قانون الأحوال الشخصية زنى وتبن ومحاكم مليـّة

عادل جرجس
كثيرون ينتظرون قانون الأحوال الشخصية فقد يكون لهم المنقذ مما يعانون من عدم تمكن من إتمام زواج أو طلاق، وهناك من سيزيد القانون موقفهم تأزمًا.
فجأة انفجر الصراع المكتوم بين الكنائس الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية) حول قانون الأحوال الشخصية ليخرج إلى العلن، فرغم أن الكنيسة الأرثوذكسية تحتكر صياغة القانون وترسله إلى الكنائس الأخرى لإبداء رأى فيه، فى سرية تامة، وتحرص على عدم طرحه للرأى العام للنقاش إلا أن الكنيسة الإنجيلية اختلف الأمر معها هذه المرة، فناقشت مسودة القانون مصحوبة باعتراضاتها فى صورة تعديلات.
ورغم أن المسودة التى أعدتها الكنيسة القبطية فى مواضع كثيرة منها مخالفة للقانون العام والدستور إلا أن الكنيسة الإنجيلية ذهبت إلى المدى البعيد لتأتى مسودة القانون فى صيغتها النهائية تحفل بكل المتناقضات وتؤكد عودة المحاكم الملية مرة أخرى وتقر التبنى، والأدهى من كل ذلك أن الكنيسة الإنجيلية اعترفت بزواج الطوائف الأخرى وطالبت المعاملة بالمثل، وهو ما يشير إلى رغبة الكنيسة الإنجيلية فى العودة إلى العباءة الكاثوليكية مرة أخرى التى خرجت منها 1517 على يد مارتن لوثر بعد خمسة قرون.
الكنيسة الإنجيلية وجدت نفسها فى الفترة الأخيرة خارج الحوارات المسكونية التى يقوم بها البابا تواضروس الثانى للوحدة بين الكنائس، وربما تكون قد وجدت ضالتها المنشودة فى قانون الأحوال الشخصية لإجبار الكنيسة القبطية وبطريركها على دمج الكنيسة الإنجيلية فى مشروع الوحدة بإصدار قانون أحوال شخصية موحد لكل الطوائف وهو ما يستوجب اتحاد كل الطوائف أولاً، قبل إصدار القانون وهو ما ظهر جلياً فى التعديلات التى اقترحتها الكنيسة الإنجيلية فى مسودة القانون، حيث نصت المادة الثانية من المسودة على أنه (تظل الزوجية خاضعة للأحكام المبينة بهذا القانون والخاصة بالشريعة التى تمت مراسم الزواج الدينية وفقًا لطقوسها وتطبق الأحكام العامة لهذه الشريعة، فيما لم يرد به نص من هذا القانون)، لكن الكنيسة الإنجيلية أضافت تعديلاً يقول: (ولا يعتد بتغيير أحد الزوجين مذهبه أو طائفته أثناء سير دعوى الطلاق)، وهنا تصبح الثلاث طوائف طائفة واحدة، وهو ما يعد عوارًا فى هذا التعديل فالطوائف الثلاث تعتبر ثلاث ديانات مختلفة فكيف يتم الفصل بين زوجين أحدهما أرثوذكسى يؤمن بأسرار الكنيسة وشفاعة القديسين وممارسة الطقوس والطرف الآخر من الزيجة غير مذهبه إلى المذهب الإنجيلى الذى لا يؤمن بكل تلك المعتقدات، والأمر الأغرب من هذا رفض الكنيسة الإنجيلية لما جاء بالمادة الثالثة بتطبيق الشريعة الإسلامية فى حالة تغيير الدين والتمسك بالشريعة التى تم عليها الزواج وهذا يعنى أنه إذا اعتنق أحد الزوجين الدين الإسلامى وطلب الطلاق يتم التمسك بالشريعة المسيحية التى عقد عليها الزواج والتى تقضى بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنى.
تظهر رغبة الكنيسة الإنجيلية فى الوحدة مع الكنائس برفضها إتمام الخطبة لمتحدى الملة والطائفة أى أن الزواج بين الطوائف الثلاث أصبح مشروعًا، وتضيف الكنيسة الإنجيلية تعديلا فى المادة الثالثة عشرة تلغى فيه ضرورة أن يكون الزواج بين متحدى الطائفة وتستبدل بدلاً منه عبارة (على جميع الطوائف المسيحية أن تعترف بزواج الطوائف المسيحية الأخرى) وهى تعلم أن هذا من المستحيلات لأن قبول الطوائف زواج الطوائف الأخرى يعنى قبول عقيدته والطائفتان الأرثوذكسية والكاثوليكية ترفضان إيمان وعقيدة الكنيسة الإنجيلية فهل تحل الكنيسة الإنجيلية نفسها وتعود للعباءة الكاثوليكية لتتوحد مع الكنيسة الأرثوذكسية؟
مسودة قانون الأحوال الشخصية بها بعض التناقضات والتعارض فالمادة (15) تنص على منع زواج الرجل والمرأة قبل بلوغ سن 18 عامًا لتأتى المادة (16) وتبيح زواج القصر بموافقة الولى على النفس، أما المادة (18) فتضرب مبدأ المساواة بين الأشخاص والذى أكده الدستور فى أكثر من موضع، حيث تحرم على الطائفتين الأرثوذكسية والكاثوليكية الزواج بأخت الزوجة المتوفاة أو أخ الزوج المتوفى وتبيح ذلك لأتباع الكنيسة الإنجيلية، أما المادة (20) فهى قمة التناقض فى القانون، حيث تمنع إعادة زواج المسيحى الذى طلق بسبب الانضمام لطوائف غير معترف بها مثل السبتيين وشهود يهوه والأدفنتست فتلك الطوائف غير مرخص لها من الدولة، وهو ما يستحيل معه إثبات الانضمام إليها بمحرر رسمى، يكون مسوغًا للطلاق ومانعًا من الزواج الثانى، والغريب أن يُقر نفس المعنى فى المادة (22) أما المادة (30) التى جاء فيها أسباب بطلان الزواج الدينى المسيحى فحدث ولا حرج، فرغم إصرار الكنيسة القبطية على أن الزواج هو (سر كنسى) فإن هذا السر يبطل إذا لم يتم بشهادة شاهدين على الأقل، وهنا ترسى الكنيسة مبدأ دينيًا جديدًا وهو أنه لا فاعلية للسر بدون شهادة الشهود، كما تغلق الكنيسة باب الزواج الثانى لمن وقع فى خطيئة الزنى، حيث يعد السر باطلاً إذا ما كان أحد طرفى الزيجة وقع فى الزنى، وهنا تقع الكنيسة فى ورطة دينية فالكنيسة تمنع الطلاق طبقًا للنص الإنجيلى (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان).
تتوالى تناقضات مسودة القانون لتصل إلى درجة الأساطير والخيالات، حيث تنص المادة (31) على أنه (يُبطل زواج الرجل الذى يخطف المرأة أو يقيد حريتها فى مكان ما بقصد زواجها إذا عقد الزواج وهى مخطوفة) فأين الكنيسة التى ستفتح أبوابها لخاطف امرأة ليتزوجها ومن هو الكاهن الذى يعقد السر المقدس لخاطف على مخطوفة ومن هى المخطوفة التى سوف تستكين للخطف والزواج بالخاطف ولن تستجير بالأب الكاهن أو الشهود.. وتأتى المادة (32) لتكشف عن ذكورية القانون، حيث تنص على (إذا وقع أحد الزوجين فى أى صورة من صور الغش أو التدليس أو الإكراه كأن ادعت الزوجة أنها بكر ولم تكن كذلك أو عدم اكتمال نمو الرحم بما يستحيل معه الحمل فلا يجوز الطعن فى الزواج إلا من الزوج الذى كان رضاؤه معيبًا) فتلك المادة لا تهتم إلا برضاء الزوج وتعطيه الحق فى بطلان الزواج إذا ما كانت هناك عيوب فسيولوجية أنثوية لدى الزوجة، ولم تعط للزوجة مثل هذا الحق فماذا عن الزوج الذى لديه عيوب خلقية تمنع قيامه بواجباته كزوج؟
الكنيسة تستحدث نوعًا جديدًا من أنواع انحلال الزيجة إضافة إلى الطلاق وبطلان الزواج وهو (الزواج القابل للبطلان) دون أن توصفه أو تحدد شروطه لتفتح الكنيسة بابًا خلفيًا لإبطال ما تراه من زيجات دون سبب واضح بحجة أن الزواج قابل للبطلان.
تأتى المادة (71) التى ألزمت الأبناء بالبقاء تحت «سلطة» والديهم حتى بلوغ سن 21 عاماً، وهو ما يعنى أن أهلية الأبناء تصبح مقيدة وغير كاملة حتى هذا السن فكيف سمحت المادة (15) من نفس القانون لمن بلغ سن الثمانية عشرة بالزواج وهو لم تكتمل أهليته بعد، وهل يكون الزواج فى هذه الحالة تحت وصاية الوالدين وأى من والدى الزوج أو الزوجة اللذين سيكون لهما حق الوصاية على الزيجة وما موقف الوصاية على الأبناء من تلك الزيجة والزوجان نفسهما مازالا تحت الوصاية؟
المادة (74) تقضى بأحقية الأم فى حضانة صغارها فى حالة الطلاق، وهو الأمر المستغرب فماذا لو كانت الأم قد طُلقت لزناها وحكم عليها بعدم الزواج مدى الحياة لأنها لا تؤتمن بعد على رعاية بيت مسيحى جديد كما تدعى الكنيسة فهل هذه الأم يمكن أن تؤتمن على التربية؟
أما الصدمة الكبرى فتأتى فى المادة (91)، حيث تنص على (ليس للزوج أن ينفى نسب المولود قبل 180 يومًا من الزواج فى حالتين، إذا كان يعلم أن زوجته كانت حاملاً منه قبل الزواج..) وهى المادة التى تضرب بكل معتقدات الكنيسة الدينية عرض الحائط فحمل الزوجة من زوجها قبل الزواج، زنى واضح لا ريب فيه وقع فيه الزوجان وأخفياه عن الكنيسة، لكن متى علمت الكنيسة بذلك توجب عليها أن تنتصر لعقيدتها وما تدعى أنه من أحكام الإنجيل، فالزنى يستوجب الطلاق وهنا يكون على الكنيسة أن تطلق الزوجين وتحكم على كل منهما بعدم الزواج مدى الحياة، أما موافقة الكنيسة على مثل تلك الزيجة فهو إقرار بزواج الزانية وتحليل ما حرمه الإنجيل (من تزوج بزانية يجعلها تزنى)، وهو الأمر الذى تؤكده المادة (97) والتى تنص على أنه (يُعتبر الولد الثابت ولادته من الزوجة ولدًا شرعيًا بزواج والديه اللاحق بشرط أن يكونا أهلاً للزواج من بعضهما وأن يقرا ببنوته أمام رجل الدين المختص بإتمام عقد الزواج سواء تم ذلك قبل الزواج أو حين إتمامه وعلى رجل الدين المذكور أن يثبت إقرار الوالدين بالبنوة فى وثيقة منفصلة).
تؤكد مسودة قانون الأحوال الشخصية على جواز التبنى، بل تحاول تقنينه وإضفاء شرعية عليه، لكن لأن لفظ (التبنى) يثير الجدل داخل المجتمع المصرى لأن القانون العام منع التبنى فإن مسودة القانون تستبدل كلمة (التبنى) بكلمة (البنوة) لتمرير تقنين التبنى تحت هذا المسمى وقد حدد القانون طريقتين للتبنى الطريقة الأولى هى (الإقرار)، حيث نصت المادة (99) على (إذا أقر العاقل ببنوة ولد مجهول النسب وكان من المقر فى سن يسمح بأن يولد منه لمثله ففى هذه الحالة يثبت نسبه منه وتلزم عليه نفقته وتربيته وتعليمه)، فهنا تثبت البنوة أو التبنى بمجرد إقرار المتبنى دون الحاجة لإثبات علاقة البنوة بينه وبين المتبنى، أما الطريقة الثانية للتبنى التى أقرها القانون فهى (المصادقة) وهو ما جاء بنص المادة (100) والتى تقضى بأنه (إذا ادعى ولد مجهول النسب بالبنوة لرجل أو لامرأة وكان يولد لمثل المقر له وصادقه على ذلك ثبتت الأبوة أو الأمومة) وهنا يقع القانون فى المحظور فكيف يصادق طفل صغير غير مسئول عن تصرفاته القانونية رجلاً رشيداً على البنوة فهل يعتد قانوناً بمثل تلك المصادقة؟
النصوص التى تتعلق بما أسمته مسودة القانون (البنوة) لتقنين التبنى أخذت احتياطها من أن يفطن المشرع لمثل هذا التمويه اللفظى فلجأت المسودة إلى الخداع بأن أضافت مادة إلى تلك المواد تحصنها من الاستبعاد لمخالفتها القانون العام فجاءت المادة (109) لتنص على (فى جميع الأحوال لا يثبت النسب سواء بالإقرار أو بالادعاء به إلا بحكم بات يصدر بذلك من المحكمة المختصة وعلى المحكمة أن تحكم برفض دعوى ثبوت النسب فى الأحوال المشار إليها فى هذا الفصل إذا ثبت لديها أن الغرض من إقامتها هو التبنى) ويتضح من نص تلك المادة أنها محاولة لخداع المشرع فإن لم يكن التبنى هو (الإقرار ببنوة ولد مجهول النسب) كما جاء بالمادة (99) فماذا يكون التبني؟
يتضح فى نهاية مسودة القانون أن كل المواد التى نص عليها القانون محاولات لتحتكر الكنيسة أمور رعاياها فى الأحوال الشخصية وتفصل بينهم بحسب أهوائها من خلال محاكم ملية كنسية وتدفع بتلك الأحكام إلى القضاء لإقرارها، وقد استحدثت الكنيسة مسمى جديداً لتلك المحاكم وهو (لجان تسوية النزاعات الأسرية المسيحية) وجاءت المادة (142) لتبين تكوين تلك المحاكم على النحو التالى، حيث (تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمة ابتدائية لجنة أو أكثر لتسوية المنازعات الأسرية المسيحية تتبع الرئاسة الدينية المختصة لكل طائفة تضم عددًا كافيًا من رجال الدين المسيحى والإخصائيين القانونيين والاجتماعيين أو النفسيين ويصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة الرئاسة الدينية المختصة لكل طائفة ويرأس لجنة تسوية المنازعات أسقف كل إيبارشية أو رجل الدين المسيحى المختص)، واللجوء إلى تلك اللجان إلزامى ولا يجوز اللجوء إلى القضاء مباشرة لرفع دعاوى الأحوال الشخصية المسيحية، فإذا ما تمت رفع دعوى مباشرة إلى المحكمة تنص المادة (129) أنه بدلا من أن تحكم المحكمة برفض الدعوى أن تأمر بإعادتها إلى لجان تسوية المنازعات للبت فيها.