الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جيهان - جمال - الكفراوى خالفوا وصية «السادات»

جيهان - جمال - الكفراوى خالفوا وصية «السادات»
جيهان - جمال - الكفراوى خالفوا وصية «السادات»


لم تكن سانت كاترين بالنسبة للخديو إسماعيل مجرد رمز دينى فقط ومهبط للرسالات السماوية، وكذلك بالنسبة أيضا للرئيس الراحل أنور السادات، فقد كان لكل منهما حلمه الخاص بها.
الخديو إسماعيل كان يحلم بالإقامة بها لسبب صحى، حيث أصيب فى أواخر أيام حكمه لمصر عام (1879)، قبل أن يستبعده السلطان العثمانى وينفيه خارجها بالتهاب رئوى حاد يتطلب جواً جافاً، بالبحث عن أنسب الأماكن لتلك الظروف الصحية، لم يجدوا أفضل من سانت كاترين التى أجرى بها اختباراً لقياس درجة جفاف الجو، حيث تم نشر رقائق من اللحم على جبالها - سواء (جبل سانت كاترين) أو (جبل موسى) - وتركوها لمدة ثلاثة أشهر ليتأكدوا من تجربتهم بعد أن وجدوا لون اللحم لم يتغير، مما يعنى جودة الجو فى تلك البقعة وصلاحيتها للأمراض الصدرية.
 وقتها أمر الخديو ببناء قصر له فى تلك المنطقة ليقضى فيه بقية عمره وحكمه للبلاد، إلا أن القدر لم يمهله ذلك وتم استبعاد البلاط السلطانى له من حكم مصر بعد أن تراكمت الديون وازدادت الأحوال الاقتصادية سوءاً فى البلاد، وتم نفيه خارج مصر، وتحديداً فى (نابولى) بإيطاليا بعد أن رفض السلطان العثمانى طلب إسماعيل بأن تكون الآستانة بتركيا - مقر الدولة العثمانية - منفاه. أما السادات فكان هدفه من وراء اختياره لسانت كاترين مقراً لواحدة من أهم استراحاته فى مصر سياسياً بحتاً، ولا مانع أن يغلفه المظهر الدينى. اختيار السادات لسانت كاترين لإقامة استراحة بها جاء بعد تحرير سيناء واتفاقية كامب ديفيد عام (1979) م، وليؤكد سيادة مصر على سيناء وتحديداً على سانت كاترين التى كانت إسرائيل تود اعتبارها كياناً تحت سيادتها، وهو ما حاولت فيه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى حرب أكتوبر المجيدة عام (1973) م، حيث جاءت قبل الحرب بحوالى ثلاثة أشهر لتلتقى بالأنبا داميانوس مطران دير سانت كاترين، وتطلب منه إنزال العلم المصرى من على الدير ورفع العلم الإسرائيلى بدلاً منه، إلا أن ذلك الرجل شديد الوطنية رفض تماماً، مؤكداً لها أن كاترين أرض مصرية وستظل أرضًا مصرية.
السادات الذى اختار سانت كاترين لأسبابه السياسية، لم يكن يريد أن يبتعد بها أيضاً عن قدسيتها الدينية كمهبط للرسالات وكمكان تجلى فيه الجبل الذى خر عندما طلب موسى (عليه السلام) من الله (سبحانه وتعالى) أن يكلمه.
حلم الاستراحة لم يكن فقط هو الحلم الذى يربط بين السادات وتلك البقعة الطيبة من الأرض المصرية التى عشقها، وإنما وصلت درجة حرارة العشق عنده لهذا المكان أن يدفن فيه، وهو ما أوصى به حسب الله الكفراوى وزير إسكانه بأن يبنى له قبراً فى (وادى الراحة) وهو نفس مكان استراحته المقابل لـ(جبل موسى) لأنه يريد على حد قوله - (السادات) - أريد أن أدفن فى هذا المكان الطاهر الذى كلم فيه (موسى) (عليه السلام) ربه وسارت فيه العائلة المقدسة (عيسى ومريم) (عليهما السلام) ومر به سيد الخلق (محمد) (صلى الله عليه وسلم)، كما طلب من (الكفراوى) أن حلمه سيكتمل إذا تم بناء مجمع للأديان فى تلك المنطقة لتكون رمزاً للتسامح والسلام ونبذ الخلافات بين البشر، كنموذج لمجمع الأديان الموجود بمنطقة (عمرو بن العاص) بالقاهرة. ورغم الأحلام الساداتية الثلاثة، فإن اثنين منها - للأسف - لم يتحققا وهما (القبر) و(مجمع الأديان) الحلم الأول وجدت أسرته أنه بعيد ولا يتيح لهم زيارته بشكل مستمر، والحلم الثانى مات السادات قبل أن تبدأ مرحلة التنفيذ.
أما حلم الاستراحة فتحقق على أرض الواقع وتم بناؤها بـ(وادى الراحة) وصنعت على مساحة (150) مترًا مربعًا من الخشب وتتكون من غرفة نوم وقاعة طعام ومكتب ومطبخ وحمام، ولم يزرها السادات إلا (6) مرات فقط، الأولى كانت عام (1979)  بعد تحريرها و(3) مرات فى رمضان  (79) و(80) و(81) و(مرتين) قبل عيد الأضحى عامى (79) و(80)، حيث كان السادات يفضل الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان فى (سانت كاترين) منذ تحريرها فى (79) وحتى وفاته فى (81)، كما كان يفضل قضاء الأربعة الأيام التى تسبق عيد الأضحى هناك أيضاً صائماً متعبداً. المكان الذى عشقه السادات والحلم الذى كان يعتبره من أهم أحلامه الشخصية غدرت به أيادى المسئولين والعوامل الجوية، حيث أتلفته الرياح بعد الإهمال الشديد الذى تعرض له، خاصة أن الاستراحة من الخشب وتحتاج إلى صيانة دورية من طلاء ورش مبيدات لحمايتها من القوارض والحشرات. الاستراحة التى كانت بمثابة قبلة زوار سانت كاترين للتعرف على تاريخ مصر من خلال بيت أحد حكامها المهمين الذين غيروا وجه مصر والعالم بحرب أكتوبر المجيدة (1973) م، للأسف أصبحت كياناً مهجوراً تسكنه القوارض والحشرات والعنكبوت، وتجردت تماماً من أشكال الحياة، فسريره النحاس أصبح «كُهنة» يسكن المخازن ومكتبه الذى اتخذ فيه أهم قراراته المصيرية لصالح الوطن لم يعد يصلح حتى لأن يكون (ترابيزة) مطبخ وصوره التى أهملت وأتلفت وسجادة الصلاة والمصحف والتليفون ومتعلقاته الشخصية كلها أصابتها يد الإهمال التى لم تعد تعبأ بتاريخ الوطن.