارة السياحة فى إثيوبيا على الذئاب لجذب السيّاح لمدينة هرر بالإضافة للآثار الأخرى.
تحتل الطبيعة أهمية كبيرة فى إثيوبيا، ولثمرة التين الشوكى على وجه التحديد مكانة خاصة عندهم، فهم يتفائلون عندما يثمر نبات التين الشوكى حتى أنهم ينتظرون موسم ظهورها ليقيموا الأفراح والاحتفالات، كما يصنعون منها الكثير من المنتجات كالمربى والعصائر، كما يصنعون من النبتة ذاتها الصابون والشامبو والأدوية المختلفة، فتقوم صناعات بأكملها على التين الشوكى وتعمل على صناعات التين العديد من الشركات الأجنبية التى تنتج المواد الطبية من منتجات التين الشوكى والصبار.
 ويكثر فى جنوب إثيوبيا نوع من النباتات أشبه بالموز يُسمى «القجو» يستعمل فى العديد من الأطعمة حيث يستخرج من الساق بعد طحنه وتجفيفه ليصبح نوعًا من الطحين باهظ الثمن، ويصنع منه نوع من الخبز النادر يُقدم مع اللحم المشوى أو مع الجبن الكتفو، وهى من الأطعمة الشعبية المشهورة فى إثيوبيا.
كما تمتلك إثيوبيا أجود أنواع العسل فى العالم، فهو يُنتج غالبًا فى الغابات أو الجبال لكثرة السلاسل الجبلية التى تتوافر فيها خلايا النحل بوفرة دون تدخل الإنسان، وهناك بعض المزارعين يقيمون مزارع للنحل، لكنها تكون أقل جودة من عسل الجبال، فرغم كميات العسل الكبيرة الموجودة فى إثيوبيا إلا أنها لم تستفد منه سوى فى الاستهلاك المحلى!.
ولشجرة الواركا مكانة كبيرة فى إثيوبيا حيث يتم زراعتها فى كل الأحياء وتعتبر ظلالها مكانًا تلتقى فيه التجمعات السكانية لكل فئات المجتمع ليتسامروا، فيجتمع فى ظلها كبار السن لحل كل الخلافات بين الأفراد، وتقام تحت ظلها المناسبات والاحتفالات، فقد يسع ظل الشجرة لأكثر من 100 شخص، وقد أصبحت معلمًا بارزًا فى إثيوبيا حتى إن بعض القبائل أخذتها شعارًا لها.>