العلاج بأعشاب «جلا جلا»!

رحمة سامي
فى فيلم «النوم فى العسل» ثمة مشهد عبقري.. يصطف طابور طويل من الرجال أمام عطار بعد تفشى الضعف الجنسى لسبب غير معلوم، ليبتاعوا «خلطة فى قرطاس» تعيد لهم الفحولة الضائعة، بعد أن عجز الأطباء عن تحديد أسباب «الشوطة التى ضربت الرجال»، ومن ثم لم يعرفوا العلاج.
أحد «العشمانين» بليلة حمراء، حصل على «قرطاس» وسدد الثمن، ثم أخذه بيمينه ليطلب واحدًا ثانيًا لأنه متزوج من اثنتين، فأجابه العطار: «كفاية واحد تبوس بيه»، فالطلب فوق العرض، وليس ممكنًا أن يحظى مريض بقرطاسين فى حين أن آخرين ينتظرون.
إن الكوميديا تضخم المفارقات، ومن دون ذاك التضخيم، لا يمكن أن تصنع الضحكة، لكن هذا المشهد يبدو أنه صار واقعيًا مع ارتفاع أسعار الدواء، فمصائب المرضى عند العطارين فوائد.
حسب تقديرات غير رسمية فإن عدد العطارين فى مصر يبلغ 10 آلاف عطار، معظمهم يصفون الوصفات العلاجية، وهناك إقبال كثيف عليهم ذلك لأن قطاعًا كبيرًا من المرضى يتعاملون مع الأعشاب وفق قاعدة «إذا لم تنفع فلن تضر»، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالكمون المغلى مثلا، رغم فوائده لحالات الانتفاخ المعوي، يضر مرضى الكلى ضررًا بالغًا، فليست كل عشبة تصلح لكل حالة.
أحد العطارين فى منطقة «الحراز» يصر على وصف نفسه بـ«طبيب أعشاب»، يرتاد دكانه نسبة معتبرة من سكان دار السلام، الذين يمتدحون علمه الواسع الغزير.. لكن هذا العلم المزعوم لم ينفع طالبة تدعى إيمان أحمد، فقد لجأت إلى العطار لعلاجها من اضطرابات القولون، فأعطاها خلطة تحتسيها بعد النقع ثلاث مرات يوميًا، غير أن النتائج كانت كارثية.
تقول إيمان: ثمن الخلطة كان 15 جنيها فقط، وكان مكتوبًا عليها أن مكوناتها تتمثل فى «اليانسون وأزهار البابونج والكمون وحشيشة الهر، وثمار العرعر، وزيت الزيتون والقرنفل وحشيشة النحل وحصا اللبان».
وتضيف: «واظبت على تناول الخلطة لكن نتائجها كانت إصابتى بتقلصات فوق القدرة على التحمل، هرعت إلى طبيب فشخص حالتى بأنها التهاب بجدار المعدة، ثم طلب منى التوقف عن تناول ما لا أعرف».
العطار ذاته يقول إن لديه خلطة تنقص الوزن، ويزعم أنه حاصل على دكتوراة فى «طب العطارة»، وردًا على سؤال قال: يأتى إلينا الأشخاص طالبين بعض الخلطات الخاصة بالتخسيس والأمراض المزمنة كالقولون والكبد وحصى الكلى وخلطات خاصة بتساقط الشعر والعجز الجنسى وغيرها من الشكاوي.
ويضيف: «أنا أعمل الخلطات جميعها من الأعشاب الطبيعية وأحترف هذا المجال منذ 13 عامًا وحصلت على شهرتى من خلال وصفات الأمراض المزمنة والتخسيس، موضحًا أنه حصل على لقب دكتور من خلال كورس حصل عليه داخل كلية الصيدلة شعبة العطارين، ولكن استفادتى الحقيقية أتت من الممارسة وليس من الكورس».
وأشار إلى أن معظم الخلطات التى يذاع صيتها يقوم بتسجيلها بوزارة الصحة وآخرها خلطة تمنع ظهور الشعر وتقتل البصيلة تمامًا، مع توضيح أن الفئة العمرية الأكثر إقبالا على الأعشاب هى من سن 20 لـ 25 ومن الإناث بشكل الخاص.
وفى النهاية وصف «طبيب العطارين» لى خلطة من 13 عشبًا زاعمًا أنها تؤدى إلى فقدان 3 كيلوجرامات من الوزن كل أسبوع.
وأكد رجب العطار، رئيس شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية أن الأعشاب الطبيعية تستخدم كمكون رئيسى فى المستحضرات الدوائية، إلا أن ما يتم تداوله عند العطارين بزعم أنه يشفى من الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وغيرهما، يصنف ضمن عمليات النصب على المواطنين.
كما حذر من تناول الأعشاب المنتشرة على الأرصفة لدى الباعة الجائلين، مؤكدا أن الأعشاب تنمو فى الصحراء وقد تحتوى على مواد سامة أحيانا، وتناولها عن جهل يودى بحياة المريض ويعرضه للخطر.
وفى السياق ذاته أكد أحد العاملين فى محلات سعيد حساسين الملقب بأفضل طبيب عشبى فى مصر والوطن العربى أنه يتم تقديم وصفات لكل الأمراض المزمنة وغيرها فهناك وصفة لفيروس بى للكبد وأخرى لعلاج الكلى وعلاج القولون والبواسير.
الصيدلى أحمد عبدالراضي، بمنطقة دار السلام أكد أنه بالفعل بعد ارتفاع سعر الدواء ازداد عدد المواطنين المتجهين إلى الخلطات العشبية خاصة الخلطات المرتبطة بأمراض القولون والكبد والتخسيس والمسالك البولية، وهناك ارتفاع ملحوظ فى أسعار الأدوية الخاصة بها، فى المقابل لا يزيد سعر الخلطة العشبية على عشرة جنيهات فقط، والعطارون يبيعون الوهم فى الخلطة، ويطلقون على أنفسهم ألقابا حسب الهوي.
وقال الدكتور محمد رؤوف حامد، الخبير بهيئة البحوث والرقابة الدوائية: إن الخلطات العشبية لابد أن تكون لها فاعلية فى المعالجة الحقيقية للمريض ومأمونة بمعنى ألا تضر.. وهذا يتطلب الالتزام بالرقابة على الجودة بمعنى أن تكون المكونات المكتوبة على المستحضر من الخارج مطابقة بالفعل للمكونات الداخلية للمنتج دون إضافات.
وأكد أنه إذا لم يخضع المنتج العشبى للرقابة من قبل وزارة الصحة ستكون هناك فوضى والمنتجات العشبية المجمعة وليست الفردية لابد أن يتم تقنينها وإخضاعها للبحث العلمي، وادعاء العديد من محال العطارة فى مصر بامتلاك تركيبات لعلاج الأمراض المختلفة ما هو إلا فوضى تحدث أضرارا وتدل على غياب الأجهزة الصحية المسئولة فى الدولة.
وأشار إلى أن ما يقال عن وجود كورسات بكلية الصيدلة خاصة بشعبة العطارين ما هو إلا نصب واحتيال على المواطنين، ولا يوجد أمر بهذا الشكل، وهم يتعاملون بالفهلوة والذراع مستغلين طيبة المواطن البسيط.
فيما أكد الدكتور طارق عبدالفتاح، استشارى الأنف والأذن والحنجرة أن الحديث عن الخلطات العشبية كلام فارغ لأن اللجنة الفنية فى إدارة الصيدلة بوزارة الصحة لا تقر الأعشاب كعلاج وإنما تقر بعض الأعشاب كمكمل غذائى فقط، لافتًا إلى أن الوصفات يقرها معهد التغذية فقط وتتداول فى الأسواق بشكل مسجل لا يكون لها ضرر على الإطلاق.
وأوضح أنه لا يوجد ما يسمى شعبة العطارين فى كلية الصيدلة، وإنما توجد شعبة النباتات ولا تتم دراسته كفرع إنما يُدرس مع باقى الشعب، كما توجد شعبة إدارة المكملات الغذائية فى نقابة الصيادلة تحوى جميع الأعشاب والزيوت حتى أنواع العسل المختلفة، وقطاع التفتيش بوزارة الصحة يشرف على مصانع الأدوية فقط وليس العطارين.