الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إقامة الحدود وسيلة للسيطرةعلى الناس والحكم!

إقامة الحدود وسيلة للسيطرةعلى الناس والحكم!
إقامة الحدود وسيلة للسيطرةعلى الناس والحكم!


تعتبر الجماعات الإسلامية ومعها عدد من الدعاة أن المجتمع فى أشد الحاجة إلى إقامة الحدود من خلال تطبيق الشريعة، وهم يرون أن من يصل إلى الحكم فى أى دولة إسلامية عليه أن يقوم بالتطبيق الفورى لنظام العقوبات الإسلامية من خلال تنفيذ الحدود.
 
وإقامة الحدود فى الإسلام لها شروط يجب أن تتوفر فى المجتمع وأن يعمل الحاكم على تحقيقها قبل أن يقوم بتنفيذ الحدود، مع الوضع فى الاعتبار أن الحدود آخر ما نزل من التشريع فى القرآن الكريم بعد ثبات دولة المدينة، ولذلك كانت آخر ما طبقه النبى عليه الصلاة والسلام بعد تنفيذ منهج تربية أخلاقية لإصلاح أحوال الناس من خلال إقرار العدل والمساواة وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
 
والدول التى تقوم بتطبيق الشريعة حالياً هى السعودية والسودان وباكستان وأفغانستان وإيران، وقد أقامت كل منها الحدود قبل أن يتم الإصلاح لأحوال المجتمع، ودول مثل السودان وأفغانستان وباكستان يعيش مواطنوها على حافة مستوى الفقر، حيث لا يصل دخل الفرد إلى سد حاجاته الأساسية للحياة، بالإضافة إلى الثراء الفاحش للفاسدين وعدم وجود عدالة اجتماعية، ومع ذلك تتم إقامة الحدود فيها على عامة الناس وليس على خاصتهم مثل ما حدث فى زمن حكم النميرى فى السودان، والملا عمر فى أفغانستان، وضياء الحق فى باكستان.
 
والدولة التى لا تستطيع أن توفر حد الكفاية المعيشية لمواطنيها من خلال سد حاجاتهم الأساسية لا يجوز أن تقيم عليهم الحدود، فالإصلاح مطلوب للقضاء على الفساد والانحراف.
فالعقوبة ليس المقصد منها الانتقام بل الردع من أجل الإصلاح والتوبة، قال تعالى: «فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم» المائدة 93 إن نظام العقوبات فى الإسلام لا يهدف إلى إذلال المخطئ بل إلى إصلاحه لأنه إذا أقر بذنبه وتاب قبل أن تقدر عليه السُلطة فلا عقاب له، قال تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم» المائدة 43 مع الوضع فى الاعتبار أن مجموع آيات الحدود 01 آيات من بين آلاف الآيات القرآنية.
 
كما أن تطبيق الشريعة لا يتم حسب رغبة جماعة بل يتم بموافقة الناس مع وجود الحاكم العادل، ويبقى السؤال عن التقاضى بين المختلفين فى المذهب أو الطائفة أو الدين فأى شريعة وأى مذهب سيطبق القاضى وقتها؟ مع ملاحظة أن الشريعة الإسلامية لا تطبق على غير المسلم من مواطنين مختلفى الديانة بين مسيحى ويهودى وبهائى، وأيضاً مع وجود مواطنين مسلمين مختلفى الطوائف بين سنى وشيعى، ومختلفى المذاهب داخل الطائفة السنية بين مالكى وشافعى وحنبلى وحنفى.
 
فعلى من يطالب بتطبيق الشريعة أن يعلم أنه يجب أن يتم تطبيقها كاملة ولا يتم انتقاء إقامة الحدود فقط لتطبيقها، لذلك فنحن بحاجة إلى تجديد الاجتهاد مع مراعاة تغير الظروف وتطور الوسائل والأدوات، فمن الخطأ أن تقام الحدود دون تحقيق شروطها، ولنا الأسوة الحسنة فى النبى عليه الصلاة والسلام والذى طبق الشريعة كاملة قبل أن يطبق حد السرقة على سبيل المثال، فأقام التكافل الاجتماعى من خلال تأدية المسلمين لفريضة الزكاة حيث أعطى الفقراء حقهم، ومما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: «ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، لئن يخطئ الإمام بالعفو أهون من أن يخطئ فى العقوبة».
 
لقد تحول التشريع الواضح البيان فى القرآن الكريم إلى تشريع لا يفهمه إلا فئة اكتفت باجتهاد السابقين حتى أنهم أغلقوا باب الاجتهاد، أما عامة الناس فقد اكتفوا بقراءة آيات القرآن الكريم رغبة فى جمع الحسنات أو أن تكون حصناً لهم من الحسد والسحر ووسوسة الشيطان.
إن المطالبة بالتطبيق الفورى للشريعة هو من قبيل الدعوة للحكم بالحق الإلهى، فالمطالبون بتطبيق الشريعة يريدون حكم الإسلام كما يفهمونه هم، باعتبار أن فهمهم للإسلام هو الحق مع عدم الاعتراف بأى فهم آخر، وأيضاً عدم الاعتراف بأى اجتهاد جديد يناسب ظروف الوقت الحاضر، يحدث ذلك عندنا بينما العالم من حولنا مشغول بالعلم والمعرفة وبدراسة الأرض والكواكب والكون كله، فى الوقت الذى ما زلنا نحن مشغولين بمدى جواز خروج المرأة من البيت للعمل أو للدراسة؟ وهل يجوز لها أن تتولى المناصب القضائية والسياسية؟
 
لقد بدأت فتاوى التفسير الدينى لوجهات النظر السياسية منذ زمن الفتنة الكبرى، وطوال التاريخ الإسلامى كان كل فريق يستند إلى حديث أو قول مأثور صحيحاً كان أم غير صحيح، بالإضافة إلى تفسير آيات القرآن الكريم تفسيراً يؤدى إلى تحقيق الهدف المطلوب، مع عدم مراعاة حاجات المجتمع، بالرغم من أن الإسلام يتكون من العقائد والعبادات والتشريعات وأيضاً القيم الأخلاقية التى تهذب وتضع ضوابط لسلوك الفرد فى تعامله مع المجتمع.
إن التطبيق الصحيح للشريعة يعمل على تدعيم القيم الأخلاقية والإنسانية من خلال تربية النفس وتزكيتها والتركيز على التقوى، كما أن الشريعة الإسلامية تتضمن التعاليم والوصايا التى تمثل القيم الإنسانية من مكارم الأخلاق والتى لا يصلح مجتمع بدونها لأنها موجودة ضمن فطرة الإنسان، قال تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» الحجرات 31 فالمؤمن هو الأفضل أخلاقاً والأكثر تقوى.
 
وقد جعل تعالى العبادات وسائل للوصول إلى التقوى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة 12 وعن الصلاة: «وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ» الأنعام 6 وعن الصوم: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون» البقرة 381 فالهدف هو التقوى مما يظهر فى فعل الخيرات وفى التعامل بمكارم الأخلاق.
وقد بدأت الخلافة بعد النبى عليه الصلاة والسلام وكل من حكم بعده كان خلفاً له وليس خليفته نظراً لاجتماع خصوصية الرسالة والقيادة لديه عليه الصلاة والسلام، وبعد الخلفاء الراشدين بدأت الخلافة تتغير إلى أن أصبحت نظاماً مستبداً مستتراً بالدين.
وفى وقتنا الحالى نجد أمثلة للدولة الدينية التى تدعى أنها تقوم بتطبيق الشريعة كما فى أفغانستان وفى إيران، وهما تخالفان مفاهيم القرآن الكريم ومواثيق حقوق الإنسان فى الالتزام بالحرية والعدل والمساواة، أما فى مصر وفى الفترة التى كانت فيها تابعة للخلافة من الأمويين وحتى العثمانيين ومع إدعاء الخلفاء بقيامهم بتطبيق الشريعة فإن مصر لم تكن دولة العدل والرخاء.
 
إن الدولة الإسلامية هى دولة مدنية تقوم على العدل والحرية وتحث على العلم والأخلاق وتضمن الحقوق والمساواة وحرية الفكر بين الناس دون تفرقة، وبالنظر إلى الوضع الذى عليه المسلمون فى زمن التكنولوجيا وغزو الفضاء، فقد أصبح المسلم فقيراً جاهلاً بدينه ودنياه، ومع ذلك يصر على أنه هو وحده من يمثل الله فى أرضه وأن الجنة ستكون له خالصة من دون الناس.
فالإسلام بقيمه الأخلاقية غير قابل للتسييس، والمجتمع الإسلامى هو مجتمع مدنى فيه حرية التعبير عن الرأى والمعارضة، ودولته مدنية تقوم على تداول السلطة ومحاسبة المسئولين، وتستمد شرعيتها من ميثاق دستورى، وهى دولة لها قيم أخلاقية فلا يجوز تحت شعار فصل الدين عن الدولة أن يسود الغش والرشوة والفساد.
كما أن القول بأسلمة السياسة يعنى السماح بقيام أحزاب سياسية ذات خلفية دينية يمكنها أن تكذب على الناس وتخدعهم فى الانتخابات، لأن السياسة لا علاقة لها بقيمتى الصدق والنزاهة.
لقد بدأت التجربة السياسية للنبى عليه الصلاة والسلام بفكرة الدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة المنورة، والتى ناسبت الواقع بما يحمل من مشاكل سياسية واجتماعية من أجل إيجاد الحلول وفق مفاهيم القرآن الكريم ومقاصده، وقد جمعت الوثيقة للنبى عليه الصلاة والسلام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فعلينا فهم التجربة النبوية والاقتداء بها وليس تكرارها مع واقع مخالف لما كان عليه عهد النبوة أو عهد الخلفاء الراشدين.
 
ومن خلال التجربة النبوية تحول المجتمع البدوى من التشتت والتخلف إلى الاجتماع والمدنية، ومن ذلك قيامه عليه الصلاة والسلام بتسمية يثرب بالمدينة دليلا على قيام الحكم المدنى والمجتمع الإنسانى بدلاً من حكم البداوة القائم على القبلية والعصبية.
إن دعاة تطبيق الشريعة يتجاهلون تاريخ الخلفاء الملىء بالاستبداد والفساد والقتل، كما يتجاهلون أنه بحساب زمن الخلفاء الراشدين إضافة لخلافة عمر بن عبد العزيز يعنى أنه فى خلال ألف وثلاثمائة عام من الخلافة لم يكن فيها إلا حوالى ثلاثون عاما فقط من الخلافة العادلة.
لقد تم استغلال الدين بالدعوة مرة لإقامة دولة الخلافة ومبايعة الشيخ الإمام ومرة أخرى بالمطالبة بتطبيق الشريعة واعتبار ذلك سبيلاً لحياة أفضل، متجاهلين أن العدل والرخاء لم يتحققا مع معظم الخلفاء الذين اعتبروهم أعلى قدراً وأقرب إلى المسلمين الأوائل من الموجودين الآن