الإثنين 8 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أقباط يطالبون بـ «كتب الكتاب» للحصول على شقة من الدولة

أقباط يطالبون بـ «كتب الكتاب» للحصول على شقة من الدولة
أقباط يطالبون بـ «كتب الكتاب» للحصول على شقة من الدولة


تأخر صدور قانون الأحوال الشخصية للأقباط تسبب فى الكثير من المشكلات الاجتماعية، والتى دمرت الحياة الأسرية للمتزوجين المتضررين من هذا التأخير، فلايزالوا عالقين منذ سنوات على أبواب المحاكم والمجالس الإكليريكية، وتشعبت المشكلات لتهدد زيجات جديدة فى طريقها إلى تكوين أسرة ومنزل للزوجية، لتظل الكنائس القبطية حبيسة فكرة «الزنى» التى تدور حولها وجوباً وعدماً كل مسودات الأحوال الشخصية للأقباط التى تصيغها الكنيسة.
 ليتقزم القانون ويتمحور حول تلك الفكرة التى باتت هاجساً فى عقول أولى الأمر فى الكنيسة، وهو ما يستدعى أن تتخذ الدولة موقفاً حازماً وحاسماً نحو رعاياها من الأقباط بسن قانون للأحوال الشخصية يضعهم على قدم المساواة فى حق المواطنة مع غيرهم من مواطنى الدولة.
آخر المشكلات التى تولدت عن عدم سن قانون للأحوال الشخصية، هى عدم استحقاق كثيرين من الأقباط فى المشروعات القومية المختلفة للإسكان التى تقيمها الدولة، فمعظم مشروعات الإسكان الاجتماعى والتعاونى التى تنشئها الدولة تشترط فيها أن يكون المتقدم لهذا المشروع متزوجاً إن لم يكن أرمل أو مطلقاً، ومن هنا تبدأ معاناة الأقباط وخاصة المرتبطين بعلاقة «خطوبة» فعقد الخطوبة الذى تصدره الكنيسة هو عقد غير موثق ولا تعتد به الدولة كمستند رسمي، كما أن تلك العلاقة لا ترتقى إلى العلاقة الزوجية ولكن لا تعنى كونها وعدا بالزواج لا ينتج أى آثار زوجية شرعية، والدولة لا تقبل إلا عقد الزواج الموثق الذى يصدر من قبل الكنيسة لاعتماد زواج الأقباط، وهنا فقط يصبح للمتقدم إلى مشروع الإسكان الحق فى الحصول على الوحدة السكنية والأمر يختلف بالنسبة للمسلمين لأن الشاب المسلم يمكن له أن يقوم بـ «كتب كتابه» وهو ما يتم صياغته فى وثيقة زواج شرعية وقانونية تنقصها الخلوة الشرعية، ليصبح الزواج مكتمل الأركان القانونية والشرعية، ويستطيع الشاب المسلم أن يحصل على وحدة سكنية بمجرد تقديم «كتب الكتاب» وتؤجل الخلوة الشرعية بين الزوجين وهى ما تعرف مجتمعياً بـ«الدخلة» لحين الحصول على الوحدة السكنية وتأسيس منزل الزوجية، وهو الأمر الذى لا يتحقق للمواطن المسيحى.   
وترفض الكنيسة فكرة إصدار وثيقة زواج دون خلوة شرعية على غرار «كتب الكتاب»، لأن الكنيسة لا تفصل بين تحرير وثيقة الزواج وبين إجراء طقس الزواج  داخل الكنيسة، فوثيقة الزواج يتم تحريرها والتوقيع عليها من الزوجين أثناء إجراء صلوات الزواج بمعرفة الموثق المنتدب فى الكنيسة من وزارة العدل، فلا وثيقة بدون إتمام الزواج الكنسى ولا يتم الزواج الكنسى إلا بتحرير الوثيقة، وهنا تقع المشكلة، فغالبية أهل الزوجات لا يوافقون على إتمام الزواج الكنسى إلا بعد توفير عش للزوجية وتأسيسه ونظراً لارتفاع أسعار الوحدات السكنية الخاصة فلا يتم تدبير عش الزوجية إلا من خلال مشروعات الدولة والتى تستلزم وجود وثيقة زواج، وهو ما جعل كثيرين يطالبون الكنيسة بفصل تحرير عقد الزواج الكنسى عن إجراء الطقس الديني، حيث يمكن أن يتم تحرير عقد الزواج دون إجراء الطقس المقدس على غرار «كتب الكتاب» بدون خلوة شرعية، على أن يتم الطقس الكنسى «الدخلة» بعد توافر مسكن الزوجية وتأسيسه.
وعن مدى جواز إصدار عقد كنسى دون إجراء طقوس الزواج، على غرار «كتب الكتاب» يكشف لنا أحد كبار الأساقفة بالمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الستار عن حقيقة التوثيق داخل الكنيسة فيقول: «من يطالبون بتحرير عقد زواج كنسى دون إجراء المراسيم المقدسة يريدون أن يضعوا العربة أمام الحصان، فالكنيسة ليست جهة إبرام أو إصدار عقود، ولكن طبقاً لنظام وقواعد وقوانين التوثيق داخل الدولة فإننا نسمح بوجود موثق منتدب من وزارة العدل وغالباً ما يكون كاهنا لتوثيق إتمام سر الزيجة المقدس ليعتد بهذا التوثيق أمام الدولة كوثيقة للزواج فإن قمنا بإصدار وثيقة بدون إجراء المراسيم فماذا نوثق هنا؟ فطبيعة الزواج فى المسيحية تختلف عن طبيعته فى الإسلام الذى تقوم فكرة الزواج فيه على القبول والإشهار، بينما ترى الكنيسة أن الزواج هو رباط إلهى يتم من خلال صلوات وطقوس خاصة، وعلى الرغم من توافر ركنى القبول والإشهار فى الزواج المسيحى فإنهما لا يكفيان وحدهما لإقامة الزيجة المسيحية دون إتمام المراسيم داخل الكنيسة».
ورصدت «روزاليوسف» العديد من الحالات التى لم يحالفها الحظ فى الحصول على وحدة سكنية ضمن مشروعات الدولة بسبب عدم توافر وثيقة زواج صادرة من الكنيسة وتقول «ميرنا.ع»: «الكنيسة تعيش فى عالمها الخاص وتصيغ القوانين برؤية منعزلة عن المجتمع وتتعنت فى تلك الرؤية ولا تقبل بوجهات نظر أخري، وهنا لا يمكن للكنيسة أن تروج حجتها الشهيرة بأنها لن تغير الإنجيل لترضى الناس، فتوثيق العقود لم يأت به نص دينى أو تقليد رسولى ولكنه من أعمال الدولة المدنية وإذا ما عقدنا الأمل على الكنيسة فى حل مثل تلك المشكلة فإننا سوف ننتظر كثيرا وإلى الأبد ولكن الأمل الحقيقى معقود هنا على الدولة فلماذا لا تقبل الدولة عقد «الخطوبة» كإثبات للعلاقة الزوجية وتؤجل تسليم الوحدة إلى مستحقيها لحين إتمام الزواج الكنسى مع التعهد بتقديم وثيقة الزواج تلك فى مدى زمنى معين تحدده الدولة»، وعن معاناة الزيجات الحديثة بسبب عدم المقدرة على توفير مسكن للزوجية يقول «مينا.أ»: «تقدمت لخطبة زوجتى منذ ثلاث سنوات ولم تنطبق علينا شروط استحقاق وحدة سكنية وهو ما جعل الخلافات تدب بينى وبين والد زوجتى وعلى مضض وافق على أن نتزوج فى «شقة مفروشة» وقمت بالفعل بالبحث عن شقة تتناسب وقدراتى المالية فأنا أعمل فنى إليكترونات ولا يتعدى دخلى 2000 جنيه، واستطعت تدبير شقة متواضعة بإيجار 1200 جنية شهرياً ليلتهم إيجار الشقة دخلى الشهرى ونعيش أنا وزوجتى على الكفاف وقمنا بالتقدم للحصول على وحدة سكنية فى مشروع الإسكان الاجتماعى وننتظر نتيجة البحث». أما «يوستينا.ع» فتقول: «ارتبطت بقصة حب بزميل لى فى الجامعة وتعاهدنا على الارتباط والزواج وكان يعمل أثناء الدراسة واستطاع تدبير «شبكة مناسبة» وتقدم لخطبتى إلا أن عدم وجود «شقة» قد حال دون إتمام ارتباطنا وتم رفضه من أهلى وعلاقتنا مستمرة منذ عشرة أعوام وأرفض كل من يتقدم للزواج منى على الرغم من أن معظم من يتقدم لى لديهم إمكانيات مادية هائلة وبسبب رفضى هذا أصبحت حياتى جحيما مع أهلى ولكنى لن أتزوج إلا من أحببت، ولكن الشقة تحول دون زواجنا»، أما «أشرف.ج» 45 سنة فيقول «أعمل موظفاً بإحدى الهيئات الحكومية وراتبى 1800 جنيه بعد عشرين سنة من الحياة الوظيفية وفشلت فى الارتباط والزواج لأنى لا أملك شقة للزوجية ولم يعد هذا الأمر يؤرقنى ولا أفكر فيه فلقد انضممت إلى طابور «العوانس» الطويل داخل الكنيسة».
وبالفعل خلفت قوانين الكنيسة طابورا من العوانس، ويشترك معها فى الجريمة الاجتماعية هذه تغاضى الدولة عن التعنت الكنسى هذا، بالإضافة إلى عدم سن الدولة أى إجراءات أو استثناءات لحل مشكلة الحصول على وحدة إسكان، فعدم مقدرة شباب الأقباط فى الحصول على إحدى وحدات الإسكان فى مشروعات الدولة للزواج وتكوين الأسرة ينذر بعواقبه الوخيمة على المجتمع كله ويزيد من طابور العنوسة داخل الكنيسة ويفتح الباب رحباً أمام هؤلاء الشباب لإقامة علاقات مشبوهة خارج نطاق الزواج، ولا أمل فى أن ترى الكنيسة القبطية بعين الحقيقة معاناة أبنائها فها هى الدولة تطلق مشروعاتها العملاقة لتوفير السكن لكل مواطن فى تلك المشروعات التى يباشرها ويتابعها رئيس الجمهورية بنفسه، ولكن الكنيسة تقف بالمرصاد لشبابها، فهل يتدخل المشرع لوقف معاناة الأقباط من قوانين الأحوال الشخصية أو تعدل الحكومة من شروط الحصول على وحدة سكنية فى مشروعاتها؟، ولم لا يبعد البابا الأنبا بولا عن مشهد الأحوال الشخصية كى ما تستقيم الأمور أم ننتظر ضحايا جددا للأنبا بولا؟>