هل ستحارب «واشنطن» طهران.. فعلاً؟!

خالد عبد الخالق
مثل كرة الثلج تتصاعد لغة الحرب والتهديد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تجاه إيران، سواء على قواعدها فى سوريا، أو فى العمق الإيرانى نفسه، وقد بلغت الذروة فى أعقاب زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى لإسرائيل الأسبوع الماضى، وما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو عن وجود برنامج نووى سرى إيرانى خطت فيه خطوات متقدمة، وهو ما يعد مخالفًا لاتفاق 5+1. وتأكيده على امتلاكه معلومات وأدلة تثبت مخالفة إيران للاتفاق النووى.
جاءت تلك التصريحات الصادرة عن تل أبيب مع اقتراب موعد تحديد موقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاتفاق النووى المقرر فى 12 من شهر مايو الجارى، هل سينسحب منه أو يكمله، وسط مؤشرات قوية تدل على أن الموقف أو القرار الذى سيتخذه الرئيس الأمريكى بهذا الاتفاق سوف يكون بداية لحالة من عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط خاصة أن جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق عدا بريطانيا يرون أن الاتفاق حتى الآن لم يثبت فشله.
الملاحظ أن إيران تتعامل مع كل تلك الأحداث والتطورات بقدر كبير من الهدوء السياسى، وكأنها تدرك أن التهديدات بشن حرب عليها ما هى إلا جزء من حرب نفسية يمارسها الأمريكان والإسرائيليون للحصول على قدر كبير من المكاسب والتنازلات فى عدد من الملفات الساخنة فى الإقليم خاصة برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمى الإيرانى فى المنطقة والتفتيش على منشآتها النووية والعسكرية وغيرها.
بات واضحًا مدى التأثير الإيرانى فى عدد من دول المنطقة كالعراق وسوريا واليمن ولبنان بحيث إنها أصبحت فاعلاً رئيسيًا فى القرار السياسى والعسكرى فى تلك الدول، بل أصبح القرار فى تلك الدول متوقفًا على رأى طهران .
إيران ظلت متمسكة بقدر كبير من ضبط النفس تجاه تصريحات ترامب، إلا أن التغييرات الأخيرة التى شملتها إدارة ترامب كتعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومى الأمريكى ومايك بومبيو وزيرًا للخارجية تمثل مؤشرًا مهمًا على اتجاه واشنطن نحو تصعيد خيار المواجهة العسكرية من جديد، خاصة أن الأول تحديدًا لم يوجه انتقادات متواصلة لإيران بسبب برنامجها النووى والصفقة التى توصلت إليها مع القوى الدولية فى يوليو 2015 فحسب، وإنما يروج أيضًا إلى أن الحل الأساسى لوقف أى مخاطر محتملة قد يفرضها هذا البرنامج هو توجيه ضربة عسكرية لها، وهو ما ظهر بوضوح فى المقال الذى كتبه فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فى 25 مارس 2015، بعنوان «To stop Iran>s bomb, bomb Iran».
لعل هذا يفسر كيف أن تلك التغييرات التى أحدثها ترامب داخل إدارته دفعت بالإيرانيين إلى التصريح بالانسحاب أو أن الرد الإيرانى سيكون جاهزًا وقويًا على انسحاب واشنطن من الاتفاق.. تلك التصريحات الصدامية الصادرة عن مسئولين إيرانيين جاءت نتيجة للخطوات الأخيرة التى اتخذتها الإدارة الأمريكية والتى تسببت فى إرباك حسابات طهران ودفعت مسئوليها إلى الإدلاء بتصريحات متضاربة خلال الفترة الماضية.
السفير الإيرانى لدى بريطانيا حميد بعيدى نجاد فى مقابلة تم بثها الأربعاء 2 مايو الجارى قال إن بلاده ستدرس إلغاء الاتفاق النووى فى حال انسحاب الولايات المتحدة منه. وأوضح أن إيران ستكون مستعدة للعودة إلى الوضع السابق، فى حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الموقع فى يوليو 2015 كما يلوح بذلك الرئيس دونالد ترامب.
فى السياق ذاته، قال مساعد وزير الخارجية وعضو وفد التفاوض النووى عباس عراقجى، فى 17 مارس 2018، إن «موقف إيران هو أنه ليس بالإمكان بقاء الاتفاق النووى مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية ونقض جميع تعهداتها» مضيفًا أن «استنتاجنا أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية وأعادت فرض العقوبات الأحادية الجانب، فإن إيران لن تستمر فى تنفيذ الاتفاق لأنه لا يؤمن مصالحنا».
من هنا نستنتج أن إيران اعتمدت أسلوب التصعيد مع واشنطن خاصة بعد أن تبين أن هناك ما يحاك ضدها فى العواصم الغربية والتهديد بأن لدى إيران طرقًا ووسائل للرد على أى انتهاك للاتفاق. مقابل هذا التوجه يوجد رأى آخر داخل إيران ما زال حريصًا على تأكيد أن التغييرات التى طرأت على الإدارة الأمريكية ليست سوى محاولة من جانب واشنطن لشن حرب نفسية ضد طهران، من أجل ممارسة ضغوط عليها ودفعها إلى الاستجابة للمطالب الدولية الخاصة بإجراء تعديلات فى الاتفاق النووى، بما يستجيب للتحفظات التى تبديها الإدارة الأمريكية عليه.
وفى رؤية هذا الاتجاه، فإن احتمال إقدام الولايات المتحدة على شن حرب ضد إيران يواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة، خاصة فى ظل ما يعتبره تضاربًا فى مواقف المسئولين الأمريكيين تجاه الملفات الإقليمية المختلفة، والتى تعد إيران طرفًا رئيسيًا فيها، وخاصة الملف السورى.
وقد عبر حسين شريعتمدارى رئيس تحرير صحيفة «كيهان» (الدنيا) عن هذا الاتجاه، عندما أشار، فى 5 أبريل 2018، إلى أنه «يمكن اعتبار بولتون فزاعة للضغط على إيران»، من أجل الموافقة على تعديل الاتفاق، «أكثر من كونه من الصقور المندفعين للحرب».
المخاوف من اندلاع حرب فى المنطقة قائمة وعبر عنها أكثر من مسئول دولى رفيع المستوى، ولعل هذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى حث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على عدم الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى. محذرًا من أن «هناك خطرًا حقيقيًا بنشوب حرب فى حال لم يتم التقيد بالاتفاق المبرم فى عام 2015».
وفى حقيقة الأمر فإن الحرب بين تل أبيب وطهران قائمة بالفعل على الأراضى السورية، فقد قصفت إسرائيل أكثر من مرة منشآت وأهدافًا عسكرية إيرانية على الأراضى السورية أدت إلى مقتل العشرات من العسكريين الإيرانيين وكان آخرها الغارات الإسرائيلية على قاعدة حماة العسكرية، بواسطة مقاتلات إسرائيلية من طراز إف 15 قصفت قاعدة عسكرية إيرانية قرب مدينة حماة بعد أن سلمت إيران اللواء 47 الإيرانى أسلحة ومعدات متطورة بما فيها صواريخ أرض جو، وقد أدت الغارة إلى مقتل أكثر من عشرين عسكريًا إيرانيًا من قوات الحرس الثورى الإيرانى، وقبلها كان قصف مطار التيفور فى الرابع من إبريل 2018 التى اعتبرها آنذاك الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن إسرائيل ارتكبت خطأ تاريخيًا وأدخلت نفسها فى «قتال مباشر» مع إيران.
الحال كذلك مع السعودية، فالمواجهة غير المباشرة قائمة بينهما منذ سنوات كانت فى البداية مواجهة ومنافسة سياسية وكانت لبنان ساحتها والأحزاب السياسية آلياتها ووسائلها، أما الآن فقد تحول الصراع بين طهران والرياض ليكون صراعًا عسكريًا على أرض اليمن، فإيران تحارب السعودية فى اليمن مستخدمة فى ذلك الحوثيين، إذ تمدهم بالمال والسلاح والتدريب أيضًا. وبذلك فإن جميع الأطراف المتصارعة ارتضت واتفقت على أن تكون المواجهة مع إيران بصورة غير مباشرة، ولاتزال هذه الصيغة تحبذها الأطراف المتنافسة ويرونها مقبولة حتى الآن، على أرض غير إيرانية وبأيادٍ غير إيرانية.
ضرب إيران بحاجة إلى إجماع دولى أو موافقة دولية وتكرار سيناريو العراق 2003 غير قابل للتطبيق مع إيران 2018 لتغير خريطة القوى العالمية واتساع نطاق تحالفات إيران وتشعبها وامتداد نفوذها فى أكثر من عاصمة عربية، ناهيك عن أن الأوضاع الدولية التى كانت قائمة إبان ضرب العراق لم تعد قائمة الآن، كما أن توافق المصالح بين روسيا وإيران، والذى يتجاوز الملف النووى ويمتد إلى الملفات الإقليمية الأخرى وعلى رأسها الملف السورى، قد يساعد الثانية على المناورة والمرونة فى الحركة على الصعيد الدولى، وقد عزز موقف إيران عدم تجاوب روسيا مع الأصوات الدولية الداعية إلى إدخال تعديلات على الاتفاق النووى، فموسكو ما زالت ترى أن الاتفاق النووى يمثل الخيار الأفضل فى الوقت الحالى للتعامل مع أزمة البرنامج النووى الإيرانى، خاصة أن إيران أثبتت وفقًا لرؤية موسكو، أنها ملتزمة ببنود الاتفاق، على نحو أكدته تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من مرة.
الموقف العربى كعادته غير متوافق بشأن كيفية التعامل مع إيران، فإذا كانت أطراف ودول خليجية كالسعودية والإمارات والبحرين يرون فيها الخطر الأكبر الذى يجب محاربته، فهناك أطراف عربية أخرى ترى فيه جارًا يمكن التعاون معه كسلطنة عمان وقطر التى استعانت بها وتحالفت معها ضد الأشقاء فى الخليج، بل كانت قطر السبب الرئيسى فى الخسائر التى لحقت بقوات تحالف دعم الشرعية فى اليمن من خلال تجسسها وعملها لحساب إيران فى اليمن وليس لصالح التحالف العربى.
الجزائر هى الأخرى علاقاتها بإيران أقوى من علاقاتها بجارتها المغرب ودول الخليج المناوئة لإيران، وكانت للجزائر مواقف داعمة لإيران ولحزب الله فى أروقة الجامعة العربية، ولعل هذا ما أدى إلى اتساع الهوة بين الجزائر والسعودية، إذ سبق أن اعترضت الجزائر خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب على إدراج حزب الله كجماعة إرهابية، كما عارضت الجزائر والعراق ولبنان خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب فى تونس 2016 إدراج حزب الله جماعة إرهابية، وحتى مع الأزمة الأخيرة بين المغرب وإيران وإعلان المغرب قطع علاقاته مع إيران على خلفية دعم حزب الله اللبنانى المقرب من طهران لجبهة البوليساريو الانفصالية. فإن موقف الجزائر جاء رافضًا لاتهامات المغرب، بل استدعت الخارجية الجزائرية، سفير المغرب على خلفية التصريحات بشأن الأزمة مع إيران، وأعربت الجزائر عن رفضها الشديد للموقف المغربى، ووصفته بالادعاءات.
اللواء أنور عشقى فى حديث له على قناة بى بى سى عن موقف بلاده فى حال إقدام أمريكا وإسرائيل على ضرب إيران، وهل ستشارك السعودية إسرائيل فى الضربة؟ قال إن بلاده لن تشارك إسرائيل فى ضرب إيران؛ إلا إذا تم توجيه صاروخ إيرانى على الأراضى السعودية ففى هذه الحالة سنشارك إسرائيل ضرب إيران. فمتى تكون المشاركة العسكرية بين تل أبيب والرياض؟