الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روزاليوسف شاهدة علي النصر

روزاليوسف شاهدة علي النصر
روزاليوسف شاهدة علي النصر


عندما أذن مؤذن الفداء «حى على نصرة الوطن» كان الجميع على أهبة الاستعداد للتضحية بأرواحهم، لم يبخل أحد بما لديه، المصريون كلهم كانوا على قلب رجل واحد، لا تفكير إلا فى استعادة الكرامة والثأر من العدو المغتصب. 
قبل 44 عاما كانت «روزاليوسف» حاضرة فى قلب المشهد تتابع وترصد تفاصيل المعركة وتحتفى بنصر أكتوبر العظيم.. تتابع من خلال محرريها الذين انتقلوا إلى جبهات القتال تفاصيل ما يجرى على الأرض، وترصد كل إنجاز تحقق على رمل سيناء منذ أول ضربة عسكرية ظهر يوم السادس من أكتوبر.

أول عدد أصدرته مجلة «روزاليوسف» كان فى الثامن من أكتوبر، أى بعد بدء الحرب بأقل من 48 ساعة، هو العدد رقم «2365» ولم تكن تفاصيل الضربات العسكرية قد اتضحت بعد، لكن المجلة صدرت غلاف العدد بكاريكاتير رسمه الفنان الراحل «حجازي»، تظهر فيه «جولدا مائير» رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، وهى غاضبة أمام عدد كبير من المهاجرين اليهود، وفى الأسفل مانشيت «تحرير الأرض.. والوحدة الوطنية».
فى العدد التالى الذى صدر يوم 15 من الشهر ذاته، حمل غلاف العدد كاريكاتير بريشة حجازى، تظهر فيه امرأة ترمز إلى مصر، وهى تخلع شجرة الاحتلال من جذورها المزروعة فى أرض سيناء، وتحمل الشجر على أغصانها وجه «موشى ديان» وزير الدفاع الإسرائيلى إبان الحرب. وفى الأسفل مانشيت «تقارير تفصيلية من جبهات القتال الثلاث».
فى الوجه الآخر للغلاف صورة الرئيس الراحل أنور السادات وهو يقدم التحية العسكرية للجنود على جبهة القتال، وأعلى الصورة عبارة «الله أكبر» التى كانت أبرز الكلمات الحماسية لجنود أكتوبر أثناء عبورهم القناة وخط بارليف.
اهتم رئيس تحرير المجلة «عبدالرحمن الشرقاوي» بكتابة برقية خاصة إلى السادات، عبر خلالها عن مدى سعادته وإحساسه بالعزة والكرامة بعد سنوات من القهر والظلم، مشيراً إلى الأيام المريرة التى عاشها الشعب المصرى بعد نكسة 1967 واصفاً يوم 6 أكتوبر بالمعجزة الحربية التى سيظل العالم يدرسها ويتخذ منها العبرة.
بدءًا من الصفحة الرابعة فى العدد ذاته، تبدأ «روزاليوسف» فى تناول تفاصيل المعركة من خلال محررها العسكرى، ومحرريها الذين انتقلوا إلى جبهات القتال، فكتب يوسف الشريف تقريرًا تفصيليًا عما يحدث فى سيناء، مؤكدًا فى مقدمته على ارتفاع الروح المعنوية للضباط والجنود، وصل المحرر إلى الضفة الشرقية من قناة السويس التى تم تحريرها، ليصف لنا المشهد بكل تفاصيله، ويقول إن اللون الأصفر «الكاكي» كان يغطى على المكان، وهو لون ملابس الجنود المصريين ومدرعاتهم، كما يسيطر أيضاً على الكبارى والمعدات والقوارب المطاطية والعربات البرمائية التى تنقل مزيدًا من الجنود والمؤن إلى القوات التى تُقاتل فى العُمق.
التقى الشريف بعدد من رجال القوات المسلحة، بينهم هذا الجندى الذى قال: «كان هدفنا الوصول إلى موقع المعركة الرهيبة التى خاضتها قواتنا المدرعة لاحتواء تقدم اللواء الإسرائيلى المدرع رقم 190 والتى انتهت بتدميره بالكامل والاستيلاء على ما تبقى من مدرعاته وعرباته المُجنزرة، وأسر قائده العقيد عساف ياجوري».
شملت تغطية «روزاليوسف» فى ذلك العدد، الجبهة السورية أيضًا، وذلك من خلال جمال حمدى الذى نقل الصورة من هناك، وكتب أن «روزاليوسف» تكشف للمرة الأولى عن أسرار المعارك التى تمت فوق المرتفعات السورية، حيث بدأت العمليات بقصف مقار قيادات العدو الإسرائيلى والتى كانت توجه الطائرات لضرب القوات المصرية، بعد ذلك قامت قوات سورية خاصة منقولة بواسطة هليكوبتر باقتحام المرصد الإسرائيلى فوق جبل «الشيخ»، لتقتحم قوات المشاة المانع المضاد للدبابات، وتسيطر فى النهاية القوات السورية على المرتفعات فى القطاع الشمالى والذى يمتد حتى الحدود مع الأردن.
فى العدد التالى رقم 2367 كانت الحرب قد دخلت منعطفًا جديدًا، وقد أوضح المحرر العسكرى لـ«روزاليوسف» أن القوات المسلحة المصرية تتقدم بخطوات ثابتة تدفع العدو إلى التقهقر بعد استنفاد مؤنه، وسُميّ هذا التكتيك العسكرى بـ«خطوة الضُفدع»، أى تثبيت القدم فى الأرض وأخذ منطقة جديدة باليد.
كانت «روزاليوسف» من أوائل المطبوعات التى احتفت باستخدام البترول كسلاح فعال فى حرب أكتوبر، حين منعت الدول العربية تصدير نفطها إلى أمريكا للضغط عليها ولوقف دعمها المستمر لجيش الاحتلال الإسرائيلى، ففى الصفحة 12 من العدد ذاته 2367 كتب عادل حمودة مقالاً بعنوان «باسم البترول» تحدث فيه عن الوحدة العربية التى صنعها انتصار أكتوبر بعد منع تصدير البترول، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكى نيكسون أعلن خلال مؤتمر صحفى «أن الولايات المتحدة مُهددة بأن تصبح تحت رحمة منتجى البترول فى الشرق الأوسط».. وأكد حمودة أن كل التقديرات السياسية العربية تتفق على أن البترول سلاح استراتيجي.
فى الصفحة 11من العدد رقم 2366 يكتب محمود المراغى مقالاً بعنوان: «قالت القرارات الاقتصادية سنحارب قبل نهاية ..1973 ولم يصدق أحد!»
أكد المراغى أن مصدرًا مسئولًا أخبره بأن كمية النيران التى أطلقتها الصواريخ والدبابات والطائرات على جبهة القناة أمس «6 أكتوبر» تزيد على كل النيران التى شهدتها حرب 1967 وخلال المقال يغوص الكاتب فى سرد معلومات اقتصادية حول الست سنوات التى سبقت الحرب، كانت تشير إلى إمكانية حدوث حرب على إسرائيل قبل نهاية العام 1973 ففى مارس من عام 1968 رفعت الدولة شعار الإصلاح الاقتصادى، وهو الإجراء الذى أعقبه موجة من تقليل الاستيراد مع زيادة بسيطة فى الإنتاج الزراعى والصناعى، كما وافق البرلمان عام 1973 على مشروع قانون تقدمت به الحكومة لإعادة النظر فى موازنة ذلك العام، ومنها زيادة دعم القوات المسلحة، وتدبير احتياطى عام للطوارئ.
فيما أجاب جمال سليم عن التساؤل الأبرز: «لماذا ضربت القوات المسلحة المصرية منابع البترول فى سيناء؟».. وأكد أن السادات أراد أن يحرم إسرائيل من بترول سيناء خاصةً مع بداية المعركة، فكانت الضربة الجوية المصرية فوق حقول بترول شرق خليج السويس ناجحة وحاسمة، كما أوضح أن بترول سيناء كان يمثل هدفًا أساسيًا من أهداف عدوان يونيو 1967 لا سيما وأن إسرائيل كانت تعانى من أزمة طاقة قبيل حرب يونيو ولم تكن الحقول التى تسيطر عليها إسرائيل فى فلسطين تنتج سوى %2 من احتياجاتها.
فى العدد رقم 2369 الصادر فى الخامس من نوفمبر، بدأت «روزاليوسف» فى الحديث عن مستقبل المعركة وأولى خطوات السلام مع إسرائيل، خاصةً بعد أن أصدر مجلس الأمن قراره بوقف إطلاق النار يوم 22 من أكتوبر، وبعد حصول السادات على وعدٍ من الاتحاد السوفيتى بضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 والذى يدعو لانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة عام 1967.
الشعر والنثر كانا حاضرين بقوة على صفحات «روزاليوسف» احتفاءً بالنصر التاريخى، ومن بين الشعراء الذين نشروا أولى أبياتهم عن الحرب على صفحات المجلة «أحمد عبدالمعطى حجازي»، حيث كتب فى تمجيد العلم المصرى والشهداء:
«كل راياتنا قطع قماش
وأنت العلم
مصر أنجبت الناس
زوجين زوجين
والحب أنجب أبناءهم
واصطفى المجد أجملهم
  واهبًا لك أرواحهم يا علم
كلما نقلوا فى الطريق القدم
نسجوا فيك خيطًا
ومن كل قطرة دم
رسموا فيك لونا».
كما كانت أول مجلة تتناول فكرة عمل أفلام سينمائية عن حرب أكتوبر، حين صرح رئيس هيئة السينما وقتها «عبدالحميد السحار» أنه تم إرسال مجموعة سينمائية إلى ميدان المعركة لتصوير أفلام حيّة للاستعانة بها عن إنتاج أفلام طويلة عن الحرب، وقال إنه يعكف على قراءة قصة للكاتبة الأمريكية «نابكي» وهى مواطنة أمريكية متزوجة من شاب مصرى وتعيش فى القاهرة، تدور أحداثها عن بطولات الفدائيين، مؤكداً أنه تم إجراء اتصالات مع عدد من الدول لإنتاج هذا الفيلم إنتاجاً مشتركاً.. لكن رغم مرور أكثر من 40 عامًا على هذا التصريح لم نشاهد هذا الفيلم ولا نعلم أين ذهبت القصة التى تحدث عنها السحار.
أما المسرح فكان له وجود مهم، وذلك من خلال «صلاح الدين» المسرحية التى عرضت على خشبة المسرح القومى وتحتفى بالانتصارات الشعبية التى حققها الشعب المصرى ضد الصليبيين، كما عُرض فى ذلك الوقت «الغول» وهى مسرحية من تأليف الألمانى بيتر فايس وعمل على تمصيرها الشاعر الراحل فؤاد حداد. 