الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نجمة داود على الملابس المصرية

نجمة داود على الملابس المصرية
نجمة داود على الملابس المصرية


مثلما تفرض نفسها على المجتمع الدولى بشتى الطرق والوسائل الرخيصة، تفرض نفسها علينا فى الأسواق المصرية من خلال بضاعتها التى لم تكتف فقط بصناعتها أو تمويلها بأموالها الملوثة، وإنما امتدت بها الوقاحة التى تصر على محاصرتنا بها كعادتها لحشر رمزها - نجمة داود - على ملابسنا المصرية التى تأتى إلينا إما تصديراً، وإما تصنيعاً بأيدٍ متآمرة قذرة تعمل لصالح الكيان الصهيونى الذى يدفع لها لنشر بذاءاته داخل الوطن الذى يعلم جيدا مدى كرهنا له ولشعاره ورمزه!

إسرائيل التى تتلذذ باستفزاز الآخرين بوقاحة لا مثيل لها، بعد أن تفعل جريمتها هذه بوضع نجمة داود على الملابس المصرية والعربية على استحياء، أصبحت الآن بفجر شديد تنشرها بكثافة ووضوح!
الظاهرة بدأت منذ عدة سنوات بخطى حثيثة كجس نبض للمجتمع العربى الذى من المفترض أنه يملك عداءً لإسرائيل لا حصر له حتى يرحلوا عن أراضينا الفلسطينية المحتلة، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادى، وللأسف أيضاً أن من قام بتسويق مثل هذه البذاءات نجوم لهم قاعدة شعبية استغلتهم إسرائيل للترويج لبضاعتها الرخيصة، خاصة أن جماهيريتهم تضمن للبضاعة الصهيونية الوصول إلى نسبة كبيرة من أبناء الوطن العربى! منهم (نوال الزغبى) التى أول من روج لنجمة داود فى إحدى حفلاتها عندما ظهرت وهى ترتدى حزاماً (توكته) المعدن وضع عليها شعار نجمة داود!
فى نفس الفترة خرج علينا مسحوق الغسيل (إيريال) وقد رسم على غلاف عبوته نجمة داود بطريقة تشكيلية تجعل الشعار غير ملحوظ إلا إذا تم التدقيق فيه، وقيل وقتها أن الشركة التى تنتج المسحوق يملكها (إريل شارون) رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل الذى اشتق من اسمه الاسم التجارى للمسحوق.
نجمة داود انتشرت مؤخراً على البلوزات الحريمى والعبايات والكرافتات والشرابات والأحزمة الجلدية، كما كانت منتشرة فى فترة سابقة تعود إلى الثلاثينيات والأربعينيات - أيام وجود يهود فى مصر - على واجهات المنازل وغيات الحمام.
ظاهرة انتشار نجمة داود على السلع أو الملابس فى مصر وبقية أرجاء الوطن العربى سواء بقصد أو بدون قصد أو مع سبق الإصرار والترصد أو عن جهل أو بسوء نية يتساوى وينم عن وجود خلل فى الوعى الوطنى وقصور شديد فى فهم معنى الانتماء والإحساس به، خاصة أن هذه النجمة التصقت فى أذهان المصريين بالعدو الصهيونى الذى قتل أبناءهم وإخوانهم وآباءهم فى حروب سابقة.. آخرها (حرب67) ومذبحة (بحر البقر).. وكم استوقفت عددًا من الفتيات والسيدات كن يرتدين بلوزات وعبايات تملؤها نجمة داود لتحذيرهن منها. الغريب أن كثيرات منهن كن يجهلنها ولا يعرفنها.
الفنان التشكيلى د. (أحمد نوار) له واقعة فى هذا الشأن ذكرنى بها، وذلك عندما دخل إلى محل ملابس لشراء بلوزة لزوجته، ولأن د. (نوار) لديه حساسية شديدة من هذه النجمة وقت أن كان ضمن صفوف المقاتلين منذ حرب الاستنزاف عام 1968 وحتى نصر أكتوبر عام 1973 فكان كلما ينظر إلى العلم الصهيونى الذى تتوسطه نجمة داود كان يزداد غضباً ورغبة فى الانتقام منهم ومن علمهم، مما كان يكلل مهمته بالنجاح فى اصطياد العديد منهم، وهو ما جعل قادته يطلقون عليه لقب (عين الصقر) لكونه من أمهر القناصين.. د. (نوار) بمجرد أن وقف عند تشكيلة البلوزات للاختيار منها، وقعت عيناه على نوعية تملأ صدرها نجوم داود صغيرة الحجم . د. (نوار) الذى يكن كرها شديداً لنجمة داود انزعج بشدة من وجود النجمة على الملابس المصرية، مما جعله يستدعى صاحب المحل ليلفت نظره إلى وجود مثل هذه الكارثة.. المفاجأة أن د. (نوار) اكتشف أن صاحب المحل (فلسطينى) فاندهش لذلك وغادر المحل غاضباً بعد أن حذره من التعامل مع هذه الموديلات وإعادتها لأصحابها وإبلاغ رقابة السلع التجارية عنها!
لدى إسرائيل - بما تفعله - رغبة قوية وملحة على اعتياد أعيننا على نجمتهم كشعار لدولتهم، تصوراً بأن ما تفعله من الممكن أن يجعلنا نتقبل أشياءهم، وأن نتآلف معها ومعهم، هناك أيضاً وللأسف بعض البرامج التليفزيونية التى يسهل اختراقها عبر تصميمات الديكور وحشر نجمة داود بها وعلى واجهاتها، وكذلك فى بعض المنشآت السياحية والثقافية، فقد لفت نظر المسئولين لأكثر من مرة بضرورة تغيير الزجاج المزين به قصر ثقافة الإسماعيلية - وانتبه جيدا من كلمة الإسماعيلية - رمز النضال والبطولة والبسالة وأحد مسارح العمليات المهمة فى حروب الكرامة ضد العدو الصهيونى، العار أن تدنس نجمة داود واحداً من أهم الأماكن الثقافية فيها، والعار الأكبر أن هذه المنشأة تتبع الدولة وليست تبعية خاصة.. أذكر أننى فى إحدى رحلاتى الصحفية لمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء - ولك أن تتوقف أيضاً هنا عند كلمة سيناء وكأنها مؤامرة صهيونية ينفذها عملاء مأجورون فى الأماكن التى ارتوت بدماء شهدائنا فى حروب العزة والكرامة لتحرير الوطن - فى شرم الشيخ فوجئت بنجمة داود تعلو واجهة البانوراما المجاورة لفندق (سافوى)، واستفزنى المنظر فتصادف أن كنا فى اجتماع برئاسة اللواء (خالد فؤاد) محافظ جنوب سيناء، فبمجرد انتهاء الاجتماع غادرت القاعة وأسرعت الخطى ووقفت أمام البانوراما، لانتظار المحافظ لإطلاعه على هذه المهزلة، وبالفعل عند مروره بسيارته استوقفته ليرى بنفسه حجم الكارثة اللا وطنية التى كان يجب أن يحاسب صاحبها محاسبة عسيرة. المحافظ طلب من معاونيه اتخاذ اللازم.. ولا أدرى هل تم اتخاذ اللازم أم أن الأمر تم التعامل معه (بودن من طين وودن من عجين)؟!
نجمة داود ظلت منتشرة فى ديكورات ومظلات وكبائن فندق (أكوامرينا) وهو الفندق الذى هجره اليهود بعد الجلاء عن سيناء، فبقى الوضع على ما هو عليه، إلى أن لفت الفنان التشكيلى (محيى الدين اللباد) نظر المسئولين فتم تغييرها.
خطورة انتشار نجمة داود ومطاردتها لأعيننا هى بمثابة حرب نفسية الغرض منها القضاء على الأبعاد السلبية للتعامل مع نجمة آل صهيون، وخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة التى لم تنكوِ بنار الحروب مع الكيان الصهيونى الغاشم والمحتل الغاصب لأرضنا العربية - فلسطين - كما أن انتشار نجمة داود يعنى ترويج إسرائيل لعلامتها التجارية والسياسية والدينية وفرض نفسها على المجتمع الدولى بالقوة الجبرية فى محاولة منها لذوبان رمزها وسط الشعوب.. وهو مكمن الخطر!
نجمة داود عرفت كرمز لإسرائيل مع إقامة الدولة الصهيونية، واسمها العبرى (ماجين ديفيد) - أى درع داود - وقد ظهرت على الكتب الدينية اليهودية القديمة، لكنها كرمز لم يكن شائعاً فى الأوساط اليهودية إلا بعد عام 1948 عند قيام الدولة الصهيونية، واعتبروها درعاً وسلاحاً لهم، خاصة أنها تمثل اتجاهين: الأول لأعلى ويرمز إلى اتجاه الشعب الإسرائيلى للرب وعلاقته به، أما الاتجاه الثانى لأسفل فيعنى نزول الرب إلى الشعب الإسرائيلى المختار - كما يتصورون!
الأمر خطير ويحتاج إلى شيئين: الأول توعية المواطنين وتحذيرهم من خطورة هذه التسريبات الصهيونية، والارتقاء بحسهم الوطنى ورفع درجة الانتماء لديهم كنوع من التحصين ضد كل هذه السخافات. الشيء الآخر.. ضرورة وجود رقابة حازمة على السلع المستوردة والمحلية لضبط أى حالات تتورط فى الترويج لنجمة داود ومعاقبة أصحابها بتهمة الخيانة العظمى، وإن كانت النجمة مهما انتشرت فلن تغير عقيدة المصريين من كرههم الشديد للكيان الصهيونى الغاصب، ولن تفرض علينا أى قوة الاعتراف بهم.
إسرائيل سعت وبكل قوتها عبر بوابة الأمم المتحدة لاعتبار نجمة داود الحمراء علامة رسمية لسيارات الإسعاف التابعة لها أسوة بالهلال الأحمر والصليب الأحمر، رغم اعتراض الجمعية الأم بجنيف التى اعتبرت أن ما تفعله إسرائيل هو نوع من الضغط ولى الذراع، فهل يحقق (ترامب) المنتخب، كل أحلام آل صهيون المؤجلة؟!