د. جابر نصار هرب من أزمة المسيحيين الـ 9 بـ«خانة الديانة»

رحمة سامي
منذ أسبوع تقريبا، استيقظت مصر على قرار أثار دهشة وتساؤلا صاخبا، حيث قرر رئيس جامعة القاهرة د. جابر جاد نصار إلغاء خانة الديانة من الأوراق والمستندات التى يتم التعامل بها داخل الجامعة، وهو القرار الذى تدعمه «روزاليوسف» بقوة تأكيداً على مدنية الدولة والتخفيف من بشاعة العنصرية والتمييز على أساس دينى، لكن لماذا صدر هذا القرار الآن؟ وهل تحتوى بيانات أوراق التعامل بالجامعة على خانة الديانة فعلا؟ وإذا لم يكن أى من هذا صحيحا فهل لعب د. نصار على أشد الأوتار حساسية- الفتنة الطائفية- بما لا يبدو مقبولا من رئيس جامعة مهما كان حسن النية؟
7 سبتمبر 2016
تقدم الطالب مينا نادر، للالتحاق بالدراسات العليا فى «معهد الدراسات الإفريقية» وتحدد يوم المقابلة الشخصية 5 أكتوبر الجارى، ورسب ومعه 9 آخرون مسيحيون، بعدها كتب مينا على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ما هو نصه:
جامعة القاهرة تطلب منى إجبارياً ذكر «ديانتى، طائفتى، ومذهبى».. لذلك صدر القرار ذو التوقيت العجيب!
ليه هيئة علمية بحثية محترمة تسأل سؤال زى ده؟! طيب «لو بعد الشر مسيحى» طايفته ومذهبه «قبطى، مارونى، سريانى»- «أرثوذوكسى، كاثوليكى، بروتستانتى»، مُهمين عندهم فى إيه؟!
يا ترى مين ممنوع غيرنا؟ مين معتنقى الديانات والطوايف والمذاهب الممنوعة أصلاً؟! وليه؟!
حادثة التمييز الدينى الطائفى المذهبى دى تبدأ من وقت ما قدمت أوراقى لطلب الالتحاق بالدراسات العليا فى «معهد الدراسات الإفريقية» «وافتكروا الاسم كويس».. يوم 7 سبتمبر 2016 لدفع الرسوم، وتحديد يوم المقابلة الشخصية يوم 5 أكتوبر 2016.
مهم هنا نقول ليس هناك معيار موضوعى للاختيار فى المقابلة الشخصية مُرقم فى درجات.. وده اللى موجود فى لايحة الكلية!!
يا ترى مين هيسأل بعد كل ده إحنا ليه جامعاتنا وكلياتنا فى آخر قوائم أرقى وأرفع الجامعات؟!
يرضيكم ده يبقى مصير جامعة فؤاد الأول اللى بيرجع تاريخ تأسيسها لما يقرُب من 200 سنة؟!
إيه قيمة الرسائل والبحوث العلمية، دكتوراه وماجستير اللى هتصدر من جامعة القاهرة اللى بتطبق النظام ده؟! العالم الحر والمتقدم هيشوفنا إزاي؟ أنا مُصمم إن فى غلط حصل فى حقى وقت ما سقطونى ظلم».
استنادا لما كتبه مينا نادر يبدو قرار د. جابر نصار ضربة استباقية للتغطية على الواقعة، فبعدها - 11 أكتوبر 2016 - أصدر رئيس جامعة القاهرة قرارا بإلغاء خانة الديانة من جميع الشهادات والمستندات والأوراق التى تصدرها أو تتعامل بها جامعة القاهرة مع طلابها أو العاملين بها أو أعضاء هيئة التدريس أو الهيئة المعاونة أو الغير على أى وجه كان، وفى جميع الكليات والمعاهد والمراكز سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا، ملزمًا جميع الجهات المختصة بالجامعة بتنفيذ القرار اعتبارًا من تاريخ صدوره.
القرار استمد شرعيته من دستور عام 2014 وعلى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات والقوانين المعدلة له، وفور صدوره قامت الدنيا ولم تقعد، بين مؤيد يدعمه انطلاقا من أن القرار يمثل خطوة شديدة الأهمية فى تأكيد مدنية الدولة وعدم التمييز بين المصريين على أساس دينى، ومعارض ينتمى غالبا لتيارات متشددة تحتكر الدين وتصر على أن تجعل منه نقطة فراق وعصبية قبلية، فمن المؤيدين اعتبر د. محمد حمزة، عميد كلية آثار جامعة القاهرة أن القرار متميز وصائب ويحتاج إلى دعم من خلال زيادة الوعى وتدخل دور المؤسسات الدينية سواء الأزهر أو الكنيسة، والأهم بالطبع هو دور الإعلام، فإذا كان الإسلام حث على احتواء أصحاب الديانات السابقة عليه ولم يكن هناك تمييز به وأشار إلى الديانات السابقة عليه وعدم اكتمال إيمان المسلم دون إيمانه بالأنبياء السابقين ودياناتهم.
كما أن ترسيخ روح المواطنة شيء ضرورى، خاصة مع الاستهداف الذي تواجهه مصر من الخارج، فلابد من تقليل الأزمات الداخلية المتعلقة بالتمييز العنصرى والدينى، القرار سيمنع اللجوء لارتداء الرموز الدينية وغيرها، ويمكن طرح مثال على هذا الأمر بفتاة تخرج من أسرة ترتدى الحجاب الإسلامى فتقوم بارتداء الحجاب دون اقتناع ووعى، وعند دخولها مرحلة المراهقة والاصطدام بعالم الجامعة تبدأ بتصرفات منافية للحجاب.
وقد بدأنا بدعم القرار من خلال حفلات استقبال الطلاب الجدد وطرح الأمر عليهم والتنديد بالتمييز الدينى بينهم، كما نشرناه فى الكلية ووزعناه على المسئولين.
د. ليلى سويف، عضوة حركة 9 مارس وصفت القرار بالمحمود قائلة: «لا يوجد معنى لوضع خانة الديانة فى تعاملات وأوراق الجامعة، وإذا كان واردا الجدل بلزوم وجودها داخل السجل المدنى لعلاقات الزواج فليس هذا إلزاما بوجودها داخل المنظومة التعليمية والتعاملات مع الطلاب وغيرها فهو قرار فى موضعه، فالتمييز له شق رسمى وشق علنى وشق اجتماعى وشق من تحت الترابيزة، فارتداء ما يشير إلى مظاهر التدين فإن أحدا يريد أن يظهر أنه مسيحى فى مظهره أو ملبسه والعكس من جانب المسلمين ليس بالأمر مشكلة فهى طبائع الأموار، ولكن تكمن المشكلة فى التفرقة بين الناس وبعضها على هذا الأساس الدينى، نحن فى مرحلة بها تمييز مؤسسى وعلينا أن نتخلص منه.
كما صرح أحد نواب البرلمان بأن المجلس لن يوافق على حذف خانة الديانة من معاملات الجامعة.
وتضامن مع القرار أربعة أحزاب و20 منظمة و200 شخصية عامة، ومن الذين عارضوا القرار د. ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية، الذى اتهم د. نصار بتنفيذ أجندة أجنبية، وسأل الله أن يهدى رئيس جامعة القاهرة أو ينتقم منه، ورد عليه نصار بأنه يختصم د.برهامى أمام الله، وأضاف لقنوات فضائية أن ذكر خانة الديانة ببعض الأوراق الجامعية عرف فاسد بالجامعات المصرية، واعتبر القرار علاجا لأمراض التمييز العنصرى فى العملية التعليمية.
السؤال: ما هى الأوراق التى تطلبها الجامعة فيها خانة الديانة؟
الإجابة: لا يوجد
د. أشرف الشيحى وزير التعليم العالى والبحث العلمى اعتبر قرار د. جابر نصار كلاما يحدث فتنة ولا داعى له لأن الجامعات لم تدرج خانة الديانة، ولا توجد فى الجامعات ورقة واحدة يطلب فيها معرفة الديانة حتى شهادات التخرج بدون ديانة، وإذا كان شىء من ذلك يحدث فى جامعة القاهرة، فالمؤكد أنها حالة استثنائية.
القرار فتح باباً لتساؤلات محرجة كما فعل أحد الطلاب فى ندوات عقدتها الجامعة وسأل د. نصار: إذا كنت تحارب التمييز على أساس دينى فعلا، فلماذا لا توجد كنيسة داخل الجامعة مثلما يوجد الجامع؟!
د. جابر سبق أن أغلق عددا من الزوايا وهدم مسجد كلية التجارة وأقام مسجدا كبيرا جواره.
مهاب سعيد محامى برنامج الحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير قال لروزاليوسف: الأزمة بدأت بمشكلة الطالب مينا نادر الذى تقدم لطلب الدراسات العليا فى معهد الدراسات الإفريقية، وفؤجى فى ورقة التقديم بخانة تحديد الديانة وأخرى تطلب تحديد الطائفة، تم رفضه فى التقديم ومعه 9 آخرون مسيحيون، فى حين أن المادة 53 من الدستور تمنع الكراهية والتمييز، كذلك المعاهدة الدولية للإعلان العالمى للحقوق المدنية والسياسية، هذا الإعلان يحتوى على شق التميز الدينى والذى ينص على أنه لا يجوز التمييز الدينى، كما استبعد الإعلان العالمى لحرية التعليم التميز العرقى أو الدينى.
ورقة الدراسات العليا- يواصل مهاب سعيد - هى ما أثارت الأزمة، لكن الطبيعى لا يجوز أن تطلب ذكر ديانة الطالب وهناك ضرورة اجتماعية بعدم ذكرها فى الأورق التعليمية، أى أن رئيس الجامعة د. جابر نصار أصدر القرار للتغطية على أزمة الطالب مينا نادر والـ9 مسيحيين الآخرين.
وفيما أكد د. جابر نصار تشكيل لجنة وتم استرجاع الطلاب المرفوضين جميعًا، قال لنا مينا نادر إنه لم يتلق أى اتصال أو خطاب رسمي حتى الآن بتعديل قرار رسوبه.
د. صلاح فوزى الفقية الدستورى، وأستاذ قسم القانون العام بكلية الحقوق قال لنا: رئيس جامعة القاهرة لم يقم بفعل جديد، فالتعاملات والأوراق التى يتم التعامل بها داخل الجامعات المصرية كلها ليس بها ذكر خانة الديانة، فهو ليس قرارا إنما زوبعة، والمستند الرسمى الوحيد الذى يذكر فيه الديانة هى شهادة الميلاد التى تلحق بأوراق الطلاب والعاملين بالجامعة يذكر بها الديانة بالتبعية للسجل المدنى وبطاقة الرقم القومى، لكن إذا تقدم طالب فى الجامعة للحصول على رسالة الدكتوراه أو الدرسات العليا أو حتى طلب الالتحاق بالجامعة لن يطلب منه ذكر الديانة.
وعليه- والكلام للفقية الدستوري- فإن تصريح د. نصار والذى لا يعد قرارا لرئيس جامعة القاهرة يمكن أن يأتى نتاج واقعة حدثت فى الجامعة مرتبطة بهذا الأمر فقام رئيس الجامعة بلفت الانتباه إلى أنه لا يتم طلب ذكر الديانة بالأوراق داخل الجامعة، لكن الأكيد أن هذا ليس قرارا صادرا بتاريخه فهو أمر طبيعى يحدث بالفعل وفقط يمكن أن تكون جامعة القاهرة وجدت أنه لابد من التنويه على حدوثه لواقعة ما.
كما أن نص القرار الصادر عن الجامعة والمستندات والتعاملات المشار إليها بالفعل لا يتم فيها طلب تحديد الديانة، وفى الجامعة ليس لنا علاقة بتلك التفرقة على أساس الدين.