السبت 6 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أصوات من الجنة

أصوات من الجنة
أصوات من الجنة


 أصوات ملائكية، تحمل عبير القرآن الكريم، ومسك تلاوته وتجويده.أصوات لم تكن تبحث يوماً عن الشهرة أوالمال، مثل مقرئى هذه الأيام بل ظل همها الأول رضى الله والفوز برحمته.
هم (سفراء الله) بمعنى الكلمة.. مكانتهم القرآنية دفعت ملوك ورؤساء دول العالم  للاحتفاء بهم وتقديرهم حق تقدير.
فلا ننسى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد حين استقبله الرئيس الباكستانى ضياء الحق، وسط جمع شعبى فى المطار لا مثيل له، وكذلك ملك المغرب محمد الخامس، والذى كان يسعد دائما بصحبته عندما يكون فى مصر، أو عندما يكون الشيخ فى المغرب، لدرجة أنه عندما يكون الملك فى القاهرة يسارع إلى المسجد قبل الصلاة بـ40دقيقة للاستماع إلى صوت «عبدالباسط». ومن ينسى عمال غزل المحلة والذين زاد عددهم عن 1000عامل، عندما حملوا سيارة الشيخ مصطفى إسماعيل على الأعناق حباً وتقديراً له عند إحيائه أحد المآتم بالمحلة وتنازله عن أجره، والشيخ محمد صديق المنشاوى الذى استقبله الرئيس الأندونيسى أحمد سوكارنوا، واصطحبه معه فى سيارته ومنحه وسام الاستحقاق.
الشيخ المنشاوى الذى رفض طلب الإذاعة له بالمثول أمام لجنة الاختبار لاعتماده مقرئاً بها، لدرجة أن مدير الإذاعة وقتها - عام 1953- أرسل له طاقم الإذاعة كاملاً (النجرة) - جهاز التسجيل - والمذيعين والمهندسين والفنيين إلى أحد الأماكن التى كان يتلو فيها القرآن للتسجيل له واعتماده، إلا أنه ظل مصراً على عدم التعامل مع الإذاعة حتى أقنعه أحد أصدقائه وهو اللواء عبدالفتاح الباشا بأن رفضه ليس له أى مبرر فوافق على التعامل مع الإذاعة، وظل مقرئاً بها حتى وفاته، ومن المواقف الجلية التى عاشها الشيخ «المنشاوي» خارج مصر موقفه الذى لا ينساه فى أندونيسيا عندما دعاه الرئيس الأندونيسى أحمد سوكارنو فى الستينيات لإحياء الليالى الرمضانية هناك.
 المنشاوى وصف وقتها الشعب الأندونيسى بأنه أهل القرآن حيث كان يستقبل فى كل ليلة أكثر من 50 ألفاً ما بين جلوس ووقوف يستمعون إلى القرآن وهم يبكون فى الساحة الكبرى التى يقرأ فيها المنشاوى القرآن.
كانت أول زيارة للشيخ عبدالباسط عبدالصمد خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1951 إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج ومعه والده فطلب منه السعوديون أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة تذاع عبر موجات الإذاعة ولم يتردد الشيخ عبدالباسط وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التى سجلت بالحرم المكى والمسجد النبوى الشريف، لقب بعدها بصوت مكة. ثم تعددت الزيارات ما بين دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام.
وكانت تستقبله شعوب دول العالم استقبالا رسمياً على المستوى القيادى والحكومى والشعبى حيث استقبله الرئيس الباكستانى فى أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة.
وفى إندونيسيا عام 1955 قرأ القرآن بأكبر مساجدها فامتلأ المسجد بالحاضرين وامتد الحضور خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع ليمتلئ بدوره الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفاً على الأقدام من بعد صلاة العشاء حتى مطلع الفجر .
وهو نفس ما حدث فى ماليزيا عام 1965 افتتح الشيخ «عبدالباسط عبدالصمد» مسجداً بالعاصمة كوالالمبور. والتى حضرها أيضا ربع مليون مسلم استمعوا فيها إلى تلاوات مباركة لآيات الذكر الحكيم..
وفى الهند دعى لإحياء احتفال دينى كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك، وفوجئ الشيخ «عبدالباسط» بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد أحنوا رءوسهم ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض بالدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وقد امتلأت عيناه هو الآخر بالدموع تأثراً بهذا الموقف المليء بالخشوع،كما زار الولايات المتحدة الأمريكية التى أسلم فيها على يديه عشرات الأمريكان تأثراً بتلاوته للقرآن.
فى عام 1960 رشحت وزارة الأوقاف الشيخ «محمود خليل الحصري» لمرافقة الرئيس «جمال عبد الناصر» فى زيارته لبعض الدول الإسلامية فى آسيا كالهند وباكستان وكان من المفروض أن يسبقه الشيخ «الحصري» إلى تلك الدول ليقرأ القرآن للمسلمين هناك فأرسلت وزارة الأوقاف خطاباً إلى سفارتها فى الهند تخطرهم بموعد وصول «الحصري» ليكون هناك من يستقبله إلا أن الشيخ فوجئ عند وصوله مطار «بومباي» بالهند بعدم وجود أحد ، فأصابه القلق ، ولم يدر ماذا يفعل إلا أن الله هداه لأن يستقل إحدى سيارات التاكسى ووقف بأحد الشوارع بوسط المدينة حائراً ينظر إلى الناس وهم كذلك ينظرون إليه وإلى عمامته وجبته وشكله غير المألوف بالنسبة لهم فأستوقف أحد المارة وأخذ يشير إليه بكلتا يديه بإشارات تعنى رغبته فى إرشاده عن مكان يبيت فيه فاصطحبه إلى أحد الفنادق وفور وصوله قام بإعطاء المسئولين عن الفندق خطاباً مدونا عليه بالإنجليزية اسم «صلاح العبد»  مستشارنا الثقافى فى الهند - آنذاك - ونقل للمسئولين بالفندق عن طريق لغة الإشارة رغبته فى الاتصال به وفعلا تم الاتصال  عن طريق التليفون الذى حضر بدوره إليه على الفور ليتنفس «الحصري» الصعداء، بعدها قرر ألا يسافر إلى أى دولة أجنبية أو عربية إلا بعد الإتصال  بالمسئولين بالسفارات المصرية حتى لا يقع فى نفس المأزق مرة أخرى ..
ومن الدعوات التى تلقاها للسفر خارج مصر ويعتز بها الشيخ «محمد محمود الطبلاوي»، دعوته التى تلقاها من اليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة فى تاريخ اليونان فى السبعينيات.. وكذلك الدعوة التى وجهت إليه من قبل المسئولين بإيطاليا عن طريق السفارة المصرية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة «روما» لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك . ولم ينس الشيخ «الطبلاوي» دعوة القصر الملكى بالأردن لإحياء مأتم الملكة « زين الشرف» والدة الملك «حسين»، حيث أقيم العزاء الرسمى بقصر رغدان بعمان.
الشيخ «مصطفى إسماعيل» هو الوحيد الذى حملت سيارته على الأعناق مثلما حدث مع الزعيم «جمال عبد الناصر» فى سوريا .. واقعة الشيخ «مصطفى إسماعيل» حدثت عام 1958 عندما طلب منه شابان فقيران توفى والدهما الذى أوصاهما قبل وفاته أن يستدعيا الشيخ «مصطفي» ليقرأ القرآن فى مآتمه، فلم يخيب الشيخ ظنهما واستجاب لهما، وعندما وصل الشيخ على مشارف البلدة إذا بآلاف العمال يقفون على الطريق وينتظرون وصول سيارته، ليستقبلوه بمظاهرة حب تفوق الوصف وبعد انتهائه من قراءة القرآن وأثناء خروجه من البلدة، فوجئ بعمال شركة «غزل المحلة» يرفعون السيارة التى يستقلها فوق أكتافهم تكريماً له وتعبيراً عن حبهم له، وبمجرد أن وجد الشيخ كل مظاهر الحب هذه  تنازل عن أجره محبة لهم.
عند افتُتاح الإذاعة المصرية عام 1934كان الشيخ «محمد رفعت» - قيثارة السماء -أول من افتتحها بصوته العذب، وقرأ: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا»، وقد استفتى قبلها الأزهر وهيئة كبار العلماء عما إذا كانت إذاعة القرآن حلالا أم حراما؟ فجاءت فتواهم بأنها حلال حلال، وكان يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن وهم فى الحانات والملاهي.
وقد تنافست إذاعات العالم الكبري، مثل: إذاعة برلين، ولندن، وباريس، أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لتستهل افتتاحها وبرامجها العربية بصوت الشيخ «محمد رفعت»؛ لجذب الكثير من المستمعين، وإكتساب أرضية جماهيرية لها عن طريق صوت الشيخ (رفعت)، الذى لم يعبأ يوماً بالمال والثراء، وكان يرفض دائماً مبدأ التكسَّب بالقرآن، وهو ما كان يجعله يعتذر عن العروض التى يكون المال وسيطاً فيها ،مثلما حدث  عام 1935 عندما عرض عليه الذهاب إلى الهند مقابل «15» ألف جنيه مصري، فاعتذر، فوسّط نظام «حيدر آباد» الخارجية المصرية، وضاعفوا المبلغ إلى «45» ألفاً ، فأصرَّ  على اعتذاره، مؤكداً أنه لايبحث عن المال ،لأنه والمال إلى زوال.
بعد التحاق الشيخ أبوالعينين شعيشع بالإذاعة تدفقت عليه الدعوات من الدول العربية والإسلامية، لإحياء ليالى شهر رمضان بها، من ضمنها دعوة إلى فلسطين، ليكون قارئاً بإذاعة الشرق الأدنى هناك - والتى كان مقرها يافا - لمدة ستة أشهر كان ذلك عام 1940 . المدير الإنجليزى للإذاعة المصرية هو من وجه  الدعوة له وقتها، والدعوة قبلها الشيخ «شعيشع» بسعادة بالغة كمكان جديد ينثر من خلاله عطر القرآن، وأتيحت له فرصة إفتتاح إذاعة «الشرق الأدني» يومياً بآيات الذكر الحكيم، وكذلك فى ختام الإرسال، كما سنحت له الدعوة فرصة التنقل - كل يوم جمعة - من  يافا إلى القدس لتلاوة قرآن الجمعة بالمسجد الأقصي. ولأنه كان وقتها صغير السن - 19 سنة - ومرتبطا بأهله ارتباطاً وثيقاً ، لأنه كان العائل لهم بعد رحيل والده رحمه الله، فلم يتحمل قسوة الغربة أكثر من شهر وفكر فى العودة إلى الوطن، إلا أن وثيقة السفر الخاصة به، كان يحتفظ بها المسئول عن الإذاعة بفلسطين فاستأذن منه ليعيدها له ليتمكن من السفر إلى القاهرة للإطمئنان على الأهل ثم العودة مرة أخرى إلى فلسطين، إلا أن المسئول كان يسوف الأمر دائماً حتى مل الشيخ «شعيشع» من الطلب فأصابه الحزن، إلا أن صديق له من يافا اسمه يوسف بك بامية فتح له طاقة الأمل برؤية الأهل عندما طمأنه بأنه سيتدخل لمساعدته على السفر وصدق فى وعده بعد أن أحضر له الوثيقة ومعها تذكرة القطار  من محطة اللد إلى القاهرة. الغريب والمضحك فى الأمر، أنه عندما وصل إلى القاهرة وفتح الراديو على إذاعة الشرق الأدنى ليطمئن على سير الأحوال هناك بعد سفره دون علم أحد، فوجئ بالمذيع يعلن عن الإستماع له بعد قليل - وهو فى القاهرة - ويقول: أيها السادة بعد لحظات سنستمع إلى الشيخ أبوالعينين شعيشع وما تيسر من القرآن الكريم . قالها المذيع أكثر من مرة وبعدها قال لعل المانع خير ثم أستطرد قائلا: ربما يكون قد حدث للشيخ حادث تسبب فى تأخره. كل هذا كان يحدث والشيخ «شعيشع» فى بيته بالقاهرة يستمع ويضحك، لكن - فى نفس الوقت - كان قلبه يدق قلقاً وعقله مضطرباً نظراً للمسئولية التى تركها - ولكنه فعل ذلك لشوقه إلى أهله وخوفه عليهم وهو عائلهم الوحيد - وراح يضرب أخماساً فى أسداس بسبب  التعاقد المبرم بينه وبين إذاعة «الشرق الأدني»، الامر لم يستغرق أكثر من أسبوع بعدها فوجئ «شعيشع» بطرق الباب، وكانت المفاجأة أن الطارق هو المدير الإنجليزى لإذاعة «الشرق الأدني» الذى جلس معاتباً إياه لسفره  بدون إذن، والمفاجأة الأكبر التى أعلنها له المدير الإنجليزى أنهم كانوا إتخذوا قرار الموافقة بسفره قبل علمهم بمغادرته هربا بساعات، وبدبلوماسية الحريص على قيمة بحجم «شعيشع» قال له: يا شيخ ممكن نأكل عندكم «ملوخية»؟، فقال له ممكن طبعاً وبعد أن أكل الملوخية من يد والدته والتى زادت الود بينهما، عاد «شعيشع» إلى فلسطين بصحبة المدير الإنجليزى ليكمل مدة العقد  بعد أن كان للملوخية سحرها على المدير الإنجليزي.
من المواقف التى عاشها الشيخ «عبدالفتاح الشعشاعي» خارج مصر والتى كان الشيخ «أبوالعينين شعيشع» طرفا فيها أيضا، عندما جاءت للأخير دعوة من القصر الملكى العراقى - نهاية الأربعينيات - بداية الخمسينيات، لإحياء مأتم المللكة «عاليا» بالعراق، الدعوة العاجلة تضمنت رغبة القصر فى ضرورة استقدام الشيخ شعيشع للشيخ مصطفى إسماعيل معه ليحييا المأتم سويا، إلا أن «شعيشع» بحث عن إسماعيل كثيرا فلم يجده، وكان الوقت لا يسمح بالتأخير فاتصل بالسفير العراقى بالقاهرة ليبلغه بصعوبة العثور على الشيخ «مصطفى إسماعيل» فطلب منه السفير التصرف فى إخيار البديل ووقع الاختيار على الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى - العلاقات وقتها كانت مقطوعة بين «مصر» و«العراق» - فتدخل فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك بإنهاء إجراءات السفر وعند الوصول إلى مطار بغداد كانت الصدمة التى أغضبت «الشعشاعي» والتى كادت تعيده إلى القاهرة فبمجرد نزولهما من الطائرة راح المسئولون - الذين استقبلوهما استقبالا رسميا - يتساءلون عن الشيخ مصطفى إسماعيل الذى كان قد نما إلى علمهم أنه القادم مع الشيخ شعيشع ولما استفسر الشعشاعى عما يحدث وعرف الحقيقة غضب غضبا شديدا أصر معه على مغادرة البلاد قبل دخولها حفاظا على ماء وجهه، إلا أن الشيخ شعيشع جاهد جهادا شديدا لإقناعه وإثنائه عن موقفه وكذلك كبار رجال الدولة الذين نجحت محاولتهم فى النهاية، وتم إحياء الليلة الأولى للمأتم الذى كان مقررا له ثلاث ليال الليلة الأولى للملوك والرؤساء والأمراء، والثانية لكبار رجال الدولة والثالثة لعامة الشعب بعد العودة من إحياء الليلة الأولى لم ينس الشعشاعى ما حدث له وأن استمراره هو بمثابة إهانة لكرامته وجرحا لمشاعره وعزة نفسه خاصة وأن شعيشع لم يخبره بحزئية «مصطفى إسماعيل» على الأقل ليكون على بينة ما يحدث وفى الفندق بعد الليلة الأولى فوجئ شعيشع بالشعشاعى يبلغه برغبته فى المغادرة وكان هذه المرة مصرا إصرارا شديدا فقال له هل يرضيك أن يقال عنك أنك ذهبت إلى العراق ورجعت لأنك لم توفق فى القراءة وأنك لم تعجب العراقيين فسكت وربت على كتف شعيشع وقال له: رغم أنك تصغرنى سنا، إلا أنك غلبتنى فكرا، ووافق على البقاء وإحياء بقية الليالى التى صنعت له جمهورا عريضا فى العراق وتم منحه وسام الرافدين. 