إسقاط الحصانة البرلمانية أمام «الدستورية»

وفاء شعيرة
لا يمكن مقاضة عضو مجلس النواب كأى مواطن طبيعى وذلك لتمتعه بالحصانة البرلمانية وتتطلب إقامة الدعوى القضائية موافقة مجلس النواب على رفع الحصانة عن العضو حتى يكون مواطنا خاضعا للتقاضى بشكل طبيعى لم يتمكن المحامى محمد هانى الشرقاوى محامى أحد المواطنين من إقامة دعوى بالحق المدنى ضد عضو بمجلس النواب، اتهمه موكله بسبه وقذفه نظرا لكونه يتمتع بالحصانة.
المحامى محمد هانى فوجئ أن الدعوى التى أقامها لموكله ضد عضو مجلس النواب صدر الحكم برفضها لأنه لا يحق لأى مواطن إقامة أى دعوى قضائية ضد عضو مجلس النواب لأنه محصن أى لديه حصانة تحميه من أى شخص يفكر فى إقامة دعوى ضده.
وأكد المحامى أن اللجوء لمحاكم مجلس الدولة وبالتحديد محكمة القضاء الإدارى وإقامة دعوى طالب فيها بالتصريح له بإقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية التى تعطى حصانة لعضو مجلس النواب من إقامة أى دعوى قضائية ضده من أى مواطن حتى لو ضرب عضو المجلس المواطن وحاول المواطن أن يأخذ حقه بالقانون لا يستطيع فى ظل وجود المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية.
محمد هانى الشرقاوى المحامى قال إنه قرر إقامة هذه الدعوى بعد أن فوجئ بأن أى مواطن لا يحق أن يدافع عن نفسه أمام المحاكم إذا كان من قام ضده عضو مجلس نواب.
فإذا كان عضو مجلس النواب يحق له أن يقيم دعوى قضائية ضد المواطن ويتهمه بالسب والقذف فكيف لا يحق للمواطن أن يقيم هو الآخر دعوى ضد النائب ليدافع فيها عن نفسه ويحصل على حقه ويثبت المواطن للمحكمة أنه مظلوم؟!
فى سياق آخر ويشترط القانون لكى يستطيع المواطن إقامة دعوى ضد عضو مجلس النواب عليه أولا التقدم بطلب للنائب العام بالتحقيق ومخاطبة مجلس النواب لرفع الحصانة عن النائب.
وبعد تحقيقات النيابة وإرسالها طلب رفع الحصانة يعرض الطلب على المجلس فى جلسة عامة وتتم الموافقة أو عدم الموافقة على رفع الحصانة، وهذه الإجراءات بالتأكيد ستأخذ شهورا عديدة أمام النائب العام وداخل مجلس النواب، وهنا قد يضيع حق المواطن.
الدعوى القضائية التى أقامها المحامى أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة حملت رقم 9644 لسنة 72 قضائية أقامها ضد كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيس مجلس النواب ورئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس قال فيها إن المشرع المصرى حينما قرر آليات قانونية لمقاضاة أصحاب الحصانات كان يبتغى حماية النائب أثناء أداء مهامه وأن المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية والتى تحمى أصحاب الحصانات ومنهم عضو مجلس النواب من إقامة أى دعوى بالحق المدنى من أى مواطن مخالفة للمادة، 99 من الدستور والتى تنص على كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عليها بالتقادم وللمتضرر إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر.
وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة عن أى انتهاك لهذه الحقوق وله أن يتدخل فى الدعوى المدنية منضما إلى المقرر وبناء على طلبه.
وقالت الدعوى إن نص المادة 99 من الدستور واجهت كل اعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة وغيرها وهذه المادة تعتبر رقابة ناجحة وفاعلة فى مواجهة أصحاب الحصانات.
وبالتالى لا يجوز لمادة فى قانون الإجراءات الجنائية «232» أن تقيدها.
والحقيقة لا تختلف حصانة عضو مجلس النواب عن سابقه عضو مجلس الشعب كثيرا، حيث كان الأخير - عضو مجلس الشعب - حصانته مصونة أيضا طبقا للدستور السابق الذى أكد على «لا يجوز فى غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس، وفى غير انعقاد يتعين أخذ إذن رئيس المجلس ويخطر عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراءات.
أما عضو مجلس النواب الحالى فإن اللائحة الجديدة لمجلس النواب وضعت عدة شروط لرفع الحصانة عن النائب داخل المجلس منها مثلا إذا كان مقدما من إحدى الجهات القضائية فيجب أن يكون مقدما من النائب العام أو المدعى العام العسكرى بحسب الأحوال، وأن يبين الطلب الواقعة المنسوبة للعضو المطلوب رفع الحصانة بسببها والمواد الموثقة لهذه الشروط.
وأن يتضمن الطلب أوراق القضية ومستنداتها وأن يبين رقم القضية المقيدة ضد الأعضاء، وما اتخذ فيها من إجراءات، أما إذا كان الطلب مقدما ممن يريد إقامة دعوى مباشرة، فعلى الراغب فى إقامتها أن يقدم طلباً برفع الحصانة مرفقا بصورة عريضة الدعوى المزمع إقامتها مع المستندات المؤيدة لها ومبين فيها على وجه الوضوح الواقعة المنسوبة للعضو ولا يعتبر طلبا بالإذن برفع الحصانة ما لم يستوف الشروط.
«وفى يونيو الماضى رفض مجلس النواب طلب رفع الحصانة عن النائب عبدالرحيم على بناء على الطلب المقدم من النائب العام فى القضية رقم 4137 لسنة 2015 إدارى الدقى والمقيد برقم 65 لسنة 2016 فحص المكتب الفنى بشأن الشكوى المقدمة ضده من أحد المواطنين.
ورأت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية برئاسة المستشار بهاء الدين أبوشقة فى تقريرها المقدم إلى المجلس أن الطلب المقدم من النائب العام بشأن الإذن باتخاذ الإجراءات الجنائية تجاه عضو المجلس انتهى مكتب المجلس من استيفائه الشروط الشكلية للائحة المجلس الداخلية وإحالته إلى اللجنة.
واستعرضت اللجنة مواد الدستور والقانون فى هذه القضية وانتهت إلى أنه لم يثبت من الأوراق وجود علاقة بين المقال الذى كتبه الصحفى مصطفى حمزة والنائب عبدالرحيم على باعتباره رئيس تحرير الجريدة التى نشرت المقال موضحة أنه لم يثبت معرفته بمضمونه أو مشاركته فيه أو توجيهه بالنشر.
وأوضحت أنه لم يظهر أمام اللجنة وجود علاقة تشير إلى ارتكاب الجريمة الجنائية المطلوب بسببها رفع الحصانة.
وقال عبدالرحيم على إنه يمارس مهنة الصحافة منذ أكثر من عشرين عاما، وقال إنه تم رفع أكثر من مائة قضية عليه نال فيها البراءة، مشيرا إلى أن القضية المعروضة تخص إحدى مقالات الرأى وقال إنه لا يجوز لرئيس التحرير الحجر على رأي.
وفى يوليو هذا العام رفضت اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب طلب رفع الحصانة عن سعيد حساسين عضو مجلس النواب الذى تقدم به النائب العام إلى البرلمان للتحقيق معه فى اتهامات موجهة للنائب بشأن انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
وقال بهاء أبوشقة رئيس اللجنة إن اللجنة رأت توافر الكيدية فى البلاغات المقدمة من الشاكي، وأن الشاكى مصطفى محمد إمام صاحب كتاب عن الحجامة اتهم النائب سعيد حساسين بأنه اقتبس من كتابه دون الإشارة إليه وذلك عام 2010.
وأضاف: تلك الدعوى تم حفظها إلا أنه أعيد تجديدها بعد انتخاب سعيد حساسين بالبرلمان.
وفى شهر أبريل الماضى قرر مجلس النواب برئاسة الدكتور على عبدالعال حفظ الطلب المقدم من أحد المحامين بإذن رفع الحصانة عن النائب على عبدالونيس عضو مجلس النواب عن دائرة دار السلام لرفع دعوى مباشرة ضده أمام المحاكم الجنائية لعدم استيفائه الشروط اللائحية اللازمة.
وقال الدكتور على عبدالعال إن هيئة مكتب مجلس النواب رأت حفظ طلب إذن رفع الحصانة عن على عبدالونيس لعدم استيفاء الطلب، حيث لم يرفق به عريضة الدعوى المقامة ضد النائب.
عصام الإسلامبولى الفقيه الدستورى قال لنا: حصانة عضو مجلس النواب تنقسم إلى قسمين، حصانة إجرائية وحصانة موضوعية، الإجرائية بمعنى لابد من حصول أى مواطن يريد إقامة دعوى ضد عضو مجلس النواب على إذن من المجلس لإقامتها وألا يصدر الحكم برفض الدعوى لعدم الحصول على هذا الإذن.
أما الحصانة الموضوعية فهى لا يسأل عضو المجلس عما يقوله أثناء مباشرته لعمله داخل البرلمان، وحتى وإن تجاوز داخل البرلمان لا ينتهى عمله ويجوز أن تقام دعوى ضد تجاوزاته داخل البرلمان شرط أن يكون خارج البرلمان أى انتهاء عضويته وألا يكون قد مر على واقعة هذا التجاوز ثلاث سنوات.
وأكد الإسلامبولي: لا حصانة لعضو مجلس النواب عند القبض عليه فى حالة تلبسه بوقوع الجريمة كجريمة القتل والرشوة والاختلاس.
كما لا حصانة لعضو مجلس النواب فى قضايا التعويض التى تقام ضده والدعاوى التأديبية التى ارتكبها أثناء عمله قبل دخول البرلمان، وقامت النيابة الإدارية بإحالته للمحاكمة التأديبية.
ويرى الإسلامبولى ضرورة استخدام عضو مجلس النواب الحصانة فى مكانها بأن تكون هناك حماية لعضو البرلمان داخل البرلمان ولا تمتد إلى غير ذلك، ولهذا يجب أن نعيد النظر فى مادة حصانة عضو البرلمان فى قانون الإجراءات الجنائية حتى لا تستغل الحصانة فى أشياء مخالفة.
أما المستشار عادل فرغلى الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإدارى بمجلس الدولة فقال لنا: إذا كان عضو مجلس النواب قام بسب وقذف مواطن على الهواء وأمام مجموعة من المواطنين يكون هنا فى حالة تلبس ارتكاب جنحة سب وقذف.
وهنا يجب على محكمة الجنح أن تحكم فى القضية لأنه كما يقول رجال القضاء الجريمة متلبس بها.
وفى هذه الحالة لا تحتاج إلى مخاطبة النيابة للتحقيق أو إقامة دعوى وتقديم طلب لمجلس النواب لرفع الحصانة.
وأكد المستشار عادل فرغلى أن حصانة عضو مجلس النواب يجب أن توضع فى حجمها الطبيعى وأن العضو حصل على الحصانة لكى يؤدى عمله داخل المجلس بحرية كاملة وألا يكون تحت تهديد السلطة التنفيذية «الحكومة» فى حالة انتقاده لأدائها.
وفى المقابل فإن الدستور المصرى يقول إن المواطنين أمام القانون سواء، وبالتالى لا يجوز أن يحصل عضو مجلس النواب على ميزة عن باقى الشعب فهو مواطن مثل باقى المواطنين.
وللأسف - كما يقول المستشار فرغلى - إن بعض أعضاء مجلس النواب يفهمون الحصانة خطأ فهو حاصل عليها من أجل مصلحة الشعب وليس لمصلحته الخاصة، وبالتالى لا يجب أن نتجاوز عن سلوكياته وأخطائه تجاه أى مواطن بحجة أنه عضو مجلس نواب، وإذا كان قانونا دستوريا لا يجوز أن أتقدم بقضية ضد عضو مجلس النواب دون الحصول على إذن من المجلس، ولا يجوز أن تنفذ أحكام حبس صدرت ضد عضو مجلس النواب فى القضايا المدنية مثل قضية الشيكات، فأنا أطالب بوضع ضوابط وقيود على الحصانة.