الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

احذروا ثغــــــرات قانون مكافحة الكراهية

احذروا ثغــــــرات قانون مكافحة الكراهية
احذروا ثغــــــرات قانون مكافحة الكراهية


تزرع الكراهية فى لحظات.. ونواجهها فى سنوات.. يمكن أن تفقدنا النطق، وتنسينا اللغات.. تتحدانا بعناد.. تحاصرنا من كل الجهات.. تثخنا بالطعنات.. لا تمزق بين  نبى وبغى.. البعض يرى فى الكراهية تكليفًا إلهى!.. قتلونا باسم السماء.. اسألوا الدماء.. قطعونا أشلاء.. والبعض الآخر أراد أن يمنعنا عن التفكير.. رفضوا سماع أصواتنا خوفًا من التغيير.. وبين الاثنين قتل التنوير.. حل محله التزوير!
اجتهد.. «الأزهر» ووضع قانونًا لـ«مكافحة الكراهية».. فهل كنا أول من واجه الكراهية بقانون؟!.. بالطبع لا، فهناك نماذج كثيرة سبقتنا منها سنغافورة التى سنت قانونا للانسجام الدينى وفرضت غرامات على التعرض للمشاعر الدينية.
جنوب أفريقيا بعدما كانت نموذجا  فى العنصرية، ربط دستور ها خطاب الكراهية بجرائم التحريض على العنف، السويد أيضا حظرت خطاب الكراهية وسنّت تشريعا ضده.
لكن.. يجب أن يكون لدينا قانون لمكافحة الكراهية، لكن بشرط أن يكون قانونا واضحا، محددا  فى بنوده، لا يحتمل التأويلات، حتى لا يفسد جمال الفكرة.
الأزهر تقدم بمشروع قانون  لمكافحة الكراهية، لكن بعض بنوده تبدو فضفاضة، حمّالة أوجه، تجعل منه استنساخا لقانون ازدراء الأديان الذى وضع لمواجهة المتطرفين، فإذا بالمتطرفين يستخدمونه سلاحا ضد المفكرين والمثقفين.
كما أن مشروع القانون «الأزهري» يصادر فى إحدى مواده حق التعبير والإبداع وغيره.
مكافحة الكراهية لا تجتمع أبدا مع مصادرة على حقوق وحريات أو فرض رقابة على نصوص إبداعية.. فلا يمكن أن تجتمع الملائكة والشياطين فى غرفة واحدة!
التوافق على القانون شيء مهم، حتى لا يكون هناك ما يعطله خاصة أنه خطوة على الطريق الصحيح.
روزاليوسف

الجميع يريد مواجهة الكراهية والقضاء عليها، لكن المحاربة لن تكون بمجرد «أننا نريد»، فإصلاح المجتمعات لا يكون بالنوايا.
مفاهيم عدة تروج للكراهية انتشرت مؤخرًا، وبدأ البعض يسلم بوجودها، رغم الحقيقة التاريخية أن الشعب المصرى ظل طوال عمره محبًا، ينبذ الكراهية، لكن لوجود بعض تيارات العنف بين أبنائه انتشرت بعض مظاهر الكراهية، مما استوجب بحث مواجهة الكراهية، لذلك كان مشروع قانون مكافحة الكراهية الذى أعده الأزهر الشريف.

قانون لمكافحة الكراهية أمر طال انتظاره خاصة أن الفكرة جيدة، لكن يجب الحرص حتى لا يتحول القانون إلى الضد، ولنا فى قانون ازدراء الأديان خير مثال.
«ازدراء الأديان» أعده الرئيس الأسبق أنور السادات لمواجهة المتطرفين، فتحول بين ليلة وضحاها إلى سلاح فى يد المتطرفين ضد الأدباء والمفكرين وحرية الإبداع، وهنا يجب ألا تأخذنا روعة مضمون الفكرة وجمالها إلى إهمال بنود التطبيق، فسلامة النظرية لن نتركها لتفاصيل يمكن أن تغير وجهتها.
يبدو من مواد القانون أن بعض الألفاظ فضفاضة، حمّالة أوجه، يمكن استخدامها فى كل الاتجاهات.
الفقرة الأولى فى المادة الثانية تقول «الحفاظ على نسيج المجتمع وروابطه وقيم الإخاء والتسامح والتعايش بين أصحاب الديانات المختلفة فى الدولة»، وهذا كلام إنشائى لم يوضح تفصيل هذه العبارات ولا آليات العمل من أجلها.
الفقرة الثانية من نفس المادة تنص على «إعلاء مبادئ المواطنة والمساواة أمام القانون وحرية العقيدة وحسن النية وقبول الآخر»، وهو أمر بديهى ينص عليه الدستور، وحرية الاعتقاد أيضًا مكفولة بالنص فى الدستور أيضًا، لكن على أرض الواقع هناك جماعات تحرض، وترفض إقامة بعض الطوائف لشعائرهم، بل هناك من يمنع بناء الكنائس، وهناك عجز فى مواجهته، دون أسباب لا تبدو واضحة، ولعل آخرها توزيع منشور فى المنيا لمنع بناء كنيسة، مكافحة الكراهية تحتاج إلى تفعيل الدستور أكثر من احتياجها القانون بفكرته الرائعة.
الفقرة الثالثة من المادة الثانية تنص على «منع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل أو الكتب السماوية تصريحًا أو تعريضًا أو مساسًا أو سخرية»، ونص الفقرة يمكن أن يُستخدم فى محاكمات الأدب كما حدث مع نجيب محفوظ وحلمى سالم فى «شرفة ليلى مراد» بدعوى الاعتداء على الذات الإلهية، إذن يمكن أن يتحول القانون من النقيض إلى النقيض كما حدث فى قانون ازدراء الأديان، لأن نصوص مكافحة الكراهية غير محددة.
الفقرة الرابعة تنص على «احترام الاختلاف بين العقائد واحترام المؤمنين بها، وعدم جواز اتخاذها مادة للتمييز أو الإساءة أو السخرية»، الاختلاف بين العقائد أيضًا مكفول طبقًا للدستور وعدم جواز اتخاذها مادة للتمييز أو السخرية، دون تحديد ما الأمر الذى يمكن وصفه بالسخرية؟ وهل هناك تحديد أو وصف للسخرية؟، فأطفال فيديو تقليد داعش الذى حدث بأسيوط، قلدوا داعش ونُشر الفيديو بالصدفة على أنه تقليد وسخرية من داعش وواجهوا أحكامًا بالسجن تراوحت بين 3 و5 سنوات، وتمت محاكمتهم بمادة الاعتداء على الأديان وليس ازدراء الأديان واعتبرتهم المحكمة يسخرون من الإسلام وليس من داعش.
الفقرة الخامسة من المادة الثانية تقول «وقاية المجتمع من محاولات غرس مفاهيم مغلوطة قد تباعد بين أفراده، وتمس حقائق دينهم بما يثير الكراهية».
دونما تحديد كيفية وقاية المجتمع ومن الذى سيقوم بهذه المهمة، وما هو تعريف المفاهيم المغلوطة؟ ومن الذى سيقوم بتحديدها وعلى أى أساس.
المادة الثالثة تقول «لا يخِلّ هذا القانون بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمى فيها، أو حرية البحث العلمى فى الأديان»، نصت المادة على حرية اختلاف العقائد، لكنها لم تعترف إلا باليهودية والمسيحية والإسلام وأنكرت ما دونها، وإذا كانت حرية البحث العلمى فى الأديان مكفولة فلم التأكيد عليها؟!
المادة الرابعة «لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأى قول أو عمل ينطوى على ما يخالف أحكام هذا القانون»، أى أن المادة تمكن من مصادرة كل هذه الحقوق والحريات بجرة قلم، خاصة أن وجود نص بها يجعل نصًا مقدسًا، أى أنه من وقع فى فخ القانون فليس هناك ما ينجيه.
المادة السادسة فتقول «لا يجوز طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلنى فى وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف»، المنع المطلق لم يكن حلاً فالممنوع دائمًا مرغوب، لكن كان يمكن تحديد من يتولون المناقشة أو اشتراط أن تكون المناقشة من متخصصين، ففى الأمور العقائدية الإسلامية يترك الأمر للأزهر، وفى المسيحية يترك الأمر لكل كنيسة، فهل يجوز المنع المطلق فى عصر السماوات المفتوحة، والتى تفتح الباب لمناقشة هذه الأمور عبر قنوات تبث من الخارج، لاتزال هناك محاولات للسيطرة عليها، وهناك وقت كثير يضيع فى الرد على المغالطات التى تأتى منها، فالأولى أن يدار الأمر من أهله وليس يمنع نهائيًا.
المادة السابعة «يحظر بأى وسيلة من وسائل العلانية والنشر المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الرسل، أو التحريض على ذلك»، صيغت المادة دون تحديد أو تعريف ما هو المساس بالذات الإلهية، والتى يمكن أن يُحمل عليها أمور كثيرة، فهناك الكثير من المواد الأدبية والإبداعية وجهت لها سهام اتهام العيب فى الذات الإلهية دون أن تفعل ذلك، ومن هنا يمكن أن يُستخدم القانون كثيرًا فى محاكمة النصوص الأدبية.
المادة العاشرة «تلتزم جميع المؤسسات التعليمية بنشر ثقافة التسامح والإخاء واحترام عقيدة الآخر والمواطنة وآداب الاختلاف ونبذ الكراهية والعنف والتعصب والتمييز على أساس الدين، كما تلتزم المؤسسات الإعلامية بصون ما تقدم وعدم الخروج عليه»، ويعتبر الالتزام الوارد بالفقرة السابقة جزءًا لا يتجزأ من ترخيص ممارسة النشاط لهذه المؤسسات.
ولم تحدد المادة المواد الموجودة التى تحض على الكراهية وما المواد التى ستقدمها المؤسسات التعليمية فى إطار المحبة والإخاء، وأن تحدد ما الألفاظ التى تحرض على الآخر وتهاجم عقيدته خاصة أن هناك تكفيرًا كثيرًا لغير المسلمين.
بعض العبارات فى مشروع القانون صياغتها، ليست صياغة قانونية، فربما كان الأفضل أن يوكل إلى قانونيين وضع مشروع القانون، ثم يكون دور الأزهر إشرافيًا ويبدى عليه ملاحظاته.