هل تسقط «المواطنة» فى اختبار الجمهورية الثانية؟!
 
                            عماد عواد
 
                                                      فى الوقت الذى تقف فيه البلاد على أعتاب مرحلة جديدة ترسى فيها أركان جمهوريتها الثانية برئاسة مدنية، تجد نفسها مطالبة بالتعاطى مع العديد من التحديات على مستويات مختلفة داخلية وإقليمية ودولية، ومع التسليم بضرورة التحرك السريع والفعال للتعامل معها كافة، تظل تلك المتصلة بمفهوم المواطنة على رأس الأولويات فى ضوء تأثيرها وتأثرها فى باقى الملفات وفى هذا الصدد فإنه ليس من المبالغة القول أن التدقيق فى الأسباب الكامنة وراء ثورة الخامس والعشرين من يناير بشكل لا جدال فيه أن الافتقار إلى التعاطى بشكل سليم مع مفهوم المواطنة كان الدافع وراء ثورة شعب أحس بانتهاك حقوقه الأساسية.
 
 مما أدى إلى تلاشى الروابط المعنوية مع النظام القائم آنذاك والذى فشل فى توفير المقومات اللازمة لبناء مواطنة سليمة تؤمن الجبهة الداخلية وتسمح لمصر بتبوؤ مكانتها فى جميع الميادين.
 
مع هبوب رياح التغيير على البلاد عاد ملف المواطنة بجميع أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية ليطرح نفسه مجدداً وبقوة على الساحة، حيث أثبتت الأحداث فى الفترة الانتقالية أن المواطنة تمثل المفتاح الرئيسى للنجاح فى اجتياز العديد من الصعاب والمخاطر التى تتعرض لها البلاد، خاصة فى ظل وضع داخلى اتسم بالاضطراب السياسى والتراجع الاقتصادى والتدنى الاجتماعى والتفكك الأخلاقى والمعنوى، وعادت فيه الفتنة الطائفية لتطل برأسها من وقت لآخر، ولعل هذا ما يدفعنا إلى طرح بعض الملاحظات المبدئية فى هذا الخصوص.
 
أولاً: أنه من غير الممكن أو المقبول النظر إلى مفهوم المواطنة على أنه فقط شعار يتم رفعه، وإنما يتطلب الأمر ربطه باستراتيجية عمل دقيقة وفعالة تواكب وضعة موضع التنفيذ، ولقد قدمت خبرة النظام السابق فى هذا الخصوص دليلاً واضحاً على ذلك، وتكتسب هذه النقطة أهميتها من خلفية الأوضاع التى شهدتها البلاد خاصة خلال جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، حيث ساد المسرح السياسى عملية استقطاب بين فريقين لكل منهما أنصاره ومؤيدوه سواء كان ذلك على أسس أيديولوجية أو تنظيمية أو استنادا إلى مشاعر وعواطف تقوم على الخوف أو التخويف، وإذا كانت التنافسية هى سمة الديمقراطية فإنه من الضرورى أن تقتصر على البرامج والسياسات دون المساس بالمفاهيم الجوهرية وعلى رأسها المواطنة ففى نهاية المطاف يتعاقب الرؤساء ويبقى المواطن، وفى ظل المواطنة السليمة يصبح الرئيس المنتخب رئيساً للجميع بغض النظر عن الخلافات فى التوجهات السياسية.
 
ثانياً: حرص السيد الرئيس محمد مرسى على طمأنة الشعب فى خطاباته المتتالية عقب فوزه فى الانتخابات مكرراً أنه رئيس للجميع فى الداخل والخارج، من انتخبه منهم أو من لم ينتخبه وكان إعلانه عن نيته فى تعيين نائبين له أحدهما امرأة والآخر مسيحى خطوة أخرى غير مسبوقة على طريق المصالحة الداخلية ولتهدئة المخاوف التى سادت بعض قطاعات المجتمع، وتم الترويج لها من خلال العديد من الوسائل المباشرة وغير المباشرة سواء من التهميش أو التمييز، وبالرغم من التوجهات الإيجابية التى تم رصدها فى هذا الخصوص، يظل الملف مفتوحاً فى انتظار معرفة طبيعة وقدرات وإمكانيات وسلطات هذين النائبين، وهو ما قد يمثل لدى البعض الترجمة العملية لتلك التوجهات والمعيار لمدى نجاحها فى طمأنة المخاوف وتحقيق الوحدة المطلوبة داخل المجتمع والتى تمكنه من تجاوز الحاضر بإشكالياته والتطلع لمستقبل تسوده المساواة وتخلو من عدم التمييز.
 
ثالثاً: يطرح ملف المواطنة نفسه أيضاً على عملية إعداد الدستور الذى يؤسس من الناحية العملية للجمهورية الثانية، فمفهوم المواطنة تم إدخاله على الدستور السابق عام 2007 ليحل محل تحالف قوى الشعب العاملة باعتبار أن مثل هذا التحالف الذى ارتبط بالتوجه الاشتراكى آنذاك لم يعد له وجود على الواقع فى دولة اتجهت إلى نظام السوق الحرة، إلا أنه وبالرغم من وجود هذا المفهوم فإنه ظل معطلاً بالرغم من التحذيرات المتوالية من مخاطر ذلك حتى قبيل اندلاع الثورة، ومع وجود إجماع على تضمين هذا المفهوم فى الدستور الجديد تظل المشكلة فى إحاطته بالضمانات الكافية والضرورية لحمايته من احتمالات تجاوزه، سواء كان ذلك من قبل أغلبية برلمانية «فى حالة الأخذ بالنظام البرلمانى» أو توجهات شخصية لرأس الدولة «إذا ما استمر العمل بالنظام الرئاسى» أو حتى من قبل الطرفين فى فرضية النظام المختلط.
 
رابعاً: يثير مفهوم المواطنة مسئولية المواطن، فإذا كان من الطبيعى أن يسعى للحصول على حقوقه كاملة فى كافة المجالات، فإنه من الصحيح أيضا أن يتعلم كيفية التعايش مع المواطنين الآخرين الذين يشاركونه فى حب الوطن والعمل على نهضته، ففى واقع الأمر المواطنة السليمة تتخطى حدود الانتماءات السياسية والحزبية والقبلية والدينية، ومع إقرار الدستور لمفهوم المواطنة تبقى الممارسة العملية هى المحك، ليس فقط من قبل السلطات فى تعاملاتها الرسمية مع المواطن، ولكن أيضا فى التعاملات اليومية الفعلية بين السلطة والمواطن وبين المواطن والآخر فى إطار من السيادة الفعلية للقانون والاحترام العملى للحريات بما يضمن أن تكون المواطنة حقيقة على أرض الواقع تحكم تصرفات الجميع وتوفر لهم الأمن المعنوى والمادى.          
 
 


 
                                    



