المليارات المنهوبة فى «الصحراوى»

محمد سعد خطاب
حرب تكويش.. هنا نفتح ملفات اثنين من الكبار، أولهما زلت قدمه مؤخرا، وأصبح على مرمى حجر من السجن أو رد ما نهب، وهو سليمان عامر الذى استدعاه جهاز الكسب غير المشروع الأسبوع الماضى لرد 1.25 مليار جنيه للمال العام، بعد عشرة أعوام من الصراخ فى البرية عن شبهة الصفقة الحرام التى حصل بموجبها على 750 فدانًا فى الطريق الصحراوى بسعر 50 جنيهًا للفدان، أما الثانى فلا تأتيه المساءلة من بين يديه ولا من خلفه، رغم أنه أحد أصهار الرئيس المخلوع الذى اقتادته الثورة إلى السجن.
وقائع القضية رقم 89 لسنة 2011 أموال عامة عليا، تبدأ بما جاء فى تقرير خبراء الكسب غير المشروع بعد فحص جميع عقود الأراضى التى حصلت عليها شركة مصر للتنمية الزراعية واستصلاح الأراضى إيمكو صاحبة مشروع جولف السليمانية والمملوكة لرجل الأعمال سليمان عامر.
فقد صدرت موافقة رقم 281 بتاريخ 31 مايو 88 بشأن تخصيص مساحة 1250 فدانًا بجهة غرب طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى بين علامتى الكيلو 55 والكيلو 56 لسليمان عامر وآخرين، لاستغلالها فى الزراعة فقط دون إقامة أى منشآت، ثم تقدم عامر وأسرته بطلب تخصيص300 فدان، وبتاريخ 31 يوليو 93 تحرر العقد الابتدائى للأرض بواقع 200 فدان لعامر وأحلام أحمد مصطفى 50 فدانًا والقاصرين أحمد ونورا 25 فدانا لكل منهما، بواقع 200 جنيه للمتر بالإضافة لمساحة 13 ألف متر بواقع 3 جنيهات للمتر.
وفى 24 سبتمبر 97 خاطب رئيس قطاع شئون مكتب نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة يوسف والى محمود أبو سديرة رئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية يفيده بأنه مرفق صورة من كتاب وزير شئون مجلس الوزراء رقم 7194 بتاريخ 9/20 يفيد بقيام بعض المستثمرين باستغلال الأراضى المخصصة فى أغراض غير زراعية.
فى 28 من الشهر نفسه تقدم عامر بطلب السماح له بتحويل 6 أفدنة إلى منشآت ومخازن ووحدات سكنية، فيما كان أنجز بالفعل بناء عدد من الفيلات، ثم طلب فى 13 يناير 98 الموافقة على تنفيذ إنشاءات سكنية وخدمية وناد اجتماعى، ليرد يوسف والى بتاشيرة موافقة فى حدود 2% من الأرض بسعر 2 جنيه للمتر، بشرط عدم الإتجار بها، وفى 10 أكتوبر 2000 حررت الإدارة المركزية لحماية الأراضى مذكرة للعرض على والى بشأن طلب شركة مصر للتنمية الزراعية إقامة مشروع جولف السليمانية، الذى تضمن ملاعب جولف وتنس وقصورًا، وفى 27 فبراير 2001 جرى تحرير عقد ابتدائى من هيئة التعمير إلى سليمان عامر.
فى 20 أغسطس 2001 باعت شركة ريجوا 750 فدانًا لشركة أميكو مصر، ليتقدم عامر بطلب فى 8 أبريل 2003 برغبته فى تنفيذ مشروع إسكان لشباب الخريجين وتوزيع مساحات صغيرة لكل شاب، ليرد الوزير بتأشيرة «طالما أن هذا المشروع من المشروعات المرتبطة بالاستصلاح والمساحة غير مقررة الرى مع التزام مقدم الطلب بتوفير كافة المرافق على نفقته فلا مانع».
فى 5 مايو 2003 قامت اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة بتقدير المتر المربع الواحد من المسطح الذى يتغير نشاطه من اجمالى الـ 750 فدانًا بواقع 27 جنيهًا للمتر. ثم قام على ورور رئيس شركة ريجوا بمخاطبة اللجنة بعدم الموافقة على بناء المساكن لمخالفتها شروط التعاقد، فضلا عن اعتداء الشركة على حزام الأمان للمياه الجوفية حتما.
التقرير أثبت أن الشركة لم تلتزم بالضوابط القانونية فى غرض الاستغلال وحولت الأرض إلى مشروع سياحى فندقى بعد تعديل اسم الشركة من شركة مصر للتنميه الزراعية «أميكو مصر» إلى شركة مصر للتنمية السياحية.
سليمان عامر تقدم بمذكرة إلى هيئة التعمير قال فيها نصا: «من الطبيعى أن الأرض حول المبانى تخدم الغرض السكنى من مداخل وطرق وخلافه ورغم علم رئيس الهيئة بأن المشروع تم اعتماده وتغيير الغرض من زراعى إلى عقارى وتم اعتماد المخطط العام واستصدار تراخيص تتضمن مكونات المشروع» طالبا إعادة التقييم.
تقرير الكسب غير المشروع على عامر والهيئة عدم الالتزام بضوابط التسجيل، حيث لايجوز شهر التعامل إلا بعد الاستصلاح والزراعة، وقال التقرير إن يوسف والى هو الذى حدد نسبة الـ 2% للبناء وهو الذى أشر بأن ما يتم من تغيير غرض التخصيص من الزراعة إلى إقامة منتجع سياحى هو لصالح الاقتصاد المصرى ووجه بعدم التعرض للوضع الحالى، وأمر بالسير فى إجراءات التسجيل بما يخالف القانون 143 لسنة 81، بل إنه عند تسجيل العقدين 257 و258 لسنة 2003 لصالح عامر لم يكن انتهى من سداد مستحقات الهيئة عن تسعيرة الأراضى البور.
وكانت مديرية الزراعة للأراضى الجديدة بالنوبارية قد أصدرت ترخيص مبان رقم 6641 لسنة 2001 لشركة أميكو مصر جولف السليمانية على مساحة 79 فدانًا برسم قدره 100 جنيه، وكشف التقرير أنه من المخالفات الصارخة إصدار الترخيص بعد إنشاء المبانى بالفعل فى صورة منتجع سياحى.
وحمل التقرير يوسف والى ومحمد عزب سويلم رئيس هيئة التعمير وقتها مسئولة الموافقة على إقامة مبان على 750 فدانًا التى اشتراها عامر من ريجوا، وقال إن تقدير مساحة المبانى بمعرفة اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة يعد مخالفة صارخة للقانون 143 والقانون 7 لسنة 91، لأن المساكن المنشأة لا ترتبط بعملية الاستصلاح الزراعى.
وفى مفاجأة جديدة، أصدر الوزير اللاحق سليمان أباظة فى 30 أغسطس 2010 تأشيرة على طلب سليمان عامر بتطبيق العلاوة التقديرية من لجنة فض المنازعات بتاريخ 28 يونيو 2006 بواقع 2000 جنيه للفدان بعد موافقة الوزير، بقوله «السيد المدير التنفيذى يتم محاسبة الشركة طبقا للمبانى المقامة فعلا والزائدة عن مساحة الخمسين فدانًا التى دفع قيمتها سلفا وذلك طبقا لتقدير لجنة تثمين أراضى الدولة»، فيما أكد تقرير الكسب غير المشروع ان هذه التأشيرة من أباظة تقنين لاستغلال أرض الدولة فى غرض مخالف لغرض التخصيص. وقال بكلمات حاسمة أنه «تحقق الشرط الفاسخ للتعاقد بين الهيئة وشركة أميكو ورد الأرض بما عليها للدولة».. وهو ما لم يحدث.
أما اعتداءات صهر مبارك محمود الجمال على أراضى الدولة، فيكشف تقرير خبراء الكسب غير المشروع من واقع القضية رقم 10 لسنة 2011 حصر استئناف الإسماعيلية بشأن مخالفات تخصيص 700 فدان بطريق الإسكندرية الصحراوى إلى شركة صن ست هيلز المملوكة لصهر مبارك محمود يحيى الجمال، أن الصفقة بدأت تحرير عقد إيجار فى 8 ديسمبر 94 بين مجموعة رمسيس المهندس للتنمية الزراعية ويمثلها زكريا يوسف دويك وكل من عبد السلام مصطفى الأنور ومحمود أحد عبد الغفار وعبد السلام محمود عبد الغفار وشركة وادى سن ست على مساحة 198 فدانًا من مساحة 2558 فدانًا عند الكيلو 54 شرق طريق الإسكندرية الصحراوى كانت تحت يد شركة رمسيس، وقدمت الشركة طلب تخصيص الأرض إلى رئيس الإدارة المركزية للملكية والتصرف بتاريخ 25 فبراير 93، والمحرر عنها إقرار إحلال بتاريخ 20 نوفمبر 95 مصدق عليه من مأمورية شهر عقارى الزيتون من شركة رمسيس بوصفها واضعة اليد على الأرض.
ثم جرى إبرام عقد بيع بين هيئة التعمير وشركة صن ست فى 28 أغسطس 96 على مساحة 502 فدان أخرى بغرض الاستصلاح الزراعى، وفى 16 يوليو 97 أصدر رئيس الإدارة المركزية للتصرف موافقة للمستشار القانونى للهيئة على تحرير عقد ابتدائى لمساحة 198 فدانًا المحرر عنها عقد إيجار عادى، بعد إثبات المعاينة زراعة الأرض بالكامل.
خبراء الكسب غير المشروع كشفوا أن شركة الجمال لم تحصل على أى موافقات من أى جهة قبل تحرير عقود البيع الابتدائية، كما اكتشفوا أنه لم تتم معاينة الأرض أصلا من أى جهة مختصة حتى عام 2007، حيث قامت اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة بإجراء معاينة فى 12 نوفمبر 2007، تبين خلالها أن المسطح البالغ 694 فدانًا غير مزروع بالكامل وأنه جار به عمليات تسوية وتنفيذ شبكة طرق داخلية وعلى جزء من المساحة بحيرة صناعية محاطة بمسطح أخضر عبارة عن نجيلة، وأن المسطح بالكامل غير مزروع، وأثبتت المعاينة عدم وجود زراعة جدية نهائيا، بل وأثبتت وجود 245 فيلا على مساحة 35 ألفًا و525 مترًا مربعًا إلى جانب عدة مبان إدارية.
وفى 25 نوفمبر صدر تقرير من اللجنة يوصى برفض التماس الشركة وعدم التصرف فى نسبة 2% مبانى إلا بعد زراعة المساحة بالكامل والتى أصبحت بالفعل فى قبضة الشركة بعد تسجيلها فى الشهر العقارى.!
وذكر التقرير أن محمود الجمال تقدم فى 19 نوفمبر 2009 بطلب مرفق به شيك بملغ 12 مليونًا و495 ألف جنيه ملتمسا الموافقة على قبوله باعتباره يمثل 25 % من إجمالى المبلغ المستحق عن مساحة 147 ألف متر مربع تمثل نسبة 5% من المساحة الإجمالية (700 فدان)، ليوافق أمين أباظة على احتساب المبلغ على الفدان وليس على مساحة 5 أو 2% وأن تكون غرامة المتر غير المستغل زراعيا جنيهًا واحدًا فقط فى العام، بما يخالف قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية، ولم يتم تسوية الشيك فى حينه.
وفى 20 ابريل 2010 ورد للهيئة الطلب المقدم من الشركة بشأن الموافقة على قبول الشيك المذكور وزيادة نسبة المبانى عن 5% وتأشر عليه من وزير الزراعة أمين أباظة، فيما لم يصدر قرار جمهورى بتغيير الغرض من بيع الأرض للشركة كما يفرض القانون.
وأثبت التقرير أن الشركة أنشأت مسطحات للزينة وملاعب جولف ومنتجع فيلات سكينة وبحيرات لا تمت للزراعة بصلة، ولم تقدم ما يفيد بيع أى محاصيل زراعية سوى ما أثبتته فى ميزانية 2009/2008 من بيع زيتون رغم أن المعاينة أثبتت عدم زراعة أى زيتون فى تلك الفترة..!
شركة الجمال لم تلتزم بالنظام الأمثل للمياه الجوفية فى المنطقة، واستهلكتها بمعدلات أكبر من المسموح، بشروط تراخيص الآبار وقانون الرى والصرف، وأنشأت بحيرة صناعية دون أى تراخيص أصلا، ما أدى - حسب تقرير الخبراء- إلى ارتفاع معدلات البخر وفقدان مخزون المياه الجوفية.
وقد قامت الشركة ببيع 302 فيلا بغير الشروط المحددة من الهيئة فى 2006، والتى بموجبها اشترت الأرض من شركة رمسيس قبل عشرة أعوام، وانتهى التقرير إلى أن الغرض الأساسى من المشروع كان واضحًا من البداية وهو إنشاء منتجع فيلات تحيط ببحيرة صناعية على مساحة 35 فدانا ومسطح اخضر على مساحة 105 فدادين، وليس الاستصلاح الزراعى، بذلك تكون الشركة خالفت شروط العقد ما يستلزم فسخ العقد فورا وليس إعادة تقدير ثمن الأرض بمعرفة اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة كما حدث على يد يوسف والى ومن بعده أمين أباظة.
وأن الشركة - وفقًا للتقرير - خالفت شرط عدم جواز التصرف فى أى مساحة من الأرض قبل مرور سبع سنوات من تاريخ التملك، فى حين ثبت بمزانيات الشركة مبالغ دائنة فى بند الدائنين فى ميزانية 2006 تخص المشترين للفيلات ما يعنى أنها بدأت فى بيع قطع الأراضى التى خصصتها بالفعل لبناء الفيلات - وليس الزراعة- منذ 2006، وقبل مرور المدة القانونية، وثبت أن مساحة الوحدات المباعة من شركة صن ست تعادل 17% من المساحة الكلية بخلاف البحيرة والمبانى الخدمية والطرق وملاعب الجولف، ما يكشف ان تخصيص الأرض للزراعة لم يكن إلا ستارا لتمرير صفقة تربح كبرى لصهر الرئيس مبارك، أهدر فيها ما لا يقل عن 2 مليار جنيه إذا ما قصرنا سعر المتر فى تلك المنتجعات الفاخرة على ألف جنيه فقط..!