الأحد 14 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

لها فى المعارك علامات

لها فى المعارك علامات
لها فى المعارك علامات


يقال إن الصحافة مهنة المرأة، دخلها الرجال بطريق الخطأ.. فالفضول والحاسة السادسة لدى المرأة من شروط الولاء الصحفى.
تعانى المرأة من التهميش المتعمد فى شغل الوظائف القيادية فى الإعلام، خاصة الصحافة والتى تشهد تراجعا ملحوظا فى تبوؤ المرأة المناصب القيادية والتى بلغت حسب إحصائيات الأمم المتحدة لشئون المرأة 27 % من إجمالى المناصب القيادية فى المجلات والجرائد العالمية.


المرأة الفرنسية كانت لها الريادة الأولى على يد «لويز فليسيتيه دى كيراليو»، والتى عملت فى البداية مترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية والعكس وكان أبوها يعمل كاتبا ومترجما، ثم قررت فى أغسطس عام 1789 إنشاء جريدة سياسية أطلقت عليها «الحكومة والأهالي» وبعد مرور عامين لم تربح الجريدة فقامت بتغييرها إلى جريدة سياسية ساخرة بعنوان «الزئبق الوطني»، وبسبب ميولها المعادية للملكية تم نفيها هى وزوجها إلى بلجيكا.
مر وقت طويل قبل أن تعود الريادة الصحفية إلى الغرب مرة أخري، فقد ذهبت إلى سوريا لفترة قصيرة لتعود فى أحضان الحضارة المصرية لتصبح مجلة روزاليوسف أيقونة الصحف السياسية وصاحبتها فاطمة اليوسف الشهيرة بروزاليوسف.
أول مالكة مجلة أمريكية كانت السمراء أليس اليسون دوننيجان فقد عملت بالصحافة لمدة طويلة حتى صارت أول امرأة تعمل مراسلة صحفية للرئاسة الأمريكية، ثم  أصبحت أول صاحبة مجلة عام 1948 وصارت المستشار الخاص للرئيس كينيدى وكتبت مذكراتها فى عالم الصحافة والسياسة فى كتاب مهم قبل وفاتها عام 1983 بعنوان «من المدرسة إلى البيت الأبيض فى عيون امرأة سوداء».
وتفخر الهند أن تكون أول مصورة صحفية فى العالم  هندية هوماى فايراوالا وهى ابنة مدير مسرح ولدت عام 1913 تعلمت التصوير فى سن مبكرة، وكان لديها حس التصوير الصحفى حيث استعانت بها الصحف الهندية والعالمية لتصوير وقائع وحوادث حتى صارت لها جريدة خاصة عام 1947، وكانت هوماى ترتدى دائما السارى الهندى أثناء عملها وصورت معظم كبار ومشاهير العالم، ماتت عام 2012 عن 98 عاما حافلا بالصور والوقائع.
ربما تكون تجربة روزاليوسف تجربة مميزة ومتفردة تجعلها تلمع كجوهرة نادرة، إلا أن المحاولات القليلة الجادة التى سبقتها جديرة بأن تذكر أيضا، تجارب متناثرة هنا وهناك بدأت فى الشام على يد مارى عجمى ومجلتها «العروس» 1910، التى كانت منبرا لتنوير المرأة والنضال ضد حكم الأتراك ومواجهة الاحتلال الفرنسى وكانت مقالاتها نارية ومتحدية لدرجة أن الأديب والشاعر أمين نخلة قال: «لا أعرف فى الأقلام النسوية قلما كالذى تحمله مارى عجمى فهو شديد شدة أقلام الرجال ووصل بها الأمر أنها تحدت الجنود الأتراك وكانت تزور المناضلين فى السجن فى دمشق ولم تتزوج حتى آخر يوم فى حياتها».
حمى النضال بالقلم انتقلت إلى مصر فقد دعت «ملكة سعد» فى مجلتها «الجنس اللطيف»، فى عددها الأول فى أكتوبر 1919 تنادى الفتيات بالتعليم والاشتراك فى الجمعيات السياسية وتحريضها على المشاركة فى الثورة على الاستعمار وكتبت مقالا ناريا تلوم فيه طلعت حرب أنه لم يدع النساء فى افتتاح مصانع النسيج فى المحلة حتى اضطر لإرسال خطاب اعتذار معللا أنه سهو غير مقصود!
فى نفس العام 1919 أصدرت لبيبة أحمد مجلة «النهضة النسائية» وكانت مجلة ذات مسحة دينية تنويرية.
كان عام 1925 عاما ثريا للغاية حيث أصدرت ملكة سعد «مجلة الأمل» ونسخة منها بالفرنسية l'espoir ليضطلع الأوروبيون فى مصر وخارجها على أحوال البلاد والمرأة فى نفس الوقت الذى أصدرت فيه هدى شعراوى جريدة l'egyptienne، وكانت همزة الوصل بين الحركات السياسية النسائية المصرية والعالمية ووصفتها جريدة لو فيجارو وقتها أنها حلقة الوصل بين الشرق والغرب.
ورغم كل تلك المجهودات السابقة المحمودة إلا أن تجربة «روزاليوسف» كانت مميزة ربما كونها أول امرأة تأتى من عالم الفن والتمثيل إلى عالم الصحافة والسياسة وتترأس مؤسسة صحفية تدافع من خلالها عن القضايا السياسية الشائكة بقوة ووضوح.
تجربة روزاليوسف الجديدة لاقت الترحيب والتقدير من قبل رجال الفن والسياسة والصحافة ليس فقط لأنها تجربة متميزة ورائدة ولكن لأن شخصية روزاليوسف كانت بالفعل مميزة ومتفردة بالفعل.. وبسبب قوة شخصيتها كانت حروبها السياسية شديدة الشراسة من الدفاع عن الدستور إلى تجربة دخول السجن والذى لم يقلل من حماسها وكلما أغلقوا لها جريدة افتتحت أخرى باسم جديد!
«روزاليوسف» سارة برنار الشرق علمت نفسها بنفسها فنون التمثيل ووقفت على خشبة المسرح وهى حامل فى ابنها «إحسان عبد القدوس».
ودخلت عالم الصحافة ولم تكن تمتلك سوى خمسة جنيهات، واستطاعت أن تجعل من هذه المجلة أقوى المجلات نفوذا فى الشرق، وأن ترسم بها مستقبل مصر وعلما يضم على مدى تاريخها كبار الكتاب والمفكرين.
لم تحمل روزاليوسف أية شهادة مدرسية ولا مؤهلاً علميًا لكنها ربت أجيالا من الكتاب السياسيين.
وحسب مذكرات السيدة فاطمة اليوسف نبتت فكرة مجلة روزاليوسف كما هو معروف «فى محل حلوانى اسمه كساب وكان يوجد فى المكان الذى تشغله سينما ديانا بصحبة أصدقاء هم: محمود عزمى والصحفى إبراهيم خليل الذى يعمل بجريدة البلاغ ويصاهر صاحبها المرحوم عبد القادر حمزة وفنانين آخرين وتطرق الحديث إلى الحاجة الشديدة إلى صحافة فنية محترمة ولمعت الفكرة فى خاطر السيدة روز ثم قالت: «لماذا لا أصدر مجلة فنية؟
أصيب الجميع بالاندهاش بسبب عدم صلتها بالصحافة وسألت السيدة روز عن تكلفة 3 آلاف نسخة من مجلة ملزمتين فأجاب إبراهيم خليل 12 جنيهًا، إذا بيعت النسخ كلها سيكون صافى الربح خمسة جنيهات. وكان المبلغ ليس كبيرا وطرحت السيدة روز السؤال الثانى عن اسم المجلة وفاجأتهم أنها تريد تسميتها «روزاليوسف» وانفض المجلس، وفى اليوم التالى قام إبراهيم خليل بملء استمارة رسمية بطلب رخصة ثم فى وزارة الداخلية لتقدم الطلب بنفسها وسط دهشة الموظفين وقررت الاستعانة بمحمد التابعى لرئاسة تحرير المجلة وصدر العدد الأول ليصيح الباعة فى أحد صباحات عام 1925 روزاليوسف.
البداية الرائعة المبشرة لم تمنع العقبات الكبرى التى صادفتها المجلة التى بنيت على أكتاف كل من آمن بها بدءا من السيدة القوية الصلبة روزاليوسف ومضايقات الداخلية ورفضها تحويلها إلى مجلة سياسية.. حتى قال رئيس الوزراء أحمد زيور كلمته «أعطوها الترخيص خلوها تاكل عيش».
وأصبحت مجلة روزاليوسف بفضل إصرار صاحبتها مجلة سياسية وحيدة لا يساندها حزب ولا يمولها حاكم ولا يديرها كاتب سياسى محنك حتى بدأ محمد التابعى الكتابة السياسية عام 1926.
لم تأخذ روزاليوسف من السياسة جانبها الهادئ ولم تقف أبدا على الحياد وتعرضت إلى المصادرة والتهديد والتى أصبحت المجلة الأولى فى ميدان السياسة.