الخميس 4 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب المقدسة على «البنطلونات المقطعة»!

الحرب المقدسة على «البنطلونات المقطعة»!
الحرب المقدسة على «البنطلونات المقطعة»!


حالة من التشتت والازدواجية يعيشها الشباب المصرى هذه الأيام، فما بين الحديث عن الحريات وتطلعهم على الثقافات الأخرى، وعشقهم لمواكبة الصيحات الجديدة فى الموضة والملابس، تتكسر أحلامهم وطموحاتهم على أعتاب الجامعات والكنائس، بقرارات تحرمهم من حقهم فى اختيار ما يناسب أذواقهم من الملبس.
الأزهر والكنيسة كانا على موعد الأسبوع الماضى، ورغم الاختلاف الكبير بين المؤسستين؛ فإنهما تلاقتا معًا ورفعتا شعار «الحرب على البنطلون المقطع» تحت دعاوى الحشمة والمظهر اللائق للشباب سواء كان داخل الحرم الجامعى أو أثناء الصلاة فى الكنائس.
دخل الأزهر فى معركة مع طلابه لمنع البناطيل المقطعة والسلاسل والأساور، فى حملة أطلقت عليها الجامعة والمعاهد التابعة لها حملة «الانضباط الشرعي»، وقررت المشيخة منع دخول الطلاب والطالبات بالبناطيل المقطعة، وهو ما امتد إلى طلاب المعاهد الأزهرية.
فرع جامعة الأزهر بالمنوفية كان الشرارة الأولى لحملة مواجهة الملابس «غير المحتشمة»، بعدما قام عميد كلية اللغة العربية بمنع دخول الطلاب الذين يرتدون «البناطيل المقطعة»، وهو ما دفع مشيخة الأزهر إلى إصدار قرار بمنع ارتداء البنطلونات الضيقة والممزقة داخل جامعة الأزهر فى كل الفروع.
وقررت المعاهد الأزهرية، توحيد الزى المدرسى لكل مرحلة تعليمية بالمعاهد؛ وطالب الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية جميع منتسبى الأزهر من معلمين ومعلمات وطلاب وطالبات، الالتزام بالمظهر اللائق بمنتسبى الأزهر الشريف، مضيفًا: «يمنع منعًا باتًا دخول المعاهد الأزهرية وكليات الجامعة من لم يلتزم بزى ومظهر لا يليق بمنتسبى الأزهر الشريف».
 حكاية الزى الأزهري
عمة وجبة وقفطان «كاكولة» هى مكونات زى الأزهريين الذى يسعى الأزهر ومعاهده التعليمية لفرضه على الطلاب، وهذا الزى كان رمزًا للوجاهة الاجتماعية والدينية، بحسب كتاب توثيق المهن والحرف الشعبية الذى صدر فى عام 2008 عن مشروع توثيق التراث الشعبى التابع لهيئة الكتاب المصرية، حيث تتكون العمة من قماشة بيضاء تلف الرأس ويوجد تحتها طربوش أحمر.
ويرجع ارتباط ارتداء العمامة الأزهرية إلى عهد محمد على باشا (من عام 1805 إلى عام1848م)، حيث كان ارتداء «الطربوش» عادة عثمانية- سابقًا عن العمامة- ثم أصبح ركنا أساسيا لزى موظفى الحكومة ومن كان لا يلتزم بارتدائه يعاقب فى ذلك الحين، واستخدم الطربوش بعد أن أضيف إليه القماش الأبيض الذى عرف باسم العمامة، تمييزا للأزهريين وتعبيرا عن الوجاهة، ليصبح الزى المميز لهم.
كان الأزهريون يرتدون العمامة فى مقابل القبعة الأجنبية التى كان يرتديها الأجانب آنذاك، وبعد قيام ثورة يوليو  1952 قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلغاء إلزامية ارتداء الطربوش بينما ظل طلاب ومشايخ الأزهر يرتدون العمامة الأزهرية.
 عمامة الأزهر والشيعة
العمامة لا تقتصر فقط على طلاب الأزهر الشريف، فهناك العديد من الطوائف ترتديها، وهناك أيضا العديد من المذاهب، لكن شكلها يختلف من واحدة إلى أخرى، فيرتدى علماء الدين الإسلامى الشيعة الذين ليسوا من نسل على بن أبى طالب العمامة البيضاء، ويقال لهم «مشايخ»، ويتشابه علماء الدين والفقه والقضاة الشرعيون فى سلطنة عمان مع علماء الدين الشيعة الذين ليسوا من نسل على بن أبى طالب فى ارتداء العمامة البيضاء، أما العمامة السوداء فيلبسها علماء الشيعة الذين ينتمون  إلى نسل على بن أبى طالب ويطلق عليهم «السادة».
وتعتبر العمامة الملونة موروثا ثقافيا فى منطقتيّ تهامة والحجاز فيرتديها العامة والعلماء ويطلق عليها «الغبانة»، والتى تعد الزى التراثى للتجار، أما العلماء فكانت لهم عمامة مختلفة تميزهم يغلب عليها اللون الأبيض، وتتشارك عدة دول فى تفضيل ارتداء العمامة الملونة منهم اليمن والطوارق فى كل من الجزائر وليبيا والمغرب ومالى وباكستان.
أما الطربوش، فهو فكرة سياسية دينية أكثر منها اجتماعية، حيث كان الطربوش يميز الولايات التابعة إلى الدولة العثمانية، كما كان يرتديه السلاطين فى الأستانة، وبحكم أن مصر كانت ولاية عثمانية فأصبح الولاة يرتدونه تقليدًا «للباب العالي»، ثم بدأ الطربوش ينتقل إلى مصر الذى كان فى البداية على شكل الطربوش المغربى المعروف بقصر حجمه وأخذ يتطور وكبر حجمه إلى أن وصل إلى الأذنين.
وجاء بعد ذلك الطربوش العزيزى، وترجع تسميته إلى السلطان عبدالعزيز الذى جعله شعارا للدولة العثمانية، وفى ظل مراحل تطور من الطول والصغر والكبر فى الحجم حتى وصل إلى شكله المتعارف عليه حاليا.
أما «الكاكولة» التى يرتديها الأزهريون، فهى جلباب طويل مفتوح من الأمام له بطانة، ويصل إلى وجه القدم، ويرتدى تحته جلباب أبيض، ويزين «الكاكولة» العمامة، وكان الأزهر حريصا على عدم التغيير فى زيه الرسمى فلم يظهر عليه أى اختلافات جوهرية أو تطوير خلال تاريخ الأزهر، كما حرص الأزهر على صرف مبلغ سنوى كان يطلق عليه «بدل كسوة» يصرف فى شهر رمضان للعلماء والعاملين بالأزهر لشراء الزى واستمر الحال حتى أواخر القرن 19.
 التمرد على «العمامة»
ويعد الإمام محمد متولى الشعراوى أشهر من تخلى عن زيًّه الأزهرى التقليدى أثناء زيارته لأمريكا فى ثمانينيات القرن الماضى، حيث ارتدى «بذلة» بعد أن تعود الناس على مشاهدته بزى الأزهر، وفى الوقت الحالى، تخلى طلاب الأزهر عن الزى الرسمى وأصبح مقصورًا على العلماء والمشايخ باعتباره زيًّا له مكانته وهيبته، وظهرت العديد من الدعوات للتخلى عن زى الأزهر التقليدى كشكل من أشكال  تحديث الخطاب الديني.
تمرد طلاب الأزهر على الزى التقليدى ليس جديدا، ففى عام 1928 رفض طلاب الأزهر ارتداء الجلباب تحت «الكاكولة»، وقرروا ارتداء قميص وبنطلون، لكن تم احتواء الأزمة وإنذار الطلاب، وقتها اندلعت معركة اجتماعية بين العمامة والطربوش وانقسم المجتمع فى ثلاثينيات القرن الماضى إلى فريقين فريق ينتصر إلى العمامة وفريق ينتصر للطرابيش.
الدكتور طه حسين سبق الشيخ الشعراوى فى خلع زيه الأزهرى، ففى عام 1914 أثناء ذهابه فى بعثة استقل طه حسين الطالب الأزهرى سفينة مبحرًا من الإسكندرية إلى فرنسا وما أن تحركت السفينة من ميناء الإسكندرية حتى تخلى طه حسين عن جبته وقفطانه وارتدى بدلا منهما الزى «الأفرنجي».
 ملابس الكنيسة
الحديث عن اللباس داخل الكنائس،  فتحه مرة أخرى قرار الأنبا يؤانس، أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأسيوط، الأسبوع الماضى والذى طالب فيه بضرورة التزام المصلين بالملابس اللائقة لدخول الكنيسة، وقرر منع دخول الكنيسة لغير المحتشمين، مستندًا فى قراره إلى الكتاب المقدس الداعى إلى «ألاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّى بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِى الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِى هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ».
أسقف أسيوط، طالب  الشباب والفتيات بعدم ارتداء «البنطلون القصير أو المقطع»، وشدد على مسئولى الكشافة متابعة تنفيذ القرار، كما أن خدمة السيدات بالكنيسة قامت بحياكة الجواكت المغطاة الأكتاف المعروفة بـ«البلورو» و«الجونلات الطويلة» الواسعة لتحتفظ بها خدمات الكشافة عند البوابات الخارجية للاستعانة بها عند الطلب من الفتيات والسيدات قبل الدخول إلى الكنيسة لحضور المناسبات والطقوس الكنسية خاصة صلاة الإكليل المقدس.
 اللباس الممنوع على فتيات الكنيسة
كان البابا الراحل شنودة الثالث، طالب فتيات الكنيسة بالابتعاد عن ثلاثة أنواع من الملابس وهى الضيقة التى تبرز ملامح الجسد، غير المحتشمة التى تكشف الجسد، والشفافة التى يرى منها ملامح الجسد.
وتاريخ الكنيسة مع ملابس الفتيات والسيدات طويل، فالكثير من الأساقفة والكهنة أصدروا قرارات وتعليمات بمنع الملابس غير المحتشمة، فالأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ، أصدر تعليمات لجميع الكنائس المطرانية بمنع الفتيات فوق 11 عاما، من وضع الماكياج أو ارتداء البنطلونات والبلوزات أثناء التناول.
كما أن الأنبا بموا أسقف السويس وزع نشرة على الكنائس التابعة للإيبارشية، طالب خلاله السيدات بالاحتشام فى الملبس خلال حضور المناسبات المختلفة بالكنيسة، ومطرانية قنا طالب السيدات بضرورة الالتزام بالحشمة والوقار حال دخول الكنيسة، خاصة فى صلاة إكليل الزفاف.
 رجال الدين المسيحى بين الأسود والأبيض
وعلى الجانب الآخر، شددت قوانين الكنيسة على رجال الدين المسيحى الالتزام بارتداء ملابس دون غيرها، وينقسم الزى الكهنوتى للكنيسة الأرثوذوكسية إلى نوعين، الأول الزى الأسود ويشترك فى ارتدائه الأسقف والبابا والراهب والكاهن، فالأسود يعنى ترك الشخص للعالم، أما الزى الثانى باللون الأبيض فيتم ارتداؤه أثناء الصلاة وفى  المناسبات تزيد عليه الصدرة المزخرفة.
وبخلاف الأسود تستخدم الكنيسة خمسة ألوان أخرى فى الثياب الكهنوتية فهناك اللون الأبيض الذى يلبس عادة فى أعياد الشهداء، واللون الأزرق فيدل على الصفاء والقداسة ويلبس فى عيد الغطاس وأعياد العذراء، واللون الأخضر يرمز إلى النمو الروحى ويلبس فى صوم الميلاد وأعياد الأنبياء، واللون الذهبى يدل على المجد ويلبس فى أعياد الأبرار والنساك ورؤساء الكهنة، أما اللون البنفسجى فهو لون الحزن الرسمى وذلك فهو يهيمن على لباس الكهنة فى وقت الصوم الأربعيني.
واختلفت الآراء حول  سر ارتداء رجال الدين المسيحى للون الأسود، فالبعض زعم أنه حزن على دخول العرب مصر، وآخرون أكدوا أنه حزن على خطايا الشعب، والغالبية أجمعت على أن اللون الأسود لون الوقار وأن الكاهن قد مات عن العالم.
وكشفت مصادر كنسية أن الكهنة والرهبان كانوا يرتدون اللون الأبيض فى حياتهم العادية، وبدأ ارتداؤهم للون الأسود فى القرن 11 الميلادى عندما أمر الحاكم بأمر الله الفاطمى أن يرتدى الأقباط لونًا مميزًا عن المسلمين مع شد الزنار «الحزام» على الوسط وتعليق الصلبان على الرقبة، وتطور الأمر ومنع الصلبان المصنوعة من الذهب والفضة وجعلها من الخشب وألزم الأقباط باللون الأزرق والعمائم تكون باللون الأزرق أو الأسود.
وفى عهد البابا يؤانس الرابع عشر فى القرن الـ 16 الميلادى شدد على ارتداء الأقباط اللون الأسود تمييزا لهم عن  المسلمين ثم بعد ذلك ارتدى الأقباط القبعات السوداء، كما يرتدى رجال الدين المسيحى «قلسوة» على الرأس وهى عبارة عن غطاء للرأس بها 12 صليبا فى إشارة إلى عدد تلاميذ المسيح يرتديها الراهب والأسقف فقط، ويرتدى الأسقف والكاهن عمة لكن تعتبر عمة الأسقف أكبر وهو ما يعطى دلالة على عظم مسئولياته.
ويختلف الزى فى الكنيسة الكاثوليكية، حيث يتكون بشكل عام من الثوب أو السوتانة، وتربط بحبل من الوسط، وعلى الرغم من تشابه نوع الثوب إلا أن ألوان الأثواب تختلف، حيث يتميز رهبان الفرنسيسكان فى شمال إيطاليا بارتدائهم اللون البنى، أما الفرقة الكاثوليكية التى تسمى «الجزويت» فتفضل اللون الرمادى، ويرتدى سكان جزيرة «دومينيكا» اللون الأبيض، فى حين أنه لا يوجد زى كهنوتى  لقساوسة الكنيسة الإنجيلية.
 الجامعات تحارب «المقطع والفيزون»
ثورة الأزهر والكنيسة على تقليعات الشباب الجديدة فى الملابس، تتزامن معها معركة تقودها الجامعات بوضع قائمة بمحظورات الملابس داخل الحرم الجامعى، وهو ما دعمه النائب محمد عبدالله زين الدين، وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، الذى تقدم بطلب إحاطة لمنع دخول الطلاب بـ«البنطلونات المقطعة» داخل الحرم الجامعى، سواء من قبل أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب.
طلب الإحاطة سبق العديد من الإجراءات التى اتخذها عدد من الجامعات والكليات لمنع الطلاب والطالبات من ارتداء الملابس الضيقة والممزقة،  ففى 29 سبتمبر الماضى، قامت كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، بتعليق منشور على البوابات يمنع الطلاب والطالبات من دخول الحرم الجامعى فى حال ارتداء ملابس مقطعة أو مخالفة للأعراف الجامعية، أو وضع مساحيق تجميل بشكل مبالغ فيه.
وفى كلية طب بيطرى جامعة بنها، فوجئت الطالبة فريدة عادل، بمنشور معلق على حائط الجامعة بمنع دخول الطلاب الجامعة فى حالة ارتداء البنطلون الممزق أو القصير للأولاد، وعندما سألت عن سبب المنع، علمت أن القرار صدر بعد وقوع مشاجرة  بين طالبة ورجل أمن قام بـ«معاكسة» فتاة بسبب ملابسها.