الأربعاء 20 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

معرض فنى لأدوات الدعارة

معرض فنى لأدوات الدعارة
معرض فنى لأدوات الدعارة


«التألق والبؤس» عنوان مثير وغريب ابتكره المسئولون فى متحف أورسيه لمعرض فريد من نوعه عن تاريخ الدعارة فى عاصمة الحب، الذى سيستمر حتى 17 يناير 2016 ومحظور دخوله لغير البالغين تحت سن 18 عاما.. المعرض يقدم صورا من فنون الدعارة من القرن 19 وحتى القرن الـ20. أورسيه هو متحف فى باريس يقع على الضفة الغربية لنهر السين وكان سابقا محطة للسكك الحديدية.

صاحب الفكرة المثيرة هو مدير المتحف «جى كوجيفال» الذى أكد أنه آن الأوان أن نتسامح مع مضمون بعض اللوحات فى مقابلة تذوق النواحى الجمالية والإبداع العبقرى لكبار الرسامين بغض النظر عن الجدل الدائر حول علاقة الفن بالجنس بالدعارة.
يقدم المعرض أعمالا نادرة لرسامين مثل بابلو بيكاسو وفان جوخ وإدجار ديجا وغيرهم، بجانب صور وأفلام إباحية، فى محاولة لربط الثورة الفنية بموضوع الدعارة، كما يسلط الضوء على بداية السينما والأفلام الإباحية فى فرنسا وإبداع الفنانين فى إظهار مدى بؤس ومعاناة العاهرات كموضوع  يمس المجتمع.
المعرض يتضمن صورا نادرة التقطها مصورون مجهولون لبعض بيوت الدعارة، وأيضا المستشفيات الطبية، حيث يجرى الكشف الدورى عليهن جماعيا دون مراعاة للخصوصية.
ويبدأ العرض بصورة مسرحية لعرض فساتين وأدوات ومجموعة من الأسرة بدورين تتيح للأسياد الكبار والملوك ممارسة الجنس مع عاهرتين فى وقت واحد.
والحقيقة أن الدعارة كانت تشكل جزءا أساسيا فى الحياة اليومية فى باريس فى القرن الـ19 ومفتاحا من المفاتيح الأساسية فى الفن وإخفاء الكثير من اللوحات بدعوة إباحيتها كانت تشكل حلقة مفقودة من سلسلة الفن يصعب فهمه دونها.
أهمية هذا المعرض الفريد الذى أثار ضجة تماثل ما أثاره معرض أورسيه العام الماضى لرجال عرايا من كل أجناس الأرض هو تغيير الصورة النمطية للرسم فى فرنسا فى ذلك الوقت والتى لم تكن تخرج عن صور لمجموعة من أزهار عباد الشمس وأكوام التبن وراقصات الباليه، لكن حقيقة اللوحات الفرنسية فى أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 كانت غير ذلك فقد تعرضت باريس فى هذا الوقت إلى تحول اجتماعى كبير جعل «العاهرات وفتيات الليل» هو الموضوع الرئيسى  للفنانين، ومن أشهر الصور التى ظلت ممنوعة من العرض مدة طويلة للنساء العاملات فى مجال الدعارة والجنس «آنسات أفينيون الملتوية: لـ بيكاسو والثانية كليللا أوليمبيا» لـ مانيه، كما كان موضوع فتيات الليل مصدر إلهام لدرجة أن بودلير كتب فى جريدة تعريفا أن الفن هو الدعارة!
وربما نعتقد أن العاهرات مظلومات وضحايا ويتحدث عنهن الجميع باحتقار لكن فى باريس فى أواخر القرن الـ19 كانت العاهرات يحظين بمعاملة خاصة وخضعت بيوت المتعة للرقابة بشكل صارم فى عهد نابليون الثالث وحتى بدايات القرن العشرين، وكانت فتيات الليل يسجلن أنفسهن فى مراكز الشرطة ويدفعن الضرائب للحصول على ترخيص وإذا أرادت الزواج فعليها أن تذهب لحذف اسمها من قسم الشرطة ورغم حظر بيوت الدعارة فى فرنسا عام 1946 فإن بيع الجنس مباح حتى اليوم.
فى ذلك الوقت كانت العاهرات يجبرن على الخضوع للفحص كل شهر ويتم احتجاز من تخالف التعليمات، وكان بعضهن ينتحرن خوفا من الإهانة والإذلال داخل أقسام البوليس، وفى واحدة من أكثر اللوحات تأثيرا يبدو فى عيون العاهرات الانكسار والتعب وهن عاريات من أسفل فى انتظار دورهن فى الكشف الطبى.
ويلقى المعرض الضوء على نوع آخر من العاهرات وهن المحظيات أو فتيات المتعة للطبقات الراقية مثل لا بافيا الروسية المولد والتى تعودت التقاط زبائنها من صفوة المجتمع من الشانزليزيه وكانت تستضاف فى قصور وعندما ماتت وضع زوجها الأخير جسدها فى الفورمالين لحفظه.
ومن أشهر المحظيات الملقبة بالرئيسة واسمها ساباتتيه وكانت تستقبل فى منزلها علية القوم وكبار الكتاب والمفكرين فى عصرها مثل بودلير وفلوبير وقام أحد المثالين بنحت تمثال لها وهى عارية وثعبان يغرز أنيابه فى ذراعها.
الفنانون أيضا استخدموا بعض المحظيات كموديل للرسم والنحت فتمثال فينوس ما هو إلا المحظية الأعلى سعرا والأكثر شهرة فى فينيسيا «إنجيللا ديل مورو».
ومن أشهر اللوحات المعروضة فى متحف أورسيه لـ مانيه لامرأة تتدلى إحدى قدميها من السرير وحولها وشاح ونظرتها جامدة.
فى كتاب «المثقفون والجنس والثورة» للمؤلفة «لور كاتسارو» تشير إلى ظاهرة المثقف والعاهرة التى كانت تشكل ثنائيا منتشرا لدرجة مقلقة للمجتمع البورجوازى فى القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.
معرض أورسيه يفتح جراح التاريخ فى باريس ويثير جدلا وشجونا ويعيد التفكير فى كثير من الثوابت عن الفن فى عاصمة الفن والجمال، ورغم الاتهامات التى طالت مدير المتحف بالإباحية كونه شاذا ومتزوجا من شاب برازيلى فإن الإقبال الكبير على المتحف ومتابعته جعله يصرح أنه يشعر بالفخر بتحريكه المياه الراكدة مهما كان ما سيناله من لدغات ومشاكل.