تبادل الزوجات وسرقة الأعضاء جرائم حميدة

وفاء شعيرة
العنف الأسري، تبادل الزوجات (الزنى)، الاعتداء على الأطفال.. كل هذه الأفعال جرائم بالاسم فقط، وليس هناك فى القانون ما ينص على معاقبة مرتكبها. نادرًا ما يصدر حكم فى هذه الجرائم ولو صدر يكون مصحوبًا بمبدأ الرأفة لعدة اعتبارات أى أنه يكون حكمًا مخففًا، وذلك رغم أنها جرائم تستحق عقوبات مشددة أو ربما مغلظة.
السبب فى كونها جرائم بالاسم فقط أن القوانين لا تعتبرها جناية لأن مرتكبها قد يكون الأب أو الأم أو الأخ أو الطبيب أو الزوج، وهو الأمر الذى يضيع معه حقوق ضحايا هذه الجرائم التى يعرفها المحامون والقضاة والمهتمون بقضايا المرأة والأسرة ويطلقون عليها الجرائم الاجتماعية.
دراسة أعدتها كلية الآداب جامعة عين شمس عن الجرائم الخمس التى لا يعاقب مرتكبها وأولها الإهمال الأسري، فقانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 لم يُجرم أو يعاقب إهمال الأسرة فى حق أطفالها، واكتفى فى مادته الثامنة بمعاقبة كل من يرتكب انتهاكاً فى حق الطفل بالحبس من 6 أشهر حتى 3 سنوات، وفى حالة وفاة الطفل بسبب الإهمال الأسرى يحرر محضر إدارى ويحفظ لمراعاة مشاعر الأب والأم اللذين فقدا طفلهما، فلا توجد مادة صريحة فى القانون تجرم إهمال الأسرة فى حق أطفالها.
تبادل الزوجات ثانى هذه الجرائم التى لا يعاقب عليها القانون رغم أنها جريمة يبغضها المجتمع ومجرمة دوليًا ويسميها البعض هنا بأنها «زنى بالتراضي»، فلا يوجد نص فى القانون يعاقب على هذه الجريمة باعتباره زنى يتم بالتراضى وبحسب مواد قانون العقوبات فالنيابة توجه للمتهمين فى تلك الحالة تهمة نشر إعلانات خادشة للحياء وتحريض على الفسق والفجور والدعوى لممارسة الدعارة واعتياد ممارستها.
ومع تلك الاتهامات ومواد القانون نجد مع اعتراف من يمارسون تبادل الزوجات واعترافهم لا توجه إليهم تهمة ممارسة الزنى لأن الزوج والزوجة راضيان بالجريمة.
والاتهامات التى توجهها لهما النيابة وفق المادتين 269 و278 من العقوبات تعاقب بالسجن من شهر إلى سنة.
ثالث هذه الجرائم التى لا عقاب لها فى القانون المصرى رغم أنها جريمة مكتملة الأركان، هى جريمة العنف الأسرى أو الاعتداء على المرأة.
ورغم أن العنف الأسرى مشكلة رئيسية فى المجتaمع المصرى فالقانون لا يُجرمها ويمكن أن تتقدم المرأة بشكوى الاعتداء الجسدى ولكى تحصل على حقها لابد من وجود شهود عيان، وهذا صعب ولهذا نجد أن التبليغ أمر نادر.
كما أن الشرطة تتعامل مع قضايا العنف الأسرى على أنها قضايا اجتماعية وليست جنائية، ويظل العنف داخل الأسرة أمرًا عائليًا ولا يتم التبليغ عنه فى معظم الحالات، والقانون المصرى لم يحدد فى مواده أى نص يجرم العنف داخل الأسرة، واستغنى عن ذلك بنصوص مواد الاعتداء والضرب والعاهة المستديمة وذلك فى وجود شهود أو إذا بلغ الطفل السن القانونية فى حالة الاعتداء عليه.
رابع هذه الجرائم الامتناع عن علاج مريض، فرغم غياب تشريع قانونى واضح فى قانون العقوبات المصرى يسمح بمحاسبة الطبيب لمخالفته آداب المهنة أو الامتناع عن علاج مريض إلا أن هذه تمثل جريمة مكتملة الأركان تستوجب المسئولية الجنائية ويمثل الركن المادى فى فعل الامتناع عن استقبال المريض أو امتناع الطبيب عن علاجه أو مساعدته بشرط أن يكون المريض فى حالة خطرة فعلًا وتتطلب تدخلًا مباشرًا من الطبيب.
الركن المعنوى لهذه الجريمة أن يكون الامتناع عمديًا بمعنى أن يعلم الطبيب بالخطر ويمتنع بإرادته عن تقديم المساعدة ولا يُقصد بهذه الجريمة الخطأ الطبى غير المقصود الذى تختص به نقابة الأطباء.
أما الجريمة الخامسة التى لا يعاقب عليها القانون المصرى فهى سرقة الأعضاء، حيث تأتى مصر فى مقدمة الدول العربية فى سرقة الأعضاء فى ظل غياب تشريعى مفعل لتغليظ العقوبة على جريمة سرقة الأعضاء، فعلى الرغم من أن الدستور فى مادة «89» نص على أنه تُحظر كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسرى للإنسان وتجارة الجنس وغيرها من أشكال الاتجار فى البشر، ويجرم القانون ذلك والمادة، «2» من القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر حددت المسئولية على كل من يتورط فى هذه العملية، حيث نصت على أنه «يعد مرتكب جريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بها أو الاستخ0دام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم، سواء داخل البلاد أو خارجها، إذا تم ذلك بالعنف أو التهديد أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على التجار بشخص آخر له سيطر عليه وذلك إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره بما فى ذلك الاستغلال فى أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسى واستغلال الأطفال فى ذلك وفى المواد الإباحية أو السخرة بالرق أو الاستعباد أو التسول أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها إلا أنه لم يتم تفعيل هذا القانون حتى الآن.
الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ علم الاجتماع الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قالت إن كل هذه الجرائم مرتبطة بسلوك العنف داخل المجتمع والأسرة المصرية والتى تأتى من عدم توافق الزوجين والمخدرات والأمراض النفسية والعصبية والغيرة والشك والخيانة وزواج الزوج بأخري.
والمشكلة الكبرى فى قضايا تبادل الزوجات، التى يعتبرها القانون زنى بالتراضى، أن القوانين فى حاجة للمراجعة.
د.سمير عبدالفتاح أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة عين شمس قال عن أسباب انتشار هذه الجرائم وعدم تنفيذ عقوبات ضد مرتكبيها : لابد أن نعترف أن القانون الذى كان يحكم المصريين من عدة عقود كان الأخلاق والوازع الديني، حيث كانت العلاقات الإنسانية تسود المجتمع، فلو كان أحد فى القرية يريد أن يبنى منزله كان أهل القرية، يساعدونه دون أن يلجأ إلى الاستعانة بالعمال.
هذه العلاقات بدأت تندثر رويدا رويدا واختفت العلاقات الإنسانية وظهرت العلاقات المادية وتغيرت الأخلاق وأصبحت قيمة الإنسان بما يملك من مادة.
وبعد الحراك الثورى والسياسى أصبحت العلاقات المادية هى العلاقات القوية، بالإضافة إلى العنف وظهر أثر هذا فى إضفاء القيمة الاجتماعية والإنسانية والدينية فأصبحنا نرى أطباءً ومواطنين يتاجرون فى أعضاء الفقراء والمحتاجين وأصبح الكثيرون يفسرون كل هذا بأنه حرية دون أن يعلموا أن الحرية مرتبطة باحترام القوانين والأخلاق والقيم.
كما أصبحنا نرى الآن ضرب الآباء لأبنائهم حتى الموت وتبادل الزوجات.
وأكد «سمير» أن كل هذه الجرائم ليس لها علاقة بالأمراض النفسية والاجتماعية، فالنظرة الدقيقة تقول إننا فى حاجة إلى تغيير القوانين، وأصبحنا فى حاجة ملحة إلى العدالة الناجزة بأن تصدر الأحكام سريعًا خاصة فى الجرائم الكبرى كالقتل والإرهاب والتلاعب بقوت الشعب لأن تأخير الأحكام يعطى للمواطنين شعوراً بأن هذه الجرائم مهما كانت كبيرة فهى صغيرة، وهذا أثر على الجرائم الاجتماعية التى يرى مرتكبوها أنها لا تمثل شيئًا.
د.فخرى صالح رئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق قال: إنه بالنسبة لسرقة الأعضاء أو نقلها غالبًا ما يتم نقل الأعضاء أو سرقتها بمعرفة وموافقة المتبرع إلى المريض بمقابل مادى كبير ولا يتم الإبلاغ عن هذه القضايا إلا فى حالة الاختلاف على المقابل المادى للبيع بعد أن يتم الحصول على الكلى أو فص الكبد من المتبرع، وقانونًا لابد أن تتم عمليات نقل الأعضاء بموافقة نقابة الأطباء وأن يكون المريض ليس لديه متبرع من أهله فيتم التبرع من شخص آخر بشرط ألا يحصل المتبرع على نقود.
وإذا تم نقل الأعضاء بدون موافقة النقابة أو بدون علم المتبرع هنا يعتبر جناية، فنزع كلى من شخص يعتبر عاهة مستديمة فى القانون ويعاقب عليها بالسجن من 7:5 سنوات كجناية.
د.أيمن الغندور أستاذ القانون الجنائى قال: إنه لابد من وضع عقوبة رادعة لجريمة تبادل الأزواج لما ينطوى على هذا الفعل من مخالفة للشرائع السماوية كافة والقيم الأخلاقية وعلى رأسها النخوة والغيرة وإهدار لقيمة الميثاق الغليظ وهو الزواج، وإهدار لقيمة المرأة التى تكون مثل سلعة تقدم هدية أو تبادل بسلعة أخرى من نفس جنسها، فضلا عما يترتب عليه من اختلاط للأنساب وتفشى أمراض.